باب الميم - محمد بن إسحاق أبو العنبس الصيمري

محمد بن إسحاق أبو العنبس الصيمري

قال الخطيب في تاريخه: محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أبي العنبس بن المغيرة بن ماهان أبو العنبس الصيمري الشاعر أحد الأدباء الملحاء، خبيث اللسان هجاء، هجاه أكثر شعراء زمانه وقدم بغداد، مات سنة خمس وسبعين ومائتين، وحمل إلى الكوفة فدفن بها ونادم المتوكل، وهو القائل يهجو أحمد بن المدبر:

أسـل الـذي عـطــف الـــمـــوا

 

كب والـمـراكـب نـحـو بــابـــك

وأراك نـفـســك مـــالـــكـــاً

 

ما لـم يمـن لـك فـي حـســابـــك

وأذل مـوقـــفـــي الـــعـــزي

 

ز عـلـى وقـوف فـي رحــابـــك

ألا يطيل تجرعي غصص المنية من حجابك

 

 

وهو القائل:

كم مريض قد عاش من بعد يأس

 

بعد موت الطبـيب والـعـواد

قد يصاد القطا فينجو سـلـيمـاً

 

ويحل القـضـاء بـالـصـياد

وذكره محمد بن إسحاق النديم في الفهرست فقال: محمد بن إسحاق أبو العنبس الصيمري من أهل الفكاهات وأصله من الكوفة وكان قاضي الصيمرة، وكان مع استعماله للهزل شريفاً عارفاً بالنجوم، وله فيه كتاب يمدحه المنجمون، وأدخله المتوكل في ندمائه وخص به، وله مع البحتري خبر معروف بين يدي المتوكل، وعاش إلى أيام المعتمد ودخل في ندمائه، وله يهجو طباخ المعتمد:

يا طيب أيامي بمعشـوق

 

ونحن في بعد من السوق

إذا طلبت الخبر من فارس

 

ينفخ لي صالح الـبـوق

وله من الكتب: كتاب تأخير المعرفة، كتاب العاشق والمعشوق، كتاب الرد على المنجمين، كتاب الطبلبنب، كتاب كرزابلا، كتاب طوال اللحى، كتاب الرد على المتطببين، كتاب عنقاء مغرب، كتاب الراحة ومنافع القيادة، كتاب فضائل حلق الرأس، كتاب هندسة العقل، كتاب الأحاديث الشاذة، كتاب فضائل الزو، كتاب الرد على ميخائيل الصيدناني في الكيمياء، كتاب عجائب البحر، كتاب مساوي العوام وأخبار السفلة والأغتام، كتاب فضل السلم على الدرجة، كتاب الفاس بن الحائك، كتاب الدولتين في تفضيل الخلافتين، كتاب تذكية العقول، كتاب السحاقات والبغائين، كتاب الخضخضة في جلد عميرة، كتاب أخبار أبي فرعون كندر بن حجدر، كتاب تفسيرالرؤيا، كتاب الثقلاء، كتاب نوادر القواد، كتاب دعوة العامة، كتاب الإخوان والأصدقاء، كتاب كنى الدواب، كتاب أحكام النجوم، كتاب المدخل في صناعة التنجيم، كتاب صاحب الزمان، كتاب الحلقتين، كتاب استغاثة الجمل على ربه، كتاب فضل السرم على الفم.

وقال أبو العنبس الصيمري: قوام أمر الإنسان بتسع دالات: دار ودينار ودرهم ودقيق ودابة ودبس ودن ودسم ودعوة.

وحدث الصولي قال: حدثني ابن أبي العنبس وكان قدم إلينا بغداد من سر من رأى وكان متأدباً قال: عرضت لأبي حاجة إلى الحسن بن مخلد وزير المعتمد في أقطاع له فخاف معارضته وذلك أيام تقلده ديوان الضياع فقال:

زارني بدر على غصن

 

قابلاً وصلى يقبلـنـي

خلته في النوم من فرحي

 

قد أعاد الروح في بدني

إن لي عن مثله شغـلاً

 

بمقال الشعر في الحسن

وأبيه مـخـلـد فـبـه

 

قد لبسنا سابغ المـنـن

كاتب قل النـظـير لـه

 

فاضل في العلم واللسن

قال: فأمضى له كل ما أراد ولم يعارضه في شيء. وأنشد جحظة لأبي العنبس الصيمري:

لئن كنت عن أرض تقلك نازحاً

 

فلم يحكني غير السليم المسهـد

وعلمت مذ جرعتني صاب بينكم

 

غريب البكا عين الحمام المغرد

وعن أبي الفرج، حدثني أحمد بن جعفر جحظة قال: حدثني أبو العنبس الصيمري قال: كنت عند المتوكل والبحتري ينشده:

عن أي ثغر تبتسـم

 

وبأي طرف تحتكم

حتى بلغ إلى قوله:

قل للخليفة جعفر ال

 

متوكل بن المعتصم

والمجتدي بن المجتدي

 

والمنعم بن المنتقـم

إسلم لدين مـحـمـد

 

وإذا سلمت فقد سلم

قال: وكان البحتري من أبغض الناس إنشاداً، يتشدق ويتزاور في مشيه مرة جائياً ومرة القهقري، ويهز رأسه مرة ومنكبه أخرى، ويشير بكمه ويقول: أحسنت والله، ثم يقبل على المستمعين فيقول: ما لكم لا تقولون: أحسنت؟ هذا واله مالا يحسن أحد أن يقول مثله، فضجر المتوكل من ذلك وأقبل علي فقال: أما تسمع يا صيمري ما يقول؟ فقلت بلى يا سيدي، فمر فيه بما أحببت فقال: بحياتي اهجه على هذا الروى الذي أنشدنيه. فقلت:

أدخلت رأسك في الحرم

 

وعلمت أنك تـنـهـزم

يا بحتـري حـذار وي

 

لك من قضاقضة ضغم

فلقد أسلـت لـوالـدي

 

ك من الهجاسيل العرم

والله حـلـفـه صـادق

 

وبقبر أحمد والـحـرم

وبحق جعـفـر الإمـا

 

م ابن الإمام المعتصـم

لأصـيرنـك شـهـرة

 

بين المسيل إلى العلـم

فبأي عرض تعتـصـم

 

وبهتكه جف القـلـم؟

حي الطلول بذي سـلـم

 

حيث الأراكة والـخـيم

يا بن الثقيلة والـثـقـي

 

ل على قلوب ذوي النعم

وعلى الصغير مع الكب

 

ير مع الموالي والحشم

في أي سلح تلـتـطـم

 

وبأي كف تـلـتـقـم؟

يا بن المباحة لـلـورى

 

أمن العفاف أو التهـم؟

إذ رحل أختك للعـجـم

 

وفراش أمك في الظلم

وبـبـاب دارك حـانة

 

في بيته يؤتى الحـكـم

قال: وخرج البحتري مغضباً يعد وجعلت أصيح به خلفه:

أدخلت رأسك في الحرم

 

وعلمت أنك تنـهـزم

والمتوكل يضحك ويصفق حتى غاب عنه. هذه رواية جحظة، والذي يتعارفه الناس أن أبا العنبس كان واقفاً خلف السرير والبحتري ينشد قوله:

عن أي ثغر تبتسـم

 

وبأي طرف تحتكم؟

فقال أبو العنبس ارتجالاً

في أي سلح ترتـطـم

 

وبأي كف تلـتـقـم؟

أدخلت رأسك في الحرم

 

وعلمت أنك تنـهـزم

فغضب البحتري وخرج وضحك المتوكل حتى أكثر، وأمر لأبي العنبس الصيمري بعشرة آلاف درهم.