باب الهاء - هبة الله القاضي السعيد

هبة الله القاضي السعيد

ابن القاضي الرشيد جعفر بن سنا الملك محمد بن هبة الله ابن محمد السعدي المصري المعروف بابن سنا الملك، أحد أبناء العصر وشعرائه المجيدين، ذاع صيته وسار ذكره.أخذ عن الحافظ أبي الطاهر أحمد بن سلفة واتصل بالقاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني فكانت له منزلة عنده، وكان في خدمته بدمشق سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. ثم عاد إلى القاهرة وكان بينه وبين الفاضل ترسل ومدحه بعدة قصائد وصنف كتاب روح الحيوان لخص فيه كتاب الحيوان للجاحظ، وله ديوان موشحات سماه دار الطراز، وديوان شعر، وديوان رسائل. مات يوم الأربعاء رابع شهر رمضان سنة ثمان وستمائة بالقاهرة، ومن شعره قوله يمدح الملك المعظم توران شاه واجاد ماشاء:

تقنعت لكن بالحبيب الـمـعـمـم

 

وفارقت لكن كل عـيش مـذمـم

وباتت يدي في طاعة الحب والهوى

 

وشاحاً لخصر أوسواراً لمعـصـم

وأثريت من دينار خد مـلـكـتـه

 

فأحسن وجه بعده مـثـل درهـم

يزيد احمراراً كلما زد ت صفـرةً

 

كأن به ما كان بـي زمـن الـدم

توقد ذاك الخد واخضـر نـضـرةً

 

فابصرت منه جنةً في جـهـنـم

ومنها:

سعدت ببدر برجه برج عقـرب

 

فكذب عندي قول كل مـنـجـم

وأقسم ماوجه الصبـاح إذا بـدا

 

بأوضح مني حجة عند لـومـي

ولا سيما لما مررت بـمـنـزل

 

كفضلة صبر في فـؤاد مـتـيم

وما بـان لـي إلابـعـود أراكة

 

تعلق في أطرافه ضوء مبسـم

ولاعجباً إن مت فـيه صـبـابةً

 

فما النفس إلا بعض مغرم مغرم

بنفسي من قبلتـه ورشـفـتـه

 

فقال الهوى فز بالحطيم وزمزم

فجردت قلبي من مخيط همومـه

 

وطاف به والقلب في زي محرم

ومنها:

ولم ير طرفي قط شملاً مبـدداً

 

فقابله إلا بـدمـع مـنـظـم

تبسم ذاك الطرف عن ثغر دمعه

 

ورب قطوب كامن في التبسـم

ولم يسل قلبي او فمي عن غزالة

 

وعن غزل الا بمدح المعـظـم

هذا والله السحر الحلال، والسهل الممتنع الذي لاينال، ومن شعره أيضاً قوله يمدح القاضي الفاضل عبد الرحيم:

عادني من هوى الأحـبة عـيد

 

فلباسـي فـيه غـرام جـديد

ونحرت الجفون من بعد أن أش

 

عرت قلبي بأن صبري بعـيد

كلف عاد بعد شـيبـي ولـيداً

 

وكذا البدر بعـد شـيب ولـيد

فغرامي بالبدر كالبدر لـكـن

 

ينقص البدر والـغـرام يزيد

بأبي من أبى مرادي لمثل الد

 

دهر عنـدي يريد مـالا أريد

صد عطفاً وصاد طرفاً فما ين

 

فك هذا يصـد أو ذا يصـيد

كيف خلدت في جهنم ذا الص

 

صد وديني في حبك التوحـيد

ومنها في المديح:

لي من راحتيه جنة مـأوى

 

وله بالثناء منـي خـلـود

أنا عبد وخدمتي مدح مـول

 

نجح القصد عنده والقصـيد

هو قاض لابل أمير إذا شئ

 

ت لديه من المعالي جنـود

وفقيه النوال يلقى على الخل

 

ق عطاياه والغمام مـعـيد

اوسعوا جوده ملاماً وتقنـي

 

داً فضاع الملام والتفـنـيد

رددوا عذلهم فرد علـيهـم

 

كل شيء مـردد مـردود

ومن شعره الذي سارت به الركبان قصيدته الحماسية الغزلية وهي:

سواي يخاف الدهر أو يرهب الـردى

 

وغيري يهوى أن يكـون مـخـلـدا

ولكنني لاارهب الدهـر إن سـطـا

 

ولاأحذر المـوت الـزؤام إذا عـدا

ولومد نحوي حادث الدهـر طـرفـه

 

لحد ثت نـفـسـي أن أمـد لـه يدا

توقد عزم يتـرك الـمـاء جـمـرةً

 

وحلية حلم تترك الـسـيف مـبـردا

وفرط احتقـار لـلأنـام فـإنـنـي

 

أرى كل عار من حلي سوددي سدى

وأظمأ إن أبـدى لـي الـمـاء مـنة

 

ولو كان لي نهر المـجـرة مـوردا

ولو كان إدراك الـهـدى بـتـذ لـل

 

رأيت الهدى أن لا أميل إلا إلى الهدى

وقدماً بغيري أصبح الدهـر أشـيبـا

 

وبي بل بفضلي أصبح الدهر أمـردا

وإنـك عـبـدي يا زمـان وإنـنـي

 

على الكره من أن أرى لـك سـيدا

وما أنا راض أنني واطيء الـثـرى

 

ولي همة لا ترتضي الأفق مقـعـدا

ولو علمت زهر النجوم مكـانـتـي

 

لخرت جميعاً نحو وجهـي سـجـدا

ولي قلم في أنملـي لـو هـززتـه

 

فما ضرني ألا أهـز الـمـهـنـدا

إذا جال فوق الطرس وقع صـريره

 

فإن صليل المشـرفـي لـه صـدا

ومنها في التخلص إلى الغزل:

ومن كل شيء قد صحوت سوى هوىً

 

أقام عذولـي بـالـمـلام وأقـعـدا

إذا وصل أهواه لـم يك مـسـعـدي

 

فليت عذولي كان بالصمت مسـعـدا

يحب حبيبي مـن يكـون مـفـنـداً

 

فيا ليتني كنت العذول الـمـفـنـدا

وقال لقـد آنـسـت نـاراً بـخـده

 

فقلت: وإني ما وجدت بـهـا هـدى

والقصيدة طويلة كل بيت منها فريدة في عقد، وشعره كثير وأكثره جيد.