باب الميم - محمد بن مناذر

محمد بن مناذر

مولى بنى صبير بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم أبو جعفر، وقيل أبو عبد الله، وقيل أبو ذريحٍ، وذريح ابن له مات صغيراً، وهو شاعر فصيح متقدم في العلم باللغة إمام فيها،أخذعنه كثير من اللغويين. وكان في أول أمره ناسكاً يتأله ثم ترك ذلك وهجا الناس، وتهتك فوعظته المعتزلة فلم يتعظ، فزجروه فهجاهم وقذفهم حتى نفى عن البصرة إلى الحجاز فمات هناك سنة ثمان وتسعين ومائة، وكان قارئاً تروى عنه حروف يقرأ بها. وصحب الخليل بن أحمد وأبا عبيدة وأخذ عنهما الأدب واللغة، وله معرفة بالحديث، روى عن سفيان بن عيينة وسفيان النوري وشعبة وجماعة، وذكر ليحيى بن معين فقال: لا يروي عنه من فيه خير، وذكر له مرة فقال: أعرفه كان يرسل العقارب في المسجد بالبصرة حتى تلسع الناس، وكان يصب المداد بالليل في أماكن الوضوء حتى يسود وجوههم.

وقال أبو العتاهية يوماً لابن مناذر: كيف أنت في الشعر فقال: أقول في الليلة عشرة أبيات إلى خمسة عشر. فقال أبو العتاهية: لو شئت أن أقول في الليلة ألف بيت لقلت.
فقال أجل والله لأنك تقول:

ألا يا عتبة الـسـاعة

 

أموت الساعة الساعة

وتقول:

ياعتب مالي ولك

 

يا ليتى لم أرك

وأنا أقول:

ستظلم بغداد ويجلو لنا الـدجـى

 

بمكة ما عشنـا ثـلاثة أبـحـر

إذا وردوا بطحاء مكة أشرقـت

 

بيحيى وبالفضل بن يحيى وجعفر

فما خلقت إلا لجـود أكـفـهـم

 

وأرجلهم إلا لأعـواد مـنـبـر

ولو أردت مثله لتعذر عليك الدهر، وإني لا أعود نفسي مثل كلامك الساقط فخجل أبو العتاهية. وقال يوماً ليونس النحوي يعرض به: أينصرف جبل أم لا؟ فقل له: لقد عرفت ما أردت يابن الزانية، فانصرف وأعد شهوداً ثم جاءه وأعاد السؤال، وعرف يونس ما أراد فقال الجواب ما سمعته أمس.

قال الجاحظ: كان ابن مناذر مولى سليمان القهرماني، وسليمان مولى عبيد الله ابن أبيبكرة، وعبيد الله مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مولى مولى مولى، ثم ادعى أبو بكرة أنه ثقفي وادعى سليمان أنه تميمي، وادعى ابن مناذر أنه من بني صبير بن يربوع، فهو دعي مولى دعيٍ مولى دعيٍ، وهذا مما لم يجتمع في غيره، وعن محمد بن يزيد النحوي: أن ابن مناذرٍ كان إذا قيل له ابن مناذرٍ بفتح الميم يغضب ثم يقول: أمناذر الصغرى أم مناذر الكبرى؟ وهما كورتان من كور الأهواز، إنما هو مناذر على وزن مفاعل من ناذر فهو مناذر، ومما هدد به المعتزلة حين توعدوه ومنعوه من دخول المسجد قوله:

أبلغ لديك بنى تميم مـألـكـاً

 

عني وعرج في بني يربـوع

إني أخ لكم بـدار مـضـيعة

 

بومٍ وغربانٍ عـلـيه وقـوع

يا للقبائل من تميمٍ مـا لـكـم

 

روبى ولحم أخيكم بمـضـيع

وإذا تخربت القبائل صـلـتـم

 

بفتى لكل ملـمةٍ وفـظـيع

هبوا له فلقد أراه بنصـركـم

 

يأوي إلى جبل أشـم مـنـيع

إن أنتم لم توتـروا لأخـيكـم

 

حتى يباء بوتره المـتـبـوع

فخذوا المغازل بالأكف وأيقنوا

 

ماعشتم بمـذلةٍ وخـضـوع

إن كنتم حرباً على أحسابـكـم

 

سمعاً فقد أسمعت كل سمـيع

أين الرياحيون لم أر مثلـهـم

 

في النائبات وأين رهط وكيع؟

وروى المبرد عن أبي واثلة قال: كان أبان اللاحقي يولع بابن مناذر ويقول له: إنما أنت شاعر في المراثي فإذا مت فلا ترثني، وكثر ذلك من أبان عليه حتى أغضبه فقال يهجوه:

غنج أبانٍ ولبن منـطـقـه

 

يخبر الناس أنه حلـقـي

داء به تعرفون كـلـكـم

 

يا آل عبد الحميد في الأفق

حتى إذا ما المساء جلـلـه

 

كان أطباؤه على الطـرق

ففرجوا عنه بعض كربتـه

 

بمستطير مطوق العنـق

وقال يرثى سفيان بن عيينة

يجني من الحكمة سفيانـنـا

 

ماتشتهى الأنفـس ألـوانـا

يا واحد الأمة في عـمـلـه

 

لقيت من ذي العرش غفرانا

راحوا بسفيان على عرشـه

 

والعلم مكسوين أكـفـانـا