باب الميم - محمد بن أحمد بن عبد الباقي

محمد بن أحمد بن عبد الباقي

بن منصور ابن إبراهيم الدقاق، أبو بكر المعروف بابن الخاضبة الحافظ العالم، مات فيما نقلت من المذيل بخط أبي سعد السمعاني في شهر ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربعمائة ودفن بمقبرة الأجمة المتصلة بباب أبرز. قال أبو سعد: وكان حافظاً فهماً درس القرآن وتفقه زماناً وقرأ الحديث فأكثر، وكان مفيد والمشار إليه في القراءة الصحيحة والنقل المستقيم، وكان مع ذلك صالحاً ورعاً ديناً خيراً سمع بمكة والشام والعراق، وأكثر ببغداد عن أبي بكر أحمد ابن علي الخطيب، وأصحاب أبي طاهر المخلص، وأبي حفص الكتاني، وعيسى بن على الوزير وطبقتهم. وأدركته المنية قبل وقت الرواية، سمع منه جماعة من مشايخنا وسمعوا بقراءته وإفادته الكثير، ورأيتهم مجمعين على الثناء عليه والمدح له:

والناس أكيس من أن يمدحوا رجلاً

 

حتى يروا عنده آثـار إحـسـان

قال السمعاني: سمعت أبا العلاء أحمد بن محمد بن الفضل الحافظ: ذكر أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي، سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن عبد الباقي الدقاق المعروف بابن الخاضبة يقول: لما كانت سنة الغرق وقعت داري على قماشي وكتبي وكان لي عائلة: والوالدة والزوجة والبنت، فكنت أورق الناس وأنفق على الأهل، فأعرف أنني كتبت صحيح مسلم في تلك السنة سبع مرات، فلما كان ليلة من الليالي رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، ومناد ينادي: ابن الخاضبة، فأحضرت فقيل لي: ادخل الجنة، فلما دخلت الباب وصرت من داخل استلقيت على قفاي ووضعت إحدى رجلي على الأخرى وقلت: آه استرحت والله من النسخ.

قال السمعاني: وسمعت أبا المناقب محمد بن حمزة بن إسماعيل العلوي بهمذان مذاكرة يقول: ذكر أبو بكر بن الخاضبة رحمه الله أنه كان ليلة من الليالي قاعداً ينسخ شيئاً من الحديث بعد أن مضى قطعة من الليل قال: وكنت ضيق اليد فخرجت فأرة كبيرة وجعلت تعدو في البيت وإذا بعد ساعة قد خرجت أخرى وجعلا يلعبان بين يدي ويتقافزان إلى أن دنوا من ضوء السراج، وتقدمت إحداهما إلي وكانت بين يدي طاسة فأكببتها عليها، فجرى صاحبه فدخل سربه، وإذا بعد ساعة قد خرج وفي فيه دينار صحيح وتركه بين يدي فنظرت إليه وسكت واشتغلت بالنسخ ومكث ساعة ينظر إلي فرجع وجاء بدينار آخر، ومكث ساعة أخرى وأنا ساكت أنظر وأنسخ فكان يمضي ويجئ إلى أن جاء بأربعة دنانير أو خمسة - الشك مني - وقعد زماناً طويلاً أطول من كل نوبة، ورجع ودخل سربه وخرج وإذا في فيه جليدة كانت فيها الدنانير وتركها فوق الدنانير، فعرفت أنه ما بقي معه شيء، فرفعت الطاسة فقفزا فدخلا البيت وأخذت الدنانير وأنفقتها في مهم لي، وكان في كل دينار دينار وربع.

قال السمعاني: حكى أبو المناقب العلوي هذا أو معناه، فأني كتبت من حفظي والعهدة عليه فيما حكى وروى. فإني ذاكرت بهذه الحكاية بعض أهل العلم بدمشق فنسبها إلى غير ابن الخاضبة والله أعلم.

قال: وسمعت أبا الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي السلامي يقول: سمعت أبا بكر بن الخاضبة يحكي هذه الحكاية عن مؤدبة أبي طالب المعروف بابن الدلو، كان يسكن بنهر طابق وكان رجلاً صالحاً. وحكى عنه حكايات أخر أيضاً في إجابة الدعاء، ولم يحكها ابن الخاضبة عن نفسه، فذهبت على أبي المناقب ولم يكن ضابطاً، كان متسائلاً في الرواية.

قال مؤلف هذا الكتاب: وهذه حكاية على ما يرى من الاستحالة، وقد أوردتها أنا لثقة موردها وتحريه في الرواية، فإن صحت فقد فزت بخط من العجب، وإلا فاجعلها كالسمر تستمتع به.

قال السمعاني: وأنشدني أبو صالح عبد الصمد بن عبد الرحمن الحنوي، أنشدنا محمد بن أحمد بن عبد الباقي الدقاق، أنشدنا أبو علي إسماعيل بن قلية ببيت المقدس:

كتبت إليك إلى الـكـتـاب

 

وأودعته منك حسن الخطاب

لتقـرأه أنـت لا بـل أنـا

 

وينفذ مني إلى الـجـواب

قال مؤلف الكتاب: إنما ذكرت ابن الخاضبة في كتابي هذا وإن لم يكن ممن اشتهر بالأدب لأشياء منها: أنه كان قارئاً ورافاً، وله حكايات ممتعة، ولم يكن بالعاري من الأدب بالكلية.