باب الميم - محمد بن أبي جعفر القزاز القيرواني

محمد بن أبي جعفر القزاز القيرواني

أبو عبد الله التميمي، كان إماماً علامة قيماً بعلوم العربية، ذكره الحسن بن رشيق في كتاب النموذج فقال: مات بالقيروان سنة اثنتي عشرة وأربعمائة وقد قارب التسعين، وهو جامع كتاب الجامع في اللغة، وهو كتاب كبير حسن متقن يقارب كتاب التهذيب لأبي منصور الأزهري رتبه على حروف المعجم، وكتاب ما يجوز للشاعر استعماله في ضرورة الشعر.

قال ابن رشيق: وكان مهيباً عند الملوك والعلماء وخاصة الناس. محبوباً عند العامة، يملك لسانه ملكاً شديداً وقد مدحه الشعراء فقال فيه يعلى بن إبراهيم الأربسي:

نسجت شعاعاً بيننا منها فـبـت

 

نا جميعنا من تحت ثوب مذهب

فمزجتها من فيه ثم شربتـهـا

 

ولثمته برضاب ثغر أشـنـب

في ليلة للدهر كـانـت غـرة

 

يرنو إليها الخطب كالمتعجـب

فت الأنام بها كما فت الـورى

 

سبقاً محمد بالفخار الأغـلـب

أبداً على طرف السؤال جوابـه

 

فكأنما هو دفعه مـن صـيب

يغدو مساجلة بغـرة صـافـح

 

ويروح معترفاً بذلة مـذنـب

فالأبعد النائي عليه فـي الـذي

 

يفتر كالدانـي إلـيه الأقـرب

وكان القزاز معجباً بهذه الكلمة ويقول: ما مدحت بأحب إلي منها. وقال الحسن بن رشيق في العمدة: وحاجي شيخنا أبو عبد الله بعض تلاميذه فقال:

أحاجيك عباد كزينب في الورى

 

ولم تؤت إلا من صديق وصحب

فأجابه التلميذ في الحال:

سأكتم حتى ما تحـس جـوارحـي

 

بما انهل منها في دموعي السواكب

فمعكوس: عباد كزينب: سرك ذائع. وسأكتم: جواب على الظاهر حسن، ومعكوسة منك أتيت، وهو جواب لما حوجي به بديع مقابل، ولم تؤت إلا من صديق وصاحب، تفسير حسن بديع جداً. وشعر أبي عبد الله جيد مطبوع مصنوع، ومن شعره يتغزل:

أما ومحل حبك مـن فـؤادي

 

وقدر مكانه فيه الـمـكـين

لو انبسطت لي الآمالي حتـى

 

تصير لي عنانك في يمـينـي

لصنتك في مكان سواد عينـي

 

وخطت عليك من حذر جفوني

فأبلغ منك غـايات الأمـانـي

 

وآمن فيك آفات الـظـنـون

فلي نفس تجـرع كـل حـين

 

عليك بهن كاسات المـنـون

إذا أمنت قلوب الناس خافـت

 

عليك خفي ألحاظ الـعـيون

فكيف وأنـت دنـياي ولـولا

 

عقاب الله فيك لقلـت دينـي

ومن شعره أيضاً:

إذا كان حظي منك لحـظة نـاظـر

 

على رقبة لا أستديم لهـا لـحـظـاً

رضيت بها في مدة الـدهـر مـرة

 

وأعظم بها من حسن وجهك لي حظاً!

وله أيضاً:

لو أن لي حكم قلبي فيك أو بصري

 

ما استمعت لي عين منك بالنظـر

أخشى وأحذر من عيني القريحة ما

 

أخشى وأحذره من أعين البشـر

ويلاه إن كان حظي فيه مشتركـاً

 

وكيف يشترك الحيان في عمـر؟

ينـالـه وادع لا يسـتـعـد لـه

 

ولست أبلغ أولاه مـن الـحـذر

وله أيضاً:

أضمروا لي وداً ولا تظهروه

 

يهده منكم إلي الضـمـير

ما أبالي إذا بلغت رضاكـم

 

في هواكم لأي حال أصير؟

وله أيضاً:

أحين علمت أنك نـور عـينـي

 

وأني لا أرى حـتـى أراكـا

جعلت مغيب شخصك عن عياني

 

يغيب كل مخـلـوق سـواكـا

وله أيضاً:

واحسر تامات أحبابي وخلاني

 

وشيب الدهر أترابي وأخداني

 

وغـيرت الأيام خـالـصـتــي

 

والمنتضي الحر من أهلي وإخواني

ومن تصانيف أبي عبد الله أيضاً: كتاب أدب السلطان والتأدب له عشر مجلدات، كتاب التعريض والتصريح مجلد، كتاب إعراب الدريدية مجلد، كتاب شرح رسالة البلاغة في عدة مجلدات، كتاب أبيات معان في شعر المتنبي، كتاب ما أخذ على المتنبي من اللحن والغلط، كتاب الضاد والظاء مجلد.