باب الهاء - همام بن غالب بن صعصعة

همام بن غالب بن صعصعة

بن ناجية ابن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن عوف ابن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر التميمي، أبو فراس المعروف بالفرزدق الشاعر المشهور، كان جده صعصعة عظيم القدر في الجاهلية، وكان افتدى ثلاثمائة موءودة إلى أن جاء الله عزوجل بالإسلام: وكان أبوه غالب من سراة قومه ورئيسهم، وكان الفرزدق كثير التعظيم لقبر أبيه فما جاءه أحد واستجار به إلانهض معه، وساعده على بلوغ غرضه.

حدث أبو عبد الله محمد بن سلام الجنحي قال: سمعت يونس بن حبيب يقول: ماشهدت مشهدا قط ذكر فيه جرير والفرزدق وأجمع أهل المجلس على أحدهما، وكان يونس يقدم الفرزدق ويقول: ما كان بالبصرة مولد مثله، ولما هرب الفرزدق من زياد ابن أبيه حين هجا بني نهشل فاستعدوا زيادعليه قدم المدينة واستجار بسعيد بن العاص فأجاره، وكان الحطيئة وكعب بن جعيل عند سعيد لما دخل الفرزدق عليه، فأنشده الفرزدق:

ترى الغر الجحاجح من قريش

 

إذا ما الأمر في الحدثان غالا

بني عم النبي ورهط عمـرو

 

وعثمان الألى غلبوا فـعـالا

قياما ينظرون إلـى سـعـيد

 

كأنـهـم يرون بـه هـلالا

فقال الحطيئة هذا والله الشعر أيها الأميرلاما تعلل به منذ اليوم. فقال كعب بن جعيل: فضله على نفسك ولا تفضله على غيرك. فقال: بلى، والله أفضله على نفسى وعلى غيرى، أدركت من قبلك وسبقت من بعدك. ثم قال له الحطيئة: يا غلام، لئن بقيت لتبرزن علينا. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: كان الشعراء في الجاهلية من قيس، وليس في الإسلام مثل حظ تميم في الشعر، وأشعر تميم جرير والفرزدق والأخطل، وكان المفضل الضبى يفضل الفرزدق، قيل له: الفرزدق أشعر أم جرير؟ قال: الفرزدق. فقيل له ولم؟ قال لأنه قال بيتا هجافيه قبيلتين فقال:

عجبت لعجل إذ تهاجى عبيدها

 

كما آل يربوع هجوا آل دارم

فقيل له قد قال جرير:

إن الفرزدق والبعيث وأمه

 

رأبا البعيث لشر ما إستار

فقال: وأي شيء أهون من أن يقول إنسان: فلان وفلان وفلان والناس كلهم بنو الفاعلة.
وحدث أبو حاتم السجستاني عن أبي عبيدة قال: سمعت يونس يقول: لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب. وقال آخر: الفرزدق مقدم على الشعراء الإسلاميين هو وجرير والأخطل، ومحله في الشعر أكبر من أن ينبه عليه بقول أو يدل على مكانه بوصف، لأن الخاص والعام يعرفانه بالاسم، ويعلمان تقدمه بالخبر الشائع علما يستغني به عن الإطالة في الوصف، وقد تكلم الناس في هذا قديما وحديثا وتعصبوا واحتجوا بما لامزيد فيه، وبعد إجماعهم على تقديم هؤلاء الثلاثة اختلفوا في أيهم أحق بالتقديم على الآخرين؟ فأما قدماءأهل العلم والرواة فلم يسووا بينهما وبين الأخطل، لأنه لم يلحق شأوهما في الشعر، ولاله مثل مالهما من فنونه، ولاتصرف كتصرفهما في سائره. وقالوا: إن ربيعه أفرطت في الأخطل حين ألحقته بهما، وهم في الفرزدق وجرير قسمان: فمن كان يميل إلى جزالة الشعر وفخامته وشدة أسره فيقدم الفرزدق. ومن كان يميل إلى الشعر المطبوع وإلى الكلام السمح السهل الغزل فيقدم جريرا. وقال ابن سلام: كان الفرزدق أكثرهم بيتا مقلدا.

والمقلد: البيت المستغني بنفسه المشهور الذي يضرب به المثل، فمن ذلك قوله:

فيا عجباً حتى كليب تسبني

 

كأن أباها نهشل ومجاشع

وقوله:

ليس الكرام بما نحيك أباهم

 

حتى ترد إلى عطية تعتل

وقوله:

وكنا إذا الجبار صعر خـده

 

ضربناه حتى تستقيم الأخادع

وقوله:

وكنت كذئب السوء لما رأى دماً

 

بصاحبه يوماً أحال على الـدم

وقوله:

وإن تنج مني تنج من ذي عظيمة

 

وإلا فإني لا إخـالـك نـاجـيا

وقوله:

ترى كل مظلوم إلينا فراره

 

ويهرب منا جهده كل ظالم

وقوله:

أحلامنا تزن الجبال رزانة

 

وتخالنا جنا إذا مانجهـل

ومقلداته في شعره كثيرة، وفيما أوردناه منها كفاية، وبشهرته عني عن إيراد طرف من شعره. قال أبو اليقظان: أسن الفرزدق حتى قارب المائة، فأصابته الدبيلة وهو بالبادية فقدم به إلى البصرة وأتى برجل متطبب من بني قيس فأشار بأن يكوي ويسقي النفط الأبيض فقال: أتعجلون لي طعامأهل النار في الدنيا؟ وجعل يقول:

أروني من يقوم لكم مقـامـي

 

إذا ما الأمر جل عن الخطاب؟

ومات في مرضه ذلك سنة عشر ومائة، ومات جرير بعده بستة أشهر، ومات في هذه السنة الحسن البصري وابن سيرين فقالت امرأة منأهل البصرة: كيف يفلح بلد مات فقيهاه وشاعراه في سنة؟ ولما نعى إلى جريربكى ثم أنشأ يقول:

فجعنا بجمال الديات ابن غالب

 

وحامي تميم كلها والبراجـم

يكيناك حثان الفراق وإنـمـا

 

بكيناك شجوا للأمور العظائم

فلا حملت بعد ابن ليلى مهيرة

 

ولاشد أنساع المطى الرواسم

ورثاه أبو ليلى المجاشعي بأبيات منها:

لعمري لقد أشجى تميما وهدهـا

 

على نكبات الدهر موت الفرزدق

لقد غيبوا في اللحد من كان ينتمي

 

إلى كل بدر في السماء محلـق

لتبك النساء المعولات ابن غالـب

 

لجان وعان في السلاسل موثـق