باب الميم - محمد بن واقد

محمد بن واقد

الواقدي المدني مولى الأسلميين، أحد أوعية العلم وصاحب التصانيف الكثيرة، وسمع من مالك بن أنس والثوري ومعمر بن راشد بن أبي ذؤيب وغيرهم، وروي عنه جماعة من الأعيان وكاتبه محمد بن سعد الزهري، وكان عارفاً برأي مالك وسفيان الثوري.

وقال أبو داود الحافظ: بلغني أن ابن المديني قال: كان الواقدي يروي ثلاثين ألف حديث غريب، وكان ذلك إلى حفظه المنتهي في المغازي والسير والأخبار وأيام الناس والوقائع والفقه وغير ذلك، ولقي الواقدي ابن جريج وابن عجيلان ومعمراً وثور بن يزيد.

وقال الإمام إبراهيم الحربي: الواقدي أمين الناس على الإسلام. وقال البخاري: سكتوا عنه. وقال محمد بن إسحاق: والله لولا أنه عندي ثقة ما حدثت عنه. وقال مصعب بن الزبير: والله ما رأينا مثل الواقدي، وقال: أيضاً: الواقدي ثقة مأمون.

وقال الإمام إبراهيم الحربي: من قال إن مسائل مالك وابن أبي ذؤيب تؤخذ من أوثق من الواقدي فلا تصدقه. وقال الحافظ الدراوردي: الواقدي أمير المؤمنين في الحديث. وقال محمد بن سلام الجمحي: الواقدي علم دهره. وقال جابر ابن كردي: سمعت يزيد بن هارون يقول: الواقدي ثقة، ووثقه أيضاً أبو عبيد القاسم بن سلام.

وقال الخطيب في تاريخه: قدم الواقدي بغداد وولي قضاء الجانب الشرقي منها، وهو ممن طبق الأرض شرقها وغربها ذكره، ولم يخف على أحد عرف الأخبار أمره، وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات وأخبار النبي صلى الله عليه وسلم والأحداث الكائنة في وقته وبعد وفاته، وكتب الفقه واختلاف الناس في الحديث وغير ذلك، وكان جواداً مشهوراً بالسخاء - انتهى -. وسئل معن القزاز عن الواقدي فقال: أنا أسأل عن الواقدي؟ والواقدي يسأل عني، يعني تحري الواقدي في معرفة الرجال.

قال المؤلف: وهو مع ذلك ضعفه طائفه من المحدثين كابن معين وأبي حاتم والنسائي وابن عدي وابن راهويه والدارقطني، أما في أخبار الناس والسير والفقه وسائر الفنون فهو ثقة بإجماع، وكان الرشيد قد ولاه القضاء بشرقي بغداد، ثم ولاه المأمون القضاء بعسكر المهدي وكان يكرم جانبه ويبالغ في رعايته، وكتب الواقدي إلى المأمون مرة يشكو ضائقة ركبه بسببها دين وعين مقداره، فوقع المأمون على قصته بخطه: فيك خلتان: سخاء وحياء، فالسخاء أطلق يديك بتبذير ما ملكت، والحياء حملك على أن ذكرت لنا بعض دينك، وقد أمرنا لك بضعف ما سألت، وإن كنا قصرنا عن بلوغ حاجتك فبجنايتك على نفسك، وإن كنا بلغنا بغيتك فزد في بسطة يدك، فإن خزائن الله مفتوحة، ويده بالخير مبسوطة، وأنت حدثتني حين كنت على قضاء الرشيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للزبير: يا زبير، إن مفاتيح الرزق بإزاء العرش، ينزل الله سبحانه وتعالى للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم، فمن كثر كثر له، ومن قلل قلل عليه. قال الواقدي: نسيت الحديث، وكان تذكيره لي به أعجب من صلته.

وعن ابن أبي الأزهر قال: حدثني أبو سهل الداري عمن حدثه عن الواقدي قال: كان لي صديقان أحدهما هاشمي وكنا كنفس واحدة فنالتني ضيقة شديدة وحضر العيد فقالت امرأتي: أما نحن في أنفسنا فنصبر على البؤس والشدة، وأما صبياننا هؤلاء فقد قطعوا قلبي رحمة لهم، لأنهم يرون صبيان الجيران قد تزينوا في عيدهم وأصلحوا ثيابهم وهم على هذه الحال من الثياب الرثة، فلو احتلت بشيء نصرفه في كسوتهم قال: فكتبت إلى صديقي الهاشمي أسأله التوسعة علي بما حضر، فوجه إلى كيساً مختوماً ذكر أن فيه ألف درهم، فما استقر قراري إذ كتب إلى الصديق الآخر يشكو مثل ما شكوت إلى صاحبي، فوجهت إليه الكيس بحاله، وخرجت إلى المسجد فأقمت فيه ليلى مستحيياً من امرأتي، فلما دخلت عليها وأخبرتها بما فعلت استحسنت ما كان مني ولم تعنفني عليه. فبينا أنا كذلك إذ وافى صديقي الهاشمي ومعه الكيس كهيئته فقال لي: أصدقني عما فعلته فيما وجهت إليك، فعرفته الخبر على وجهه فقال: إنك وجهت إلي وما أملك على الأرض إلا ما بعثت به إليك، وكتبت إلى صديقنا أسأله المواساة فوجه إلي كيسي بخاتمي، قال الواقدي: فتقاسمنا الكيس أثلاثاً ونمى الخبر إلى المأمون، فدعاني فشرحت له الخبر، فأمر لنا بسبعة آلاف دينار لكل واحد ألفا دينار، وللمرأة ألف دينار.

وروى ابن سعد عن الواقدي أنه قال: ما من أحد إلا وكتبه أكثر من حفظه، وحفظي أكثر من كتبي وقال يعقوب بن شيبه: لما تحول الواقدي من الجانب الغربي يقال أنه حمل كتبه على عشرين ومائة وقر، وقيل كان له ستمائة قمطر كتب، ولد سنة ثلاثين ومائة، وتوفي عشية يوم الاثنين حادي عشر ذي الحجة سنة سبع ومائتين عن سبعة وسبعين عاماً ودفن في مقابر الخيزران. وله من الكتب: كتاب الاختلاف يحتوي على اختلاف أهل المدينة والكوفة في الشفعة والصدقة والعمرى والرقبى والوديعة وعلى كتب الفقه الباقية، كتاب غلط الحديث، كتاب السنة والجماعة وذم الهوى، كتاب ذكر القرآن، كتاب الآداب، كتاب الترغيب في علم القرآن، التاريخ الكبير، كتاب التاريخ والمغازي والبعث، أخبار مكة، كتاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، كتاب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كتاب السقيفة وبيعة أبي بكر، كتاب سيرة أبي بكر ووفاته، كتاب الردة والدار، كتاب السيرة، كتاب أمر الحبشة والفيل، كتاب حرب الأوس والخزرج، كتاب المناكح، كتاب يوم الجمل، كتاب صفين، كتاب مولد الحسن والحسين، كتاب مقتل الحسين، كتاب فتوح الشام، كتاب فتوح العراق، كتاب ضرب الدنانير والدراهم، كتاب مراعي قريش والأنصار في القطائع ووضع عمر الدواوين، كتاب الطبقات، تاريخ الفقهاء.