باب الميم - محمد بن السرى بن سهل

محمد بن السرى بن سهل

أبو بكر السراج البغدادي النحوي. قال المرزباني: كان أحدث أصحاب أبي العباس المبرد مع ذكاء وفطنة، قرأ عليه كتاب سيبويه، ثم اشتغل بالموسيقى فسئل عن مسألة بحضرة الزجاج فأخطأ في جوابها فوبخه الزجاج وقال مثلك يخطئ في مثل هذه المسألة؟ والله لو كانت في منزلي لضربتك، ولكن المجلس لا يحتمل ذلك. فقال: قد ضربتني يا أبا إسحاق، وكان علم الموسيقى قد شغلني عن هذا الشأن، ثم رجع إلى كتاب سيبويه ونظر في دقائقه، وعول على مسائل الأخفش والكوفيين، وخالف أصول البصريين في مسائل كثيرة. ويقال: ما زال النحو مجنوناً حتى عقله ابن السراج بأصوله، وكان أحد العلماء المذكورين وأئمة النحو المشهورين، وإليه انتهت الرياسة في النحو بعد المبرد.

وأخذ عنه أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي، وأبو سعيد السيرافي، وأبو علي الفارسي، وعلي بن عيسى الرماني.

ويحكي أنه اجتمع هو وأبو بكر بن مجاهد وإسماعيل القاضي في بستان وكان فيه دولاب، فعن لهم أن يبعثوا بإدارتها فلم يقدروا على ذلك، فالتفت أحدهم وقال: أما تستحيون؟ مقرئ البلد ونحويه وقاضيه لا يجئ منهم ثور.

وحكى أن أبا بكر بن السراج كان يهوى جارية فجفته، فاتفق وصول الإمام المكتفي في تلك الأيام من الرقة فاجتمع الناس لرؤيته، فلما شاهد أبو بكر جمال المكتفي تذكر جمال معشوقته وجفاءها له، فانشد بحضرة أصحابه:

ميزت بين جمالها وفعالـهـا

 

فإذا الملاحة بالخيانة لا تفـي

حلفت لنا ألا تخون عهـودنـا

 

فكأنما حلفت لنـا ألا تـفـي

والله لا كلمتهـا ولـو أنـهـا

 

كالبدر أو الشمس أو كالمكتفي

ثم إن أبا عبد الله محمد بن إسماعيل بن زنجي الكاتب أنشدها لأبي العباس بن الفرات وقال هي لابن المعتز، وأنشدها أبو العباس للقاسم بن عبيد الله الوزير، فاجتمع الوزير بالمكتفي وأنشدها إياه وقال للمكتفي: هي لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر، فأمر بألف دينار فوصلت إليه فقال ابن زنجي: ما أعجب هذه القصة، يعمل أبو بكر بن السراج أبياتاً تكون سبباً لوصول الرزق إلى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر!. قال أبو الفتح عبيد الله بن أحمد النحوي: توفي أبو بكر ابن السراج يوم الأحد لثلاث ليال بقين من ذي الحجة سنة ست عشرة وثلاثمائة في خلافة المقتدر. وله من المصنفات: كتاب الأصول وهو أحسنها وأكبرها وإليه المرجع عند اضطراب النقل واختلافه جمع فيه أصول علم العربية، وأخذ مسائل سيبويه ورتبها أحسن ترتيب، وكتاب جمل الأصول وهو الأصول الأصغر، وشرح كتاب سيبويه، والموجز، وكتاب الاشتقاق لم يتم كتاب الرياح والهواء والنار، كتاب الشعر والشعراء، كتاب الجمل، كتاب احتجاج القراء، كتاب الخط، كتاب المواصلات والمذكرات، كتاب الهجاء وغير ذلك.

وحكى الرماني قال: ذكر كتاب الأصول بحضرته فقال قائل: هو أحسن من المقتضب. فقال أبو بكر لا نقل هكذا وأنشد:

ولو قبل مبكاها بكيت صبـابة

 

بسعدي شفيت النفس قبل التندم

ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا

 

بكاها فقلت: الفضل للمتقـدم

وقال أبو علي الفارسي: جئت لأسمع من كتاب سيبويه وحملت إليه ما حملت، فلما انتصف الكتاب عسر على إتمامه فانقطعت عنه لتمكني من مسائله، فقلت في نفسي بعد مدة: إذا عدت إلى فارس وسئلت عن إتمامه فإن قلت نعم كذبت، وإن قلت لا بطلت الرواية فدعتني الضرورة أن حملت إليه رزمة وأقبلت إليه، فلما أبصرني من بعيد أنشد:

كم قد تجرعت من غيظ ومن حنق

 

لكن تجدد وجدي هون الماضـي

وكم غضبت ولم يلووا على غضبي

 

فعدت طوعاً بقلب ساخط راضي