باب الميم - محمد بن محمد بن جعفر

محمد بن محمد بن جعفرٍ

أبو الحسن المعروف بابن لنكك البصري الشاعر الأديب، كان فرد البصرة وصدر أدبائها في زمانه، أدركته حرفة الأدب فقصر به جهده عن بلوغ الغاية التي كانت تسمو إليها نفسه، إذ كان التقدم في زمنه لأبي الطيب المتنبي وأبي رياش اليمامي، فكسدت بضاعته بنفاق سو قهما، وانحط نجحه عن مطلع سعادتهما، فولع بثلبهما والتشفي بهجوهما وذمهما، فكان أكثر شعره في شكوى الزمان وأهله وهجاء شعراء عصره، وكان أبلغ شعره ما لم يتجاوز البيتين والثلاثة. وكان يروي قصيدة دعبل آلتي أولها:

مدارس آيات خلت من تلاوةً

يرويها عن أبي الحسين العبداني عن أخيه عن دعبل، ورواها عنه ابن جخجخٍ النحوي ومن شعره:

نحن والله في زمان غـشـوم

 

لو رأيناه في المنام فزعـنـا

يصبح الناس فيه من سوء حال

 

حق من مات منهم أن يهنـا

وقال:

جار الزمان علينا في تصـرفـه

 

وأي دهر على الأحرار لم يجر؟

عندي من الدهر ما لو أن أيسره

 

يلقي على الفلك الدوار لـم يدر

وقال:

نحن من الدهر في أعاجيبـا

 

فنسأل الله صـبـر أيوبـا

أقفرت الأرض من محاسنها

 

فابك عليها بكاء يعقـوبـا

وقال:

زمان قد تفرع للفـضـول

 

وسود كل ذي حمق جهول

فإن أحببتم فيه ارتفـاعـاً

 

فكونوا جاهلين بلا عقول

وقال:

يعيب الناس كلهم الزمانـا

 

وما لزماننا عيب سـوانـا

نعيب زماننا والعيب فينـا

 

ولو نطق الزمان إذا هجانا

ذئاب كلنا فـي زي نـاس

 

فسبحان الذي فيه بـرانـا

يعاف الذئب يأكل لحم ذئب

 

ويأكل بعضنا بعضاً عيانـا

وقال أيضاً:

أقول لعصبة بالفقه صالـت

 

وقالت ما خلا ذا العلم باطل

أجل لا علم يوصلكـم سـواه

 

إلى مال اليتامى والأرامـل

أراكم تقبلون الحكم قـلـبـاً

 

إذا ما صب زيت في القنادل

القنادل والقناديل بمعنىً، وصب الزيت فيها كناية عن الرشوة، وقال:

مضى الأحرار وانقرضوا وبادوا

 

وخلفني الزمان على عـلـوج

وقالوا قد لزمت الـبـيت جـداً

 

فقلت لفقد فـائدة الـخـروج

فمن ألقى؟ إذا أبصرت فـيهـم

 

قروداً راكبين على الـسـروج

زمان عز فيه الجـود حـتـى

 

كأن الجود في أعلى البـروج

وقال:

يازمانـاً ألـيس الأح

 

رار ذلاً ومـهـانة

لست عندي بزمـان

 

إنما أنـت زمـانـه

كيف نرجو منك خيراً

 

والعلى فيك مهانة؟

أجنـون مـا نـراه

 

منك يبدو أم مجانه؟

وقال يهجو أبا رياش اليمامي الشاعر المشهور:

نبئت أن أبا رياش قد حـوى

 

علم اللغات وفاق فيما يدعي

من مخبري عنه؟ فإني سائل

 

من كان حنكة بأير الأصمعي

وقال يهجو أبا الطيب المتنبي وكان يزعم أن أباه كان سقاء بالكوفة:

قولا لأهل زمـان لا خـلاق لـهـم

 

ضلوا عن الرشد من جهل بهم وعموا

أعطيتم المتنبي فوق منيتـه

 

فزوجوه برغمٍ أمهاتـكـم

لكن بغداد جاد الغيث ساكنها

 

نعالهم في قفا السقاء تزدحم

         

وقال فيه أيضاً:

ما أوقح المتنبـي

 

فيما حكى وادعاه

أبيح مالاً عظيمـاً

 

أبـاح قـفــاه

يا سائلي عن غناه

 

من ذاك كان غناه

إن كان ذاك نبـياً

 

فالجاثـلـيق إلاه

وقال فيه:

متنبيكم ابن سـقـاء كـوفـا

 

ن ويوحي من الكنيف إلـيه

كان من فيه يسلح الشعر حتى

 

سلحت فقحة الزمان علـيه

وقال في الرملي الشاعر:

حلف الرملي فيما

 

قص عني وحكاه

يدعي يوم اصطلحنا

 

أنني قبلـت فـاه

لم أقبل فاه لـكـن

 

قبلت نعلي قفـاه

وقال في مبرمان النحوي:

صداع من كلامك يعترينا

 

وما فيه لمستمع بـيان

مكابرة ومخرقة وبهـت

 

لقد أبرمتنا يا مبرمـان

وقال:

تولى شباب كنت فيه منـعـمـاً

 

تروح وتغدو دائم الـفـرحـات

فلست تلاقيه ولو سرت خلـفـه

 

كما سار ذو القرنين في الظلمات

وقال:

قد شربنا على شقـائق روض

 

شربت عبرة السحاب السكوب

صبغت من دم القلوب فما تب

 

صر إلا تعلقت بالـقـلـوب

وقال أيضاً وفيه الإيمان إلى حديث: - امرؤ القيس قائد الشعراء إلى النار -:

إذا خفق اللواء علـي يومـاً

 

وقد حمل امرؤ القيس اللواء

رجوت الله لا أرجو سـواه

 

لعل الله يرحم مـن أسـاء