باب الميم - محمد بن الحسن الزبيدي الإشبيلي

محمد بن الحسن الزبيدي الإشبيلي

أبو بكر النحوي اللغوي. سكن قرطبة من بلاد الأندلس، وأخذ عن أبي إسماعيل القالي، واعتمد عليه الحكم ابن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس - والحكم هو المتغلب على بلاد الغرب المتقلب بالمستنصر - في تعليم ولده، مات الزبيدي بإشبيلية في جمادى الأولى سنة تسع وسبعين وثلاثمائة. كذا ذكر ابن بشكوال.

وقال الحميدي: توفي قريباً من سنة ثمانين وثلاثمائة، وروى عنه غير واحد منهم: ابنه الوليد محمد وإبراهيم ابن محمد الأفليلي النحوي وغيرهما. والزبيدي نسبة إلى زبيد ابن صعب بن سعد العشيرة رهط عمرو بن معد يكرب الزبيدي، وقد ذكر الحميدي في كتابه في باب الحسن بن عبد الله ابن مذحج بن محمد بن عبيد الله بن بشير بن أبي حمزة بن ربيعة بن مذحج بن الزبيدي: سمع بالأندلس من عبيد الله بن يحيى ابن يحيى الليثي ومن غيره وسمع. وكانت وفاته بالأندلس قريباً من سنة عشرين وثلاثمائة، وقد سمعت من يقول: إنه والد أبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي النحوي مؤلف كتاب الواضح، ويشبه أن يكون ذلك والله أعلم.

قال الحميدي: أبو بكر الزبيدي من الأئمة في اللغة والعربية، وألف في النحو كتاباً سماه كتاب الواضح. واختصر كتاب العين اختصاراً حسناً، وله كتاب في أبنية سيبويه، وله كتاب ما يلحن فيه عوام الأندلس، وكتاب طبقات النحويين.

قال المؤلف: وقد نقلت إلى كتابي هذا ما نسبته إليه. وبلغني أن أهل الغرب يتنافسون في كتبه خصوصاً كتابه الذي اختصره من كتاب العين، لأنه أتمه باختصاره وأوضح مشكله، وزاد فيه ما عساه كان مفتقراً إليه، وله غير ما ذكرناه من التصانيف في كل نوع من الأدب.

قال الحميدي: وكان شاعراً كثير الشعر، أخبرنا أبو عمر ابن عبد البر قال: كتب الزبيدي إلى أبي مسلم بن فهد:

أبا مسلم إن الفتى بجنـانـه

 

ومقوله لا بالمراكب واللبس

وليس ثياب المرء تغـنـي قـلامة

 

إذا كان مقصوراً على قصر النفس

وليس يقيد العلم والحلم والحـجـى

 

أبا مسلم طول القعود على الكرسي

قال: وقال أبو محمد علي بن أحمد: كتب الوزير أبو الحسن جعفر بن عثمان المصحفي إلى صاحب الشرطة أبي بكر محمد ابن الحسن الزبيدي بمنظوم بين له فيه الخطأ بتصريح وهو:

قل للوزير السني مـحـتـده

 

لي ذمة منك أنت حافظهـا

عناية بالعلـوم مـعـجـزة

 

قد بهظ الأولين باهـظـهـا

يقر لي عمرها ومعمـرهـا

 

فيها ونظامها وجاحـظـهـا

قد كان حقاً قبول حرمتـهـا

 

لكن صرف الزمان لافظهـا

وفي خطوب الزمان لي عظة

 

لو كان يثني النفوس واعظها

إن لم تحافظ عصابة نسبـت

 

إليك قدماً فمن يحافظـهـا؟

لا تدعن حاجتي مـطـرحة

 

فإن نفسي قد فاظ فائظـهـا

فأجابه المصحفي:

خفض فواقاً فأنت أوحـدهـا

 

علماً ونقابها وحافـظـهـا

كيف تضع العلوم في بـلـد

 

أبناءه كلهم تحـافـظـهـا؟

ألفاظهم كلهـا مـعـطـلة

 

ما لم يعول عليك لافظـهـا

من ذا يساويك إن نطقت وقد

 

أقر بالعجز عنك جاحظهـا؟

علم ثنى العالمين عنك كمـا

 

ثنى سنا الشمس من يلاحظها

فقد أتتني فـديت شـاغـلـه

 

للنفس أن قلت فاظ فائظهـا

فأوضحنها نـفـز بـنـادرة

 

قد بهظ الأولين باهـظـهـا

فأجابه الزبيدي وضمن الشعر الشاهد على ذلك:

أتاني كتاب مـن كـريم مـكـرم

 

فنفس عن نفس تـكـاد تـفـيظ

فسـر جـمـيع الأولـياء وروده

 

وسئ رجال آخرون وغـيظـوا

لقد حفظ العهد الذي قد أضـاعـه

 

لدى سـواه والـكـريم حـفـيظ

وباحث عن فاظت وقبلي قالـهـا

 

رجال لديهم في العلوم حـظـوظ

روى ذاك عن كيسان سهل وأنشدوا

 

مقال أبي الغياظ وهـو مـغـيظ

فلا حفظ الرحمن روحـك حـية

 

ولا هي في الأرواح حين تفـيظ

قال الحميدي: قال لي أبو محمد: وقد يقال: فاضت نفسه بالضاد، ذكر يعقوب ابن السكيت في كتاب الألفاظ له. قال: وله - وقد استأذن الحكم المستنصر في الرجوع إلى إشبيلية فلم يأذن له فكتب إلى جارية له هناك تدعى سلمى -:

ويحك يا سلم لا تراعـي

 

لا بد للبين مـن زمـاع

لا تحسبيني صبـرت إلا

 

كصبر ميت على النزاع

ما خلق الله مـن عـذاب

 

أشد من وقـفة الـوداع

ما بينها والحمـام فـرق

 

لولا المناحات والنواعي

إن يفترق شملنا وشـيكـا

 

من بعد ما كان ذا اجتماع

فكل شمل إلى افـتـراق

 

وكل شعب إلى انصداع

وكل قرب إلـى بـعـاد

 

وكل وصل إلى انقطـاع

قال المؤلف: هذا آخر ما كتبنا من كتاب الحميدي وهو الذي وجدناه فيه من خبره.