باب الميم - محمد بن بحر الأصفهاني

محمد بن بحر الأصفهاني

الكاتب، يكنى أبا مسلم، كان كاتباً مترسلاً بليغاً متكلماً جدلاً، مات فيما ذكره حمزة في تاريخه في آخر سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، ومولده سنة أربع وخمسين ومائتين، وكان الوزير أبو الحسن علي بن عيسى بن داود بن الجراح يشتاقه ويصفه. وقال أبو علي التنوخي وقد ذكر محمد بن زيد الداعي فقال: وهو الذي كان أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني الكاتب المعتزلي العالم بالتفسير وبغيره من صنوف العلم، قد صار عامل أصبهان وعامل فارس للمقتدر يكتب له ويتولى أمره. ذكره محمد بن إسحاق وقال: له من الكتب: كتاب جامع التأويل لحكم التنزيل على مذهب المعتزلة أربعة عشر مجلداً، كتاب جامع رسائله كتاب حمزة كتاب الناسخ والمنسوخ، كتاب في النحو، وسمي حمزة كتابه في القرآن شرح التأويل. وكان ابن أبي البغل ولي في سنة ثلاثمائة ديوان الخراج والضياع بأصبهان وهو ببغداد، فورد كتابه على أبي مسلم بن بحر بأن يخلفه على ديوان الضياع بها، ثم ورد ابن أبي البغل إلى أصبهان فأقره على خلافته، ثم مات أبو علي محمد بن رستم في سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة فرتب مكانه أبو مسلم بن بحر وذلك في شوال، ثم ورد على بن بويه في خمسمائة فارس فهزم المظفرين بن ياقوت في خمسة آلاف فارس، ودخل ابن بويه أصبهان في منتصف ذي القعدة فعزل أبو مسلم. نقلت من كتاب أصفهان قال: وقال أبو مسلم في أبيات بالفارسية لأبي الأشعث القمي:

يا للشباب وغصنه النضر

 

والعيش في أيامه الزهر

لو دام لي عهد المتاع بـه

 

وأمنت فيه حوادث الدهر

لكنه لي معقب هـرمـاً

 

وهو النذير بآخر العمـر

قال: وقال في أبي المعمر:

هل أنت مبلغ هذا القائد البـطـل

 

عني مقالة طب غير ذي خطـل

إن كنت أخطأت قرطاساً عمدت له

 

فأنت في رمي قلبي من بني ثعل

قال: ودخل يوماً إلى دار أخيه أحمد بن بحر فرأى معه دفتراً على ظهره أبيات نصر بن سيار، وذاك عند ما بيض ما كان بن كاكي الديلمي ووردت خيله قم، وأبيات نصر:

أرى خلل الرماد وميض جمر

 

ويوشك أن يكون له ضـرام

وإن النار بالزنـدين تـورى

 

وإن الحرب يقدمه الـكـلام

أقول من التعجب ليت شعري

 

أأيقـاظ أمـية أم نـــيام؟

فكتب أبو مسلم تحتها:

أرى ناراً تشب بكـل واد

 

لها في كل منزلة شعـاع

وقد رقدت بنو العباس عنها

 

وأضحت وهي آمنة رتاع

كما رقدت أمية ثم هبـت

 

لتدفع حين ليس بها دفـاع

ولما مات قال فيه علي بن حمزة بن عمارة الأصبهاني يرثيه:

وقالوا ألا ترثى ابن بحر محـمـداً

 

فقلت لهم ردوا فؤادي واسمـعـوا

فلن يستطيع القول من طار قلـبـه

 

جريحاً قريحاً بالمصـائب يقـرع

ومن بان عنه إلـفـه وخـلـيلـه

 

فليس له إلا إلى البعث مـرجـع

ومن كان أوفى الأوفياء لمخلـص

 

ومن حيز في سرباله الفضل أجمع

سحاباً كماء المزن بـه الـجـنـي

 

جنى الشهد في صفو المدام يشعشع

وغرب ذكاء واقد مثـل جـمـرة

 

وطبع به العضب المهند يطـبـع

ومن كان بيت الكتابة فـي الـذرى

 

وذا منطق في الحفل لا يتتعـتـع

وله

وقد كنت أرجو أنه حين يلتحـي

 

يفرج عني أو يجدد لي صبـرا

فلما التحى واسود عارض وجهه

 

تحول لي البلوى بواحدة عشرا