ابن عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر الأندلسي الإشبيلي أبو بكر، ولد بإشبيلية ونشأ بها، وحفظ القرآن وسمع الحديث، واقبل على الأدب واللغة والعربية فبرع في ذلك كله، وعانى الشعر فبلغ الإجادة فيه، وكان يحفظ شعر ذي الرمة، وانفرد بالإجادة فينظم الموشحات التي فاق بها أهل المغرب على أهل المشرق، ولازم عبد الملك الباجي سبع سنين، وقرأ عليه المدونة في مذهب مالك، وأخذ صناعة الطب عن أبيه أبي مروان عبد الملك، وباشر أعمالها ففاق أهل زمانه، وخدم بها دولة الملثمين في آخر عهدهم، ثم خدم بها دولة الموحدين بني عبد المؤمن. ومات في أول دولة الناصر محمد، وكان حسن المعالجة جيد التدبير لا يماثله أحد في ذلك، وكان صحيح البنية قوي الأعضاء، وبلغ الشيخوخة ولم يفقد قوة عضو من أعضائه إلا ثقلاً في السمع اعتراه في أواخر عمره.
حكى أبو مروان محمد بن احمد الباجي أن أبا بكر بن زهر كان شديد البأس يجذب قوساً مائة وخمسين رطلاً بالإشبيلي وهو ست عشرة أوقية، وكان يحسن اللعب بالشطرنج بارعاً فيه، ولد سنة سبع وخمسمائة، وتوفي بمراكش سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وقيل في أول سنة ست وتسعين، ودفن بمقابر الشيخ وقد ناهز التسعين.
ومن شعر الوزير أبي بكر بن زهر قوله:
إني نظرت إلى المرآة إذ جلـيت |
|
فأنكرت مقلتاي كـل مـا رأتـا |
رأيت فيها شييخاً لست أعـرفـه |
|
وكنت أعهده من قبل ذاك الفتى |
فقلت أين الذي بالأمس كان هنـا |
|
متى ترحل عن هذا المكان متى؟ |
فاستجهلتني وقالت لي وما نطقت |
|
قد كان ذاك وهذا بعد ذاك أتـى |
كان الغواني يقلن يا أخي ولـقـد |
|
صار الغواني يقلن اليوم يا أبتـا |
وقال في كتاب حيلة البرء لجالينوس وأجاد:
حيلة البرء صنفـت لـعـلـيل |
|
يترجى الحياة أو لـعـلـيلـه |
فإذا جاءت الـمـنـية قـالـت |
|
حيلة البرء: ليس في البرء حيلة |
ومن موشحاته قوله:
أيها الشاكي إليك المشتكي |
|
قد دعوناك وإن لم تسمع |
ونديم همت في غرته وشربت الراح من راحته كلما استيقظت من سكرته
جذب الزق إليه واتكـا |
|
وسقاني أربعاً في أربع |
غصن بان مال من حيث استوى بات من يهواه من فرط الجوى خفق الأحشاء موهون القوى
كلما فكر في البين بكى |
|
ما له يبكي بما لم يقع |
ليس لي صبر ولا لي جلد يا لقوم هجروا واجتهدوا أنكروا شكواي مما أجد
إن مثلي حقه أن يشتكي |
|
كمد اليأس وذل الطمع |
ما لعيني عشيت بالنظر أنكرت بعدك ضوء القمر وإذا ما شئت فاسمع خبري
قرهت عيني من طول البكـا |
|
وبكا بعضي على بعضي معي |
كبد حرى ودمع يكف يعرف الذنب ولا يعترف أيها المعرض عما أصف
قد نما حبك عندي وزكـا |
|
لا يظن الحب أني مدعي |
ومن موشحاته أيضاً:
شاب مسك الليل كافور الصباح |
|
ووشت بالروض أعراف الرياح |
فاسقنيها قبل نور الفلق وغناء الورق بين الورق كاحمرار الشمس عند الشفق
نسج المزج عليها حـين لاح |
|
فلك اللهو وشمس الاصطباح |
وغزال سامني بالملق وبرى جسمي وأذكى حرقي أهيف مذ سل سيق الحدق
قصرت عنه مشاهير الصفاح |
|
وانثنت بالذعر أغصان الرماح |
صار بالذل فؤادي كلفا وجفوني ساهرات وطفا كلما قلت جوى الحب انطفا
أمرض القلب بأجفان صحاح |
|
وسبى العقل بجد ومـزاح |
يوسفي الحسن عذب المبتسم قمري الوجه ليلي اللمم عنتري البأس عبسي الهمم
غصني القد مهضوم الوشـاح |
|
ما درى الوصل طائي السماح |
قد بالقد فؤادي هيفاً وسبا عقلي لما انعطفا ليته بالوصل أحيا دنفا
مستطار العقل مقصوص الجناح |
|
ما عليه في هواه من جـنـاح |
يا علي أنت نور المقل جد بوصل منك لي يا أملي كم أغنيك إذا ما لحت لي
طرقت والليل ممدود الجنـاح |
|
مرحباً بالشمس من غير صباح |
وقال أيضاً:
لله ما صنع الغرام بقلـبـه |
|
وأودى به لما ألم بلـبـه |
لباه لما أن دعاه وهـكـذا |
|
من يدعه داعي الغرام يلبه |
بأبي الذي لا يستطيع لعـجـبـه |
|
رد السلام وإن شككت فعج بـه |
ظبي من الأعراب ما ترك الضنا |
|
في لحظة من سلوة لمـحـبـه |
إن كنت تنكر ما جنى بلحاظـه |
|
في سلبه يوم الغوير فسـل بـه |
أو شئت أن تلقى غـزالاً أغـيداً |
|
في سربه أسد العرين فسر بـه |
ياما أميلـحـه وأعـذب ريقـه |
|
وأعزه وأذلنـي فـي حـبـه |
بل ما أليطف وردة فـي خـده |
|
وأرقها وأشد قسـوة قـلـبـه |
كم من خمار دون خمرة ريقـه |
|
وعذاب قلب دون رائق عذبـه |
نادى بنفسج عارضيه وقـد بـدا |
|
: يا عاشقين تمتعوا من قربـه |
وقال أيضاً:
مازلت اسقيهم وأشرب فضلهم |
|
حتى سكرت ونالهم ما نالني |
والخمر تعلم حين تأخذ ثارهـا |
|
أني أملت إناءها فأمالـنـي |
وقال أيضاً وأوصى أن يكتب على قبره:
تأمل بـحـقـك يا واقـفـاً |
|
ولاحظ مكاناً دفعـت إلـيه |
فإني حـذرت مـنـه الأنـا |
|
م وهأنا قد صرت رهناً لديه |