باب الميم - مكي بن زيان بن شبة بن صالح

مكي بن زيان بن شبة بن صالح

أبو الحرم الماكسيني الضرير النحوي اللغوي الأديب، كان عالماً فاضلاً متفنناً والغالب عليه النحو والقراءات، قدم بغداد وقرأ على أبي محمد بن الخشاب النحوي وعلى أبي الحسن ابن العطار وأبي البركات عبد الرحمن بن الأنباري، وقرأ بالموصل على أبي بكر يحيى بن سعدون القرطبي وغيره. وقام عليه أهل الموصل وتخرج به أعيان أهلها، ورحل إلى الشام ثم عاد إلى الموصل، رأيته وكان شيخاً طوالاً على وجهه أثر الجدري إلا أنني ما قرأت عليه شيئاً وكان حراً كريماً صالحاً صبوراً على المشتغلين يجلس لهم من السحر إلى أن يصلي العشاء الآخرة، وكان من أحفظ الناس للقران ناقلاً للسبع، نصب نفسه للإقراء فلم يتفرغ للتأليف، وكان يقرأ عليه الجماعة القرآن معاً كل واحد منهم بحرف وهو يسمع عليهم كلهم ويرد على كل واحد منهم، وكان قد أخذ من كل علم طرفاً وسمع الحديث فأكثر، ومن شعره:

إذا احتاج النوال إلى شفيع

 

فلا تقبله تضح قرير عين

إذا عيف النوال لفرد مـن

 

فأولى أن يعاف لمنتـين

وقال أيضاً:

على الباب عبد يطلب الإذن قاصداً

 

به أدباً لا أن نعماك تـحـجـب

فإن كان إذن فهو كالخير داخـل

 

عليك وإلا فهو كالشـر ذاهـب

وقال أيضاً:

حيائي حافظ لي ماء وجهـي

 

ورفقي في مطالبتي رفيقـي

ولو أني سمحت ببذل وجهـي

 

لكان إلى الغنى سهلاً طريقي

وكان يتعصب لأبي العلاء المعري، ويطرب إذا قرئ عليه شعره للجامع بينهما: الأدب والعمى، لأنه أضر بالجدري صغيرا، وكان يعرف ماكسين بمكيك تصغير مكي، فلما ارتحل عن ماكسين واشتغل وتميز، اشتاق إلى وطنه فعاد إليه، وتسامع به الناس ممن كان يعرفه من قبل فزاروه وفرحوا بفضله فبات تلك الليلة، فلما كان من الغد خرج إلى الحمام سحرا فسمع امرأة تقول من غرفتها لأخرى: أتدرين من جاء؟ قالت لا، قالت جاء مكيك بن فلانة فقال: والله لا أقمت في بلد أدعى فيه بمكيك، وسافر من يومه إلى الموصل بعدما كان نوى الإقامة في وطنه، وتوفي بها يوم السبت سادس شوال سنة ثلاث وستمائة.