حـرف البـاء: باب الباء والغين وما يليهما

باب الباء والغين وما يليهما

بِغاثُ: بالكسر وآخره ثاء مثلثة، بُرق بيضٌ في أقصى بلاد أبي بكر بن كلاب.
بُغَانِخَذ: بالضم والنون مكسورة والخاء معجمة مفتوحة والذال معجمة، قال أبو سعد: أظنها من قرى نيسابور، منها أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن هاشم البغانخذي النيسابوري سمع الزبير بن بكار.
بغاوِزجانُ: الواو مكسورة والزاي ساكنة وجيم وألف ونون، من قرى َسرَخس على أربعة فراسخ ويقال لها: غاوزجان خرج منها جماعة، منهم أبو الحسن علي بن علي البغاوزجاني.
بغث: بالفتح ثم السكون والثاء المثلثة، اسم واد عند خيبر بقرب بغيث.
بغدَ خَزرقند: هذا اسم مركب من ثلاثة بلاد، ينسب إليه أبو روح عبد الحي بن عبد الله بن موسى بن الحسين بن إبراهيم السلامي البغْدَخَزَز قَندي وكان أبوه يقول إنما قيل لابني: البغدخزر قندي لأن أباه بغدادي وأمه خزرية وولد بسمرقند سمع أباه وتوفي بنَسف في تاسع صفر سنة 421.
بغدَلُ: أصلها باغ عبد الله، محلة بأصبهان، يشب إليها أبو عبد الله محمد بن سعيد بن إسحاق القطان البغدَلي الأصبهاني روى عن يحيى بن أبي طالب و غيره روى عنه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة الحافظ.
 بغدَادُ: أم الدنيا وسيدةُ البلاد، قال ابن الأنباري: أصل بغداد للأعاجم والعرب تختلف في لفظها إذ لم يكن أصلُها من كلامهم ولا اشتقاقها من لغاتهم، قال بعض الأعاجم: تفسيره بستان رجل فباغ بستان وداد اسم رجل وبعضهم يقول بَغ اسم للصنم فذُكر أنه أهدِيَ إلى كسرى خَصِي من المشرق فأقطعه إياها وكان الخصي من عباد الأصنام ببلده فقال: بغ دادي أي الصنم أعطاني وقيل: بغ هو البستان وداد أعطى وكان كسرى قد وهب لهذا الخصي هذا البستان فقال: بغ داد فسميت به، وقال حمزة بن الحسن: بغداد اسم فارسي معرب عن باغ داذَوَيه لأن بعض رقعة مدينة المنصور كان باغاً لرجل من الفرس اسمه دَاذَوَيه وبعضها أثر مدينة دارسة كان بعض ملوك الفرس اختطها فاعتل فقالوا: ما الذي يأمر الملك أن تسمى به هذه المدينة فقال: هِلِيدوه وروز أي خلوها بسلام فحكي ذلك للمنصور فقال: سميتها مدينة السلام، وفي بغداد سبع لغات بغداد وبغدان ويأبى أهل البصرة ولا يجيزون بغداد في آخره الذال المعجمة وقالوا: لأنه ليس في كلام العرب كلمة فيها دال بعدها ذال، قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق: فقلت لأبي إسحاق إبراهيم بن السري: فما تقول في قولهم؟ خزداذ فقال: هو فارس ليس من كلام العرب قلتُ أنا وهذا حجة من قال: بغداذ فإنه ليس من كلام العرب وأجاز الكسائي بغداد على الأصل وحكى أيضاً مغداذ ومغداد ومغدان وحكى الخارزنجي بغداد بدالين مهملتين وهي في اللغات كلها تذكر وتؤنث وتسمى مدينة السلام أيضاً، فأما الزورَاءُ فمدينة المنصور خاصة وسميت مدينة السلام لأن دجلة يقال لها: وادي السلام، وقال موسى بن عبد الحميد النسائي: كنت جالساً عند عبد العزيز بن أبي رواد فأتاه رجل فقال له: من أين أنت فقال له: من بغداد فقال: لا تقل بغداد فإن بغ صنم وداد أعطي ولكن قل مدينة السلام فإن الله هو السلام والمدُن كلها له وقيل: إن بغداد كانت قبل سوقاً يقصدها تجار أهل الصين بتجاراتهم فيربحون الرًبح الواسع وكان اسم ملك الصين بغ فكانوا إذا انصرفوا إلى بلادهم قالوا بغ داد أي أن هذا الربح الذي رَبحناه من عطية الملك وقيل: إنما سميت مدينة السلام لأن السلام هو الله فأرادوا مدينة الله، وأما طولها فذكر بطليموس في كتاب الملحمة المنسوب إليه أن مدينة بغداد طولها خمس وسبعون درجة وعرضها أربع وثلاثون درجة داخلة في الإقليم الرابع، وقال أبو عون وغيره: إنها في الاقليم الثالث، قال: وطالعها السماك الأغزل بيت حياتها القوس لها شركة في الكف الخضيب ولها أربعة أجزاءٍ من سرة الجوزاء تحت عشر درج من السرطان يقابلها مثلها من الجدي عاشرها مثلها من الحمل عاقبتها مثلها من الميزان، قلت: أنا ولا شك أن بغداد أحدثت بعد بطليموس بأكثر من ألف سنة ولكني أظنُّ أن مفسري كلامه قاسوا وقالوا، وقال صاحب الزيج: طول بغداد سبعون درجة وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلث وتعديل نهارها ست عشرة درجة وثلثا درجة وأطول نهارها أربع عشرة ساعة وخمس دقائق وغاية ارتفاع الشمس، بها ثمانون درجة وثلث وظل الظهر بها درجتان وظل العصر أربع عشرة درجة وسمتُ القبلة ثلاث عشرة درجة ونصف وجهها عن مكة مائة وسبع عشرة درجة في الوجود ثلاثمائة درجة هذا كله نقلته من كتب المنجمين ولا أعرفه ولا هو من صناعتي، وقال أحمد بن حنبل: بغداد من الصراة إلى باب التبن وهو مشهد موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن الامام علي بن أبي طالب ثم زيد فيها حتى بلغت كلوَاذى والمخرم وقَطرُبل، قال أهل السير: ولما أهلك الله مهرَانَ بأرض الحيرة ومن كان معه من العجم استمكن المسلمون من الغارة على السواد وانتقضت مسالح الفرس وتشتتَ أمرهم واجترأ المسلمون عليهم وشنوا الغارات ما بين سورا وكَسكَر والصراة والفلاليج والأستانات، قال أهل الحيرة للمثنى: إن بالقرب منا قرية تقوم فيها سوق عظيمة في كل شهر مرة فيأتيها تجار فارس والأهواز وسائر البلاد يقال لها: بغداد وكذا كانت إذ ذاك فأخذ المثنى على البر حتى أتى الأنبار فتحصن فيها أهلها منه فأرسل إلى سُفرُوخ مرزبانها ليسير إليه فيكلمه بما يريد وجعل له الأمان فعبر المرزبان إليه فخلا به المثنى وقال له: إني أريد أن أغير على سوق بغداد وأريد أن تبعث أدلاء فيدُلُّوني الطريق وتعقد لي الجسر لأعبُرَ  عليه الفرات ففعل المرزبان ذلك وقد كان قطع الجسر قبل ذلك لئلا تعبر العرب عليه فعبر المثنى مع أصحابه وبعث معه المرزبان الأدلاءَ فسار حتى وافى السوق ضَحوَةَ فهرب الناس وتركوا أموالهم فأخذ المسلمون من الذهب والفضة وسائر الأمتعة ما قدروا على حمله ثم رجعوا إلى الأنبار ووافى معسكره غانماً موفوراً وذلك في سنة 13 للهجرة فهذا خبر بغداد قبل أن يمصرها المنصور لم يبلغني غير ذلك.
فصل في بدءِ عمارة بغداد . كان أول من مصرها وجعلها مدينة المنصور بالله أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ثاني الخلفاءِ وانقتل إليها من الهاشمية، وهي مدينة كان قد اختطها أخوه أبو العباس السفاح قرب الكوفة وشرع في عمارتها سنة145 ونزلها سنة 149، وكان سبب عمارتها أن أهل الكوفة كانوا يفسدون جندَه فبلغه ذلك من فعلهم فانقل عنهم يرتاد موضعاً، وقال ابن عياش: بعث المنصور رواداً وهو بالهاشمية يرتادوا له موضعاً يبني فيه مدينة ويكون الموضع واصطاً رافقاً بالعامة والجند فنُعِتَ له موضع قريب من بارما وذكر له غذاء وطيب هواءٍ فخرِج إليه بنفسه حتى نظر إليه وبات فيه فرأى موضعاً طيباً فقال لجماعة منهم سليمان بن مجالد وأبو أيوب المورياني وعبد الملك بن حميد الكاتب: مارأيكم في هذا الموضع قالوا: طيب موافق فقال: صدقتم ولكن لا مرفق فيه للرعية وقد مررت في طريقي بموضع تجلب إليه الميرة والأمتعة في البر والبحر وأنا راجع إليه وبائت فيه فإن اجتمع لي ما أريد من طيب الليل فهو موافق لما أريده لي وللناس، قال: فأتى موضع بغداد وعبر موضع قصر السلام ثم صلى العصر وذلك في صيف وحر شديد وكان في ذلك الموضع بيعة فبات أغيب مبيت وأقام يومه فلم ير إلا خيراً فقال: هذا موضع صالح للبناء فإن المادة تأتيه من الفرات ودجلة وجماعة الأنهار ولا يحمل الجند والرعية إلا مثله فخط البناءَ وقدر المدينة ووضع أول لبنة بيده قال: بسم الله والحمد لله والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ثم قال: ابنو على بركة الله، وذكر سليمان بن مختار أن المنصوراستشار دهقان بغداد وكانت قرية في المربعة المعروفة بأبي العباس الفضل بن سليمان الطوسي وما زالت داره قائمة على بنائها إلى أن خرب كثير مما يجاورها في البناء فقال: الذي أراه يا أمير المؤمنين أن تنزل في نفس بغداد فإنك تصير بين أربعة طساسيج طسوجان في الجانب الغربي وطسّوجان في الجانب الشرقي فاللذان في الغربي قَطربل وبادوريا واللذان في الشرقي نهر بوق وكلوَاذَي فإن تأخر عمارة طسوج منها كان الآخر عامراً وأنت يا أمير المؤمنين على الصَّراة ودجلة تجيئك بالميرة من القرب وفي الفرات من الشام والجزيرة ومصر وتلك البلدان وتحمل إليك طرائف الهند والسند والصين والبصرة وواسط في دجلة وتجيئك ميرة أرمينية وأذربيجان وما يتصل بها في تامرا وتجيئك ميرة الموصل وديار بكر وربيعة وأنت بين أنهار لا يصل  إليك عدوك إلا على جسر أو قنطرة فإذا قطعت الجسر والقنطرة لم يصل إليك عدوك وأنت قريب من البر والبحر والجبل، فأعجب المنصور هذا القول وشرع في البناءِ ووجه المنصور في حشر الصناع والفَعَلَةِ من الشام والموصل والجبل والكوفة وواسط فأحضروا وأمر باختيار قوم من أهل الفضل والعدالة والفقه والأمانة والمعرفة بالهندسة فجمعهم وتقدم إليهم أن يشرفوا على البناء وكان ممن حضر الحجاج بن أرطاة وأبو حنيفة الامام وكان أول العمل في سنة145 وأمر أن يجعل عرضُ السور من أسفله خمسين ذراعاً ومن أعلاه عشرين ذراعاً وأن يجعل في البناء جُرز القصب مكان الخشب فلما بلغ السور مقدار قامة اتصل به خروج محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب فقطع البناء حتى فرغ من أمره وأمر أخيه إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن، وعن علي بن يَقطين قال: كنت في عسكرأبي جعفر المنصور حين سار إلى الصراة يلتمس موضعاً لبناء مدينة، قال: فنزل الدير الذي على الصراة في العتيقة فما زال على دابته ذاهباً جائياً منفرداً عن الناس يفكر قال: وكان في الدير راهب عالم فقال لي: كم يذهب الملك ويجيء قلت: إنه يريد أن يبني مدينة، قال: فما اسمه قلت: عبد الله بن محمد، قال: أبو من؟ قلت: أبو جعفر قال: هل يلقب بشيء قلت: المنصور قال: ليس هذا الذي يبنيها قلت: ولمِ قال: لأنا قد وجدنا في كتاب عندنا نتوارثه قَرنا عن قرن أن الذي يبني هذا المكان رجل يقال له: مِقلاَص، قال: فركبت من وقتي حتى دخلت على المنصور ودَنَوتُ منه فقال لي: ما وراءك قلت: خير ألقيه إلى أمير المؤمنين وأريحه من هذا العناءِ فقال: قل، قلت: أمير المؤمنين يعلم أن هؤلاءِ معهم علم وقد أخبرني راهب هذا الدير بكذا وكذا فلما ذكرت له مقلاص ضحك واستبشر ونزل عن دابته فسجد وأخذ سوطه وأقبل يذرع به فقلت: في نفسي لحقه اللجاجُ ثم دعا المهندسين من وقته وأمرهم بخط الرماد فقلت له: أظنك يا أمير المؤمنين أرَدتَ معاندة الراهب وتكذيبه فقال: لا، والله ولكني كنت ملقباً بمقلاص وما ظننتُ أن أحداً عرف ذلك غيري وذاك أننا كنا بناحية السراة في زمان بني أمية على الحال التي تعلم فكنت أنا ومن كان في مقدار سني من عمومتي وإخوتي نتداعى ونتعاشر فبلغت النوبة إلي يوماً من الأيام وماأملك درهماً واحداً فلم أزل أفكر وأعمل الحيلة إلى أن أصبتُ غزلا لداية كانت لهم فسرقته ثم وجهتُ به فبيع لي واشترى لي بثمنه ما احتجت إليه وجئتُ الى الداية وقلت لها: افعلي كذا واصنعي كذا قالت: من أين لك ما أرى قلت: اقترضت دراهم من بعض أهلي، ففعلت ما أمرتها به فلما فرغنا من الأكل وجلسنا للحديث طلبت الداية الغزل فلم تجده فعلمت أني صاحبه وكان في تلك الناحية لص يقال له: مقلاص مشهور بالسرقة فجاءت إلى باب البيت الذي كنا فيه فدعتني فلم أخرج إليها لعلمي أنها وقفت على ماصنعت فلما ألَحت وأنا لا أخرج قالت اخرج يا مقلاص الناس يتحذرون من مقلاصهم وأنا مقلاصي معي في البيت فمزح معي إخوتي وعمومتي بهذا اللقب ساعة ثم لم أسمع به إلا منك الساعة فعلمت أن أمر هذه المدينة يتم على يدي لصحة ما وقفت عليه، ثم وضع أساس المدينة مدوراً وجعل قصره في وسطها وجعل لها أربعة أبواب وأحكم سورها وتفصيلها فكان القاصد إليها من الشرق يدخل من باب خراسان والقاصد من الحجاز يدخل من باب الكوفة والقاصد من المغرب يدخل من باب الشام والقاصد من فارس والأهواز وواسط والبصرة واليمامة والبحرين يدخل من باب البصرة، قالوا: فأنفق المنصور على عمارة بغداد ثمانية عشر ألف ألف دينار، وقال الخطيب في رواية: أنه أنفق على مدينته وجامعها وقصر الذهب فيها والأبواب والأسواق إلى أن فرغ من بنائها أربعة ألاف ألف وثمانمائة وثلاثة وثمانين ألف درهم وذاك أن الأستاذ من الصناع كان يعمل في كل يوم بقيراط إلى خمس حبات والروزجاري بحبتين إلى ثلاث حبات وكان الكبش بدرهم والجمل بأربعة دوانيق والتمر ستون رطلاً بدرهم، قال الفضل بن دكين: كان ينادي على لحم البقر في جبانة كِندَة تسعون رطلاً بدرهم ولحم الغنم ستون رطلاً بدرهم والعسل عشرة أرطال بدرهم، قال: وكان بين كل باب من أبواب المدينة والباب الاَخر ميل وفي كل ساف من أسواف البناء مائة ألف لبنة واثنان وستون ألف لبنة من اللبن  الجعفري، وعن ابن الشرَوي قال: هدمنا من السور الذي يلي باب المحول قطعة فوجدنا فيها لبنة مكتوب عليها بمغْرَة وزنها مائة وسبعة عشر رطلاً فوزناها فوجدناها كذلك، وكان المنصور كما ذكرنا بنى مدينته مدورة وجعل داره وجامعها في وسطها وبنى القبة الخضراءَ فوق إيوان وكان علوها ثمانين ذراعاً وعلى رأس القبة صنم على صورة فارس في يده رمح وكان السلطان إذا رأى أن ذلك الصنم قد استقبل بعض الجهات ومد الرمح نحوها علم أن بعض الخوارج يظهر من تلك الجهة فلا يطول عليه الوقت حتى تَرِد عليه الأخبار بأن خارجياً فد هجم من تلك الناحية، قلت أنا: هكذا ذكر الخطيب وهو من المستحيل والكذب الفاحش وإنما يحكى مثل هذا عن سحرة مصر وطلسمات بليناس التي أوهم الأغمارَ صحتها تطاوُل الأزمان والتخيل أن المتقدمين ما كانوا بني اَدم فأما الملة الإسلامية فإنها تجل عن هذه الخرافات فإن من المعلوم أن الحيوان الناطق مكلف الصنائع لهذا التمثال لا يعلم شيئاً مما ينسب إلى هذا الجماد ولو كان نبياً مرسلاً وأيضاً لو كان كلما توجهت إلى جهة خرج منها خارجي لوجب أن لا يزال خارجي يخرج في كل وقت لأنها لا بد أن تتوجه إلى وجه من الوجوه و الله أعلم، قال: وسقط رأس هذه القبة سنة 329 وكان يوم مطر عظيم ورعد هائل وكانت هذه القبة تاج البلد وعَلَم بغداد ومأثرة من ماَثر بني العباس وكان بين بنائها وسقوطها مائة ونيف وثمانون سنة، ونقل المنصور أبوابها من واسط وهي أبواب الحجاج وكان الحجاج أخذها من مدينة بازاءِ واسط تعرف بزَنْدَورَد يزعمون أنها من بناء سليمان بن داود عليه السلام وأقام على باب خراسان بابا جيء به من الشام من عمل الفراعنة وعلى باب الكوفة بابا جيء به من الكوفة من عملى خالد القسري وعمل هو بابا لباب الشام وهو أضعفها وكان لا يدخل أحد من عمومة المنصور ولا غيرهم من شيء من الأبواب إلا راجلاً إلا داود بن علي عمه فإنه كان متفرساً وكان يحمل في مِحفةٍ وكذلك محمد المهدي ابنه، وكانت تكنس الرحاب في كل يوم ويحمل التراب إلى خارج فقال له عمه عبد الصمد: يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير فلو أذنتَ لي أن أنزل داخل الأبواب فلم يأذَن له فقال يا أميرالمؤمنين: عدني بعض بغال الروايا التي تصل إلى الرحاب فقال: يا. ربيع بغال الروايا تصل إلى رحابي تتخذ الساعة قني بالساج من باب خراسان حتى تصل إلى قصري ففعل ومد المنصور قناةً من نهر دُجيل الآخذ من دجلة وقناةً من نهر كرخايا الآخذ من الفرات وجرهما إلى مدينته في عقود وثيقة من أسفلها محكمة بالصاروج والآجر من أعلاها فكانت كل قناة منها تدخل المدينة وتنفُذُ في الشوارع والدروب والأرباض تجري صيفاً وشتاءً لا ينقطع ماؤها في شيء من الأوقات، ثم أقطع المنصور أصحابه القطائع فعمروها وسميت بأسمائهم، وقد ذكرت من ذلك ما بلغني في مواضعه حسب ما قضى به ترتيب الحروف وقد صنف في بغداد وسعتها وعظم رفعتها وسعة بقعتها وذكر أبو بكر الخطيب في صدر كتابه ذلك ما فيه كفاية لطالبه.
فلنذكر الآن ما ورد في مدح بغداد.
ومن عجيب ذلك ما ذكره أبوسهل بن نوبخت قال: أمرني المنصور لما أراد بناء بغداد بأخذ الطالع ففعلتُ فإذا الطالع في الشمس وهي في القوس فخبرته بما تدلُ النجوم عليه من طول بقائها وكثرة عمارتها وفقر الناس إلى ما فيها ثم قلتُ وأخبرك خلة أخرى أسرك بها يا أمير المؤمنين قال: وما هي؟ قلت: نجد في أدلة النجوم أنه لا يموت بها خليفة أبداً حتف أنفه قال: فتبسم وقال: الحمد لله على ذلك هذا من فضل الله يُؤتيه من يشاءُ و الله ذو الفضل العظيم، ولذلك يقول عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن الخطفي:

أعاينت في طول من الأرض أو عرض

 

كبغداد من دارٍ بها مسكنُ الخـفـض

صفا العيش في بغداد واخضـر عـوده

 

وعيش سواها غير خفْض ولا غـضْ

تطول بهـا الأعـمـار إن غـذاءهـا

 

مرىءٌ وبعض الأرض أمرأ من بعض

قضى ربـهـا أن لا يمـوتَ خـلـيفة

 

بها إنه ماشاء في خلـقـه يقـضـي

تنام بهـا عـين الـغـريب ولا تـرى

 

غريباً بأرض الشام يطمع في الغمض

فإن جُزيَت بغداد منهم بـقـرضـهـا

 

فما أسلَفت إلا الجميلَ من الـقـرض

           

 

وإن رُميَت بالهجر منهم وبالقِلـى

 

فما أصبحت أهلا لهجر ولا بغض

وكان من أعجب العجب أن المنصور مات وهو حافي والمهدي ابنه خرج إلى نواحي الجبل فمات بما سبَذان بموضع يقال له: الرد والهادي ابنه مات بِعيساباذ قرية أو محلة بالجانب الشرقي من بغداد والرشيد مات بطوس والأمين أخذ في شبارته وقتل بالجانب الشرقي والمأمون مات بالبَذَنْدون من نواحي المصيصة بالشام والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر وباقي الخلفاءِ ماتوا بسامرا ثم انتقل الخلفاء إلى التاج من شرقي بغداد كما ذكرناه في التاج وتعطلت مدينة المنصور منهم، وفي مدح بغداد، قال بعض الفضلاءِ: بغداد جنة الأرض ومدينة السلام وقبة الإسلام ومجمع الرافدَين وغرة البلاد وعين العراق ودار الخلافة ومجمع المحاسن والطيبات ومعدن الظرائف واللطائف وبها أرباب الغايات في كل فن وآحاد الدهر في كل نوع، وكان أبو إسحاق الزجاج يقول: بغداد حاضرة الدنيا وما عداها بادية، وكان أبو الفرج الببغا يقول هي مدينة السلام بل مدينة الإسلام فإن الدولة النبوية والخلافة الإسلامية بها عششتا وفرختا وضربتا بعروقهما وبسَقتا بفروعهما وان هواءها أغْذى من كل هواءٍ وماءَها أعذب من كل ماءِ وإن نسيمها أرق من كل نسيم وهي من الإقليم الإعتدالي بمنزلة المركز من الدائرة ولم تزل بغداد موطن الأكاسرة في سالف الأزمان ومنزل الخلفاءِ قي دولة الإسلام، وكان ابن العميد إذا طرأ عليه أحد من منتحلي العلوم والآداب وأراد امتحان عقله سأله عن بغداد فإن فطن بخواصها وتنبه على محاسنها وأثنى عليها جعل ذلك مقدمة فضله وعنوان عقله ثم سأله عن الجاحظ فإن وجد أثراً لمطالعة كتبه والاقتباس من نوره والاغتراف من بحره وبعض القيام بمسائله قضى له بأنه غرة شادخة في أهل العلم والآداب وإن وجده ذاماً لبغداد غفلاً عما يحب أن يكون موسوماً به من الانتساب إلى المعارف التي يختص بها الجاحظ لم ينفعه بعد ذلك شيءٌ من المحاسن، ولما رجع الصاحب عن بغداد سأله ابن العميد عنها فقال: بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد فجعلها مثلاً في الغاية في الفضل، وقال ابن زُرَيق الكاتب الكوفي:

سافَرتُ أبغي لبغدادٍ وساكنِـهـا

 

مثلاً قد اخترتُ شيئاً دونه الياسُ

هيهاتَ بغداد والدنيا بأجمعـهـا

 

عندي وسكانُ بغدادٍ هم النـاس

وقال اَخر:

بغداد يا دار الملوك ومجتـنـى

 

صنوف المنى يا مستقر المنابر

ويا جنة الدنيا ويا مجتنى الغنى

 

ومنبَسط الآمال عند المتاجـر

وقال أبو يَعلى محمد بن الهبارية: سمعت الشيخ الزاهد أبا إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفَيرُوزاباذي يقول من دخل بغداد وهو ذو عقل صحي وطبع معتدل مات بها أو بحسرتها، وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير:

مامثل بغداد في الدنيا ولا الـدين

 

على تقلبهافـي كـل مـاحـينِ

ما بين قَطرَبُل فالكرخ نرجـسة

 

تندي ومنبت خيري ونـسـرينِ

تحيا النفوسُ برَياها إذا نفَـحَـتْ

 

وخرشت بين أوراق الرياحـين

سَقياً لتلك القصور الشاهقات وما

 

تخفي من البَقَر الأنسية الـعِـينِ

تَستَن دجلةُ فيما بينهـا فَـتَـرى

 

دُهمَ السفين تعالا كـالـبـراذينَ

مناظرٌ ذاتُ أبـواب مـفـتـحة

 

أنـيقة بـزَخـاريف وتــزْيين

فيها القصور التي تَهوى بأجْنِـحَةِ

 

بالزائرين إلى القوم المـزورين

من كل حراقة تَعلو فَقَـارَتـهـا

 

قصرُ من الساج عالٍ ذو أساطين

وقدم عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس إلى بغداد فرأى كثرة الناس بها فقال: ما مررت بطريق من طُرُق هذه المدينة إلا ظننت أن الناس قد نودِيَ فيهم، ووُجد على بعض الأميال بطريق مكة مكتوباً:

أيا بغداد يا أسَفـي عـلـيك

 

متى يقضى الرجوع لنا إليك

قنِعنا سالمين بـكـل خـيرٍ

 

وينعُمُ عيشُنا في جانـبـيكِ

ووُجد على حائط بجزيرة قبرُص مكتوباً:

فهل نحو بغداد مزارٌ فيلتقـي

 

مشُوق ويحظى بالزيارة زائر

إلى الله أشكو لا إلى النـاس إنـه

 

على كشف ما ألقى من الهم قادرُ

وكان القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر المالكي قد نبا به المقام ببغداد فرحل إلى مصر فخرج البغداديون يودعونه وجعلوا يتوجعون لفراقه فقال: والله لو وجدت عندكم في كل يوم مدا من الباقلي ما فارقتكم ثم قال:

سلام على بغداد من كل منـزل

 

وحُق لها منًي السلامُ المُضاعفُ

فوالله ما فارقتُها عن قلًى لـهـا

 

وإني بشطي جانبيها لـعـارفُ

ولكنها ضاقَت علي برُحـبـهـا

 

ولم تكن الأرزاق فيهاتساعـف

وكانت كخل كنت أهـوَى دُنـوه

 

وأخلاقه تنأى به وتـخـالـف

ولما حج الرشيد وبلغ زَرُودَ الفت إلى ناحية العر اق، وقال:

أقول وقد جُرنا زَرُودَ عشـيةً

 

وكادت مطايانا تجوز بنا نجدا

على أهل بغدادَ السلامُ فإنني

 

أزيد بسيري عن ديارهم بعدا

وقال ابن مجاهد المقري: رأيت أبا عمرو بن العلاء في النوم فقلت له: ما فعل الله بك فقال: دَعني مما فعل الله بي من أقام ببغداد على السنة والجماعة ومات نُقِلَ من جنة إلى جنة وعن يونس بن عبد الأعلى، قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه: أيا يونس دخلتُ بغداد فقلت: لا، فقال أيا يونس: ما رأيت الدنيا ولا الناس، وقال طاهر بن المظفر بن طاهر الخازن:

سَقى الله صوبَ الغاديات محـلةً

 

ببغداد بين الخُلد والكرخ والجسر

هي البلدة الحسناءُ خُضتْ لأهلها

 

بأشياءَلم يُجمعن مذ كن في مصر

هواء رقيق في اعتدال وصـحة

 

وماء له طعم ألذ من الخـمـر

ودِجلتها شطان قد نُظـمـا لـنـا

 

بتاجٍ إلى تاج وقصر إلى قصـر

ثراها كمسكٍ والمـياهُ كـفـضة

 

وحصباؤها مثل اليواقيت والـدر

قال أبو بكر الخطيب أنشدني أبو محمد الباقي قول الشاعر:

دخلنا كارهين لها فلما

 

ألِفناها خرجنا مُكرَهينا

فقال: يوشك هذا أن يكون في بغداد، قيل: وأنشد لنفسه في المعنى وضمنه البيت:

على بغداد معدن كل طيب

 

ومَغنى نزهة المتنزهينـا

سلام كلما جرحت بلحـظ

 

عيون المشتهين المشتهينـا

دخلنا كارهين لها فـلـمـا

 

ألفناها خرجنا مكرهـينـا

وما حُب الديار بنا ولـكـن

 

أمر العيش فرقةُ مَن هوينا

قال محمد بن علي بن حبيب الماوردي: كتب إلي أخي من البصرة وأنا ببغداد:

طيبُ الهواءِ ببغداد يشـوقـنـي

 

قدماً إليها وإن عاقت مـعـاذيرُ

وكيف صبريَ عنها بعدما جمعت

 

طيب الهواءَين ممدود ومقصور

وقُلد عبد الله بن عبد الله بن طاهر اليَمَن فلما أراد الخروج قا ل:

أيرحل آلف ويقـيم إلـفُ

 

وتحيا لوعةويموت قَصفُ

على بغداد دار اللهو منـي

 

سلامٌ ماسجا للعين طرفَ

وما فارقتها لِقلًى ولـكـن

 

تناولني من الحدثان صَرفُ

ألا رَوح ألا فرج قـريب

 

ألا جار من الحدثان كهف

لعل زماننا سيعـود يومـاً

 

فيرجع آلِف وشـر إلـفُ

فبلغ الوزير هذا الشعر فأعفاه، وقال شاعر يتشوق بغداد:

ولما تجاوَزْتُ الـمـدائنَ سـائراً

 

وأيقنتُ يا بغداد أني على بُـعـد

علمتُ بأن الـلـه بـالـغُ أمـره

 

وأن قضاءَ اللَه ينفذ في العـبـد

وقلتُ وقلبي فيه ما فيه من جَوىَ

 

ودمعيَ جارِ كالجمان على خدي

هل الله يا بغداد يَجمـع بـينـنـا

 

فألقى الذي خلفتُ فيك على العهد

وقال محمد بن علي بن خلف البيرماني:

فِدًى لكِ يا بـغـداد كـل مـدينة

 

من الأرض حتى خطتي وديارِيا

فقد طفتُ في شرق البلاد وغربها

 

وسيرتُ خيلي بينهـا وركـابـيا

فلم أرَ فيها مثل بغـداد مـنـزلاً

 

ولم أر فيها مـثـل دجـلة واديا

ولا مثل أهليهـا أرق شـمـائلاً

 

وأعذَبَ ألفاظاً وأحلَى معـانـيا

وقائلة لـو كـان ودك صـادقـاً

 

لبغداد لم ترحل فقلت جـوابـيا

يقيم الرجال الموسرون بأرضهم

 

وترمي النوى بالمقترين المراميا

في ذم بغدادَ قد ذكره جماعة من أهل الورع والصلاح والزهاد والعباد ووردَت فيها أحاديث خبيثة وعلتهم في الكراهية ما عاينوه بها من الفجور والظلم والعسف وكان الناس وقت كراهيتهم للمقام ببغداد غير ناس زماننا فأما أهل عصرنا فأجلس خيارهم في الخيش وأعطِهم فلساًفما يبالون بعد تحصيل الحطام أين كان المقامَ، وقد ذكر الحافظ أبو بكر أحمد بن علي من ذلك قدراً كافياً، وكان بعض الصالحين إذا ذُكرت عنده بغداد يتمثل:

قل لمن أظهرَ التنسك في النا

 

س وأمسَى يُعَد في الزهـاد

إلزَمِ الثغرَ والتواضـعَ فـيه

 

ليس بغداد منزل الـعـبـاد

إن بغداد للملـوك مـحـل

 

ومناخْ للقارىء الـصـياد

ومن شائع الشعر في ذلك:

بغدادُ أرض لأهل المـال طـيبة

 

وللمَفاليس دارُ الضنك والضـيق

أصبحتُ فيها مضاعاً بين أظهُرهم

 

كأنني مصحفٌ في بيت زِنـديقِ

ويروى للطاهر بن الحسين، قال:

زعم الناسُ أن لَيلَك يا بـغ

 

داد ليل يطيب فيه النسـيمُ

ولعمري ما ذاك إلا لأن خا

 

لفها بالنهار منك السمـوم

وقليل الرخاء يتبـع الـش

 

دة عند الأيام خطب عظيمُ.

وكتب عبد الله بن المعتز إلى صديق له يمدح سرمن رأى ويصف خرابها ويذُم بغداد: كتبت من بلدة قد أنهضَ الله سكانَها وأقعد حيطانَها، فشاهد اليأسِ فيها ينطق وحبلُ الرجاء فيها يقصر، فكأن عمرانها يُطوَى وخرابها ينتشر، وقد تمزقت بأهلها الديار، فما يجب فيها حق جوار، فحالُها تَصفُ للعيون الشكوى، وتُشير إلى ذم الدنيا، على أنها وإن جُفِيت معشوقةُ السكنَى، رجية المثوَى، كوكبُها يقظان، وجوها عريان، وحصباؤها جوهر، ونسيمُها معطر، وترابها أذفر، ويومُها غداة وليلها سحر، وطعامها هنيء وشرابها مريء لا كبلدتكم الوسخة السماءِ، الومدة الماءِ والهواء، جوها غُبار، وأرضها خَبار، وماؤها طين، وترابها سرجين، وحيطانها نزُوز، وتشرينها تموز، فكم من شمسها من محترق، وفي ظِلًها من غَرِق، ضيقة الديار، وسيئة الجوار، أهلها ذئاب، وكلامهم سباب، وسائلهم محروم، ومالهم مكتوم، ولا يجوز إنفاقه، ولا يُحل خناقة، حشوشهم مسايل، وطُرُقهم مزا بل، وحيطا نهم أخصاص، وبيوتهم أقفاص، ولكل مكروه أجلٌ ، وللبقاع دولٌ ، والدهر يسير بالمقيم، ويمزج البُؤس بالنعيم، وله من قصيدة:

كيف نومي وقد حللتُ ببـغـد

 

اد مقيماً في أرضهـا لا أريمُ

ببلاد فيها الـركـايا عـلـيه

 

ن أكاليل من بَعوض تحـوم

جوها في الشتاء والصيف دُخا

 

ن كثيف وماؤهـا يحـمـوم

وَيحَ دار الملك التي تنفحُ المس

 

ك إذا ما جرى عليه النسـيم

كيف قد أقفرَت وحاربَها الـده

 

ر وعينُ الحياة فيها الـبـوم

نحن كنا سكانها فانقـضـى ذ

 

لك عـنـا وأي شـيء يدوم

وقال أيضاً:

أطال الهم في بغداد لـيلـي

 

وقد يشقى المسافر أو يفوزُ

ظللت بها على زعمي مقيماً

 

كعِنينِ تُعانِقُـه عـجـوزُ

وقال محمد بن أحمد بن شميعة البغدادي شاعر عصري فيها:

وُد أهل الزوراء زُور فلا

 

تغترِر بالوداد من ساكنيها

هي دار السلام حسب فـلا

 

تَطمع منها إلا بما قيل فيها

وكان المعتصم قد سأل أبا العيناء عن بغداد وكان سيئ الرأي فيها فقال: هي يا أمير المؤمنين كما قال عُمارة بن عقيل:

ما أنت يا بغداد إلأسَلحُ

إذا اعتراكِ مطر أو نفْح وإن خففتِ فتُراب برح وكما قال آخر:

هل الله من بغداد يا صاحِ مخرجي

 

فأصبِحُ لا تبدُو لعيني قصورُهـا

وميدانها المذري علينا تـرابـهـا

 

إذا شَمخت أبغالُها وحـمـيرُهـا

وقال آ خر:

أذُم بغداد والمقـام بـهـا

 

من بعد ما خبرَة وتجريب

ما عند سكانها لمختـبـط

 

خير ولا فرجة لمكروب

يحتاج باغي المقام بينُهُـم

 

إلى ثلاث من بعد تتريب

كُنوزُ قارونَ أن تكـون لـه

 

وعمرُ نوح وصـبـرُ أيوب

قوم مواعيدُهـم مُـزَخـرفة

 

بزُخْرف القول والأكـاذيب

خلوا سبيل العلَى لغـيرهـم

 

ونافسوا في الفُسُوق والحوب

وقال بعض الأعراب:

لقد طال في بغداد ليلي ومن يبِتْ

 

ببغداد يُصبح ليلَـهُ غـيرُراقِـد

بلاد إذا ولى النهارُ تـنـافـرَت

 

براغيثها من بين مَثنىً وواحـد

دَيازجَة شُفبُ البطون كـأنـهـا

 

بغالُ بريدِ أرسلت فـي مَـذَاوِدِ

وقرأت بخط عبد الله بن أحمد جُخْجُخ. قال أبو العالية:

ترَحل فمـا بـغـداد دار إقـامة

 

ولا عند من يرجى ببغداد طـائل

مَحل ملوك سمتُهم في أديمـهـم

 

فكلهم من حليَة المجد عـاطـلُ

سِوَى مَعشرِ جلو وجل قليلـهـم

 

يُضَاف إلى بذل الندَى وهو باخلُ

ولا غروَ إنِ شَلت يد الجود وَالندى

 

وقل سَماحٌ من رجـالٍ ونـائلُ

إذا غَطمطَ البحر الغُطامط مـاؤه

 

فليس عجيباً أن تفيض الجـداول

و قال آخر:

كفى حزنا والحمد لله أنـنـي

 

ببغداد قد اعيَت علي مذاهبي

أصاحب قوماً لا ألذ صحابهـم

 

وآلف قوماً لستُ فيهم براغبِ

ولم أثو في بغداد حباً لأِهلهـا

 

ولا أن فيها مستفاداً لطالـب

سأرحل عنها قالياً لسَرَاتِـهـا

 

وأتركها ترك الملول المجانب

فإن ألجَأتني الحادثات إلـيهـم

 

فأيرُ حمار في حرام النوائب

وقال بعضهم يمدح بغداد ويذم أهلها:

سَقياً لبغداد ورَعـياً لـهـا

 

ولا سَقى صَوبُ الحيا أهلَها

يا عَجَباً من سَفلِ مثـلـهـم

 nbsp;

كيف أبيحوا جنة مثلـهـا

وقال آخر:

اخلع ببـغـداد الـعـذارا

 

ودع التَنَسكَ والـوَقـارا

فلقد بُـلـيَتَ بـعُـصـبَة

 

ما إن يرون العارَ عـارا

لا مسـلـمـين ولا يهـو

 

د ولا مجوس ولا نصارى

وقدم بعض الهَجَريين بغداد فاستوبأها. وقال:

أرى الريفَ يدنو كل يوم وليلة

 

وأزداد من نجد وساكنه بعـدَا

ألا إن بغدادا بـلاد بـغـيضة

 

إلي وإن أمست معيشتُها رغدًا

بلاد ترى الأرواح فيها مريضةً

 

وتزداد نتناً حين تُمطَرُ أو تندَا

وقال أعرابي مثل ذلك:

ألا يا غراب البين مالك ثـاوِياً

 

ببغداد لا تمضي وأنتَ صحيحُ

ألا إنما بـغـداد دار بـلِـية

 

هل الله من سجن البلاد مُريحُ

وقال أبو يعلَى بن الهبارية أنشدني جدي أبو الفضل محمد بن محمد لنفسه:

إذا سقى الله أرضاً صَوبِ غاديةٍ

 

فلا سقى الله غيثاً أرض بغداد

أرض بها الحر معدوم كأن لها

 

قد قيل في مَثل لا حر بالوادي

بل كل ما شئتَ من عِلق وزانية

 

ومستجَد وَصفـعَـانٍ وقـوادٍ

وقال أيضاً أبو يعلى بن الهبارية أنشدني معدانُ التغليي لنفسه:

بغداد دار طيبُـهـا آخِـذ

 

نسيمها مني بأنفـاسـي

تصلح للموسر لا لامرىءٍ

 

يبيت في فقرِ وإفـلاس

لو حلها قارون رب الغنى

 

أصبح ذا هم ووَسـواس

هي التي توعَدُ لكـنـهـا

 

عاجِلة للطاعم الـكـاس

حور وولدان ومن كل ما

 

تَطلبه فيها سوى النـاس

بَغرازُ: اَخره زاي. قال بعضهم: بطَرَسُوس وأحسبه المذكور بعده.
بَغراسُ: بالسين مكان الزاي. مدينة في لحف جبل اللكام بينها وبين أنطاكية أربعة فراسخ على يمين القاصد إلى أنطاكية من حلب في البلاد المطلة على نواحي طرسوس. قال البلاذُرى وكانت أرض بغراس لمسلَمة بن عبد الملك ووقفها على سبيل البر وكانت بيد الأفرنج ففتحها صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة 584، وقد ذكره البُحتري في شعر مدح به أحمد بن طولونَ:

سُيوف لها في كـل دار غَـدًا ردى

 

وخيل لها في كل دار غداً نـهـبُ

عَلَت فرق بغراس فضاقت بما جنَت

 

صدُور رجال حين ضاق بها دربُ

ينسب اليها أبو عثمان سعيد بن حرب البغراسي يروي عن عثمان بن خرزاد الأنطاكي وكان حافظاً، وأحمد بن إبراهيم البغراسي روى عن أبي بكر الآجري كتب عنه محمد بن بكر بن أحمد وغيره ، وقال الحافظ أبوالقاسم محمد بن ابراهيم بن القاسم أبوبكر البغراسي الحضرَمي قدم دمشق وحدث في سنة 414 عن أبي علي المحسن بن هبة الله الرملي سمع منه خلف بن مسعود الأندلسي.
بغروندُ: بفتح الواو وسكون النون والدال كذا وَجدته مضبوطاً بخط ابن برد الخيار، وهو بلد معدود في أرمينية الثالثة.
بغشُورُ: بضم الشين المعجمة وسكون الواو وراء. بليدة بين هراة ومرو الروذ شربُهم من آبار عذبة وزروعهم ومَباطخهم أعذاء وهم فيٍ برية ليس عندهم شجرة واحدة ويقال لها بغ أيضاً رأيتُها في شهور سنة 616 والخراب فيها ظاهر، وقد نسب إليها خلق كثير من العلماء والأعيان. منهم أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان بن سابوربن شاهنشاه بن بنت أحمد بن منيع بَغوي الأصل وُلد ببغداد سمع علي بن الجعد وخلف بن هشام البزْاز وعبيد اللَّه بن محمد بن عائشة وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني في خلق من الأئمة روى عنه يحيى بن محمد بن صاعد وعبدالباقي بن قانع ومحمد بن عمر الجعابي والدارقطني وابن شاهين وابن حيوية وخلق كثيَر وكان ثقة ثبتاً مكثراً فهماً عارفاً وقيل انما قيل له البغَوي لأجل جده أحمد بن منيع وأما هو فوُلد ببغداد وكان محدث العراق في عصره وإليه الرحلة من البلاد وعُمر طويلاً وكانت ولادته سنة 213 ومات سنة 317، وأبو الأحوص محمد بن حَيان البغوي سكن بغداد روى عن مالك وهشيم روى عنه أحمد بن حنبل و غيره. وتوفي سنة 327، والإمام أبو محمد الحسين بن مسعود الفراءُ البغوي الفقيه العالم المشهور صاحب التصانيف التي منها التهذيب في الفقه على مذهب الشافعي وشرح السنة وتفسير القرآن وغير ذلك وكان يلقبُ محيي السنة وكان بمرو الروذ وبنج ده مات في شوال سنة 516ومولده في جمادى الأولى سنة 433، وأخوه الحسن وكان أيضاً عن أهل العلم ذكر. في التحبير وقال كان رحمه الله رقيق القلب. أنشد رجل:

ويوم تولتِ الأظعـانُ عَـنْـا

 

وقَوَّضَ حاضر وأرن حادي

مَمدَتُ الى الوَداع يَدي وأخرى

 

حبست بها الحياة على فؤادي

فتواجد الحسن والفراءُ وخلع ثيابه التي عليه ومات سنة 529 بَغ: هي الي قبلها ويقال لها بغ وبغشور والنسبة إليها بغوي على غير قياس على إحداهما. روى عن أبي محمد الحسين بن بدر بن عبد الله مولى الموفق أنه قال، قال لي عبد الله بن محمد البغوي أنا من قرية بخُراسان يقال لها بغاوة. قلت وهذا ليس بصحيح فإن بغاوة بخراسان لأ تُحرف وقد رأيت بَغشُور ورأيت أهلها وهم ينتسبون بغَوين.
بَغلاَنُ: آخره نون. قال أبو سعد بغلان. بلدة بنواحي بلخ وظني أنها من طخارستان وهي العليا والسفلى وهما من أنزه بلاد الله على ما قيل بكثرة الأنهار والتفاف الأشجار وقيل بين بغلان وبلخ ستة أيام. منها قُتيبة بن سعد بن جميل بن طريف بن عبد الله أبو رجاء الثقفي مولاهم. قال أحمد بن سيار بن أيوب كان قتيية مولى الحجاج بن يوسف قال الخطيب إنه من أهل بغلان قرية من قرى بلخ ذكر ابن عدي الجُرجاني أن اسمه يحيى ولقبه قتيبة، وقال أبو عبد الله محمد بن مَندة اسمه علي رحل إلى المدينة ومكة والشام والعراق ومصر سمع مالك بن أنس والليث بن سعد وعبد الله بن لُهيعة وحماد بن زيد وأبا عُوانة وسفيان بن عُيَينة وغيرهم روى عنه أحمد بن حنبل وأبو خَيثمة زهير بن حرب وأبو بكر بن أبي شيبة والحسن بن عرفة وأبو زُرعة وأبو حاتم والبخاري ومسلم في صحيحيهما وخلق غير هؤلاء وقدم بغداد وحدث بها سنة 216 فجاء أحمد ويحيى وقال قتيبة وكان أول خروجي سنة 172 وكنت يومئذ ابن ثلاث وعشرين سنة وكان قتيبة من الأئمة والثقات والمكثرين من المال والبقر والغنم والإبل والجاه وحسن الخلق ثبتاً فيما يروى صاحب سنة وجماعة وكان قد كتب الحديث عن ثلات طبقات وكل أثنى عليه بالجميل ووثقه وكان ينشد:

لولا القضاءُ الذي لا بد مدركه

 

والرزق يأكُلهُ الانسانُ بالقدر

ما كان مثلي في بغلاَن مسكنُهُ

 

ولا يَمر بها إلا على سَـفَـر

وقال عبد الله بن محمد البغوي مات قتيبة بن سعيد بخراسان بقرية من رستاق بلخ تدعى بَغلان وكان أقام بها ونزل بلخ وكانت وفاته في سنة 240 لليلتين خلتا من شعبان ومولده سنة 148 وقال غيره سنة50.
بَغوخَك: الخاء معجمة مفتوحة وكاف، من قرى نيسابور. منها أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن سليمان البغوخكي النيسابوري توفي سنة 329.
بغُولَن: بضم الغين وسكون الواو وفتح اللام ونون. قال أبو سعد وظني أنها من قرى نيسابور. منها أبوِ حامد أحمد بن إبراهيم بن محمد الفقيه الزاهد البَغُولني من أصحاب أبي حنيفة وشيخهم في عصره درس بنيسابور فقه أبي حنيفة نيفاً وستين سنة سمع بنيسابور والعراق وتوفي في سابع عشر شهر رمضان سنة 383.
بُغَيبِغَةُ: بالضم ثم الفتح وياءِ ساكنة وباء موحدة مكسورة وغين أخرى كأنه تصغير البغبغة وهو ضرب من الهدير والبغيبغة البئر القريبة الرشاءِ. قال الراجز:

يا رُب ماءٍ لك بالأجبـال

 

بُغَيبغ يُنزَعُ بالـعـقـال

أجبال طي الشمخ الطوال

 

طام عليه وَرَقُ الهـدال

وقال ابن الأعرابي البُغيبغ ماء كان قامةً أو نحوها. قال محمد بن يزيد في كتاب الكامل رووا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما أوصى إلى ابنه الحسن في وقف أمواله وأن يجعلَ فيها ثلاثة من مواليه وقف فيها عين أبي نَيزر والبُغيبغة قال وهذا غلط لان وَقفَه هذين الموضعين كان لسنتَين من خلافته. قلتُ أنا وسنذكر عين أبي نيزر في باب العين من كتابنا هذا ونذكر صورة الكتاب الذي كتب في وقفها وتحدث النيزَريون أن معاوية كتب إلى مروان بن الحكم وهو والي المدينة أما بعد فإن أمير المؤمنين قد أحب أن يَرُدَ الإلفة ويَسُل السخيمة ويَصِلَ الرحِمَ فإذا وصل إليك كتابي فاخطُب إلى عبد الله بن جعفر ابنته أمَ كُلثُوم على يزيد ابن أمير المؤمنين وارغب له في الصداق. فوجه مروان إلى عبد الله بن جعفر فقرأ عليه كتاب معاوية وعرفه ما في الألفة من إصلاح ذات البين. قال عبد الله أن خالها الحسين بينبع وليس ممن يُفتات عليه فأنظزني إلى أن يقدم. وكانت أمها زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فلما قدم الحسين ذكر له ذلك عبد الله بن جعفر فقام من عنده ودخل على الجارية وقال يا بنية إن ابن عمك القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب أحق بكِ ولعلكِ ترغبين في كثرة الصداق وقد نحلتُكِ البُغيبغات فلما حضر القوم للاملاك تكلم مروان فذكر معاوية وما قَصَدَه من صِلَةِ الرحم وجمع الكلمة فتكلم الحسين وزوجها من القاسم بن محمد فقال له مروان أغدرًا يا حسين فقال أنت بدأتَ خَطَبَ أبومحمد الحسن بن علي عائشة بنت عثمان بن عفان فاجتمعنا لذلك فتكلمتَ أنت وزوجْتها من عبد الله بن الزبير فقال مروان ما كان ذاك فالتفت الحسين إلى محمد بن حاطب وقال أنشدك الله أكان ذاك فقال اللهم نعم. فلم تزل هذه الضيعة في يدي عبد الله بن جعفر من ناحية أم كُلثُوم يتوارثونها حتى استخلف المأمون فذُكر ذلك له فقال كلا هذه وَقفُ علي بنِ أبي طالب على ولد فاطمة فانتزعها من أيديهم وعوضهم عنها وردَّها إلى ما كانت عليه.

بُغيث: بلفظ تصغير بغث آخره ثاء مثلثة والأبغَثُ المكان الذي فيه رمل وهو أيضاً مثل الأغبرَ في الألوان وبَغْث وبُغيث. اسم واديين في ظهر خيبر لهما ذكر في بعض الأخبار وهناك قريتان يقال لهما برق وتَعنُق في بلاد فزار ة.

بُغيديدُ: تصغير بغداد في ثلاثة مواضع. أحدها من نواحي بغداد فيما أحسب كان منها شاعر عصري يقيم بالحِنة المزْيدية والنيل وتلك النواحي كان جيداً في الهجاء، وبُغيديد: بليد بين خوارزم والجَندَ من نواحي تركستان مشهور عندهم، وبُغيديد: من قرى حلب.

بُغيةُ: كأنه تصغير البُغْيَة وهي الحاجة. عينُ ماءٍ.