باب الهاء - هبة الله بن الحسين بن أحمد البغدادي

هبة الله بن الحسين بن أحمد البغدادي

عرف بالبديع الإسطرلابي، كان أديباً فاضلاً شاعراً بارعاً حكيماً عارفاً بالطب والرياضة والهيئة والنجوم والرصد والزيج، متقناً علم الآلات الفلكية ولاسيما الإسطرلاب فنسب إليه، وحصل له مال جزيل من عمله ولم يخلفه في صناعته مثله، وقد أقام على صحة ما يعمله من الآلات الحجج الهندسية، وبرهن عليها بالقوانين الإقليد يسية، وأتى فيها باختراعات أغفلها المتقدمون، فزاد في الكرة ذات المرسي وكمل نقصها الذي مرت عليه الأعوام، وأكمل نقص الآلات الشاملة التي وضعها الخجندي وجعلها لعرض واحد وأقام الدليل على أنه لايمكن أن تكون لعروض متعددة، فلما وصلت إلى البديع تأملها واهتدى إلى طريق لعملها لعروض متعددة، واختبر مازاد فيها بالقواعد الهندسية فصح عمله، وحمل ما صنع منها إلى الأكابر والأجلاء منأهل هذا الفن فتلقوها بالقبول، وله في عمل الإسطرلاب والركار والمساطر وغيرها من الآلات اليد الطولى، وقد صار ما صنعه من ذلك من الذخائر التي يتغالى بها أهلها وعانى عمل الطلاسم ورصد لها ما يوافقها من الأوقات السعيدة، وحملها إلى الملوك والأمراء والوزراء فجربوها فصحت، وحصل له منها ومن سائر صنائعه أموال جمة، وصنف رسالة في الآلات الشاملة التي كملها، ورسالة في الكرة ذات الكرسي، واختار ديوان ابن الحجاج وسماه درة التاج من شعر ابن الحجاج، رتبه على واحد وأربعين ومائة باب جعل كل باب في فن من فنون شعره، وله ديوان شعر دونه وجمعه بنفسه، مات ببغداد بعلة الفالج سنة أربع وثلاثين ومائة، ومن شعره الرائق الفائق قوله:

وذو هيئة يزهو بخال مهندس

 

أموت به في كل وقت وأبعث

محيط بأوصاف الملاحة وجهه

 

كأن به إلـيدسـا يتـحـدث

فعارضه خط استواء وخالـه

 

به نقطة والخد شكل مثلـث

وقال:

أذاقني حمرة الـمـنـايا

 

لما اكتسى خضرة العذار

وقد تبدى الـسـواد فـيه

 

وكارتى بعد في العـيار

وقال:

قام إلـى الـشـمـس بـآلاتـه

 

لينظر السعد مـن الـنـحـس

فقلت أين الشمس قال الفـتـى

 

في الثور قلت الثور في الشمس

وقال:

يا صدور الزمان ليس بوفر

 

مارأيناه في نواحي العراق

إنما عم ظلمكم سـائر الأر

 

ض فشابت ذوائب الآفاق

الوفر: الثلج بلغة أهل العراق، قال ذلك في عام نزل فيه ببغداد ثلج كثير وقال:

أهدي لمجلسك الشريف وإنما

 

أهدي له ماحزت من نعمائه

كالبحر يمطره السحاب وماله

 

فضل عليه لأنه مـن مـائه