باب الباء والصاد وما يليهم
بُصاقُ: بالضم. موضع قريب من مكة. يقال بُساق بالسين أيضاً وقد ذُكر في تفسير شعر كثير عَزة حيث. قال:
فياطول ما شوقي إذا حال بيننا |
|
بُصاق ومن أعلامِ صندِدَ مَنكبُ |
كأن لم يُؤلف حج عَزة حجنـا |
|
ولم يلقَ رَكباً بالمحصب أركب |
إن بُصاق جبل قرب أيلَةَ فيه نَقب.
البُصَرُ: بوزن الجرَذ. قال السكري. هي جرعات من أسفل واد بأعلى الشيحة من
بلاد الحزْن في قول جرير حيث. قاله:
إن الفُؤَادَ مع الظعن التي بـكـرَت |
|
من ذي طلُوح وحالت دونها البُصرُ |
البصرَةُ: وهما بصرتان العظمى. بالعراق وأخرى بالمغرب وأنا أبدأ أولاً بالعظمى التي بالعراق وأما البصرتان فالكوفة والبصرة. قال المنجمون البصرة طولها أربع وسبعون درجة وعرضها إحدى وثلاثون درجة وهي في الاقليم الثالث. قال ابن الأنباري البصرة في كلام العرب الأرض الغليظة، وقال قُطرُب البصرة الأرض الغليظة التي فيها حجارة تقلعُ وتقطَع حوافِرَ الدواب. قال ويقال بصرة للأرض الغليظة. وقال غيره البصرة حجارة رَخْوَة فيها بياض، وقال ابن الأعرابي البصرة حجارة صلاب. قال وإنما سميت بصرة لغلظها وشدتها كما تقول ثوب ذو بُصر وسقاءٌ ذو بُصر إذا كان شديداً جيداً. قال ورأيت في تلك الحجارة في أعلا المِزبَد بيضاً صلاباً وذكر الشرقي بن القطامي أن المسلمين حين وافوا مكان البصرة للنزول بها نظروا إليها من بعيد وأبصروا الحصا عليها فقالوا: إن هذه أرض بَصرَةٌ يعنون حَصبَة فسميت بذلك، وذكر بعض المغاربة أن البصرة الطين العلك وقيل: الأرض الطيبة الحمراء، وذكر أحمد بن محمد الهمداني حكاية عن محمد بن شرحبيل بن حَسَنَةَ أنه قال: إنما سميت البصرة لأن فيها حجارة سوداءَ صُلْبة وهي البصرة. وأنشد لخفَاف بن ندبة.
إن كنتَ جَلمودَ بصرٍ لا أؤَيسُهُ |
|
أوقد عليه وأحميهِ فينصـدع |
وقال الطرِماح بن حكيم:
مُؤَلفة تهوِي جميعاً كـمـا هَـوَى |
|
من النيقِ فوق البصرة المتطحطح |
وهذان البيتان يَدُلان على الصلابة لا الرخاوة، وقال حمزة بن الحسن الأصبهاني سمعت مُوبَذ بن اسوهشت يقول البصرة تعريب بس راه لأنها كانت ذات طُرُق كثيرة انشعَبَت منها إلى أماكن مختلفة. وقال قوم البصرُ والبَصْرُ الكَذانُ وهي الحجارة التي ليست بُصلبة سميت بها البصرة كانت ببَقعَتها عند اختطاطها واحدُه بُصرة وبصرة، وقال الأزهري البصر الحجارة إلى البياض بالكسر فإذا جاؤا بالهاءِ قالوا بصرة وأنشد بيت خفاف. إن كنت جلمود بصر، وأما النسب إليها فقال: بعض أهل اللغة إنما قيل: في النسب إليها بصرِي بكسر الباءِ لاسقاط الهاءِ فوجب كسر الباءِ في البصرى مما غير في النسب كما قيل: في النسب إلى اليمن يَمان وإلى تهامة تهامٍ وإلى الري رازي وما أشبَهَ ذلك من المغير، وأما فتحها وتمصيرها فقد روى أهل الأثر عن نافع بن الحارث بن كلدة الثقفي وغيره أن عمر بن الخطاب أراد أن يتخذ للمسلمين مِصراً وكان المسلمون قد غَزَوا من قبل البحرين توَجَ ونوبندجان وطاسان فلما فتحوها كتبوا إليه إنا وجدنا بطاسان مكاناً لا بأس به فكتب إليهم إن بيني وبينكم دجلة لا حاجة في شيءِ بيني وبينه دجلة أن تتخذوه مصراً ثم قدم عليه رجل من بني سَدُوس يقال له ثابت، فقال: يا أمير المؤمنين إني مررت بمكان دون دجلة فيه قصر وفيه مسالح للعجم يقال له الخُريبة ويسمى أيضاً البُصَيرَة بينه وبين دجلة أربعة فراسخ له خليج بحري فيه الماءُ الى أجمَة قصب. فأعجب ذلك عمر وكانت قد جاءَته أخبار الفتوح من ناحية الحيرة وكان سُوَيد بن قطبَة الذهلي وبعضهم يقول قُطبة بن قَتادة يُغير في ناحية الخُرَيبة من البصرة على العجم كما كان المثنى بن حارثة يُغير بناحية الحيرة فلما قدم خالد بن الوليد البصرة من اليمامة والبحرين مجتازاً إلى الكوفة بالحيرة سنة اثنتي عشرة أعانه على حرب مَن هنالك وخلّف سُوَيدًا ويقال: إن خالداً لم يرحل من البصرة حتى فتح الخريبة وكانت مسلَحَةً للأعاجم وقتل وسَبى وخلف بها رجلاً من بني سعد بن بكر بن هوازن يقال له شُرَيح بن عامر ويقال إنه أتى نهر المرأة ففتح القصر صلحاً. وكان الواقدي يُنكرأن خالداً مَز بالبصرة ويقول إنه حين فرغ من أمر اليمامة والبحرين قدم المدينة ثمصسار منها إلى العراق على طريق فيد والثعلبية والله أعلم، ولما بلغ عمر بن الخطاب خَبَرُ سُوَيد بن قطبة وما يصنعِ بالبصرة رأى أن يوليها رجلاً من قبله فولاًها عقبة بن غزوان بن جابر بن وُهيب بن نُسيب أحد بني مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة حليف بني نوفل بن عبد مناف وكان من المهاجرين الأولين أقبل في أربعين رجلاً منهم نافع بن الحارث بن كلدة الثقفي وأبو بكرة وزياد بن أبيه وأختْ لهم، وقال له عمر: إن الحيرة قد فُتحت فائتِ أنتَ ناحية البصرة واشغل من هناك من أهل فارس والأهواز وميسان عن إمداد إخوانهم فأتاها عُتبة وانضمَ إليه سويد بن قطبة فيمن معه من بكر بن وائل وتميم. قال نافع بن الحارث فلما أبصَرَتنا الدبادبة خرجوا هُراباً وجئنا القصرفنزلناه فقال عتبة ارتادوا لنا شيئاً نأكله قال فدخلنا الأجمة فإذا زِنبيلان في أحدهما تمر وفي الاَخر أرز بقشره فجذبناهما حتى أدنيناهما من القصر وأخرجنا ما فيهما فقال عتبة هذا سم أعَده لكم العدو يعني الأرز فلا تقربنْه فأخرجنا التمر وجعلنا نأكل منه فإننا لكذلك فإذا بفرَس قد قطع قِيادَة وأتى ذلك الأرز يأكل منه فلقد رأيتنا نسعى بشِفارنا نُريد ذبحَه قبل أن يموت فقال صاحبه امسكوا عنه أحرُسُه الليلة فإن أحسستُ بموته ذبحتُه فلما أصبحنا إذا الفرس يَرُوثُ لا بأس عليه فقالت أختي يا أخي إني سمعتُ أبي يقول: إن السم لا يضُرُ إذا نَضِجَ فأخذت من الأرز توقد تحته ثم نادَت إلا أنه يتفصى من حُبيبة حمراء ثم قالت قد جعلَت تكون بيضاءَ فما زالت تطبخه حتى أنماط قشرُه فألقيناه في الجفنة فقال عتبة اذكروا اسم الله عليه وكلوه فأكلوه منه فإذا هو طيب قال فجعلنا بعد نميط عنه قشرَهُ ونطبخه فلقد رأيتُني بعد ذلك وأنا أعده لولدي ثم قال إنا التَأمنَا فبلغنا ستمائة رجل وست نسوة إحداهن أختي. وأمد عمر عُتبة بهَرثَمة بن عرفَجَة وكان بالبحرين فشهد بعض هذه الحروب ثم سار إلى الموصل. قال وبنى المسلمون بالبصرة سبعة دساكر اثنتان بالخُرَيبة واثنتان بالزابوقة وثلاث فيِ موضع دار الأزد اليوم وفي غير هذه الرواية أنهم بنوها بلبن في الخريبة اثنتان وفي الأزد اثنتان وفي الزابوقة واحدة وفي بني تميم اثنتان ففرق أصحابه فيها ونزل هو الخريبة..قال نافع: ولما بَلَغنا ستمائة قلنا ألا نسير إلى الأبلة فإنها مدينة حصينة فسرنا إليها ومعنا العَنز وهي جمع عَنزَة وهي أطول من العَصا وأقصر من الرمحِ وفي رأسها زُج وسيوفُنا وجعلنا للنساء رايات على قصَب وأمرناهن أن يثرنَ التراب وراءَنا حين يَرونَ أنا قد دَنَونا من المدينة فلما دَنَونا منها صَفَفنا أصحابنا قال وفيها دبادبتهم رقد أعدُوا السفُنَ في دجلة فخرجوا إلينا في الحديد مسومين لا نرى منهم إلا الحَدَق قال فو الله ما خرج أحدهم حتى رجع بعضهم إلى بعض قَتلاً وكان الأكثر قد قتل بعضهم بعضاً ونزلوا السفُنَ وعبروا إلى الجانب الاَخر وانتهى إلينا النساءُ وقد فتح الله علينا ودخلنا المدينة وحَوَينا متاعَهم وأموالهم وسألناهم ما الذي هَزَمَكم من غير قتال فقالوا عَرفتنا الدبادبة إن كميناً لكم قد ظهر وعلا رَهَجهُ يريدون النساء في آثارهن التراب. وذكر البلاذري لما دخل المسلمون الأبلة وجدوا خبز الحُوارَى فقالوا هذا الذي كانوا يقولون: إنه يسمن فلما أكلوا منه جعلوا ينظرون إلى سوَاعدهم ويقولون: ما نرى سمناً، وقال عُوانة بن الحكم: كانت مع عُتبة بن غزوان لما قدم البصرة زوجته أزْدة بنت الحارث بن كلدة ونافع وأبو بكرة وزياد فلما قاتل عتبة أهل مدينة الفرات جعلت امرأته أزْدة تُحرض المؤمنين على القتال وهي تقول: إن يهزموكم يُولجوا فينا الغُلفَ ففتح الله على المسلمين تلك المدينة وأصابوا غنائم كثيرة ولم يكن فيهم أحد يحسُبُ ويكتُبُ إلا زياد فولاه قسم ذلك الغنم وجعل له في كل يوم درهمين وهو غلام في رأسه ذُؤَابة. ثم إن عُتبة كتب إلى عمر يستأذنه في تمصير البصرة وقال: إنه لا بُد للمسلمين من منزل إذا أشتَا شتوا فيه وإذا رجعوا من غزْوهم لَجَأوا إليه فكتب إليه عمر أن ارتد لهم منزلاً قريباً من المراعي والماء واكتب إلي بصِفَتِهِ فكتب إلى عمر أني قد وجدت أرضاً كثيرة القَضة في طرف البر إلى الريف ودونها مناقع فيها ماءٌ وفيها قَصْباء والقَضة من المضاعف الحجارة المجتمعة المتشققة وقيل: أرض قضة ذات حَصًى وأما القِضة بالكسر والتخفيف ففي كتاب العين أنها أرض منخفضة ترابها رمل، وقال الأزهري: الأرض التي ترابها رمل يقال لها قِضة بكسر القاف وتشديد الضاد وأما القِضَة بالتخفيف فهو شجر من شجر الحمض ويجمم على قضين وليس من. المضاعف وقد يجمع على القضى مثل البرزى. وقال أبو نصر الجوهري القِضة بكسر القاف والتشديد الحَصىَ الصغار والقضة أيضاً أرض ذات حصى. قال ولما وصلت الرسالة إلى عمر قال هذه أرض بصرة قريبة من المشارب والمَرعى والمحتطب فكتب إليه أن انزنها فنزلها وبَنَى مسجدها من قَصَب وبنى دار إمارتها دون المسجد في الرحبة التي يقال لها رحبة بني هاشم وكانت تسمى الدهناء وفيها السًجنُ والديوان وحمام الأمراء بعد ذلك لقربها من الماء فكانوا إذا غزوا نزعوا ذلك القصب ثم حزموه ووضعوه حتى يعودوا من الغزْو فيُعيدوا بناءها كما كان، وقال الأصمعي: لما نزل عتبة بن غزوان الخريبة وُلد بها عبد الرحمن بن أبي بكرة وهو أول مولود وُلد بالبصرة فنحرَ أبوه جزوراً أشبع منها أهل البصرة وكان تمصير البصرة في سنة أربع عشرة قبل الكوفة بستة أشهُر وكان أبو بكرة أول من غرس النخل بالبصرة وقال هذه أرض نخل ثم غرس الناس بعده، وقال أبو المنذر أول دار بُنيت بالبصرة دار نافع بن الحارث ثم دار معقل بن يسار المزني. وقد رُوي من غير هذا الوجه أن الله عز وجل لما أظفر سعد بن أبي وَقاص بأرض الحيرة وما قاربها كتب إليه عمر بن الخطاب أن ابعث عتبة بن غزوان إلى أرض الهند فإن له من الإسلام مكاناً وقد شهد بدراً وكانت الأبلَّة يومئذٍ تسمى أرض الهند فلينزلها ويجعلها قيرواناًَ للمسلمين ولا يجعل بيني وبينهم بحراً. فخرج عتبة من الجرة في ثمانمائة رجل حتى نزل موضع البصرة فلما افتتح الأبلة ضرب قيروانه وضرب للمسلمين أخبيتهم وكانت خيمة عتبة من أكسية، ورماه عمر بالرجال فلما كثروا بَنَى رَهط منهم فيها سبعة دساكر من لبن منها في الخريبة اثنتان وفي الزابوقة واحدة وفي بني تميم اثنتان، وكان سعد بن أبي وقاص يكاتب عتبة بأمره ونهيهِ فأنف عتبة من ذلك واستأذن عمر في الشخوص إليه فأذن له فاستخلف مجاشع بن مسعود السلَمي على جُنده وكان عتبة قد سيره. في جيش إلى فرات البصرة ليفتحها فأمر المغيرة بن شعبة أن يقيم مقامه إلى أن يرجع قال ولما أراد عتبة الإنصراف إلى المدينة خطب الناس وقال كلاماً في آخره وستجربون الأمراء من بعدي قال الحسن فلقد جَربناهم فوجدنا له الفضل عليهم. قال وشكا عتبه الى عمر تسلط سعد عليه فقال له وما عليك إذا أقرَرتَ بالإمارة لرجل من قريش له صحبة وشرفٌ فامتنعَ من الرجوع فأبى عمر إلا ردهُ فسقط عن راحلته في الطريق فمات وذلك في سنة ست عشرة. قال ولما سار عتبة عن البصرة بلغ المغيرة إن دهقان مَيسان كفر ورجع عن الإسلام وأقبل نحو البصرة وكان عتبة قد غزاها وفتحها فسار إليه المغيرة فلَقيهَ بالمُنعَرَج فهزمه وقتله وكتب المغيرة إلى عمر بالفتح منه فدَعا عمر عتبة وقال له ألم تُعلمني أنك استخلفت مجاشعاً قال نعم قال فإن المغيرة كتب إلي بكذا فقال: إن مجاشعاً كان غائباً فأمرتُ المغيرة بالصلاة إلى أن يرجع مجاشع فقال عمر لعَمري إن أهل المَدر لأولى أن يُستعملوا من أهل الوبَرَ يعني بأهل المدر المغيرة لأنه من أهل الطائف وهي مدينة وبأهل الوبر مجاشعاً لأنه من أهل البادية وأقَر المغيرة على البصرة. فلما كان مع أم جميلة وشهد القوم عليه بالزنا كما ذكرناه في كتاب المبدأ والمآل من جمعنا استعمل عمر على البصرة أبا موسى الأشعري أرسله إليها وأمره بإنفاذ المغيرة إليه وقيل كان أبو موسى بالبصرة فكاتبه عمر بولايتها وذلك في سنة ست عشرة وقيل في سنة سبع عشرة. وولي أبو موسى والجامع بحاله وحيطانه قصب فبناه أبو موسى باللبن وكذلك دار الإمارة وكان المنبر في وَسَطه وكان الإمام إذا جاء للصلاة بالناس تخَطى رِقابَهم إلى القبلة فخرج عبد الله بن عامر بن كُرَيز وهو أمير لعثمان على البصرة ذات يوم من دار الإمارة يريد القبلة وعليه جُبةُ خَز دكناءُ فجعل الأعراب يقولون: على الأمير جلدُ دُب. فلما استعمل معاوية زياداً على البصرة قال زياد: لا ينبغي للأمير أن يتخطى رقاب الناس فحولَ دار الإمارة من الدهناء إلى قبل المسجد وحَول المنبر الى صدره فكان الإمام يخرج من الدار من الباب الذي في حائط القبلة إلى القبلة ولا يتخطى أحداً وزاد في حائط المسجد زيادات كثيرة وبَنى دار الإمارة باللبن وبنى المسجد بالجص وسقَّفَه بالساج فلما فرغ من بنائه جعل يطوف فيه 5وينظر إليه ومعه وجوهُ البصرة فلم يَعب فيه إلا دقة الأساطين قال ولم يُؤتَ منها قط صدع ولا مَيل ولا عَيبٌ. وفيه يقول حارثة بن بدر ا لغداني.
بَنى زياد لذِكر اللـه مـصـنـعـه |
|
بالصخر والجص لم يُخلَط من الطين |
لولا تعاوُن أيدي الـرافـعـين لـه |
|
إذاَ ظنناه أعـمـال الـشـياطـين |
وجاء بسَوَارِيهِ من الأهواز وكان قد ولى بناءه الحجاجَ بن عتيك الثقفي فظهرت له أموال لم تكن قبل قيل:
يا حبـذَا الإمـارة |
|
ولو على الحجارة |
وقيل إن أرض المسجد كانت تربَةَ فكانوا إذا فرغوا من الصلاة نفضوا أيديهم من التراب فلما رأى زياد ذلك قال لا آمن أن يظنَ الناس على طول الأيام أن نَفْضَ اليد في الصلاة سنة فأمر بجمع الحصى وإلقائه في المسجد الجامع ووظفَ ذلك على الناس فاشتد الموكلون بذلك على الناس وأروهم حصاً انتقوه فقالوا إئتونا بمثله على قدرِه وألوانه وارتشوا على ذلك. فقال:
يا حبـذَا الإمـارة |
|
ولو على الحجارة |
فذهبت مثلاً وكان جانب الجامع الشمالي منزوياً لأنه كان داراً لنافع بن الحارث أخي زياد فأبى أن يبيعَها فلم يزل على تلك الحال حتى وَلى معاويةُ عبيد الله بن زياد على البصرة فقال عبيد الله بن زياد إذا شخصَ عبد الله بن نافع إلى أقصى ضَيعة فاعلمني فشخص إلى قصر الأبيض فبعث فهدم الدار وأخذ في بناء الحائط الذي يستوي به ترابيع المسجد وقدم عبد الله بن نافع فضج فقال له إني أثمن لك وأعطيك مكان كل ذراع خمسة أذرع وأدع لك خوخة في حائطك إلى المسجد وأخرى في غرفتك فرضِيَ فلم يزل الخوختان في حائطه حتى زاد المهدي فيه ما زاد فدخلَتِ الدار كلها في المسجد. ثم دخلت دار الإمارة كلها في المسجد وقد أمر بذلك الرشيد ولما قدم الحجاج خبرَ أن زياداً بنى دار الإمارة فأراد أن يُذهب ذكرَ زياد منها فقال أريد أن أبنيها بالآجر فَهَدَمَهَا فقيل له: إنما غرضك أن تُذهِبَ ذكر زياد منها فما حاجتك أن تعظم النفقة وليس يزول ذكرهُ عنها فتركها مهدومة فلم يكن للأمراءِ دار ينزلونها حتى قام سليمان بن عبد الملك فاستعمل صالح بن عبد الرحمن على خراج العراقَين فقال له صالح: إنه ليس بالبصرة دار إمار وخبرَه خبر الحجاج فقال له سليمان: أعِدها فأعادها بالجص والآجر على أساسها الذي كان ورفع سَمكهافلما أعاد أبوابها عليها قَصُرَت فلما مات سليمان وقام عمر بن عبد العزيز استعمل عدي بن أرطاة على البصرة فبنى فوقها غُرَفاً فبلغ ذلك عمر فكتب إليه هَبلَتك أمك يا ابن عم عدي أتَعْجزُ عنك مساكنُ وسِعت زياداً وابنه فأمسكَ عدي عن بنائها. فلما قدم سليمان بن علي البصرة عاملاً للسفاح أنشأ فوق البناء الذي كان لعدي بناءً بالطين ثم تحول إلى المِزبد فلما ولي الرشيد هدمها وأدخلها في قبلة مسجد الجامع فلم يبق للأمراء بالبصرة دار إمارة. وقال يزيدُ الرشك قِستُ البصرة ة ولاية خالد بن عبد الله القَسري فوجدت طول فرسخين وعرضها فرسخين إلا دانقاً وعن الوليد بن هشام أخبرني أبي عن أبيه وكان يوسف بن عمر قد ولها ديوان جُند البصرة قال نظرتُ في جماعة مقاتلة العرب بالبصرة أيام زياد فوجدتهم ثمانين ألفاً ووجدت عيالاتهم مائة ألف وعشرين ألف عَيل ووجدت مقاتلة الكوفة ستين ألفاً وعيالاتهم ثمانين ألفاً.
ذكر خطط البصرة وقراها وقد ذكرت بعض ذلك في أبوابه وذكرت بعضه ها هنا. قال
أحمد بن يحيى بن جابر كان حُمران بن أبان للمسيب بن بَحتةَ الفزاري أصابه
بعَين التمر فابتاعه منه عثمان بن عفان وعلمه الكتابة واتخذه كاتباً ثم و-
جد عليه لأنه كان وجهه للمسألة عما رفعَ على الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيط
فارتشى منه وكذب ما قيل فيه ثم تَيقنَ عثمان صحة ذلك فوجد عليه وقاد لا
تُساكني أبداً وخيره بلداً يسكنه غير المدينة فاختار البصرة وسأله أن يقطعه
بها داراً وذكر ذرعاً كثيراً استكثرهُ عثمان وقال لابن عامر اعطهِ داراً
مثل بعض دورك فأقطعه دار حُمران التي بالبصرة في سكة بني سَمُرة بالبصرة
كان صاحبها عُتبة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سَمُرة بن حبيب بن عبد شمس
بن عبد مناف المدايني.قال أبو بكرة لابنه يا بُني والله ما تلى عملاً قط
وما أراك تقصر عن إخوته في النفقه فقال: إن كتمتَ علي أخبرتك قال فإني أفعل
قال فإني أغتل من حمامي هذا في كل يوم ألف درهم وطعاماً كثيراً ثم إن
مسلماً مرض فأوصى إلى أخيه عبد الرحمن بن أبي بكرة وأخبره بغلْة حمامه
فأفشى ذلك واستأذن السلطان في بناء حمام وكانت الحمامات لا تبنى بالبصرة
إلا بإذن الوُلاة فأذن له واستأذن غيره فأذن له وكثرت الحمامات. فأفاق مسلم
بن أبي بكرة من مرضه وقد فسدت عليه حمامه فجعل يَلعَنُ عبد الرحمن ويقول
ماله قطع الله رحمه. وكان لزياد مولَى يقال له: فيل وكان حاجبه فكان يضرب
المثل بحمامه بالبصرة وقد ذكرته في حمام فيل. نهر عمرو ينسب إلى عمرو بن
عُتبة بن أبي سفيان. نهر ابن عُمَير منسوب إلى عبد الله بن عمير بن عمرو بن
مالك الليثي كان عبد الله بن عامر بن كرَيز أقطعه ثمانية ألف جريب فحفر
عليها هذا النهر. ومن اصطلاح أهل البصرة أن يزيدوا في اسم الرجل الذي تنسب
إليه القرية ألفاً ونوناً نحو قولهم طلحتان نهرِ ينسب إلى طلحة بن أبي رافع
مولى طلحة بن عبيد الله. خِيرتان منسوب إلى خِيرةَ بنت ضمرة القُشَيرية
امرأة المهلب بن أبي صُفرة. مُهلبان منسوب إلى المهلب بن أبي صفرة ويقال:
بل كان لزوجته خيرة فغلب عليه اسم المهلب وهي أمُ أبي عُيينَةَ ابنه.
وجُبَيرَان قرية لجبَيرَ بن حيةَ. وخَلَفان قطيعة لعبد الله بن خلف
الخُزاعي والد طلحة الطلحات. طليقان لولد خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن
حُصَين الخزاعي وكان خالد ولي قضاء البصرة. روادان لرواد بن أبي بكرة. شط
عثمان ينسب إلى عثمان بن أبي العاصي الثقفي وقد ذكرته فأقطع عثمان أخاه
حَفصاً حَفصانَ وأخاه أمَيةَ أمَيانَ وأخاه الحكم حَكَمَان وأخاه المغيرة
مغيرتان. أزْرَقان ينسب إلى الأزرق بن مسلم مولى بني حنيفة، مُحمدَانُ
منسوب إلى محمد بن علي بن عثمان الحنفي زيادان منسوب إلى زياد مولى بني
الهُجَيم جد مونس بن عمران بن جميع بن يسار بن زياد وجد عيسى بن عمر النحوي
لأمهما، عميران منسوب الى عبد الله بن عمير الليثي، نهر مقاتل بن حارثة بن
قُدامة السعدي. وحُصَينَان لحُصَين بن أبي الحُر العنبري. عبد الليان لعبد
الله بن أبي بكرة،عبيدَان لعبند بن كعب النُّمَيري.منقِذان لمنقذ بن عِلاج
السلمي. عبد الرحمانان لعبد الرحمن بن زياد. نافعان لنافع بن الحارث
الثقفي. أسلمان لأسلَم بن ُزرعَةَ الكلابي. حُمرَانان لحمران بن أبان مولى
عثمان بن عفان. قُتَيبتَان لقُتيبة بن مسلم. خُشخشان لآل الخشخاش العنبري.
نهر البنات لبنات زياد أقطع كل بنت ستين جريباً وكذلك كان يقطع العامة.
سعيدان لآل سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد. سُليمانان قطيعة لعبيد بن
نَشيط صاحب الطرف أيام الحجاج فرابط به رجل من الزهاد يقال له سليمان بن
جابر فنسب إليه. عُمَرَان لعمر بن عبيد الله بن معمر التيمي. فِيلان لفيل
مولى زياد. خالدان لخالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن
أمية. المِسمارِية قطيعة مِسمار مولى زياد بن أبيه وله بالكوفة أيضاً.
سُوَيدان كانت لعبيد الله بن أبي بكرَة قطيعة مبلغها أربعمائة جريب فوهبها
لسُوَيد بن منجوف السدُوسي وذلك أن سُوَيداً مرض فعاده عبيد الله بن أبي
بكرة فقال له كيف تجدُك فقال صالحاً إن شئتَ فقال قد شئتُ وما ذلك قال إن
أعطَيتني مثل الذي أعطيت ابن معمر فليس علي بأس فأعطاه سُوَيدَانَ فنسب
إليه. جُبَيرَان لآل كُلثُوم بن جبير. نهر أبي برذعة بن عبيد الله بن أبي
بكرة. كثيران لكثير بن سَيار. بلالان لبلال بن أبي بردة كانت قطيعة لعباد
بن زياد فاشتراه. شِبلاَن لشبل بن عميرة بن تيرِي الضبي.
ذكر ماجاء فى ذم البصرة لما قدم أمير المؤمنين البصرة بعد وقعة الجمل ارتقى
منبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أهل البصرة يا بقايا ثمود يا أتباع
البهيمة يا جند المرأة رغا فاتبعتم وعقُر فانهزمتم أما إني ما أقول ما
أقول: رغبة ولا رهبَةً منكم غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول تفتح أرض يقال لها البصرة أقومُ أرض الله قبلة قارئها أقرأ الناس
وعابدها أعبد الناس وعالمها أعلم الناس ومتصدقها أعظم الناس صدقة منها إلى
قرية يقال لها الأبلة أربعة فراسخ يستشهد عند مسجد جامعها وموضع عشورها
ثمانون ألف شهيد الشهيد يومئذٍ كالشهيد يوم بدر معي. وهذا الخبر بالمدح
أشبهُ. وفي رواية أخرى أنه رقى المنبر فقال يا أهل البصرة ويا بقايا ثمود
يا أتباع البهيمة ويا جند المرأة رغا فاتبعتم وعُقر فانهزمتم دينكم نفاق
وأحلامكم دِقاق وماؤكم زُعاق يا أهل البصرة والبُصَيرة والسبخة والخُرَيبة
أرضكم أبعد أرض من السماء وأقربها من الماء وأسرعها خراباً وغرقاً ألا وإني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أما علمت أن جبريل حمل جميع الأرض
على منكبه الأيمن فأتاني بها ألا وإني وجدت البصرة أبعد بلاد الله من
السماءَ وأقربها من الماء وأخبثها تراباً وأسرعها خراباً ليأتَيَن عليها
يوم لا يُرَى منها إلا شرافات جامعها كجُوجُؤ السفينة في لجة البحر. ثم
قال: وَيحك يا بصرة ويلك من جيش لا غبارَ له فقيل يا أمير المؤمنين: ما
الوَيح وما الويلُ فقال الوَيح والوَيلُ بابان فالويح رحمة والوَيلُ عذابٌ،
وفي رواية أن علياَ رضي الله عنه لما فرغ من وقعة الجمل دخل البصرة فأتى
مسجدها الجامع فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على
النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال أما بعد فإن الله ذو رحمة واسعة فما ظنكم
يا أهل البصرة يا أهل السبخة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثاً وعلى
الله الرابعة يا جند المرأة ثم ذكر الذي قبله ثم قال: انصرفوا إلى منازلكم
وأطيعوا الله وسلطانكم وخرج حتى صار إلى المربد والتفتَ وقال الحمد لله
الذي أخرجني من شر البقاع تراباً وأسرعها خراباً. ودخل فتى من أهل المدينة
البصرة فلما انصرف قال له أصحابه: كيف رأيتَ البصرة قال: خير بلاد الله
للجائع والغريب والمفلس أما الجائع فيأكل خبزَ الأرز والصحناءة فلا يُنفق
في شهر إلا درهمين وأما الغريب فيتزوج بشق درهَم وأما المحتاج فلا عليه
غائلة ما بقيَت له أستُهُ يَخرَأ ويبيع. وقال الجاحظ من عيوب البصرة اختلاف
هوائها في يوم واحد لأنهم يلبسون القُمُصَ مرةً والمبطنات مرة لاختلاف
جواهر الساعات ولذلك سُنيت الرعناء. قال الفَرَزدَقُ.
لولا أبو مالك المرجُـو نـائلُـهُ |
|
ماكانت البصرة الرعناءُ لي وطنا |
وقد وصف هذه الحال ابن لَنكَك فقال:
نحن بالبصرة في لَؤ |
|
نٍ من العَيش ظريف |
نحن ما هبت شمـال |
|
بين جـنـات وريف |
فإذا هَبت جـنـوبٌ |
|
فكأنا فـي كـنـيف |
وللحشوش بالبصرة أثمان وافرة ولها فيما زعموا تجار يجمعونها فإذا كثرَت جمع عليها أصحاب البساتين وَوَقفَهم تحت الريح لتحمل إليهم نتنها فإنه كلما كانت أنتن كان ثمنها أكثر ثم يُنادي عليها فيزداد. الناس فيها وقد قص هذه القصة صريعُ الدلاء البصري في شعر له ولم يحضرني الآن، وقد ذمتها الشعراء فقال محمد بن حازم الباهلي:
تَرَى البصري ليس به خـفـاءٌ |
|
لمَنخَره من البثر انـتـشـارُ |
رَبَا بين الحشوش وشب فـيهـا |
|
فمن ريح الحشوش به اصفرارُ |
يُعَتق سَنحَه كـيمَـا يُغـالـي |
|
به عند المبـايعة الـتـجـارُ |
وقال أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي:
لَهف نفسي على المُقام ببغدا |
|
د وشربي من ماء كوزِ بثلج |
نحن بالبصرة الذميمة نسقى |
|
شر سُقيا من مائها الأترُنجي |
أصفر مُنكر ثقـيل غـلـيظ |
|
خاثر مثل حَقنَة القُـولَـنـج |
كيف ترضى بمائها وبخَـير |
|
منه في كُنف أرضنا نستنجي |
وقال أيضاً:
ليس يُغنيك في الطهارة بالبص |
|
رة إن حانت الصلاةُ اجتهـادُ |
أن تَطَهرتَ فالمـياه سُـلاَح |
|
أو تيممتَ فالصعيدُ سَـمَـادُ |
وقال شاعر آخر يصف أهل البصرة بالبخل وكذب عليهم:
أبغضتُ بالبصرة أهل الغَنى |
|
إني لأمثالـهـم بـاغـضُ |
قد دَثرُوا في الشمس أعذاقَها |
|
كأنً حمى بخلهم نـافـضُ |
ذكر ماجاء في مدح البصرة كان ابن أبي ليلَى يقول ما رأيت بلداً أبكرَ إلى ذكر الله من أهل البصرة. وقال شعيب بن صخر تذاكروا عند زياد البصرة والكوفة فقال زياد لو ضَلت البصرة لجعلتُ الكوفة لمن دَلني عليها. وقال ابن سيرين كان الرجل من أهل البصرة يقول لصاحبه إذا بالغ في الدعاء عليه غضِبَ الله عليك كما غضب على المغيرة وعزله عن البصرة وولاه الكوفة، وقال ابن أبي عُيينَةَ المهلبي يصف البصرة:
يا جنة فاقت الجنان فمـا |
|
يعدِلها قيمة ولا ثـمـن |
ألفتُها فاتخذتُهـا وَطـنـاً |
|
إن فؤادي لمثلها وطَـن |
زُوجَ حِيتانها الضبَابَ بها |
|
فهذه كَـنة وذا خـتـن |
فانظُر وفكر لما نَطَقتَ به |
|
إن الأديب المفكر الفَطِن |
من سُفُنٍ كالنعام مقـبـلة |
|
ومن نَعَامِ كأنها سُـفُـنُ |
وقال المدائني: وفد خالد بن صفوان على عبد الملك بن مروان فوافق عنده رُفُود جميع الأمصار وقد اتخذ مَسلمَةُ مصانع له فسأل عبدَ الملك أن يأذن للوُفود في الخروج معه إلى تلك المصانع فأذن لهم فلما نظر إليها مسلمة أعجبَ بها فأقبل على وفد أهل مكة فقال: يا أهل مكة هل فيكم مثل هذه المصانع فقالوا: لا إلا أن فينا بيت الله المستقبل ثم أقبل على وفد أهل المدينة فقال: يا أهل المدينة هل فيكم مثل هذه المصانع فقالوا: لا إلا أن فينا قبر نبي الله المرمل ثم أقبل على وفد أهل الكوفة فقال: يا أهل الكوفة هل فيكم مثل هذه المصانع فقالوا: لا إلا أن فينا تلاوة كتاب الله المرسل ثم أقبل على وفد أهل البصرة فقال: يا أهل البصرة هل فيكم مثل هذه المصانع فتكلم خالد بن صفوان وقال: أصلح الله الأمير إن هؤلاء أقروا على بلادهم ولو أن عندك من له ببلادهم خبرةٌ لأجاب عنهم قال: أفعندك في بلادك غير ما قالوه في بلادهم قال: نعم أصلح الله الأمير أصف لك بلادنا فقال: هات قال: يَغدو قانصنا فيجيءُ هذا بالشبوط والشِيمِ ويجيءُ هذا بالظبي والظليم ونحن أكثر الناس عاجاً وساجاً وخزاً وديباجاً وبِرذوناً هِملاَجاً وخريدة مِغناجاً بيوتُنا الذهب ونهرُنا العجَبُ أوله الرطبُ وأوسطه العِنب وآخره القصَبُ فأما الرطب عندنا فمن النخل في مباركه كالزيتون عندكم في منابته هذا على أفنانه كذاك على أغصانه هذا في زمانه كذاك في إبانه من الراسخات في الوَحل المطعمات في المحل الملقحات بالفحل يخرجن أسفاطاً عظاماً وأوساطاً ضخاماً، وفي رواية يخرجن أصفاطاً وأوساطاً كإنما مُلئت رياطاً ثم يَنفلقن عن قضبان الفضة منظومة باللؤلؤ الأبَيض ثم تتبدل قضبان الذهب منظومة بالزبرجد الأخضر ثم تصير ياقوتاً أحمر وأصفر ثم تصير عسلاً في شنة من سِحاءٍ ليست بقربة ولا إناءٍ حولها المذاب ودونها الحِراب لا يقربها الذباب مرفوعة عن التراب ثم تصير ذهباً في كيسة الرجال يُستعان به على العيال وأما نهرنا العجب فإن الماءَ يقبلُ عَنَقاً يفيض مندفقاً فيغسل غثها ويُبدي مبثها يَأتينا في أوان عَطَشِنا ويذهب في زمان رِينا فنأخذ منه حاجتنا ونحن نيام على فرشنا فيقبل الماءُ وله عُبَاب وازدياد ولا يحجبنا عنه حجاب ولا نُغلق دونه الأبواب ولا يتنافس فيه من قلة ولا يحبس عنا من عِلة وأما بيوتنا الذهب فإن لنا عليهم خرجاً في السنين والشهور نأخذه في أوقاته ويسلمه الله تعالى من آفاته ونُنفقه في مَرضاته، فقال له مسلمة: أنى لهم هذه يا ابن صفوان ولم تغلبوا عليها ولم تسبقوا إليها فقال: ورِثناها عن الاَباء ونعمرها للأبناء ويدفع لنا عنها ربد السماءِ ومثلنُا فيها كما قال مَعن بن أوس:
إذا ما بحرُ خِندِفَ جاش يوماً |
|
يُغَطمطُ مَوجُه المتعرضينا |
فمهمَا كان من خير فـإنـا |
|
ورثنـاهـا أوائل أولـينـا |
وإنا مورثون كما ورثـنـا |
|
عن الآباء إن مُتنابـنـينـا |
وقال الأصمعي: سمعت الرشيد يقول نظَرنا فإذا كل ذهب وفضة على وجه الأرض لا يبلغ ثمن نخل البصرة، وقال أبو حاتم:
ومن العجائب وهو مما كرم الله به الإسلام أن النخل لا يوجد إلا في بلاد الإسلام ألبتة مع أن بلاد الهند والحبش والنوبة بلاد حارة خليقة بوجود النخل فيها، وقال ابن أبي عيينَةَ يتشوَق البصرة:
فإن أشكُ من لَيلَى بجُرجان طولـه |
|
فقد كنتُ أشكو منه بالبصرة القَصر |
فيا نَفْسُ قد بُدلتِ بؤسـاً بـنـغـمَة |
|
ويا عَينُ قد بُدًلتِ من قُرة عِـبـر |
ويا حبذاك السائلي فِيمَ فِـكـرَتـي |
|
وهَمي ألا في البصرة الهم والفكر |
فيا حبذا ظهر الحـزيز وبـطـنُـهُ |
|
ويا حسـن واديه إذا مـاؤه زَخـر |
ويا حبذا نهـر الأبـلة مـنـظـراً |
|
إذا مُد في إبانه الـمـاءُ أو جـزر |
ويا حُسن تلك الجـاريات إذا غَـدَت |
|
مع الماءِ تجري مُصعدات وتنحدر |
فيا نَدَمي إذ ليس تُغِني نـدامـتـي |
|
ويا حنَري إذ ليس ينفعُني الحـنَـر |
وقائلة ماذا نـبـا بـك عَـنـهُـمُ |
|
فقلت لها لاعلمَ لي فاسألي القَـدر |
وقال الجاحظ: بالبصرة ثلاث أعجوبات ليست في غيرها من البلدان منها أن عدد المد والجزر في جميع الدهر شيء واحد فيقبل عند حاجتهم إليه ويرتدُ عند استغنائهم عنه ثم لا يبطىءعنها إلابقدرِهضمها واستمرائها وجمامها واستراحتها لا يقتلها عَطشاً ولا غرقاً ولا يغبها ظمأً ولا عطشاً يجيء على حساب معلوم وتدبير منظوم وحدود ثابتة وعادة قائمة يزيدها القمر في امتلائه كما يزيدها في نقصانه فلا يخفى على أهل الغلات متى يتخلفون ومتى يذهبون ويرجعون بعد أن يعرفوا موضع القمر وكم مضى من الشهر فهي آية وأعجوبة ومفخر وأحدوثة لا يخافون المحلَ ولا يخشون الحطمة، قلت: أنا كلام الجاحظ هذا لا يفهمه إلا من شاهد الجزر والمد وقد شاهدته فيٍ ثمان سفرات لي إلى البصرة ثم إلى كيش ذاهباً وراجعاً ويحتاج إلى بيان يعرفه من لم يشاهده وهو أن دجلة والفرات يختلطان قرب البصرة ويصيران نهراً عظيماً يجري من ناحية الشمال إلى ناحية الجنوب فهذا يسمونه جزراً ثم يرجع من الجنوب إلى الشمال ويسمونه مداً يفعل ذلك في كل يوم وليلة مرتين فإذا جَزَرَ نقص نقصاناً كثيراً بيناً بحيث لو قيس لكان الذي نقص مقدار ما يبقى وأكثر وليست زيادته متناسبةً بل يزيد في أول كل شهر ووسطه أكثر من سائره وذاك أنه إذا انتهى في أول الشهر إلى غايته في الزيادة وسقى المواضع العالية!الأراضي القاصية أخذ يَمُد كل يوم وليلة أنقص من اليوم الذي قبله وينتهي غاية نقص زيادته في اَخر يوم من الأسبوع الأول من الشهر ثم يمدُ في كل يوم أكثر من مده في اليوم الذي قبله حتى ينتهي غاية زيادة مده في نصف الشهر ثم يأخذ في النقص إلى آخر الأسبوع ثم في الزيادة في آخر الشهر هكذا أبداً لا يختلف ولا يخل بهذا القانون ولا يتغير عن هذا الإستمرار، قال الجاحظ: والأعجوبة الثانية ادعاءُ أهل أنطاكية وأهل حمص وجميع بلاد الفراعنة الطلسمات وهي بدون ما لأهل البصرة وذاك أن لو التمست في جميع بَيادرها ورُبطها المعودة وغيرها على نخلها في جميع معاصر دِبسها أن تُصيب ذُبابة واحدة لما وجدتها إلا في الفَرط ولو أن معصرة دون الغيط أو تمرة منبوذة دون المسناة لما استبقتها من كثرة الذبان: والأعجوبة الثالثة الغربان القواطع في الخريف يجيء منها ما يسود جميع نخل البصرة وأشجارها حتى لا يُرَى غضنٌ واحد وقد تأطر بكثرة ما عليه منها ولا كَربة غليظة إلا وقد كادت أن تندق لكثرة ما ركبها منها ثم لم يوجد في جميع الدهر غراب واحد ساقط إلا على نخلة مصرومة ولم يبق منها عذق واحد ومناقير الغربان معاوِلُ وتمر الأعذاق في ذلك الأبان غير متماسكة فلو خلاها الله تعالى ولم يمسكها بلُطفه لاكتفى كل عذق منها بنَقرة واحدة حتى لم يبق عليها إلا اليسير ثم هي في ذلك تنتظر أن تُصرم فإذا أتى الصرامُ على آخرها عذقار رأيتها- سوادءَ ثم تخللت أصول الكرب فلا تدَع حَشَفَةً إلا استخرجتها فسبحان من قدر لهم ذلك وأراهم هذه الأعجوبة: وبين البصرة والمدينة نحو عشرين مرحلة ويلتقي مع طريق الكوفة قرب معدن النقرة: وأخبار البصرة كثيرة والمنسوبون إليها من أهل العلم لا يُحصون وقد صنف عمر بن شَبةَ وأبو يعلى زكرياء الساجي وغيرهما في فضائلها كتاباً في مجلدات والذي ذكرناه كاف. والبصرَة:: أيضاً، بلد في المغرب في أقصاه قرب السوس خربت، قال ابن حَوقل وهو يذ كُرُ مُدُن المغرب من بلاد البربر: والبصرة مدينة مقتصدة عليها سور ليس بالمنيع ولها عيون خارجها عليها بساتين يسيرة وأهلها يُنسبون إلى السلامة والخير والجمال وطول القامة واعتدال الخلق وبينها وبين المدينة المعروفة بالأقلام أقل من مرحلة وبيها وبين مدينة يقال لها: تُسمس أقل من مرحلة أيضاً ولما ذكر المدن التي على البحر قال: ثم تَعطف على البحر المحيط يساراً وعليه من المدن قريبة منه وبعيدة جرماية وساوران والحجا على نحر البحر ودونها في البر مشرقاً الأقلام ثم البصرة، وقال البشاري: البصرة مدينة بالمغرب كبيرة كانت عامرة وقد خربت وكانت جليلة وكان قول البشاري هذا في سنة 378، وقرأت في كتاب "المسالك والممالك" لأبي عبيد البكري الأندلسي بين فاس والبصرة أربعة أيام، قال: والبصرة مدينة كبيرة وهي أوسع تلك البلاد مرعى وأكثرها ضرعاً ولكثرة ألبانها تعرف ببصرة الذبان وتعرف ببصرة الكتان كانوا يتبايعون فِي بدء أمرها في جميع تجاراتهم بالكتان وتعرف أيضاً بالحمراء لأنها حمرِاء التربة وسورها مبني بالحجارة والطوب وهي بين شرفين ولها عشرة أبواب وماؤها زُعاق وشرب أهلها من بئر عذبة على باب المدينة وفي بساتينها آبار عذبة ونساء هذه البصرة مخصوصات بالجمال الفائق والحسن الرائق ليس بأرض المغرب أجمل منهن، قال أحمد بن فتح المعروف بابن الخزاز التيَهرتي يمدح أبا العيش عيسى بن إبراهيم بن القاسم::
قَبحَ الإلهُ الـدهـرَ إلا قَـينَةً |
|
بصريةً في حمـرة وبـياضِ |
الخمرُ في لحظاتها والورد في |
|
وجناتها والكَشحُ غير مفـاض |
في شكل مُرجي ونسك مهاجر |
|
وعفاف سُني وسمت إبـاض |
تيهرتُ أنتِ خـلـية وبـرقة |
|
عُوضت منك ببصرة فاعتاض |
لا عذرَ للحمراء في كلفي بها |
|
أو تستفيض بأبحر وحـياضِ |
قال: ومدينة البصرة مستحدثة أسست في الوقت الذي أسست فيه أصيلة أو قريباً منه.
بصرَى: في موضعين بالضم والقصر، إحداهما بالشام، من أعمال دمشق وهي قصبة
كورة حَوران مشهورة عند العرب قديماً وحديثاً ذكرها كثير في أشعارهم، قال
أعرابي:
أيا رُفقةً من آل بُصرَى تحـمـلـوا |
|
رسالتنا لقـيتِ مـن رُفـقة رشـدَا |
إذا ما وَصَلتم سالمـين فـبـلـغـوا |
|
تحية من قد ظن أن لا يرى نـجـدا |
وقولا لهم ليسى الضـلالُ أجـازنـا |
|
ولكننا جُزنا لنـلـقـاكُـمُ عـمـدا |
وإنا تركنا الـحـارثـي مـكـبـلا |
|
بكبل الهوى من ذكركم مضمراً وجدا |
وقال الصمة بن عبد الله القشيري:
نظرتُ وطرف العين يتبع الهوى |
|
بشرقي بُصرى نظرة المتطاول |
لأبصر ناراً أوقدَت بعد هجـعة |
|
لرَيا بذات الرمث من بطن حائل |
وقال الرماح بن ميادة:
ألا لا تَلِطي الستـرَ يا أم جـحـدَرِ |
|
كفَى بِذرَى الإعلام من دوننا ستـرا |
إذا هبطت بُصرَى تقالعَ وصلـهـا |
|
وأغلَقَ بَوابان من دونهـا قـصـرا |
فلا وَصلَ إلا أن تُقـارب بـينـنـا |
|
قلائصُ يحسرنَ المطي بنا حسـرا |
فيا ليت شعري هل يحلن أهـلُـهـا |
|
وأهلي روضاتٍ ببطن اللوى خضرا |
وهل تأتّيني الريحُ تدرُجُ مَـوهـنـاً |
|
برَياك تَعرَوري بها عُقداً عـفـراً |
ولما سار خالد بن الوليد من العراق لمدد أهل الشام قدم على المسلمين وهم نزول ببصرى فضايقوا أهلها حتى صالحوهم على أن يُؤدوا عن كل حالم ديناراً وجريب حنطة وافتتح المسلمون جميع أرض حوران وغلبوا عليها وَقتئذ وذلك في سنة 13 ، وبُصرَى أبضاً من قرى بغداد قرب عكبَرَاء وإياها عنى ابن الحجاج، بقوله:
ولعمر الشباب ما كان عـنـي |
|
أول الراحلين من أحبـابـي |
إن تَوَلى الصباء عني فـإنـي |
|
قد تَعَزيت بعده بالتصـابـي |
أيظُن الشبـاب أنـي مـخـل |
|
بعده بالسماع أو بالـشـراب |
حاشَ لي حانتي أوانا وبصرَى |
|
للدنان التي أرى والخـوابـي |
إن تلك الظرُوف أمسَتْ خُدُوراً |
|
لبنات الكـروم والأعـنـاب |
بشَمُول كأنما اعتصـروهـا |
|
من معاني شمائل الكتـاب |
والمعاني إذا تشابهت الأجن |
|
اسُ تجري مجاري الأنساب |
وإليها ينسب أبو الحسن محمد بن محمد بن أحمد بن خلف البصرَوي الشاعر قرأ الكلام على المُرتَضى الموسوي كتب عنه أبو بكر الخطيب من شعره أقطاعاً، منها:
ترى الدنيا وزهرتها فتصبُـو |
|
ولا يَخلو من الشهوات قلبُ |
ولكن في خلائقهـا نِـفَـار |
|
ومَطَلبُها بغير الحظ صَعـبُ |
كثيراً ما نَلُومُ الدهـرَ مـمـا |
|
يمُرُ بنا وما للدهمـر ذَنْـبُ |
ويعتِبُ بعضنا بعضـاً ولـولا |
|
تعذرُ حاجة ما كان عَـتـبُ |
فضولُ العيش أكثرُها همـوم |
|
وأكثر ما يضُرك ما تُحِـب |
فلا يَغْرُرك زُخرف ما تراه |
|
وعيش لينُ الأعطافِ رطبُ |
فتحت ثياب قوم أنت فـيهـم |
|
صحيح الرأي داء لا يُطَـب |
إذا ما بُلْغة جاءَتـك عَـفْـواً |
|
فخُذها فالغنى مَرعىً وشربُ |
إذا اتَّفَقَ القليل وفـيه سـلـم |
|
فلا تَرِد الكثير وفيه حَـرب |
ومات البصرَوي سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة.
البَصَل: بلفظ البصل من الخضر الذي يُؤكل ويطبخ ، إقليم البصل من إشبيلية من جزيرة الأندلس، وكفر بَصَل من قرى الشام.
البَصَلية:: منسوب، محلة في طرف بغداد الجنوبي ومن الجانب الشرقي متصلة بباب كلوَاذَي، ينسب إليها قوم، منهم أبو بكر محمد بن إسماعيل بن علي بن النعمان بن راشد البُندار البَصَلاني كان شيخاً ثقة مات في شعبان سنة 311.
بَصِنا: بالفتح ثم الكسر وتشديد النون، مدينة من نواحي الأهواز صغيرة وجميع رجالهم ونسائهم يغزلون الصوفَ وينسجون الأنماط والستور البَصنية- ويكتبون عليها بصنْى وقد تُعمَل ببرذَون وكليوَان وغيرهما من المدن المجاورة لبصنا وتدلس بسُتور بصنى والمَعدِن بصنى ولهم نهر يسمونه دِجلَةَ بصنى فيه سبعة أرحية في السفن والنهر منها على رمية سَهم.
بِصيدَا: بالفتح ثم الكسر وياءٍ ساكنة ودال مهملة مقصور، من قرى بغداد ينسب إليها أبو محمد الحسن- عبد الله بن الحسن البصيداي من أهل باب الأزج توفي في جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وخمسمائة.
بَصِيرُ الجَيدُور: آخره راءٍ والجيدور بالجيم وياءٍ ساكنة ودال مهملة مضمومة وواو ساكنة وراءَ، قرية من نواحي دمشق، منها ضحاك بن أحمد بن محمد البصيري كتب عنه أبو عبد الله محمد بن حمزة بن أحمد بن أبي الصقر القرشي الدمشقي بيتي شعر لغيره وأورده في معجمه ونسبه كذلك: