باب الميم - محمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن

محمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن

ابن الحسين بن محمد بن سليمان بن داود بن عبيد الله ابن مقسم أبو بكر العطار المقرئ، ولد سنة خمس وستين ومائتين، ومات لثمان خلون من ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، سمع أبا مسلم الكجي وثعلباً وإدريس ابن عبد الكريم وغيرهم. روى عنه ابن رزقويه وابن شاذان وغيرهما. وكان ثقة من أعرف الناس بالقراءات وأحفظهم لنحو الكوفيين، وله في معاني القرآن كتاب سماه الأنوار وما رأيت مثله، وله عدة تصانيف: ولم يكن له عيب إلا أنه قرأ بحروف تخالف الإجماع واستخرج لها وجوهاً من اللغة والمعنى مثل ما ذكر في كتاب الاحتجاج للقراء في قوله تعالى: (فلما استيأسوا منه خلصوا نجباء) بالباء لكان جائزاً هذا مع كونه يخالف الإجماع بعيد من المعنى، إذ لا وجه للنجابة عند يأسهم من أخيهم إنما اجتمعوا يتناجون. وله كثير من هذا الجنس من تصحيف الكلمة واستخرج وجه بعيد لها مع كونها لم يقرأ بها أحد.

وحدث أبو بكر الخطيب قال: ومما طعن به على أبي بكر بن مقسم أنه عمد إلى حروف من القرآن فخالف الإجماع فيها وقرأها على وجوه ذكر أنها تجوز في اللغة والعربية، وشاع ذلك عنه عند أهل العلم فأنكروه، وارتفع الأمر إلى السلطان فأحضره واستتابه بحضرة القراء والفقهاء فأذعن بالتوبة وكتب محضراً بتوبته، وأثبت. جماعة من حضر ذلك المجلس خطوطهم فيه بالشهادة عليه. وقيل إنه لم ينزع عن تلك الحروف وكان يقرأ بها إلى حين وفاته.

قال الخطيب: وقد ذكر حاله أبو طاهر بن أبي هاشم المقرئء صاحب ابن مجاهد في كتابه الذي سماه كتاب البيان فقال: وقد نبغ نابغ في عصرنا هذا فزعم أن كل ما صح عنده وجه في العربية كحرف من القرآن يوافق خط المصحف، فقراءته جائزة في الصلاة وغيرها فابتدع بقيله ذلك بدعه ضل بها قصد السبيل، وأورط نفسه في مزلة عظمت بها جنايته على الإسلام وأهله، وحاول إلحاق كتاب الله من الباطل مالا يأتيه من بين يديه ولا خلفه، إذ جعل لأهل الإلحاد في دين الله بسئ رأيه طريقاً من بين يدي أهل الحق بتخير القراءات من جهة البحث والاستخراج بالآراء دون الاعتصام والتمسك بالأثر المفترض.

وقد كان أبو بكر شيخنا نضر الله وجهه يسأله عن بدعته المضلة باستتابة منها، وأشهد عليه الحكام والشهود المقبولين عند الحكام بترك ما أوقع نفسه فيه من الضلالة بعد أن سئل البرهان على صحة ما ذهب إليه فلم يأت بطائل، ولم يكن له حجة قوية ولا ضعيفة، فاستوهب أبو بكر رضي الله عنه تأديبه من السلطان عند توبته وإظهاره الإقلاع عن بدعته، ثم عاود في وقتنا هذا إلى ما كان ابتدعه واستغوى به أصاغر المسلمين ممن هم في الغفلة والغباوة دونه ظناً منه أن ذلك يكون للناس ديناً، وأن يجعلوه فيما ابتدعه إماماً، ولن يعدو ما ضل به مجلسه، لأن الله تعالى قد أعلمنا أنه حافظ لكتابه من لفظ الزائغين وشبهات الملحدين بقوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). وقد دخلت عليه شبهة لا يخيل بطولها وفسادها على ذي لب وذلك أنه قال: لما كان لخلف بن هشام وأبي عبيد وابن سعدان أن يختاروا وكان ذلك مباحاً لهم غير منكر، كان ذلك أيضاً مباحاً غير مستنكر. فلو كان حذا حذوهم وسلك طريقهم كان لعمري له غير مستنكر، ولكنه سلك من الشذوذ مالا يقول به إلا مبتدع. قال الخطيب: وذكر أبو طاهر كلاماً كثيراً نقلنا منه هذا المقدار وهو في كتابه مستقصي.

وحدث فيما أسنده إلى أحمد الفرضي قال: رأيت في المنام كأني في المسجد الجامع أصلي مع الناس، وكان ابن مقسم قد ولي ظهره للقبلة وهو يصلي مستدبرها، فأولت ذلك مخالفته الأئمة فيما اختاره لنفسه من القراءات.

وذكر محمد بن إسحاق فقال: مات في سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة. وله من الكتب: كتاب الأنوار في تفسير القرآن، كتاب المدخل إلى علم الشعر، كتاب الاحتجاج في القراءات، كتاب في النحو كبير كتاب المقصور والممدد، كتاب المذكر والمؤنث، كتاب الوقف والابتداء، كتاب المصاحف، كتاب عدد التمام، كتاب أخبار نفسه، كتاب مجالسات ثعلب، كتاب مفرداته، كتاب الانتصار لقراء الأمصار، كتاب الموضح، كتاب شفاء الصدور، كتاب الأوسط، كتاب اللطائف في جمع هجاء المصاحف، كتاب في قوله تعالى: (ومن يقتل) والرد على المعتزلة. ولابن مقسم ابن يكنى أبا الحسن وكان حفظة عالماً، له كتاب عقلاء المجانين.