باب الميم - محمد بن احمد بن شنبود

محمد بن احمد بن شنبود

بن أيوب بن الصلت بن شنبود أبو الحسن المقرئ، مات فيما ذكره الخطيب في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، قال الخطيب قد تخير لنفسه حروفاً من شواذ القراءات فقرأ بها، فصنف أبو بكر الأنباري وغبره كتباً في الرد عليه.

قرأت بخط أبي علي بن إسحاق الصابئ، قال القاضي أبو سعيد السيرافي - رحمه الله -: كان ابن شنبوذ واسمه محمد ابن أحمد بن أيوب كثير اللحن قليل العلم، وكان ديِّناً وفيه سلامة وحمق، ثم ذكر توبته كما ذكرنا بعد.

حدث إسماعيل بن علي الخطيبي في كتاب التاريخ قال: واشتهر ببغداد أمر رجل بعرف بابن شنبوذ يقرئ الناس ويقرأ في المحراب بحروف يخالف فيها المصحف فيما يروي عن عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب وغيرهما مما كان يقرأ به قبل المصحف الذي جمعه عثمان، ويتتبع الشواذ فيقرأ بها ويجادل حتى عظم أمره وفحش وأنكره الناس، فوجه السلطان وقبض عليه في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وحمل إلى دار الوزير محمد بن مقلة وأحضر القضاة والفقهاء والقراء وناظرة الوزير بحضرته، فأقام على ما ذكر عنه ونصره، واستنزله الوزير عن ذلك فأبى أن ينزل عنه أو يرجع عما يقرأ به من هذه الشواذ المنكرة التي تزيد على المصحف العثماني، فأنكر ذلك جميع من حضر المجلس وأشاروا بعقوبته ومعاملته بما يضطره إلى الرجوع، فأمر بتجريده وإقامته بين الخبازين، وأمر بضربه بالدرة على قفاه فضرب نحو العشرة ضرباً شديداً فلم يصبر واستغاث وأذعن بالرجوع والتوبة فخلى عنه وأعيدت عليه ثيابه واستتيب، وكتب عليه كتاب توبته وأخذ فيه خطه بالتوبة فتقول أصحابه أنه دعا على ابن مقلة بقطع اليد فاستجيب له. قال المؤلف: وهذا من عجيب الاتفاق إن صح، وذكره محمد بن إسحاق النديم فقال: كان ابن شنبوذ يناوئ أبا بكر بن مجاهد ولا يعشره، وكان ديناً فيه سلامة وحمق. وقال لي الشيخ أبو محمد يوسف بن السيرافي: إنه كان كثير اللحن قليل العلم، وقد روى قراءات كثيرة، وله كتب مصنفة في ذلك، وكان مما خالف فيه قراءة الجمهور. قال القاضي أبو يوسف: وسئل عنه بحضرة الوزير أبي علي ابن مقلة فاعترف به ولم ينكره: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله). وقرأ: (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً). وقرأ كصوف المنفوش. وقرأ: (تبت يداً أبي لهب وتب ما أغنى). وقرأ: (فاليوم ننجيك بيديك لتكون لمن خلفك آية). وقرأ: (وتجعلون شكركم أنكم تكذبون). وقرأ: (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى). وقرأ: (وقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاماً). وقرأ: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض). إلى غير ذلك. وله من التصانيف: كتاب ما خالف فيه ابن كثير أبا عمرو، كتاب قراءة علي عليه الصلاة والسلام. كتاب اختلاف القراء، كتاب القراءات، كتاب انفراداته.

وقرأت في كتاب ألفه القاضي أبو يوسف عبد السلام القزويني سماه أفواج القراء قال: كان ابن شنبوذ أحد القراء والمتنسكين، وكان يرجع إلى ورع ولكنه كان يميل إلى الشواذ ويقرأ بها، وربما أعلن ببعضها في بعض صلواته التي يجهر فيها بالقراءة، وسمع ذلك منه وأنكر عليه فلم ينته للإنكار فقام أبو بكر بن مجاهد فيه حق القيام، وأشهر أمره ورفع حديثه إلى الوزير في ذلك الوقت، وهو أبو علي بن مقلة فأخذ وضرب أسواطاً زادت على العشرة ولم تبلغ العشرين، وحبس واستتيب فتاب وقال: إني قد رجعت عما منت أقرأ به ولا أخالف مصحف عثمان، ولا أقرأ إلا بما فيه من القراءة المشهورة، وكتب عليه بذلك الوزير أبو علي محضراً بما سمع من لفظة، وأمره أن يكتب في آخره بخطه. وكان المحضر بخط أبي الحسين أحمد بن محمد ميمون، وكان أبو بكر بن مجاهد تجرد في كشفه ومناظرته، فانتهى أمره إلى أن خاف على نفسه من القتل، وقام أبو أيوب السمسار في إصلاح أمره وسأل الوزير أبا علي أن يطلقه وأن ينفذه إلى داره مع أعوانه بالليل خيفة عليه لئلا يقتله العامة ففعل ذلك، ووجه إلى المدائن سراً مدة شهرين، ثم دخل بيته ببغداد مستخفياً من العامة. ونسخة المحضر المعمول على ابن شنبوذ بخط ابن ميمون: يقول محمد ابن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ: قد كنت أقرأ حروفاً تخالف ما في مصحف عثمان بن عفان - رضي الله عنه - المجمع عليه والذي اتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم على تلاوته، ثم بان لي أن ذلك خطأ فأنا منه تائب وعنه مقلع وإلى الله عز وجل برئ، إذ كان مصحف عثمان هو الحق الذي لا يجوز خلافة، ولا يقرأ بغير ما فيه. نسخة خط ابن شنبوذ في هذا المحضر: يقول محمد بن أحمد بن أيوب ابن شنبوذ: ما في الرقعة صحيح، وهو قولي واعتقادي، وأشهد الله عز جل وسائر من حضر على نفسي بذلك وكنت بخطه، فمتى خالفت ذلك أو بان مني غيره فأمير المؤمنين - أطال الله بقاءه - في حل وسعة من دمي، وذلك في يوم الأحد لسبع خلون من ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة في مجلس الوزير أبي علي محمد بن علي - أدام الله توفيقه - وحسبي الله وحده، وصلاته على سيدنا محمد وآله.

خط ابن مجاهد: اعترف ابن شنبوذ بما في هذه الرقعة وكتب ابن مجاهد بيده وذكر التاريخ.

خط ابن أبي موسى: اعترف المعروف بابن شنبوذ بما في هذه الرقعة بحضوري طوعاً. وكتب محمد بن أبي موسى الهاشمي وذكر التاريخ. شهادة أخرى: شهد محمد بن أحمد بن محمد على إقرار محمد بن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ بجميع ما في هذا الكتاب وذكر التاريخ. وقال ابن شنبوذ في المجلس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجماعة من أصحابه خالفوا بعض ما في هذا المصحف الذي في أيدينا وكان اعترافه به طوعاً. شهد بذلك محمد بن أبي موسى وكتب بيده. وشهد أحمد بن موسى بن مجاهد وكتب بيده. قال القاضي أبو يوسف: كنت قد سمعت من مشايخنا بالري ثم ببغداد أن سبب الإنكار على ابن شنبوذ أنه قرأ أو قرئ عليه في آخر سورة المائدة عند حكاية قول عيسى: (وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم من العزيز الحكيم).