باب النون - نصر بن أحمد بن نصر

نصر بن أحمد بن نصر

بن المأمون أبو القاسم البصري المعروف بالخبزأرزي شاعر أمي مجيد كان لا يتهجى ولا يكتب، وكان خبازاً يخبز خبز الأرزبد كان له في مربد البصرة، فكان يخبز وهو ينشد ما يقوله من الشعر فيجتمع الناس حوله ويزدحمون عليه لإسماع شعره وملحه، ويتعجبون من اجادته في مثل حاله وحرفته، وكان ممن يفضل الذكور على الاناث، فكان أحداث البصرة يلتفون حوله ويتنافسون بميله إليهم، ويحفظون شعره لسهولته ورقته، وكان شاعر البصرة ابن لنكك مع علو قدره يجلس إليه ويتردد على دكانه، وعني بجمع ديوان شعره. ذكر الخطيب في تاريخ مدينة السلام: ان أبامحمد عبد الله بن محمد الأكفاني قال: خرجت مع عمي أبي عبد الله الأكفاني الشاعر وأبي الحسين بن لنكك وأبي عبد الله المفجع وأبي الحسن السماك في بطالة العيد وانا يومئذ صبي اصحبهم، فانتهوا إلى نصر الخبزأرزي وهو يخبز على طابقه فجلسوا يهنونه بالعيد وهو يوقد السعف تحت الطابق فزاد في الوقود فدخنها فنهضوا حين تزايد الدخان فقال نصر لابن لنكك: متى اراك يا با الحسين؟ فقال له: إذا اتسخت ثيابي، ثم مضينا في سكة بني سمرة حتى انتهينا إلى دار أبياحمد بن المثنى فجلس ابن لنكك وقال: ان نصر الايخليالمجلس الذي مضى لنا معه منشئ يقوله فيه، ويجب ان نبداه قبل ان يبدانا فاستدعى بدواة وكتب اليه:

لنصر في فؤادي فرط حب

 

أنيف به على كل الصحاب

أتيناه فبخـرنـا بـخـوراً

 

من السعف المدخن بالتهاب

فقمت مبادراً وحسبت نصراً

 

أراد بذاك طردي أو ذهابي

فقال متى أراك أبا حسـين

 

فقلت له إذا اتسخت ثيابـي

فلما وصلت الرقعة إلى نصر أملى على من كتب له بظهرها الجواب، فلما وصل الينا قراناه فاذا هو فيه:

منحت أبا الحسين صميم ودي

 

فداعبني بألـفـاظ عـذاب

أتى وثيابه كالشـيب بـيض

 

فعدن له كريعان الشـبـاب

وبغضي للمشيب أعد عنـدي

 

سواداً لونه لون الخضـاب

ظننت جلوسه عندي لعـرس

 

فجدت له بتمسيك الـثـياب

وقلت متى أراك أباحـسـين

 

فجاوبني إذا اتسخت ثيابـي

ولوكان التقزز فـيه خـير

 

لما كنى الوصي أبا تـراب

ومن شعره أيضاً:

رأيت الهلال ووجه الحبـيب

 

فكانا هلالين عند النـظـر

فلم أدر من حيرتي فيهـمـا

 

هلال السما من هلال البشر

ولولا التورد في الوجنـتـين

 

وماراعني من سواد الشعر

لكنت أظن الهلال الحبـيب

 

وكنت أظن الحبيب القمـر

وقال:

شاقني الأهل لم يشقنـي الـديار

 

والهوى صائر إلى حيث صاروا

جيرة فرقتهم غـربة الـبـي

 

ن وبين القلوب ذاك الجـوار

كم أناس رعوا لنا حين غابـوا

 

وأناس خانوا وهم حـضـار

عرضوا ثم أعرضوا واستمالوا

 

ثم مالوا وأنصفوا ثم جـاروا

لاتلمهم على التجني فلـو لـم

 

يتجنوا لم يحسن الاعـتـذار

وقال:

فلا تمن بتنـمـيق تـكـلـفة

 

لصورة حسنها الاصلي يكفيها

إن الدنانير لاتجلى وإن عتقت

 

ولاتزاد على الحسن الذي فيها

وقال:

إذا ما لسان المرء أكثر هذره

 

فذاك لسان بالبلاء مـوكـل

إذا شئت أن تحيا عزيزاً مسلماً

 

فدبر وميز ما تقول وتفعـل

توفي نصر بن أحمد الخبز ارزي سنة سبع وعشرين وثلاثمائة.