باب الميم - محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية

محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية

ابن حنتم بن حمامي بن واسع بن وهب بن سلمة بن حنتم ابن حاضر بن جشم بن ظالم بن أسد بن عدي بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهير - ويقال: زهران - ابن كعب بن الحارث بن عبد الله بن مالك بن نضر بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبا بن يشجب ابن يعرب بن قحطان.

مات بوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وفي هذا اليوم مات أبو هاشم عبد السلام بن محمد الجبائي فقيل: مات علما اللغة والكلام ودفنا جميعاً في مقبرة الخيزران. وقال المرزباني: دفن بالعباسية من الجانب الشرقي في ظهر سوق السلاح من الشارع الأعظم. وقال التنوخي ورجاله: دفن ابن دريد بظهر السوق الجديد المعروفة بمقابر العباسية من الجانب الشرقي، ومولده البصرة في سكة صالح في خلافة المعتصم سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وبالبصرة تأدب وعلم اللغة وأشعار العرب، وقرأ على علماء البصرة ثم صار إلى عمان فأقام بها مدة، ثم صار إلى جزيرة ابن عمر ثم صار إلى فارس فسكنها مدة ثم قدم بغداد فأقام بها إلى أن مات.

وحدث أبو بكر بن علي قال: أبو بكر بن دريد بصري المولد ونشأ بعمان وتنقل في جزائر البحر والبصرة وفارس وطلب الأدب وعلم العربية، وكان أبوه من الرؤساء وذوي اليسار، وورد بغداد بعد أن أسن فأقام بها إلى آخر عمره. وروى عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعي وأبي حاتم السجستاني، وأبي الفضل الرياشي. وكان رأس أهل العلم. وروى عنه خلق منهم أبو سعيد السيرافي، وأبو عبيد الله المرزباني، وأبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني، وله شعر كثير، وروي من أخبار العرب وأشعارهم ما لم يروه كثير من أهل العلم.

وقال أبو الطيب اللغوي في كتاب مراتب النحويين عند ذكر ابن دريد: هو الذي انتهت إليه لغة البصريين، وكان أحفظ الناس وأوسعهم علماً وأقدرهم على شعر، وما ازدحم العلم والشعر في صدر أحد ازدحامهما في صدر خلف الأحمر وابن دريد. وتصدر ابن دريد في العلم ستين سنة. وأول شعر قاله:

ثوب الشباب علي اليوم بهـجـتـه

 

فسوف تنزعه عنـي يد الـكـبـر

أنا ابن عشرين ما زادت ولا نقصت

 

إن ابن عشرين من شيب على خطر

وكان يقال: ابن دريد أشعر العلماء وأعلم الشعراء. قال الخطيب: وقال محمد بن دريد: كان أول من أسلم من آبائي حمامي وهو من السبعين راكباً الذين خرجوا مع عمرو بن العاص من عمان إلى المدينة لما بلغهم وفاة رسول الله صلى الله عليهم وسلم حتى أدوه وفي ذلك يقول قائلهم:

وفينا لعمرو يوم عمرو كأنه

 

طريد نفته مذحج والسكاسك

وحدث أبو علي التنوخي قال: حدثني جماعة أن ابن دريد قال: كان أبو عثمان الاشنانداني معلمي، وكان عمي الحسين ابن دريد يتولى تربيتي، فكان إذا أراد الأكل استدعى أبا عثمان ليأكل معه، فدخل يوماً عمي وأبو عثمان يرويني قصيدة الحارث بن حلزة التي أولها:

آذنتنا ببينها أسماء

فقال لي عمي: إذا حفظت هذه القصيدة وهبت لك كذا وكذا، ثم دعا المعلم ليأكل معه فدخل إليه فأكلا وتحدثا بعد الأكل ساعة، فإلى أن رجع المعلم حفظت ديوان الحارث بن حلزة بأسره فخرج المعلم فعرفته ذلك فاستعظمه وأخذ يعتبره علي فوجدني قد حفظته، فدخل إلى عمي فأخبره فأعطاني ما كان وعدني به.

قال الخطيب عمن رأى ابن دريد إنه قال: كان ابن دريد واسع الحفظ جداً ما رأيت أحفظ منه وكانت تقرأ عليه دواوين العرب كلها أو أكثرها فيسابق إلى إتمامها وتحفظها، وما رأيته قط قرئ عليه ديوان شاعر إلا وهو يسابق إلى روايته لحفظه له. قال: وسئل عنه الدارقطني فقال: قد تكلموا فيه. قال: وقال أبو ذر عبد الله بن أحمد الهروي: سمعت ابن شاهين يقول: كنا ندخل على ابن دريد ونستحي منه لما نرى من العيدان المعلقة، والشراب المصفى موضوع وقد كان جاوز التسعين سنة. هذا كله من كتاب أبي بكر بن علي.

وقال أبو منصور الأزهري في مقدمة كتاب التهذيب: وممن ألف في زماننا الكتب فرمى بافتعال العربية وتوليد الألفاظ وإدخال ما ليس من كلام العرب في كلامها: أبو بكر محمد بن دريد صاحب كتاب الجمهرة، وكتاب اشتقاق الأسماء، وكتاب الملاحن، وقد حضرته في داره ببغداد غير مرة فرأيته يروي عن أبي حاتم والرياشي وعبد الرحمن بن أخي الأصمعي. وسألت إبراهيم بن محمد بن عرفة عنه فلم يعبأ به ولم يوثقه في روايته، وألفيته أنا على كبر سنه سكران لا يكاد يستمر لسانه على الكلام من سكره، وقد تصفحت كتابه الذي أعاره اسم الجمهرة فلم أردلا على معرفة ثاقبة ولا قريحة جيدة، وعثرت من هذا الكتاب على حروف كثيرة أنكرتها ولم أعرف مخارجها فأثبتها في كتابي في مواقعها منه لأبحث أنا وغيري عنها.

وقال أبو ذر الهروي: سمعت أبا منصور الأزهري يقول: دخلت على ابن دريد فرأيته سكران فلم أعد إليه. وقال غير أبي منصور: كان ابن دريد قد أملى الجمهرة في فارس ثم أملاها بالبصرة وببغداد من حفظه قال: فلذلك قلما تتفق النسخ وتراها كثيرة الزيادة والنقصان، ولما أمله بفارس غلامه تعلم من أول الكتاب، والنسخة التي عليها المعول هي الأخيرة، وآخر ما صح من النسخ: نسخة أبي الفتح عبيد الله بن أحمد النحوي جخجخ لأنه كتبها من عدة نسخ وقرأها عليه.

وحدث المرزباني قال: قال ابن دريد: خرجت أريد زهران بعد دخول البصرة فمررت بدار كبيرة قد خربت فكتبت على حائطها:

أصبحوا بعد جميع فرقاً

 

وكذا كل جميع مفترق

فمضيت ورجعت فإذا نحته مكتوب:

ضحكوا والدهر عنهم صامت

 

ثم أبكاهم دماً حين نـطـق

قال: وخرجنا نريد عمان في سفر لنا فنزلنا بقرية تحت نخل فإذا بفاختتين تتزاقان فسنح لي أن قلت:

أقول لورقاوين في فرع نـخـلة

 

وقد طفل الإمساء أو جنح العصر

وقد بسطت هاتا لتلك جنـاحـهـا

 

ومر على هاتيك من هذه النحـر

ليهنكما أن لم تـراعـا بـفـرقة

 

وما دب في تشتيت شملكما الدهر

فلم أر مثلي قطع الشوق قلـبـه

 

على أنه يحكي قساوته الصخـر

قال: وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: سقطت من منزلي بفارس فانكسرت ترقوتي فسهرت ليلي فلما كان في آخر الليل حملتني عيناي فرأيت في نومي رجلاً طويلاً أصفر الوجه كوسجا دخل علي وأخذ بعضادتي الباب وقال: أنشدني أحسن ما قلت في الخمر. فقلت: ما ترك أبو نواس شيئاً. فقال: أنا أشعر منه. فقلت: ومن أنت؟ قال: أبو ناجية من أهل الشام ثم أنشدني:

وحمراء قبل المزج صفراء بعـده

 

بدت بين ثوبي نرجـس وشـقـائق

حكت وجنة المعشوق صرفاً فسلطوا

 

عليها مزاجاً فاكتست لون عاشـق

فقلت له: أسأت. قال ولم؟ قلت: لأنك قلت وحمراء فقدمت الحمرة ثم قلت: بدت بين ثوبي نرجس وشقائق، فقدمت الصفرة، فألا قدمتها على الأخرى كما قدمتها على الأولى؟ فقال: وما هذا الاستقصاء في هذا الوقت يا بغيض؟.
وحدث قال: كتب ابن دريد إلى ابن أبي علي أحمد بن محمد بن رستم:

حجابك صعب يجبه الحر دونـه

 

وقلبي إذا سيم المذلة أصعـب

وما أزعجتني نحو بابك حـاجة

 

فأجشم نفسي رجعة حين أحجب

وحدث أيضاً قال: وعد أبو بكر أبا الحسين عمر بن محمد ابن يوسف القاضي أن يصير إليه فقطعه المطر فكتب إليه أبو بكر:

مناويك في بذل النـوال وإنـه

 

ليعجز عن أدني مداك ويحسر

عداني عن حظي الذي لا أبيعه

 

بأنفس ما يحظى به المتخـير

لم الغيث واعذر من لقاؤك عنده

 

يعادل نيل الخلد بل هو أكبـر

فأجابه أبو الحسين:

على الرسل في بري فقد عظم الشكر

 

ولم أك ذا شكر وإن جل ما يعـرو

مدائح مثل الغيث جادت عـيونـهـا

 

سحاب توالي من جوانبهـا قـطـر

ومن شعر أبي بكر بن دريد:

عانقت منه وقد مال النعاس بـه

 

والكأس تقسم سكراً بين جلاسي

ريحانة ضمخت بالمسك ناضرة

 

تمج برد الندى في حر أنفاسي

وله يرثي عبد الله بن عمارة:

بنفسي ثرى ضاجعت في بيته البلى

 

لقد ضم منك الغيث والليث والبدرا

فلو أن حيا كان قـبـراً لـمـيت

 

لصيرت أحشائي لأعظمه قبـرا

ولو أن عمري كان طوع إرادتـي

 

وساعدني المقدار قاسمتك العمرا

وما خلت قبراً وهـو أربـع أذرع

 

يضم ثقال المزن والطود والبحرا

وحدث الخطيب فيما أسنده إلى إسماعيل بن سويد: أن سائلاً جاء إلى ابن دريد فلم يكن عنده غير دن نبيذ فوهبه له فجاء غلامه وأنكر عليه ذلك فقال: أي شيء أعمل؟ لم يكن عندي غيره، ثم تلا قوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون). فما تم اليوم حتى أهدى له عشرة دنان فقال الغلام: تصدقنا بواحد وأخذنا عشرة.
وقال جحظة يرثيه:

فقدت بابن دريد كل مـنـفـعة

 

لما غدا ثالث الأحجار والتـرب

وكنت أبكي لفقد الجود مجتهـداً

 

فصرت أبكي لفقد الجود والأدب

وقال محمد بن إسحاق: ولابن دريد من الكتب: كتاب الجمهرة في اللغة، كتاب المجتني، كتاب الأمالي، كتاب اشتقاق أسماء القبائل، كتاب الملاحن، كتاب المقتبس، كتاب المقصور والممدود، كتاب الوشاح على حذو المحبر لابن حبيب، كتاب الخيل الكبير، كتاب الخيل الصغير، كتاب الأنواء، كتاب السلاح، كتاب غريب القرآن لم يتم، كتاب فعلت وأفعلت، كتاب أدب الكاتب، كتاب تقويم اللسان على مثال كتاب ابن قتيبة ولم يجرده من المسودة فلم يجرده منه شيء يعول عليه، كتاب المطر.

وقال أبو الحسن الدريدي: حضرت وقد قرأ أبو علي بن مقلة وأبو حفص كتاب المفضل بن سلمة الذي يرد فيه على الخليل بن أحمد، على أبي بكر بن دريد فكان يقول: صدق أبو طالب، في شيء إذا مر به كذب أبو طالب في شيء آخر، ثم رأيت هذا الكلام وقد جمعه أبو حفص في نحو المائة ورقة وترجمه بالتوسط.
ومن شعر ابن دريد:

وقد ألفت زهر النجوم رعايتي

 

فإن غبت عنها فهي عني تسأل

يقابل بالتسليم منهـن طـالـع

 

ويومئ بالتوديع منهـن آفـل

وأما مقصورة ابن دريد المشهور فإنه قالها يمدح بها الأمير أبا العباس إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكال بن عبد الواحد بن جبريل بن القاسم بن بكر بن ديواستي، وهو سور بن سور بن سور بن سور أربعة الملوك ابن فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور قالها فيه وفي أبيه، وكان الأمير أبو العباس رئيس نيسابور ومتقدمها، وذكر أبو علي البيهقي المعروف بالسلامي في كتاب النتف والطرف: أن ابن دريد صنف كتاب الجمهرة للأمير أبي العباس إسماعيل بن عبد الله ابن ميكال أيام مقامه بفارس فأملاه عليه إملاء ثم قال: حدثني أبو العباس الميكالي قال: أملي على أبو بكر الدريدي كتاب الجمهرة من أوله إلى آخره حفظاً في سنة سبع وتسعين ومائتين، فما رأيته استعان عليه بالنظر في شيء من الكتب إلا في باب الهمزة واللفيف فإنه طالع له بعض الكتب قال: وكفاك بها فضيلة وعجيبة أن يتمكن الرجل من علمه كل التمكن ثم لا يسلم مع ذلك من الألسن حتى من قيل فيه:

ابـن دريد بـقــره

 

وفيه عـي وشـره

ويدعي من حمـقـه

 

وضع كتاب الجمهرة

وهو كتاب العـين إلا

 

أنـه قـد غــيره

 وقد ذكرت هذه الحال في أخبار أبي العباس إسماعيل ابن عبد الله بأبسط من هذا. وكتب ابن دريد إلى عيسى بن داود الجراح الوزير:

أبا حسن والمرء يخلـق صـورة

 

تنم على ما ضمنتـه الـغـرائز

إذا كنت لا ترجى لنفع مـعـجـل

 

وأمرك بين الشرق والغرب جائز

ولم تك يوم الحشر فينا مشـفـعـاً

 

فرأى الذي يرجوك للنفع عاجـز

على بن عيسى خير يوميك أن ترى

 

وفضلك مأمول ووعدك نـاجـز

وإني لأخشى بعد هذا بـأن تـرى

 

وبين الذي تهوى وبينك حـاجـز

قرأت بخط أبي سعد السمعاني من المذيل بإسناد أن ابن دريد قال:

ودعـتـه حـين لا تـودعـه

 

روحي ولكنها تسير مـعـه

ثم افترقنا وفي القلوب لـنـا

 

ضيق مكان وفي الدموع سعه

قال أبو هلال: أخبرنا أو بأحمد قال: كنا في مجلس ابن دريد وكان يتضجر ممن يخطئ في قراءته، فحضر غلام وضئ فجعل يقرأ ويكثر الخطأ وابن دريد صابر عليه، فتعجب أهل المجلس فقال رجل منهم: لا تعجبوا فإن في وجهه غفران ذنوبه، فسمعها ابن دريد فلما أراد أن يقرأ قال له: هات يا من ليس في وجهه غفران ذنوبه، فعجبوا من صحة سمعه مع علو سنه. قال: وقال بعضهم في مجلس ابن دريد:

من يكن للظباء طالب صيد

 

فعليه بمجلـس ابـن دريد

إن فيه لأوجهاً قـيدتـنـي

 

عن طلاب العلا بأوثق قيد

قال الرصافي: حدثنا بعض أصابنا قال: حضرت مجلس أبي بكر بن دريد وقد سأله بعض الناس عن معنى قول الشاعر:

هجرتك لا قلي مني ولكـن

 

رأيت بقاء ودك في الصدود

كهجر الحائمات الورد لمـا

 

رأت أن المنية في الورود

تفيض نفوسها ظمأ وتخشى

 

حماماً فهي تنظر من بعـيد

فقال: الحائم: الذي يدور حول الماء ولا يصل إليه، يقال: حام يحوم حياماً.

ومعنى الشعر أن الأيائل تأكل الأفاعي في الصيف فتحمى فتلتهب بحرارتها وتطلب الماء، فإذا وقعت عليه امتنعت من شربه وحامت حوله تنسمه، لأنها إن شربته في تلك الحال صادف الماء السم الذي في جوفها فتلفت، فلا تزال تدفع بشرب الماء حتى يطول بها الزمان فيسكن ثوران السم ثم تشربه فلا يضرها. ويقال: فاظ الميت وفاضت نفسه وفاظت نفسه أيضاً، جائز عند الجميع إلا الأصمعي فإنه يقول: فاظ الميت، فإذا ذكر النفس قال فاضت نفسه بالضاد ولم يجمع بين الظاء والنفس.

وحدث أبو علي المحسن، حدثني أبو القاسم الحسن بن علي ابن إبراهيم بن خلاد الشاهد العكبري إمام الجامع فيها، حدثني أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال: كنت بعمان مع الصلت بن مالك الشاري وكانت الشراة تدعوه أمير المؤمنين، وكانت السنة كثيرة الأمطار ودامت على الناس فكادت المنازل أن تتهدم، فاجتمع الناس وصاروا إلى الصلت وسألوه أن يدعوا لهم فأجل بهم أن يركب من الغد إلى الصحراء ويدعوا فقال لي بكرة: لتخرج معي في غد فبت مفكراً كيف يدعو؟ فلما أصبحت خرجت معه فصلى بهم وخطب ودعا فقال: اللهم إنك أنعمت فأوفيت، وسقيت فأرويت، فعلى القيعان ومنابت الشجر، وحيث النفع لا الضرر، فاستحسنت ذلك منه. وقال ابن دريد في النرجس:

عيون ما يلـم بـهـا الـرقـاد

 

ولا يمحو محاسنها الـسـهـاد

إذا ما الليل صافحها استهـلـت

 

وتضحك حين ينحسر السـواد

لها حدق من الذهب المصفـى

 

صياغة من يدين له الـعـبـاد

وأجفان من الدر اسـتـفـادت

 

ضياء مثـلـه لا يسـتـفـاد

على قضب الزبرجد، في ذراها

 

لأعين من يلاحظـهـا مـراد

 قرأت في كتاب التحبير وهو ما أخبرنا به الشريف افتخار الدين أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي إذناً، قال أبو سعد السمعاني إجازة إن لم يكن سماعاً قال: سمعت الأمير أبا نصر أحمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد الله ابن أحمد بن الميكالي يقول: تذاكرنا المتنزهات يوماً وابن دريد حاضر فقال بعضهم: أنزه الأماكن غوطة دمشق. وقال آخرون: بل نهر الأبلة؟ وقال آخرون: بل سغد سمرقند. وقال بعضهم بل نهر نهروان بغداد. وقال بعضهم: شعب بوان بأرض فارس. وقال بعضهم: نوبهار بلخ. فقال: هذه منتزهات العيون، فأين أنتم عن متنزهات القلوب؟ قلنا وما هي يا أبا بكر؟ قال: عيون الأخبار للقتيبي، والزهرة لابن داود، وقلق المشتاق لابن أبي طاهر، ثم أنشأ يقول:

ومن تك نـزهـتـه قـينة

 

وكأس تحت وكأس تصـب

فنزهتنا واسـتـراحـتـنـا

 

تلاقي العيون ودرس الكتب

وقرأت في التاريخ الذي ألفه أبو محمد عبد الله بن أبي القاسم عبد المجيد بن بشران الأهوازي قال: وفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة مات أبو أحمد حجر بن أحمد الجويمي وكان من أهل الفضل بجويم ونواحي فارس، وقد خلف القراء بها فمدحه جماعة من الشعراء وقصده من انتفع به، ولأبي بكر بد دريد فيه مدائح منها:

نهنه بوادر دمعك الـمـهـراق

 

أي ائتلاف لم ير ع بـفـراق؟

حجر بن أحمد فارع الشرف الذي

 

خضعت لعزته طلى الأعـنـاق

قبل أنامله فـلـسـن أنـامـلاً

 

لكنـهـن مـفـاتـح الأرزاق

وانظر إلى النور الذي لـو أنـه

 

للبدر لم يطبع بـرين مـحـاق