باب الميم - محمد بن أحمد بن عبيد الله الكاتب

محمد بن أحمد بن عبيد الله الكاتب

المعروف بالمفجع صاحب ثعلب. كذا وجدت نسبه بخط الطبري المعروف بمضراب اللبن من أهل البصرة، ويكنى أبا عبد الله ذكره ابن النديم فقال: إنه لقي ثعلباً وأخذ عنه وعن غيره وكان شاعراً شيعياً، وله قصيدة يسميها بالأشباه يمدح فيها علياً عليه السلام، وبينه وبين ابن دريد مهاجاة. وذكره أبو المنصور الثعالبي في كتاب اليتيمة فقال: المفجع البصري صاحب ابن دريد والقائم مقامه في التأليف والإملاء. حدث ابن نصر قال: حدثني بعض المشايخ البصريين قال: كان المفجع وشمال يتهاجيان وكان شمال سنياً والمفجع شيعياً، فقال فيه المفجع:

دار شمال في بني أصمع

 

 

فقال شمال كذا هو، فقال المفجع:

أنظر إليها فهي في بلقع

قال شمال: أي شيء ذنبي إذا خربت المحلة؟ قال:

هو خبيث النفس مستهتر

 

بكل أير قائم أصـلـع

فقال شمال: هو شيعي، وكان يجب أن ينزه ذكر القائم والأصلع عن لفظ الهجاء. قال:

وذا قبيح أن يرى شاعـر

 

يناك في السرم على أربع

قال شمال: وغير الشاعر أيضاً قبيح أن يرى كذا. ثم عمل فيه شمال يعرض به:

رجل نـازل بـدرب سـطـيح

 

أي شخص بالليل يركب سطحه؟

أخذ الله لابـن عـفـان مـنـه

 

ولشيخه والـزبـير وطـلـحة

فلما سمعت ربيعة بذلك قصدت دار المفجع فهرب منها. ومن شعر المفجع:

لي أير أراحني الـلـه مـنـه

 

صار حزني به عريضاً طويلاً

نام إذ زارني الحبيب عـنـاداً

 

ولعهدي به ينـيك الـرسـولا

حسبت زورة على لـحـينـي

 

وافترقنا وما شفيت غـلـيلا

ووجدت له أيضاُ فيما رواه الحميدي:

لنا صديق مليح الوجه مقتـبـل

 

وليس في وده نفع ولا بركـه

شبهته بنهار الصيف يوسعـنـا

 

طولاً ويمنع منا النوم و الحركه

وقد هجاه بعض الشعراء فقال:

إن المـفـجـع ويلـه

 

شر الأوائل والأواخـر

ومـن الـنـوادر أنـه

 

يملي على الناس النوادر

كأنه من قول أبي تمام:

ومالك بالغريب يد ولـكـن

 

تعاطيك الغريب من الغريب

قال المرزباني: لقب بالمفجع لبيت قال، وهو شاعر مكثر عالم أديب، مات قبل الثلاثين والثلاثمائة. قال: وهو القائل في أبي الحسن محمد بن عبد الوهاب الزينبي الهاشمي يمدحه:

للزينبي علـى جـلالة قـدره

 

خلق كطعم الماء غير مزنـد

وشهامة تقصي الليوث إذا سطا

 

وندى يغرق كل بحر مزبـد

يحتل بيتاً فـي ذؤابة هـاشـم

 

طالت دعائمه محل الفـرقـد

حر يروح المستميح ويغتـدي

 

بمواهب منه تروح وتغتـدي

فإذا تحيف مالـه إعـطـاؤه

 

في يومه نهك البقية في غـد

بضياء سنته المكارم تهـتـدي

 

وبجود راحته السحائب تقتدي

مقدار ما بيني وما بين الغنـى

 

مقدار ما بيني وبين المـربـد

وقال الثعالبي: وأما شعره فقليل كثير الحلاوة يكاد يقطر منه ماء الظرف وفيه يقول اللحام:

إن المفجع فالعنوه مؤنـث

 

نغل يدين ببغض أهل البيت

يهوى العلوق وإنما يهواهم

 

بمؤخر حي وقلـب مـيت

ومن شعره ويروي لابن لنكك:

لنا سـراج نـوره ظـلـمة

 

ليس له ظل علـى الأرض

كأنه شخـص الإمـام الـذي

 

يبغي الهدى منه أولو الرفض

وللمفجع تصانيف منها: كتاب الترجمان في الشعر ومعانيه يشتمل على ثلاثة عشر حداً وهي: حد الإعراب، حد المديح، حد البخل، حد الحلم والرأي، حد الغزل، حد المال حد الإغتراب، حد المطايا، حد الخطوب، حد النبات، حد الحيوان حد الهجاء، حد اللغز وهو آخر الكتاب. وله أيضاً: كتاب المنقد في الإيمان يشبه كتاب الملاحن لابن دريد إلا أنه أكبر منه وأجود وأتقن. كتاب أشعار الجواري لم يتم، كتاب عرائس المجالس، كتاب غريب شعر زيد الخيل الطائي، كتاب قصيدته في أهل البيت ذكره أبو جعفر في مصنفي الإمامية. ومما أنشده الثعالبي له في غلام يكنى أبا سعد:

زفرات تعتادني عـنـد ذكـرا

 

ك وذكراك ما تـريم فـؤادي

وسروري قد غاب عني مذ غب

 

ت فهل كنتما على مـيعـاد؟

حاربتني الأيام فـيك أبـا سـع

 

د بسيف الهوى وسهم العـبـاد

ليس لي مفزع سوى عبـرات

 

من جفون مكحولة بالسـهـاد

في سهادي لطول أنسي بذكـرا

 

ك اعتياض من الكرى والرقاد

وبحسبي من المصـائب أنـي

 

في بلاد وأنـتـم فـي بـلاد

وله:

ألا ياجامع الـبـص

 

رة لا خربك الـلـه

وسقي صحنك الغـي

 

ث من المزن فرواه

فكم من عاشق فـيك

 

يرى ما يتـمـنـاه

وكم ظبي من الإنـس

 

مليح فيك مـرعـاه

نصبنا الفخ بالعـلـم

 

له فيك فـصـدنـاه

بقـرآن قـرأنــاه

 

وتفـسـير روينـاه

وكم من طالب للشـع

 

ر بالشعر طلبـنـاه

فمـا زالـت يد الأيا

 

م حتى لان متـنـاه

وحتى ثبت الـسـرج

 

علـيه وركـبـنـاه

ألا يا طالـب الأمـر

 

د كذب ما ذكـرنـاه

فلا يغررك ما قلنـاه

 

فما بالجد قـلـنـاه

وإن كان من البغض

 

يزني حين تـلـقـاه

فرد الدرهم الضرب

 

إلـيه تـتـلـقــاه

فبالدرهم يسـتـنـز

 

ل ما في الجو مأواه

وبالدرهم يسـتـخـر

 

ج ما في القفر مثواه

قال أبو محمد عبد الله بن أبي القاسم عبد المجيد بن بشران بن إبراهيم بن العباس بن محمد بن العباس بن محمد ابن جعفر في تاريخه قال: وفيها يعني في سنة سبع وعشرين وثلاثمائة توفي أبو عبد الله محمد بن عبد الله المفجع الكاتب الشاعر، وكان شاعر البصرة وأديبها، وكان يجلس في الجامع بالبصرة فيكتب عنه ويقرأ عليه الشعر واللغة والمصنفات، وامتنع من الجلوس مدة لسبب لحقه من بعض من حضره فخوطب في ذلك فقال: لو استطعت أن أنسيهم أسماءهم لفعلت. وشعره مشهور، فمنه دامت الأمطار وقطعت عن الحركة:

يا خالق الخلق أجمعينـا

 

وواهب المال والبنينـا

ورافع السبع فوق سبـع

 

لم يستعن فيهما معينـا

ومن إذا قال كن لشـيء

 

لم تقع النون أو يكونـا

لا تسقنا العم صوب غيث

 

أكثر من ذا فقد روينـا

وله يخاطب أبا عبد الله البريدي وقد أعاد عليه ذكر سبب:

قل لمن كان قد عفا

 

عن ذنوب المفجـع

لا تعد ذكر ما مضى

 

من عفا لم يقـرع

وله وقد سأل بعض أصدقائه أيضاً رقعة وشعراً له يهنئه في مهرجان إلى بعضهم فقصر حتى مضى المهرجان:

إن الكتاب وإن تضـمـن طـيه

 

كنه البلاغة كالفصح الأخـرس

فإذا أعانـتـه عـنـاية حـامـل

 

فجوابه يأتي بنجـح مـنـفـس

وإذا الرسول ونى وقصر عامـداً

 

كان الكتاب صحيفة المتلـمـس

قد فات يوم المهرجان فـذكـره

 

في الشعر أبرد من سخاء المفلس

فسئل عن سخاء المفلس فقال: يعد في إفلاسه بما لا يفي به عند إمكانه. قال: دخل المفجع يوماً إلى القاضي أبي القاسم علي بن محمد التنوخي فوجده يقرأ معاني الشعر على العبيسي فأنشد:

قد قدم العجب على الـرويس

 

وشارف الوهد أبا قـبـيس

وطاول البقل فروع المـيس

 

وهبت العنز لقرع الـتـيس

وادعت الروم أباً فـي قـيس

 

واختلط الناس اختلاط الحيس

إذ قرأ القاضي حليف الكيس

 

معاني الشعر على العبيسي

وألقى ذلك إلى التنوخي وانصرف. وكان أبو عبد الله الأكفاني راويته وكتب لي بخطه من مليح شعره شيئاً كثيراً قال: ومدح أبا القاسم التنوخي فرأى منه جفاء فكتب إليه:

لو أعرض الناس كلهم وأبوا

 

لم ينقصوا رزقي الذي قسما

كان وداد فزال وانصـرمـا

 

وكان عهد فبان وانهـدمـا

وقد صحبنا في عصرنا أمماً

 

وقد فقدنا من قبلهم أمـمـا

فما هلكنا هزلاً ولا ساخـت ال

 

أرض ولم تقطر السماء دمـا

في الله من كل هالك خـلـف

 

لا يرهب الدهر من به اعتصما

حر ظننا بـه جـمـيل فـمـا

 

حقق ظنا ولا رعى الذمـمـا

فكان ماذا ما كل مـعـتـمـد

 

عليه يرعى الوفاء والكـرمـا

غلطت والناس يغلطون وهـل

 

تعرف خلقاً من غلطه سلمـا؟

من ذا إذا أعطى السداد فـلـم

 

يعرف بذنب ولم يزل قـدمـا

شلت يدي لم جلست عن تـفـه

 

أكتب شجوى وأمتطي القلمـا؟

يا ليتني قبلها خـرسـت فـلـم

 

أعمل لساناً ولا فتحـت فـمـا

يا زلة ما أقلـت عـثـرتـهـا

 

أبقيت على القلب والحشا ألمـا

من راعه بالهوان صـاحـبـه

 

فعاد فيه فنفـسـه ظـلـمـا

وله:

أظهرت للرئم بعض وجدي

 

وإنما الوجد ما ستـرتـه

وقلت حبيك قـد بـرانـي

 

فقال دعه بـذا أمـرتـه

وله قصيدته ذا الأشباه، وسميت بذات الأشباه لقصده فيما ذكره من الخبر الذي رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في محفل من أصحابه: (إن تنظروا إلى آدم في علمه، ونوح في همه، وإبراهيم في خلقه، وموسى في مناجاته، وعيسى في سنه، ومحمد في هديه وحلمه، فانظر إلى هذا المقبل). فتطاول الناس فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام، فأورد المفجع ذلك في قصيدته وفيها مناقب كثيرة وأولها:

أيها اللائمي لـحـبـي عـلـيا

 

قم ذميماً إلى الجـحـيم خـزيا

أبخير الأنام عـرضـت لا زل

 

ت مذوداً عن الهـدى مـزويا

أشبه الأنـبـياء كـهـلاً وزولاً

 

وفطيمـاً وراضـعـاً وغـذيا

كان في علمـه كـآدم إذ عـل

 

م شرح الأسماء والمـكـنـيا

وكنوح نجى من الهلك مـن س

 

ير في الفلك إذ علا الـجـوديا

وجفا فـي رضـا الإلـه أبـاه

 

واجـتـواه وعـده أجـنـبـيا

كاعتزال الخلـيل آزر فـي ال

 

له وهجـرانـه أبـاه مـلـيا

ودعا قـومـه فـآمـن لـوط

 

أقرب الناس منه رحمـاً وريا

وعـلـي لـم دعـاه أخــوه

 

سبق الحاضـرين والـبـدويا

وله من أبـيه ذي الأيد إسـمـا

 

عيل شبه ما كان عني خـفـيا

إنه عاون الخليل على الـكـع

 

بة إذ شاد ركنها الـمـبـنـيا

ولقد عاون الوصي حـبـيب ال

 

له إذ يغسلان منها الـصـفـيا

رام حمل النبي كي يقطع الأص

 

نام من سطحها المثول الحبـيا

فحناه ثقل الـنـبـوة حـتـى

 

كاد ينـآد تـحـتـه مـثـنـيا

فارتقى منكب النبـي عـلـى

 

صنوه ما أجل ذا المـرتـقـيا

فأماط الأوثان عن ظاهر الكـع

 

بة ينفي الرجاس عنها نـفـيا

ولو أن الوصي حاول مـس ال

 

نجم بالكف لم تجـده قـصـيا

أفهل تعرفـون غـير عـلـي

 

وابنه استرحل النبـي مـطـيا

وشعر أبي عبد الله المفجع كثير حسن. وكان يوماً بالأهواز جالساً مع جماعة فاجتاز به غلام لموسى بن الطيب نديم أبي عبد الله البريدي يقال له طريف وهو أمرد مليح فسأل المفجع عنه فقيل: هذا غلام نديم البريدي فقال:

اجتاز بي اليوم في الطريق فتى

 

يختال في مورق من الـبـان

فقلت من ذا؟ فقال لي خـبـر

 

بالأمر هذا غلام صـفـعـان

ولأبي عبد الله في جماعة من كبار أهل الأهواز مدائح كثيرة وأهاج، وله قصيدة في أبي عبد الله بن درستوريه يرثيه فيها وهو حي يقول فيها ويلقبه بدهن الآجر:

مات دهن الآجر فاخضرت الأر

 

ض وكادت جبالهـا لا تـزول

ويصف أشياء كثيرة فيها. قال: وكان المفجع يكثر عند والدي ويطيل المقام عنده، وكنت أراه عنده وأنا صبي بالأهواز، وله إليه مراسلات وله فيه مدح كثيرة كنت جمعتها فضاعت أيام دخول ابن أبي ليلى الأهواز ونهب رزناماتها، وكان منها قصيدة بخطه عندي يقول فيها:

لو قيل للجود من مولاك قال نعم؟

 

عبد المجيد المغيرة بن بشـران

وأذكر له من قصيدة أخرى:

يا من أطال يدي إذ هاضني زمنـي

 

وصرت في المصر مجفوا ومطرحا

أنقذتني من أنـاس عـنـد دينـهـم

 

قتل الأديب إذا ما علمه اتـضـحـا

قال: وكانت وفاته قبل وفاة والدي بأيام يسيرة، ومات والدي في يوم السبت لعشرة خلون من شعبان سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وفيها مات الخروري الشاعر. ومن ملحه المشهورة قوله لإنسان أهدى إليه طبقاً فيه قصب السكر والأترنج والنارنج وأراه أبا سعد غلامه:

إن شيطانك في الظر

 

ف لشيطان مـريد

فلهـذا أنـت فـيه

 

تبتدي ثـم تـعـيد

قد أتتنا تحـفة مـن

 

ك على الحسن تزيد

طبـق فـيه قـدود

 

ونـهـود وخـدود

وأنشد الثعالبي له في غلام مغن جدر فازداد حسناً وجمالاً:

يا قمراً جدر حتى استوى

 

فزاده حسناً وزادت هموم

كأنه غني لشمس الضحى

 

فنقتطته طرباً بالنـجـوم

وأنشد له أيضاً:

فسا على قوم فقالوا له

 

إن لم تقم من بيننا قمنا

فقال لا عدت فقالوا له

 

من نتن فيه ذا كما كنا

وأنشد له أيضاً:

أداروها ولليل اعـتـكـار

 

فخلت الليل فاجأه النـهـار

فقلت لصاحبي واللـيل داج

 

ألاح الصبح أم بدت العقار؟

فقال هي العقار تداولوهـا

 

مشعشعة يطير لها شـرار

فلولا أنني أمتاح مـنـهـا

 

حلفت بأنها في الكأس نـار