باب النون - النضر بن شميل بن خرشة

النضر بن شميل بن خرشة

بن يزيد بن كلثوم التميمي المازني النحوي اللغوي الأديب، ولد بمرو ونشأ بالبصرة وأخذ عن الخليل بن أحمد، وأقام بالبادية زمناً طويلاً فأخذ عن فصحاء العرب كأبي خيرة الاعرابي وأبي الدقيش وغيرهما. وسمع من هشام بن عروة وحميد الطويل واسماعيل بن أبي خالد وعبد الله بن عون وهشام ابن حسان وغيرهم من صغار التابعين.

وروى عنه يحيى بن معين وابن المديني، وهوثقة حجة احتجوا به في الصحاح ولما ضاقت عليه الأسباب في البصرة عزم على الخروج إلى خراسان فشعه من أهل البصرة نحو ثلاثة آلاف من المحدثين والفقهاء واللغويين والنحاة والادباء فجلس لوداعهم بالمربد وقال: ياأهل البصرة، يعز علي والله فراقكم، ولو وجدت عندكم كل يوم كيلجة من الباقلاء ما فارقتكم، فلم يكن يهم واحد يتكلف له ذلك، فسار إلى مرو واقام بها فاثرى وافاديها مالا عظيما، ذكر ذلك أبو عبيدة في كتاب المثالب، وكان النضر منأهل السنة وهو اول من اظهرها بخراسان ومرو، وولى القضاء بمرو فاقام العدل وحمدت سيرته، وكان متقللا متقشفا.

قال الزبير بن بكار: حد ثني النضر بن شميل قال: دخلت على أميرالمؤمنين المامون بمرو وعلى اطمار متر عبلة فقال: يانضر، تدخل على أميرالمؤمنين في مثل هذه الثياب؟ فقلت: ان حر مرو شديد لايدفع الا بمثل هذه الاخلاق.

قال: بل أنت رجل متقشف، ثم تجارينا الحديث فاجرى ذكر النساء وقال: حدثني هشيم بن بشير عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سداد من عوز)، ففتح السين من سداد، فقلت صدقوك يا أميرالمؤمنين، وحدثني عوف بن أبي جميلة الاعرابي عن الحسن عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تزوج الرجل المراة لدينها وجمالها كان فيه سداد من عوز)، وكسرت السين قال: وكان المامون متكئاً فاستوى جالساً وقال: السداد لحن عندك يا نضر؟ قلت نعم ههنا يا أمير المؤمنين. قال: أوتلحنني؟ قلت: إنما لحن هشيم وكان لحاناً فتبع أمير المؤمنين لفظه فقال: ما الفرق بينهما؟ قلت: السداد: القصد في الدين والطريقة والأمر، والسداد: أبلغه وكل ما سددت به شيئاً فهو سداد، وقد قال العرجي:

أضاعوني وأي فتى أضاعوا

 

ليوم كريهة وسداد ثـغـر

 قال: فأطرق المأمون ملياً ثم قال: قبح الله ما لا أدب له ثم قال: أنشدني يا نضر أخلب بيت للعرب، قلت قول حمزة بن بيض:

تقول لي والعـيون هـاجـعة

 

أقم علـينـا يومـاً ولـم أقـم

أي الوجوه اتنجعت قلت لـهـا

 

لأي وجه إلا إلـى الـحـكـم

متى يقل حاجبـنـا سـرادقـه

 

هذا ابن بيض بالباب يبتـسـم

قد كنت أسلمت فيك مقـتـبـلا

 

هاك اوحل ذاك وأعطني سلمي

فقال المأمون لله درك، كأنما شق لك عن قلبي، فأنشدني أنصف بيت للعرب، قلت: قول أبي عروة المدني:

إني وإن كان ابن عمي غائبـاً

 

لمزاحم من خلـفـه وورائه

ومفيده نصري وان كان أمراً

 

متزعزعاً في أرضه وسمائه

وأكون والي سره وأصـونـه

 

حتى يجييء علي وقت أدائه

وإذا رعا باسمي ليركب مركباً

 

صعباً قعدت له على سيسائه

وإذا ارتدى ثوباً جميلاً لم أقل

 

ياليت كان على حسـن ردائه

فقال احسنت يانضر، انشدني اقنع بيت قالته العرب، قلت: قول ابن عبد الاسدي:

إني امرؤ لم أزل وذاك من ال

 

له قـديمـاً أعـلـم الأدبـا

أقيم بالدار ما أطمأنت بي الـد

 

دار وإن كنت نازحاً طربـاً

لاأحتوي خلة الـصـديق ولا

 

أتبع نفسي شـيئاً إذا ذهـبـا

أطلب ما يطلب الكريم من الر

 

رزق بنفسي وأجمل الطلبـا

إني رأيت الفتى الـكـريم إذا

 

رغبته في صنـيعة رغـبـا

والعبد لا يطلب الـعـلاءولا

 

يعطيك شيئاً إلا إذا رهـبـا

مثل الحمار السوء المخاتل لا

 

يحمل شـيئاً إلا إذا ضـربـا

قد يرزق الخافض المقيم ولا

 

شد لعيس رحلاً ولا قـتـبـا

ويحرم الرزق ذو المطية والر

 

رحل ومن لايزال مغتـربـا

فقال أحسنت يانضر، ثم أخذالقرطاس وأنا لا أدري ما يكتب ثم قال: كيف تقول إذا أمرت من يترب الكتاب؟ قلت اتربه، قال فهو ماذا؟ قلت فهو مترب، قال فمن الطين؟ قلت طنه، قال فهو ماذا؟ قلت فهو مطين، قال: هذه احسن من الاولى، ثم قال ياغلام، ارتبه وطنه وابلغ معه إلى الفضل ابن سهل. قال: فلما قرأ الكتاب الفضل قال يانضر: ان أميرالمؤمنين امر لك بخمسين الف درهم، فما كان السبب؟ فاخبرته الخبر فقال: لحنت أميرالمؤمنين، قلت كلا، انما لحن هشيم بن بشير وكان لحانا فتبع أميرالمؤمنين لفظه، فامر لي الفضل بثلاثين الف درهم، فاخذت ثمانين الفا درهم بحرف استفيد مني. توفي النضر بن شميل في ذي الحجة سنة اربع ومائتين. وله من التصانيف: كتاب الصفات في اللغة خمسة اجزاء، والمدخل إلى كتاب العين، وكتاب غريب الحديث، وكتاب المعاني، وكتاب السلاح، وكتاب المصادر، وكتاب الانواء، وكتاب خلق الفرس، وكتاب الجيم، وكتاب الشمس والقمر وغير ذلك.