مقدمة الحكواتي

معجم البلدان

لياقوت الحـموي

المولود في ديار الروم عام  1179م والمتوفي عام 1229م



وُلِدَ ياقوت سنة 575 للهجرة في ديار الروم ومن هنا جاءت تسميته بالرّومي أحيانًا. وقد أُسِرَ وهو حدث، وحُمِلَ إلى سوق الرّقيق ببغداد حيث اشتراه تاجر بغدادي حمويّ الأصل. فغلب عليه لقب "الحموي". رأى هذا التاجر أن يفيد من هذا الحدث في حساباته وتجارته، فوضعه في مدرسةٍ حيث تعلّم الكتابة؛ وقد اهتمّ ياقوت أثناء ذلك بالأدب والنحو. ثم أرسله سيدّه في تجاراتٍ له، حملته إلى جزيرة كشم (أو قسم) في الخليج العربي وإلى عمان وديار الشام، فأعزم ياقوت بالرحلة والتعرف إلى البلاد التي يزورها. حرّر ياقوت، فتعاطى النّسخ ليعيش منه. ويبدو أنّ نُفورًا قد حدث بين ياقوت وسيدّه القديم، لكن الأمر لم يلبث أن سُوِّيَ بينهما، فعاد ياقوت يرحل في التجارة له. وقد مات هذا التاجر أثناء غياب ياقوت في تجارة، ويبدو أنه أوصى لياقوت ببعض ثروته، فتعاطى عندها التجارة لحسابه الخاص. أخد ينتقّل من بلدٍ إلى آخر؛ فيومًا في تبريز ويومًا في مصر وفي يومٍ ثالث في مَرْوَ، حيث قضى سنتين يلتهم ما في خزائنها من الكتب الكثيرة جدًا. وهناك بدأ في وضع كتابه "معجم البلدان". رحل بعد ذلك إلى خوارزم حيث أقام بعض الوقت.  

من الصّفات التي يتمتّع بها ياقوت في عمله أنه كان أمينًا في نقله عن غيره؛ فهو ينسب كل قول إلى صاحبه. يضاف إلى هذا أنه تحدّث في المقدمة عن مصادره المكتوبة حديثًا علميًا. وكان يعرف قيمة عمله والجهد الذي بذله فيه.  

يبدأ ياقوت معجمه بخمسة فصول، يتناول فيها صورة الأرض ومعنى الإقليم وإصطلاحات جغرافية لازمة معرفتها مثل البريد والفرسخ، وحُكم الأرضييّن من حيث الفتح والخراج والشّرع في ذلك، وجُمَلاً من أخبار البلدان. ثم يبدأ ترتيب معجم البلدان على حروف الهجاء. والمعجم بالذّات مَعينٌ لا ينضب للمعرفة الجغرافية البلدانية والاقتصادية والبشرية، ومََثل للعِلْم المُنَظم. ولم يقتصر على العالم الإسلامي فحسب بل تناول مناطق أخرى مجاورة له.  

ومن طريف ما جاء في معجم البلدان أنّ ياقوت كان يرى أن معجمه يجب أن لا يختصر قط، ودفاعه عن وجهة نظره ووصيته للخلف طريفة حقًا. فيقول في ذلك: "ولقد التمس مني الطّلاب اختصار هذا الكتاب مرارًا، فأبيتُ ولم أجد في قُصر هممهم أولياء ولا أنصارًا، فما انقدْتُ لهم ولا إرْعَوَيْت، ولي على ناقل هذا الكتاب والمستفيد منه أن لا يضيع نصبي، ونصب نفسي وله وتعبي، بتبديد ما جمعتُ وتشتيت ما لفّقتُ، وتفريق ملتئم محاسنه، ونفي كل علق نفيس عن معادنه ومكامنه، باقتضابه واختصاره، وتعطيل جيّده من حليه وأنواره، وغصبه إعلان فضله وأسراره؛ فرُبّ راغب عن كلمة غيره متهالك عليها، وزاهد عن نكتة غيره مشغوف بها ينضي الركاب إليها. فإذا أجبتني فقد برّرتني، وجعلك الله من الأبرار، وإن خالَفتَني فقد عقّقتني، والله حسيبك في عقبى الدار".