باب الميم - محمد بن فتوح بن عبد الله بن حميد

محمد بن فتوح بن عبد الله بن حميد

أبو عبد الله الأزدي الحميدي الحافظ المؤرخ الأديب أصله من قرطبة، وولد بميورقة جزيرة بالأندلس قبل العشرين وأربعمائة، وكان يحمل على الكتف للسماع سنة خمس وعشرين وأربعمائة، وأول من سمع منه أبو القاسم أصبغ، وتفقه بابن أبي زيد القيرواني، وروى عنه رسالته ومختصر المدونة، ورحل سنة ثمان وأربعين وأربعمائة إلى المشرق فج وسمع بمكة، وقدم مصر فسمع بها من الضراب والقراعي وغيرهما. وكان سمع بالأندلس من الحافظ ابن عبد البر، وأبي محمد بن حزم الظاهري ولازمه وقرأ عليه أكثر مصنفاته وأكثر من الأخذ عنه، وشهر بصحبته وكان على مذهبه إلا أنه لم يتظاهر بذلك، وسمع بإفريقية ودمشق، وأقام بواسط مدة ثم رجع إلى بغداد واستوطنها، وروى عن الخطيب البغدادي وكتب عنه أكثر مصنفاته، وروى عنه الأمير الحافظ الأديب أبو نصر علي بن ماكولا وقال: أخبرنا صديقنا أبو عبد الله الحميدي وهو من أهل العلم والفضل والتيقظ: لم أر مثله في عفته ونزاهته وورعه وتشاغله بالعلم. وقال بعض أكابر عصره ممن لقي الأئمة: لم تر عيناي مثل أبي عبد الله لحميدي في فضله ونبله ونزاهته وغزارة علمه، وحرصه على نشر العلم وبثه في أهله، وكان ورعاً ثقة إماماً في علم الحديث وعلله، ومعرفة متونه ورواته، محققاً في علم الأصول على مذهب أصحاب الحديث، متبحراً في علم الأدب والعربية وكان يقول: ثلاثة أشياء من علوم الحديث يجب تقديم الاهتمام بها: العلل وأحسن كتاب صنف فيها كتاب الدارقطني، ومعرفة المؤتلف والمختلف، وأحسن كتاب وضع فيه كتاب الأمير أبي نصر بن ماكولا، ووفيات الشيوخ وليس فيها كتاب. وقد كنت أردت أن أجمع في ذلك كتاباً فقال لي الأمير ابن ماكولا: رتبه على حروف المعجم بعد أن رتبته على السنين.

قال أبو بكر بن طرخان: فشغله عنه الصحيحان إلى أن مات، توفي ببغداد ليلة الثلاثاء سابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وكان أوصى مظفر بن رئيس الرؤساء أن يدفنه عند قبر بشر الحافي، فخالف وصيته ودفنه في مقبرة باب البزر، فلما مضت مدة رآه مظفر في النوم يعاتبه على مخالفته، فنقل في صفر سنة إحدى وتسعين وأربعمائة إلى مقبرة باب حرب ودفن عند قبر بشر، ووجد كفنه حين نقل وبدنه طرياً تفوح منه رائحة الطيب.

صرف الحميدي جذوة المقتبس في أخبار علماء الأندلس ألفه في بغداد وذكر في خطبته أنه كتبه من حفظه، وتاريخ الإسلام، والأماني الصادقة، وتسهيل السبيل إلى علم الترسيل، والجمع بين الصحيحين للبخاري ومسلم، وكتاب ذم النميمة، والذهب المسبوك في وعظ الملوك، وكتاب ما جاء من النصوص والأخبار في حفظ الجار، ومخاطبات الأصدقاء في المكاتبات واللقاء، وكتاب من ادعى الأمان من أهل الإيمان، ومن شعره:

كلام الله عز وجل قولـي

 

وما صحت به الآثار ديني

وما اتفق الجميع عليه بدءاً

 

وعوداً فهو عن حق مبين

فدع ما صد عن هذا وهذا

 

تكن منها على عين اليقين

وقال:

ألفت النوى حتى أنسـت بـوحـشـتـي

 

وصرت بها لا بالصـبـابة مـولـعـا

فلم أحص كم رافقت فيهـا مـرافـقـاً

 

ولم أحص كم يممت في الأرض موضعا

ومن بعد جوب الأرض شرقاً ومغـربـاً

 

فلا بد لـي م أن أوافـي مـصـرعـا

وقال:

لقاء الناس ليس يفيد شـيئاً

 

سوى الهذيان من قيل وقال

فأقلل من لقاء الـنـاس إلا

 

لأخذ العلم أو إصلاح حال