باب الميم - محمد بن علي بن الحسين بن عمر

محمد بن علي بن الحسين بن عمر

أبو الحسن بن أبي الصقر الواسطي، كان فقيهاً أديباً شاعراً تفقه في بغداد على أبي إسحاق الشيرازي، وعلق عنه تعليقات وسمع منه ومن أبي بكر الخطيب وأبي سعد المتولي، وروى عنه أبو غالب الذهلي والحافظ محمد بن ناصر الدين، وأبو منصور موهوب الجواليقي وغيرهم، وكان شديد التعصب لمذهب الإمام الشافعي، وظهر ذلك في قصائد المعروفة بالشافعية، وغلب عليه الأدب والشعر فبرع فيهما، وجود الخط فبلغ فيه الغاية وجمع ديوانه في مجلد، ومن شعره:  

من عارض الله في مشيئته

 

فما لديه من بطشه خبـر

لا يقدر الخلق باجتهادهـم

 

إلا على ما جرى به القدر

وقال أيضاً:

كل رزق ترجوه من مخـلـوق

 

يعتريه ضرب من التـعـويق

وأنا قـائل واسـتـغـفـر ال

 

له مقال المجاز لا التحـقـيق

لست أرضى من فعل إبليس شيئاً

 

غير ترك السجود للمخـلـوق

وقال:

من قال لي جاه ولي حشمة

 

ولي قبول عند مـولانـا

ولم يعد ذاك بنفع عـلـى

 

صديقه لا كان من كـانـا

وقال وقد طعن في السن وعجز عن المشي:

كل أمـر إذا تـفـكـرت فـيه

 

أو تأمـلـتـه رأيت ظـريفـاً

كنت أمشي على اثنـتـين قـوياً

 

صرت أمشي على ثلاث ضعيفا

وحضر عزاء طفل وهو يرتعش من الكبر، فتغامز عليه الحاضرون يشيرون إلى موت الطفل وطول حياته مع هذه السن، ففطن لهم وقال:

إذا دخل الشيخ بين الشـبـاب

 

عزاء وقد مات طفل صغير

رأيت اعتراضاً على اللـه إذ

 

توفي الصغير وعاش الكبير

فقل لابن شهر وقل لابن دهر

 

وما بين ذلك: هذا المصـير

وقال أيضاً:

علة سميت ثمانين عامـاً

 

منعتني للأصدقاء القياما

فإذا عمروا تمهد عـذري

 

عندهم بالذي ذكرت وقاما

وقال:

ابن أبي الصقر افتكر

 

وقال في حال الكبر

والـلـه لـولا بـولة

 

تحرقني وقت السحر

لما ذكـرت أن لـي

 

ما بين فخذي ذكـر

وقال:

وحرمة الود مالي عندكم عـوض

 

لأنني ليس لي في غيركم غرض

أشتاقكم وبودي لو يواصـلـنـي

 

لكم خيال ولكن لست أغتمـض

وقد شرطت على صحب صحبتهم

 

بأن قلبي لكم من دونهم فرضـوا

ومن حديثي بكم قالوا: به مرض

 

فقلت: لا زال عني ذلك المرض

وقال:

ولما إلى عشر تسعين صرت

 

ومالي إليها أب قبل صـارا

تيقنت أنـي مـسـتـبـدل

 

بداري داراً والجار جـارا

فتبت إلى الله مما مـضـى

 

ولن يدخل الله من تاب نارا

وكان مولد ابن أبي الصقر في ذي القعدة سنة تسع وأربعمائة، وتوفي يوم الخميس رابع عشر جمادى الأولى سنة ثمان وستين وأربعمائة.