بن يحيى بن حماد بن داود النهرواني الجريري بفتح الجيم نسبة إلى ابن جرير الطبري، المعروف بابن طرارة، كان من أعلم الناس بفقه مذهب ابن جرير والنحو واللغة وفنون الأدب والأخبار والأشعار، وكان ثقة ثبتا،أخذ الأدب عن أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة المعروف بنفطويه وغيره. وروى عن أبي القاسم البغو وأبي حامد محمد بن هارون الحضرمي وأبي بكر بن داود وأبي سعيد العدوي ويحيى بن صاعد وغيرهم، وروى عنه جماعة منهم القاضي أبو الطيب الطبري وأبوالقاسم الأزهري وأحمد بن علي الثوري وأحمد بن عمر أبن روح، وولى القضاء بباب الطاق نيابة عن القاضي ابن صير، كتاب الجليس والأنيس في الأدب، والتفسير الكبير، ونصر مذهب ابن جرير الطبري ونوه به وحامى عنه.
قال أبو حيان التوحيدي: رأيته في جامع الرصافة وقد نام مستدبر الشمس في يوم شات وبه من أثر الفقر والبؤس والضر أمر عظيم مع غزارة علمه واتساع أدبه وفضله المشهور، ومعرفته بصنوف العلوم ولاسيما علم الأثر والأخبار وسير العرب وأيامها فقلت له: مهلاً أيها الشيخ وصبراً فإنك بعين الله ومرأى منه ومسمع، وما جمع الله لأحد شرف العلم وعز المال فقال: ما لابد منه من الدنيا فليس منه بد ثم قال:
يا محنة الدهر كفـى |
|
إن لم تكفي فخفـي |
قد آن أن ترحمـينـا |
|
من طول هذا التشفي |
طلبت جداً لنفـسـي |
|
فقيل لي قد تـوفـي |
فلا علومي تـجـدي |
|
ولا صناعة كـفـي |
ثور ينـال الـثـري |
|
يا وعالم متخـفـي |
وقال أحمد بن عمر بن روح: إن المعافي بن زكريا حضر في دار بعض الرؤساء وكان هناك جماعة مناهل العلم فقالوا له: في أي نوع من العلم نتذاكر؟ فقال المعافي للرئيس صاحب الدار: إن خزانتك جمعت أنواع العلوم وأصناف الأدب، فإن رأيت أن تبعث الغلام إليها يضرب بيده إلى أي كتاب منها فيحمله إليك ثم نفتحه فنظر في أي علم هو؟ فنتذاكر ونتجارى فيه، فقال ابن روح: وهذا يدل على أن المعافي كان له أنسة بسائر العلوم، وكان أبو محمد الباقر يقول: إذا حضر المعافي فقد حضرت العلوم كلها، وكان يقول أيضاً: لو أن رجلاً أوصى بثلث ماله لاعلم الناس لوجب أن يدفع إلى المعافي. وكانت ولادته يوم الخميس لسبع خلون من رجب سنة خمس وثلاثمائة، وقيل سنة ثلاث، وتوفي يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة تسعين وثلاثمائة. ومن شعره:
خالق العالمين ضامـن رزقـي |
|
فلماذا أملك الـخـلـق رقـي؟ |
قد قضي لي بما علي ومـالـي |
|
خالقي جل ذكره قبل خـلـقـي |
أصحب البذل والندى في يسـاري |
|
ورفيقي في عسرتي حسن رفقي |
فكما لا يرد عـجـزي رزقـي |
|
فكذا لايجـر رزقـي حـذقـي |
وذكر أنه عمل هذه الأبيات في معنى قول علي بن الجهم:
لعمرك ما كل التعـطـل ضـابـر |
|
ولا كل شغل فيه للمرء منـفـعة |
إذا كانت الأرزاق في القرب والنوى |
|
عليك سواء فاغتنم راحة الـدعـه |
وقال أيضاً:
ألا قل لمن كان لي حـاسـداً |
|
أتدري على من أسأت الأدب؟ |
أسأت على الله في فـعـلـه |
|
لأنك لم ترض لي ماوهـب |