باب الميم - محمود عمر بن احمد

محمود عمر بن احمد

أبو القاسم الزمخشري جار الله، كان إماماً في التفسير والنحو واللغة والأدب، واسع العلم كبير الفضل متفنناً في علوم شتىً، معتزل المذهب متجاهراً بذلك. قال ابن اخته أبو عمر وعامر بن الحسن المسار: ولد خالي بزمخشر من أعمال خوارزم يوم الأربعاء السابع والعشرين من رجب سنة سبع وستين وأربعمائة. واخذ الأدب عن أبي مضر محمود بن جريرالضبي الأصبهاني، وأبي الحسن علي ابن المظفر النيسابوري، وسمع من شيخ الاسلام أبي منصور نصر الحارثي، ومن أبي سعد الشقاني، وأصابه خراج في رجله فقطعها واتخذ رجلاً من خشب، وقيل أصابه برد الثلج في بعض أسفاره بنواحي خوارزم فسقطت رجله وحكى أن الدامغاني المتكلم الفقيه، سأله عن سبب قطع رجله فقال: دعاء الوالدة، وذلك أني أمسكت عصفوراً وأنا صبي صغير وربطت برجله خيطاً فأفلت من يدي ودخل خرقاً فجذبته فانقطعت رجله، فتألمت له والدتي وقالت: قطع الله رجلك كما قطعت، فلما رحلت إلى بخارى في طلب العلم سقطت عن الدابة في أثناء الطريق فانكسرت رجلي وأصابني من الألم ما أوجب قطعها، ولما قدم الزمخشري إلى بغداد قاصداً الحج زاره الشريف أبو السعادات هبة الله بن الشجري مهنئاً له بقدومه، فلما جلس إليه أنشده متمثلاً:

كانت مساءلة الركبان تخبرنـي

 

عن أحمد بن دواد طيب الخبـر

حتى التقينا فلا والله ما سمعـت

 

أذني بأحسن مما قد رأى بصري

وأنشد أيضاً:

واستكبر الأخبار قبل لـقـائه

 

فلما التقينا صغر الخبر الخبر

ثم أخذ يثني عليه فلم ينطق الزمخشري حتى فرغ ابن الشجري من كلامه، فلما أتم كلامه شكر الشريف وعظمه، وتصاغر له ثم قال إن زيد الخيل دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بصر بالنبي صلى الله عليه وسلم رفع صوته بالشهادتين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يازيد الخيل: كل رجل وصف لي وجدته دون الصفة إلا أنت، فإنك فوق ما وصفت، وكذلك سيدنا الشريف، ثم دعا له وأثنى عليه. توفي أبو القاسم الزمخشري بقصبة خوارزم ليلة عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة.
ومن شعره:

ألعلم للرحمن جل جلالـه

 

وسواه في جهلاته يتغمغم

ماللتراب وللعلوم وإنـمـا

 

يسعى ليعلم أنه لايعـلـم

وقال أيضاً:

كثر الشك والخـلاف وكـل

 

يدعى الفوز بالصراط السوي

فاعتصامي بـلا إلـه سـواه

 

ثم حبي لأحـمـد وعـلـي

فاز كلب بحب أصحاب كهف

 

كيف أشقى بحب آل نبـي؟

وقال في مدح تفسير الكشاف:

إن التفاسير في الدنيا بـلا عـدد

 

وليس فيها لعمري مثل كشافـي

إن كنت تبغي الهدى فالزم قراءته

 

فالجهل كالداء والكشاف كالشافي

ومن كلامه ما استخرجته من كتابة الأطواف قال: استمسك بحبل مواخيك ماستمسك باواخيك واصحبه ما صحب الحق وأذعن، وحل مع أهله وظعن، فان تنكرت أنحاؤه، ورشح بالباطل إناؤه، فتعوض عن صحبته وإن عوضت الشع، وتصرف بحبله ولو أعطيت النسع، فصاحب الصدق أنفع من الترياق النافع، وقرين السوء أضر من السم الناقع. وقال: الدعة من الضعة مرة لاتشره إليها نفس حرة. وقال: الكريم إذا ريم على الضيم نبا، والسرى متى سيم الخسف أبي، وقلما عرفت الأنفة والإباء في غير من شرفت منه الإباء. وقال: عزة النفس وبعد الهمة، الموت الأحمر والخطوب المدلهمة، ولكن من عرف منهل الذل فعافه، استعذب نقيع العز وذعافه. وقال: أحمق من النعامة من افتخر بالزعامة، لم أر أشقى من الزعيم، ولا أبعد منه من الفوز بالنعيم، هالك في الهوالك، خابط في الظلم الحوالك، على آثاره العفاء، أدركته بمجانيقها الضعفاء. وقال: الدنيا أدوار، والناس أطوار، فالبس لكل يوم بحسب مافيه من الطوارق، وجانس كل قوم بقدر مالهم من الطرائق، فلن تجري الأيام على أمنيتك، ولن تنزل الأقوام على قضيتك. وقال: ألا أحدثك عن بلد الشوم؟ ذلك بلد الوالي الغشوم، فإياك وبلد الجور، وإن كنت أعز من بيضة البلد، وأحظى أهله بالمال المثمر والولد، وتوقع أن تسقط فيه الطيور النواعق، وتأخذ أهله الرجفة والصواعق.

 وقال: لا تقنع بالشرف التالد، فذلك الشرف للوالد، واضمم إلى التالد طريفاً حتى تكون بهما شريفاً، ولا تدل بشرف أبيك مالم تدل عليه بشرف فيك. وقال: كب الله على مناخره من زكى نفسه بمفاخره، على أن رب مساخر يعدها الناس مفاخر. وقال: ما لعلماء الشيء جمعوا عزائم الشرع ودونوها، ثم رخصوا فيها لأمراء السوء وهونوها، إنما حفظوا وعلقوا، وصفقوا وحلقوا، ليقمروا المال وييسروا، ويفقروا، الأيتام ويوسروا، أكمام واسعة، فيها أطلال لاسعة، وأقلام كأنها أزلام، وفتوى يعمل بها الجاهل فيستوي ومن إنشائه ما كتب به إلى حافظ الاسكندرية أبي الطاهر السلفي جواب عن كتاب كتبه إليه يستجير هبة وهو: ما مثلي مع أعلام العلماء، إلا كمثل السهام مع مصابيح السماء، والجهام الصفر والرهام مع الغوادي الغامرة للقيعان والآكام، والسكيت المخلف عن خيل السباق، والبغاث مع الطير العناق، وما التلقيب بالعلامة، إلا شبه الرقم والعلامة، والعلم مدينة أحد بابها الدراية، والثاني الرواية، وأنا في كلا البابين ذو بضاعة مزجاة، ظلي فيها أقلص من ظل حصاة، أما الرواية فحديثة الميلاد قريبة الأسناد لم تستند إلى علماء نحارير، ولا إلى أعلام مشاهير. وأما الدراية فتمد لا يبلغ أفواها، وبرض ما يبل شفاها، إلى أن قال: ولا يغرنكم قول فلان وفلان، في وذكر جماعة من العلماء والشعراء أثنوا عليه ومدحوه، ثم قال: فان ذلك اغترار بالظاهر المموه، وجهل بالباطن المشوه، ولعل الذي غرهم مني مارأوا من حسن النصح للمسلمين، وبلوغ الشفقة على المستفيدين، وقطع المطامع، وإفادة المبار والصنائع، وعزة النفس والربء بها عن السفاسف والإقبال على خويصتي والإعراض عما لا يعنيني فجللت في عيونهم، وغلطوا في ونسبوني إلى مالست منه في قبل ولادبير الخ، والكتاب طويل اقتصرت منه على ما أوردت. ولأبي القاسم من التصانيف: الكشاف في تفسير القرآن، الفائق في غريب الحديث، نكت الأعراب في غريب الإعراب في غريب إعراب القرآن، كتاب متشابه أسماء الرواة، مختصر الموافقة بين أهل البيت والصحابة، الأصل لأبي سعيد الرازي إسماعيل، الكلم النوابغ في المواعظ، أطواق الذهب في المواعظ، نصائح الكبار، نصائح الصغار، مقامات في المواعظ، نزهة المستأنس، الرسالة الناصحة، رسالة المسامة، الرائض في الفرائض، معجم الحدود، المنهاج في الأصول، ضالة الناشد، كتاب عقل الكل، النموذج في النحو، المفصل في النحو أيضاً، المفرد والمؤلف فيه أيضاً، صميم العربية، الأملي في النحو، أساس البلاغة في اللغة، جواهر اللغة، كتاب الأجناس، مقدمة الأدب في اللغة، كتاب الأسماء في اللغة، القسطاس في العروض، حاشية على المفصل، شرح مقاماته، روح المسائل، سوائر الأمثال، المستقصي في الأمثال، ربيع الأبرار في الأدب والمحاضرات، تسلية الضرير، رسالة الاسارا، أعجب العجب في شرح لامية العرب، شرح المفصل، ديوان التمثيل، ديوان خطب، ديوان شعر، شرح كتاب سيبويه، كتاب الجبال والأمكنة، شافي العي من كلام الشافعي، شقائق النعمان في حقائق النعمان في مناقب الإمام أبي حنيفة، المحاجاة ومنهم مهام أرباب الحاجات في الأحاجي والألغاز المفرد والمركب في العربية وغير ذلك.