المعروف بابن شرف، الجذامي القيرواني الأديب الكاتب الشاعر أبو عبد الله. روى عن أبي الحسن القابسي، وأبي عمران الفاسي، وقرأ النحو على أبي عبد الله محمد بن جعفر القزاز، وأخذ العلوم الأدبية عن أبي إسحاق إبراهيم الحصري وغيرهم فبرع في الكتابة والشعر، وتقدم عند الأميرالمعز بن باديس أميرإفريقية، وكانت القيروان في عهده وجهة العلماء والأدباء، تشد إليها الرحال من كل فج لما يرونه من إقبال المعز على أهل العلم والأدب وعنايته بهم.
وكان ابن شرف وابن رشيق صاحب العمدة متقدمين عنده على سائر من في حضرته من الأفاضل والأدباء، فكان يقرب هذا تارة ويدني ذاك تارة، فتنافسا وتنافرا ثم تهاجيا، ولكن لم يتغير أحدهما على الآخر بما جرى بينهما من المناقصات، ولم يزل ابن شرف ملازماً لخدمة المعز إلى أن هاجم عرب الصعيد القيروان، واضطر المعز إلى الخروج منها إلى المهدية سنة سبع وأربعين وأربعمائة، فخرج ابن شرف وسائر الشعراء معه إليها واستقروا بها، فأقام ابن شرف مدة بالمهدية ملازماً خدمة المعز وابنه تمم، ثم خرج منها قاصداً صقلية ولحق به رفيقه ابن رشيق فاجتمعا بها ومكثا بها مدة، ثم استنهضه ابن شرف على دخول الأندلس، فتردد ابن رشيق وأنشد:
مما يزهدني في أرض أندلـس |
|
أسماء مقتدر فيها ومعـتـضـد |
ألقاب مملكة في غير موضعهـا |
|
كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد |
فأجابه ابن شرف على الفور:
إن ترمك الغربة في معشـر |
|
قد جبل الطبع على بعضهـم |
فدارهم ما دمت فـي دارهـم |
|
وأرضهم ما دمت في أرضهم |
ثم شخص ابن شرف منفرداً إلى الأندلس، وتنقل في بلادها وسكن المرية بعد مقارعة أهوالٍ ومقاومة خطوب، وتردد على ملوك الطوائف كآل عباد وغيرهم، وتوفي بإشبيلية سنة ستين وأربعمائة، ومن شعره:
لك مجلس كملت دواعي لهونـا |
|
فيه ولكن تحـت ذاك حـديث |
غنى الذباب فظل يزمر حولـه |
|
فيه البعوض ويرقص البرغوث |
وقال في وصف وادي عذراء بمدينة برجة من أعمال المرية:
رياض غلائلها سنـدس |
|
توشت معاطفها بالزهر |
مدامعها فوق خط الـريا |
|
لها نظرة فتنت من نظر |
وكل مكان بـهـا جـنة |
|
وكل طريق إليها سفـر |
وقال في ليلة أنس باردة ممطرة:
ولقد نعمت بليلة جمـد الـحـيا |
|
في الأرض فيها والسماء تذوب |
جمع العشاءين المصلي وانزوى |
|
فبها الرقيب كأنـه مـرقـوب |
والكأس كاسية القميص يديرهـا |
|
ساقٍ كخود كفه مخـضـوب |
هي وردة في خده وبكأسها الـد |
|
دري منها عسجد مصـبـوب |
مني إليه ومـن يديه إلـى يدي |
|
الشمس تطلع تـارة وتـغـيب |
وقال:
قالوا تسابقت الحـمـي |
|
رفقلت من عدم السوابق |
خلت الدسوت من الرخا |
|
خ ففرزنت فيها البيادق |
وقال:
إذا صحبت الفتى جد وسعد |
|
نحامته المكاره والخطوب |
ووافاه الحبيب بغـير وعـد |
|
طفيلياً وقاد له الـرقـيب |
وعد الناس ضرطته غنـاء |
|
وقالوا إن فسا قد فاح طيب |
وقال:
ولقد يهون أن يخونك كاشـح |
|
كون الخيانة من أخ وخـدين |
لقى أخو يعقوب يعقوب الأذى |
|
وهما جميعاً في ثياب جنـين |
ومضى عقيل عن عليٍ خاذلاً |
|
ورأى الأمين جناية المأمون |
فعلى الوفاء سلام غير معاين |
|
شخصاً له إلا عيان ظنـون |
وقال في الحر يخدم أصحابه:
خادمنا خيرنا وأفضـلـنـا |
|
نطرح أعباءنا ويحملـهـا |
فنحن يسرى اليدين تخدمهـا |
|
يمناهما الدهر وهي أفضلها |
وقال في مليح اسمه عمر:
يا أعدل الناس اسماً كم تجور علي |
|
فؤاد مضناك بالهجران والـبـين |
أظنهم سلبوك القاف من قـمـر |
|
فأبدلوها بعـين خـيفة الـعـين |
وقال يمدح شيخه أبا الحسن علي بن أبي الرجال:
جاور علياً ولا تحفـل بـحـادثة |
|
إذا أدرعت فلا تسأل عن الأمـل |
اسم حكاه المسمى في الفعال وقد |
|
حاز العليين من قول ومن عمـل |
فالماجد السيد الحر الـكـريم لـه |
|
كالنعت والعطف والتوكيد والبدل |
زان العلا وسواه شانـهـا وكـذا |
|
تميز الشمس في الميران والحمل |
سل عنه وانطق به وانظر إليه تجد |
|
ملء المسامع والأفواه والمـقـل |
وقال:
كسيت قناع الشيب قبل أوانه |
|
وجسمي عليه للشباب وشاح |
ويارب وجهٍ فيه للعين نزهة |
|
أمانع عيني منه وهو مباح |
وقال من قصيدة فيما حل بالقيروان:
ترى سيئات القيروان تعاظمت |
|
فجلت عن الغفران والله غافر |
تراها أصيبت بالكبائر وحدهـا |
|
ألم تك قدماً في البلاد الكبائر؟ |
تكشفت الأستار عن أهلها وكم |
|
أقيمت ستور دونهم وستـائر |
وقال:
إحذر محاسن أوجه فقدت محا |
|
سن نفسها ولو أنها أقـمـار |
سرج تلوح إذا نظرت وأنهـا |
|
نور يضئ وإن مست فنـار |
وقال:
وما بلوغ الأماني من مواعدهـا |
|
إلا كأشعب يرجو وعد عرقوب |
وقد تخلف مكتوب القضاء بهـا |
|
فكيف لي بقضاء غير مكتوب؟ |
ولابن شرفٍ القيرواني من التصانيف: أبكار الأفكار جمع فيه ما اختاره من شعره، وأعلام الكلام مجموع فيه فوائد ولطائف وملح منتخبة، ورسأل ة الانتقاد وهي على طراز مقامةٍ نقد فيها شعر طائفة من شعراء الجاهلية والإسلام، وديوان شعر وغير ذلك.