باب الواو - واصل بن عطاء

واصل بن عطاء

ابو حذيفة الغزال مولي بني ضبة، كان متكلما بليغااديبا متفننا خطيبا، ولقب بالغزال لكثرة جلوسه في سوق الغزالين إلى أبي عبد الله مولى قطن الهلالي، وكان بشار بن برد قبل ان يدين بالرجعة ويكفر جميع الامة كثير المديح لواصل بن عطاء، وفضله في الخطابة على خالد بن صفوانوشبيب بن شبة والفضل بن عيسى يوم خطبوا عند عبد الله ابن عمر بن عبد العزيز والى العراق فقال في ذلك

أبا حذيفة قد أوتيت معـجـزة

 

من خطبة بدهت من غير تقدر

وإن قولاً يروق الخافقين معـاً

 

لمسكت مخرس عن كل تحبير

وقال في ذلك أيضاً:

تكلفوا القول والاقوام قد حفـلـوا

 

وحبروا خطباً ناهيك من خطـب

فقام مرتجلاً تغـلـى بـداهـتـه

 

كمرجل القين لما حف باللـهـب

وجانب الراء لم يشعر بـه أحـد

 

قبل التصفح والإغراق في الطلب

قوله وجانب الراء اشارة إلى لثغة واصل، وكان واصل الثغ قبيح اللثغة في الراء، فكان يخلص كلامه من الراء ولا يفطن لذلك السامع لاقتداره على الكلام وسهولة الفاظه، وفي ذلك يقول أبو الطروق الضبي:

عليم بإبدال الحروف وقامـع

 

لكل خطيب يغلب الحق باطله

ولما قال بشار بالرجعة وتتابع على واصل مايشهد بالحداه قال واصل: اما لهذا الاعمى الملحد، امالهذا المشنف المكنى بابي معاذ من يقتله، اما والله لولا ان الغيلة سجية من سجايا الغالية لدسست اليه من يبعج بطنه في جوف منزله او في حفله، ثم لايتولى ذلك الا عقيلي او سدوسي، فقال أبو معاذ ولمي يقل بشار، وقال: المشنف ولم يقل المرعث وكان بشار ينبز بالمرعث. وقال: من سجايا الغالية ولم يقل الرافضة. وقال: في منزله ولم يقل في داره. وقال: يبعج ولم يقل يبقر كل ذلك تخلصا من الراء، ولما بلغ بشارا انكار واصل عليه وانه يهتف به قال يهجوه:

مالي أشايع غزالاً له عـنـق

 

كنقنق الدو إن ولي وإن مثـلا

عنق الزرافة مابالي وبالـكـم

 

أتكفرون رجالاً أكفروا رجلا؟

وكان واصل في اول امره يجلس إلى الحسن البصري، فلما ظهر الاختلاف وقالت الخوارج بتكفير مرتكبي الكبائر، وقال الجماعة بايمانهم خرج واصل عن الفريقين، وقال بمنزلة بين المنزلتين، فطرده الحسن عن مجلسه فاعزل عنه وتبعه عمرو بن عبيد، ومن ثم سموا وجماعتهم المعتزلة، ومما قيل في لثغته بالراء قول بعضهم:

ويجعل البر قمحاً في تصرفـه

 

وخالف الراء حتى احتال للشعر

ولم يطق مطراً في القول يجهله

 

فعاذ بالغيث إشفاقاً من المطـر

وقال قطرب: سألت عثمان البري كيف كان يصنع واصل بالعدد بعشرة وعشرين وأربعين، وبالقمر وبالبدر ويوم الأربعاء والمحرم وصفر، وربيع الأول والآخر وجمادى الآخرة: مالي فيه إلا قول صفوان بن ادريس:

ملقن ملهم فيما يحاولـه

 

جم خواطره جواب آفاق

ولواصل بن عطاء خطب وحكم من الكلام ومناظرات ورسائل واخبار يطول ذكرها، وله شعر اجاد فيه ومنه:

تحامق مع الحمقى إذا مالقـيتـهـم

 

ولا تلقهم بالعقل إن كنت ذا عقـل

فإن الفتى ذا العقل يشقى بعـقـلـه

 

كما كان قبل اليوم يشقى ذوو الجهل

وله من التصانيف: معاني القران، وكتاب التوبة، وكتاب الخطب في الوحيد، وكتاب المنزلة بين المنزلتين، وكتاب السبيل إلى معرفة الحق، وكتاب ماجرى بينه وبين عمر وبن عبيد، وكتاب اصناف المرجئة، وكتاب خطبة التي اخرج منها الراء، وطبقاتأهل العلم والجهل وغير ذلك. ولد واصل بالمدينة سنة ثمانين، وتوفي سنة احدى وثلاثين ومائة.