باب الميم والدال وما يليهما
مَدَاخلُ: بالفتح والدال مهملة والخاء معجمه جمع مدخل. ثماد وعندها هضب، وله سُفوح وهو منطَق بأرض بيضاءَ يشرف على الرَيَان من شرقيه يقال له: هضب مداخل.
المَدارُ: بالفتح اسم المكان من دار يدور. موضع بالحجاز في ديار عدوان أو غدانة.
مَدَالةُ: يجوز أن يكون من التداول، والدولة، وهو الانتقال من حال إلى حال، أو الدالة، وهو الشهرة، وهو اسم المكان أو الزمان منها اسم موضع.
مَدَام: من. قرى صنعاء باليمن.
المَدَانُ: بالفتح وآخره نون وهو اسم المكان أو الزمان من دان يدين أي ذل واستهان نفسه في العبادة وغيرها. قال ابن دُرَيد: هو اسم صنم ومنه عَبدُ المَدَان وأنكره ابن الكلبي، والمدان: واد في بلاد قضاعة بناحية حرَة الرجلاء، وقيل: الزَنجلَى يسيل مشرقاً من الحرة. قال إبراهيم بن سعد في غزوة زيد بن حارثة بني جذام بناحية حسمى: فلما سمعت بذلك بنو الضبيب والجَيشُ بفَيفاءِ مَدَان ركب حسان بن مِلةَ وذكر الحديث. المَدَائنُ: قال بطليموس: طول المدائن سبعون درجة وثلث، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثُلث، بالفتح جمع المدينة تهمز ياؤها، ولا تهمز إن أخذت من دان يدين إذا أطاع لم تهمز إذا جمع على مدائن لأنه مثل معيشة وياؤه أصلية وإن أخذت من مدن بالمكان إذا أقام به همزت لأن ياءها زائدة فهي مثل قرينة وقرائن، وسفينة وسفائن، والنسبة إليها مدائنيٌ ، وإنما جاز النسبة إلى الجمع بصيغته لأنه صار علماً بهذه الصيغة وإلا فالأصل أن يرد المجموع إلى الواحد ثم ينسب إليه، والنسبة إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم مَدني، وربما قيل: مَدِينِي، والنسبة إلى مدينة أصبهان مديني لا غير وربما نُسب إلى غيرها هذه النسبة كبغداد ومَرو ونيسابور والمدائن العظام. قال يزدجرد بن مهبندار الكسروي في رسالة له عملها في تفضيل بغداد فقال في تضاعيفها: ولقد كنت أفكر كثيراً في نزول الأكاسرة بين أرض الفرات ودجلة، فوقفت على أنهم توسطوا مصب الفرات في دجلة هذا أن الإسكندر لما سار في الأرض ودانت له الأممُ وبنى المُدنَ العظام في المشرق والمغرب رجع إلى المدائن وبنى فيها مدينة وسورَها وهي إلى هذا الوقت موجودة الأثر وأقام بها راغباً عن بقاع الأرض جميعاً وعن بلاده ووطنه حتى مات. قال يزدجرد: أما أنوشروان بن قُباذ، وكان أجل ملوك فارس حزماً ورأياً وعقلاً وأدباً فإنه بنى المدائن وأقام بها هو، ومن كان بعده من ملوك بني ساسان إلى أيام عمر بن الخطاب رضي اللهَ عنه، وقد ذكر في سير الفرس أن أول من اختط مدينة في هذا الموضع أردشبر بن بابك قالوا: لما ملك البلاد سار حتى نزل في هذا الموضع فاستحسنه فاختط به مدينة. قال: وإنما سميت المدائن لأن زاب الملك الذي بعد موسى عليه السلام ابتناها بعد ثلاثين سنة من ملكه وحفر الزوابي وكَورَها، وجعل المدينة العظمى المدينة العتيقة. فهذا ما وجدته مذكوراً عن القدماءِ ولم أر أحداً ذكر لم سميت بالجمع والذي عندي فيه أن هذا الموضع كان مسكن الملوك الأكاسرة الساسانبة وغيرهم، فكان كل واحد منهم إذا ملك بَنَى لنفسه مدينة إلى جنب التي قبلها وسماها باسم فأولها المدينة العتيقة التي لزاب كما ذكرنا ثم مدينة الاسكندر ثم طيسفون من مدائنها ثم أسفانبر ثم مدينة يقال لها: رومية فسميت المدائن بذلك واللهَ أعلم، وكان فتح المدائن كلها على يد سعد بن أبي وقاص في صفر سنة 16 في أيام عمر بن الخطاب رضي اللهَعنه. قال حمزة: اسم المدائن بالفارسية توسفون وعربوه على الطيسفون والطيسفونج، وإنما سمتها العرب المدائن لأنها سبع مدائن بين كل مدينة إلى الأخرى مسافة قريبة أو بعيدة وآثارها، وأسماؤها باقية، وهي أسفابور ووه أردشير، وهنبو شافور ودرزنيدان ووه جنديوخسره ونونيافاذ وكرادفاذ فعرب أسفابور على أسفانبر، وعرب وه أردشير على بهرسير، وعرب هنبوشافور على جنديسابور، وعرب درزنيدان على درزيجان، وعرب وه جنديو خسره على رومية، وعرب السادس والسابع على اللفظ. فلما ملك العرب ديار الفرس واختطت الكوفة، والبصرة انتقل إليهما الناس عن المدائن، وسائر مدن العراق ثم اختط الحجاج، واسطاً فصارت دار الإمارة فلما زال ملك بني أمية اختط المنصور بغداد فانتقل إليها الناس ثم اختط المعتصم سامرا فأقام الخلفاءُ بها مدة ثم رجعوا إلى بغداد فهي الآن أم بلاد العراق. فأما في وقتنا هذا فالمسمى بهذا الاسم بليدة شبيهة بالقرية بينها وبين بغداد ستة فراسخ وأهلها فَلاّحون يزرعون ويحصدون والغالب على أهلها التشيع على مذهب الإمامية، وبالمدينة الشرقية قرب الإيوان قبر سَلمان الفارسي رضي اللهَ عنه، وعليه مشهد يزار إلى وقتنا هذا، وقال رجل من مُرَاد:
دعوت كُرَيباً بالـمـدائن دَعـوَةَ |
|
وسَيرتُ إذ ضمَت عليَ الأظافرُ |
فيال بني سعد عَلاَمَ تركْـتُـمـا |
|
أخا لكما يدعوكما وهو صابـرُ |
أخا لكما إن تدعُوَاه يجبـكـمـا |
|
ونَصْرُكما منه إذا رِيعَ فـاتـرُ |
وقال عبدة بن الطبيب:
هل حَبل خَولَةَ بعد الهجر موصولُ |
|
أم أنت عنها بعيدُ الدار مشغـولُ |
ولـلأحِـبة أيام تـذكـرُهـــا |
|
وللنوَى قبل يوم الـبَـين تـأويلُ |
حَلت خُوَيلَةُ فـي دار مـجـاورةً |
|
أهل المدائن فيها الديكُ والـفـيلُ |
يقارعون رُؤوس العُجم ظاهـرةً |
|
منها فوارس لا عُزل ولا مـيلُ |
من دونها لعتاق العيسى إن طلبت |
|
خَبث بعيدَ نياطُ الماء مجـهـولُ |
وقال رجل من الخوارج كان مع الزبير بن الماخور، وكانوا أوقعوا بأهل المدائن فقال:
ونَجا يزيدَ سابح ذو عُلالة |
|
وأفلَتنا يوم المدائن كَرْدَمُ |
وأقْسَمَ لو أدركتُه إذ طلبتُه |
|
لقام عليه من فَزارةَ مأتمُ |
والمدائن أيضاً اسم قريتين من نواحي حلب في نقرة بني أسد إليها فيما أحسب ينسب أْبو الفتح أحمد بن علي المدائني الحلبي قرأتُ بخط عبد اللَه بن محمد بن سنان الخفاجي الحلبي على جزءٍ من كتاب "الحيوان" للجاحظ ابتَعتُه من تركة أبي الفتح أحمد المدائني في جمادى الآَخرة سنة 459.
المُدَججُ: بالضم ثم الفتح، وجيمان وهو اللابس للسلاح كأنه من الدَيجوج،
وهو الظلام كأنه يختفي في الظلام كما يختفي في السلاح، وهو واد بين مكة
والمدينة زعموا أن دليل رسول اللهَ قي تنكبَه لما هاجر إلى المدينة عن أبي
بكر الهمداني.
مدبج: قرية ما بين الموصل والعراق قُتل بها صالح بن مِسْرَح الخارجي. في
أيام بشر بن مروان في وقعة وقعت بينه وبين أصحاب بشر قتَله الحارث بن عميرة
بن ذي الشهاب الهمداني.
المدْراءُ: بالفتح ثم السكون وآخره ممدود، وهو من المدَر، وهو قطع الطين
اليابس الواحدة مدَرة والمدر تطيينُكُ وجه الأرض وأرض مدراءُ من ذلك اسم
ماءٍ بنجد لبني عُقَيل وآل الوحيد بن كلاب، وماءة لبني نصر بن معاوية
برُكبَة وبنَعمان هُذَيل جبل يقال له: المدراءُ.
مَدرى: بفتح أوله، وثانيه، والقصر هو فَعَلَى من الذي قبله. جبل بنَعمان
قرب مكة.
مَدرَى: بالفتح ثم السكون، والقصر يجوز أن تكون الميم زائدة فيكون من درى
يدري اسماً لمكان منه. موضع.
في قول علقة بن جَحوَان العَنبري:
لمن إبل أمسَتْ بمَدرَى وأصبـحَـت |
|
بفَردةَ تدعُو يال عمرو بن جنـدب |
تخَطَى إليها عَفقَةُ الرملَ فالـلـوَى |
|
وأهل الصحارى من مريح ومغرب |
وقال. أبو زياد: ومن مياه الضباب المَدرَى على ثلاث ليال من حمى ضرية من جهة الجنوب، وهو الذي ذكره مدرك بن العيزار الضبابي من بني خالد بن عمرو بن معاوية ولم يذكر كيف ذكره.
المَدْراةُ: هو تأنيث الذي قبله ويروى بكسر الميم، وهو اسم واد.
مِدران: موضع في طريق تبوك من المدينة فيه مسجد للنبي صلى الله عليه وسلم
ويقال له: ثنية مدران.
مُدرَجٌ : بالضم ثم الفتح ثم راءِ مشددة مفتوحة وجيم اسم مفعول من درَجه
إلى كذا أي رفعه ويجوز أن يكون من درج السلم، وهو من مياه عبس.
مَدَرُ: بفتح أوله وثانيه، وهو في اللغة قِطع الطين اليابس، وكل ما بني
بالطين واللبن من القرى والمدن يُسمَى مَدرَ، وهو قرية باليمن على عشرين
ميلاً من صنعاء َذكره في حديث العنسي.
المَدِر: بالفتح ثم الكسر، وهو الموضع الكثير المَدر. اسم جبل أو واد.
المَدَرَةُ: كل ما بُني من الطين واللبن من القرى فهو مَدرًة وذو المدرة
موضع.
مِدفار: موضع في بلاد بني سُلَيم أو هذيل.
مدفع أكنانٍ: بالفتح ثم السكون، وفتح الفاء وأكنان بفتح الهمزة وسكون الكاف
ونونين موضع في قول عمر بن أبي ربيعة حيث قال:
على أنها قالت غداة لقـيتُـهـا |
|
بمدفعَ أكنان أهذا المُـشـهـرُ |
قِفِي فانظُري أسماءُ هل تعرفينه |
|
أهذا المُغِيرِيُ الذي كان يُذْكَـر |
أهذا الذي أطرَيتِ نَعتاً فلم أكـد |
|
وعَيشِكِ أنْساه إلى يوم أقـبـرُ |
ومدفعُ الملحاء موضع آخر بالحاءِ المهملة.
مُدْرَك: موضع في قول مُزاحم العُقَيلي:
من النخل أو من مُدرك أو ثُكامة |
|
بطاح سقاها كل أوطَفَ مُسبِلِ |
المُدرَكَةُ: بالضم ثم السكون وراءٍ مفتوحة وكاف. ماءٌ لبني يربوع. قال عرَام: إذا خرجتَ من عُسفان لقيتَ البحر وانقطعت الجبال، والقرى إلا أودية مسمَاة بينك وبين مَر الظهران يقال لوادٍ منها: مَسيحة، ولواد آخر مدركة، وهما واديان كبيران بهما مياه كثيرة منها ماء يقال له: الحديبية بأسفله مياه تنصب من رؤوس الحرة مستطيلين إلى البحر.
مُدَعُ: من حصون حمير باليمن. مَدعا: قال أبو زياد: وإذا خرج عامل بني كلاب
مصدقاً من المدينة فأول منزل ينزله يصدق عليه أرَيكة ثم العَناقة ثم يرد
مَدعا لبني جعفر بن كلاب، وقال في موضع آخر من كتابه: ومن مياه بني جعفر بن
كلاب بالحمى حمى ضريَة مَدعا، وهي خير مياه جعفر، وهو مَتُوح مطوية
بالحجارة وكل ركية تحفر بنجد مطوية بالحجارة أو مفروشة بالخشب، ومَدعا
بالوضح يذكر في موضعه.
المَدلاءُ: بالفتح ثم السكون وآخره لام ممدود، والمَدلُ الخسيس من الرجال
والمرأة مَدلا وهي رملة قرب نجران شرقيها لبني الحارث بن كعب. قال الأعور
بن براءَ:
لأونسُ بالمدلاءِ ركباً عـشـيةً |
|
على شرف أو طالعين الملاويا |
المَدُورُ: حصن حصين مشهور بالأندلس بالقرب من قرطبة لهم فيه عدة وقائع مشهورة.
مَدَلِينُ: بفتح أوله وثانيه وكسر اللام وياءٍ مثناة من تحت ونون. حصن من
أعمال ماردة بالأندلس.
مَديانْكَث: بالفتح ثم السكون وياءٍ مثناة من تحتها ونون ساكنة يلتقي عندها
ساكنان وفتح الكاف وتاءٍ مثلثة. قرية من قرى بخارى وراءَ وادي الصغْد.
المُدَيبِرُ: تصغير مدبِر ضد المُقبل. موضع قرب الرقة له ذكر في المازحين
فيما تقدم. قال جرير:
كأني بالمُديبـر بـين زكـا |
|
وبين قرى أبي صُفرى أسيرُ |
كفى حزَناً فراقُـهـمُ وإنـي |
|
غريب لا أزارُ ولا أزُور |
أجدي فاشربي بحياضِ قـوم |
|
عليهم في فعالِهـم خـبـير |
ينسب
إليها زيد بن سيار التميمي المدَيبري حراني روى عن مساير بن يقظان ذكره ابن
مندة عن علي بن أحمد الحراني.
المديدَانِ: قال المتقي في ظهور السِخال: وهو ظهر عارض اليمامة. جبلان يقال
لهما: المديدان وأنشدَ:
كم غادروا يومَ نقا المـديد |
|
بالقاع من سعد ومن سعيد |
فقيل: بالفتح من مددت الشيء. موضع قرب مكة.
مدين: بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح الياء المثناة من تحت وآخره نون. قال أبو
زيد: مدين على بحر القُلزُم محاذية لتبوك على نحو من ست مراحل، وهي أكبر من
تبوك وبها البئر التي استقى منها موسى عليه السلام لسائمة شعيب قال: ورأيت
هذه البئر مُغطاة قد بني عليها بيت وماء أهلها من عين تجري، ومدين اسم
القبيلة، وهي في الإقليم الثالث طولها إحدى وستون درجة وثلث، وعرضها تسع
وعشرون درجة، وهي مدينة قوم شعيب سميت بمدين بن إبراهيم عليه السلام قال
القاضي أبو عبد اللهَ القُضاعي: مدين وحيزُها من كورة مصر القبلية، وقال
الحازمي: بين وادي القرى والشام، وقيل: مدين تجاه تبوك بين المدينة والشام
على ست مراحل، وبها بئر قد بني عليها بيت، وقيل مدين اسم القبيلة ولهذا قال
اللهَ تعالى: "وإلى مدين أخاهم شعيباً" "لأعراف: 85" وقيل: مدين هي كفَر
مَندة من أعمال طبرية وعندها أيضاً البئر والصخرة قد ذكر ذلك في كفر مندة.
قال كثير:
رُهبانُ مدين والذين عَهدتُهـم |
|
يكون من حذر العِقاب قُعوداً |
لو يسمعون كما سمعت حديثها |
|
خَروا لعَزة رُكعاً وسجـودا |
وقال كثير أيضاً:
يا أم خَرزَةَ ما رأينا مثـلـكـمِ |
|
في المنجدين ولا بغور الغـاير |
رُهبان مدينَ لو رأوك تنـزلـوا |
|
والعُصمُ في شعَف الجبال الفادر |
وقال ابن هَرمَة يمدح عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك:
ومعجب بمديح الشعر يمنـعـه |
|
من المديح ثواب المدح والشفقُ |
لأنت والمدحُ كالعذراءِ يعجبهـا |
|
مَس الرجال ويثني قلبها الفَرَقُ |
لكن بمديَنَ من مفضى سُوَيمِرَة |
|
من لا يُذَم ولا يثنَى له خُـلُـقُ |
أهل المدائح تأتيه فتـمـدحـه |
|
والمادحون بما قالوا له صدقوا |
يَكادُ بابُك من جود ومـن كـرم |
|
من دون بَوَابه للناس ينـدلـق |
مَدِينة إصبهانَ: هي المعروفة بجَي، وهي الآن تعرف بشهرستان، وهي على ضفّة نهر زَنْدرُوذ بينها وبين أصبهان اليوم، وهي اليهودية نحو الميل أو أكثر وليس بها اليوم أحد خربت عن قرب، وهي كانت أجلَ موضع بإصبهان، وعلى بابها قبر حُمَمَة الدوسي صاحب رسول اللهَ صلى الله عليه وسلم، وبها قبر الراشد بن المسترشد أمير المؤمنين وقبر أبي القاسم سلمان بن أحمد الطبراني. ينسب إليها خلق من أصحاب الحديث كثير، ذكرهم أبو الفضل في كتابه مرتبين على حروف المعجم، ومدينة إصبهان عَنى الرُستُمي الشاعر بقوله:
لله عيش بالمـدينة فـاتـنـي |
|
أيامَ لي قصرُ المُغيرة مَأْلَـفُ |
حجي إلى البيت العتيق وقبلتي |
|
باب الحديد وبالمصلى الموقفُ |
أرضَ حصاها عَسجد وتُرَابُها |
|
مسكٌ وماءُ المد فيها قَرقـفُ |
واسم جَي بالمدينة قديم. قيل: كان الزبير بن الماخور الخارجي ورد إصبهان شارياً فخرج إليه أهلها فقاتلوه وذلك في أيام عبد الله بن الزبير. فقال عمرو بن مطَرف التميمي:
ولم أك بالمـدينة ديدبـانـاً |
|
أرجم في حوائطها الظنونا |
وآثرتُ الحياءَ على حياتي |
|
ولم أك في كتيبة ياسمينـا |
وكان عَتاب بن ورقاء الرياحي والي إصبهان خرج في قتالهم في كتيبة وأمُ ولد له اسمها ياسمين في كتيبة فلذلك قال: عمرو ما قال.
مدينة الأنبار: تكتب في "المتفق والمفترق".
مدينة بُخَارَى: نسب إليها أبو سعد: محمودَ بن أبي بكر بن محمد بن علي بن
يوسف بن عمر الصابوني المروزي ثم البخاري المديني أبا أحمد من أهل بخارى
وكان يسكن مدينتها الداخلة سمع أبا عمرو عثمان بن إبراهيم بن الفضل وغيره
روى عنه أبو سعد وذلك في سنة 485، ولم يذكر وفاته.
مدينة جَابر: ويقال: قصر جابر. بين الري وقزوين من ناحية دستَبى منسوبة إلى
جابر أحد بني زمان بن تيم الله بن ثعلبة بن عُكابة بن صَعب بن علي بن بكر
بن وائل.
مدِينةُ السلاَم: وهي بغداد واختلف في سبب تسميتها بذلك فقيلَ لأن دجلة
يقال لها: وادي السلام، وقال موسى بن عبد الرحيم النسائي: كنت جالساً عند
عبد العزيز بن أبي رَواد فأتاه رجل فقال له: في أين أنت فقال: من بغداد
قال: لا تقل بغداد فإن بغ صنم وداد أعطى ولكن قل: مدينة السلام فإن الله هو
السلام والمدائن كلها له فكأنهم قالوا مدينة الله، وقيل: سماها المنصور
مدينة السلام تفاؤلاً بالسلامة، وقال الحافظ أبو موسى: روى أبو بكر محمد بن
الحسن النقاش عن يحيى بن صاعد فدلسه فقال: حدثنا يحيى بن محمد بن عبد الملك
المديني يعني مدينة السلام ذكره الخطيب وأورده كذا قال أبو موسى.
مَدِينَةُ سَمَرقَند: قد نسب إليها جماعة من المحدّثين. منهم إسماعيل بن
أحمد المديني السمرقندي أبو بكر روى عن أبي عمر الحوضي روى عنه محمد بن
عيسى الغزال السمرقندي ذكره الإدريسي في "تاريخ سمرقند" ومحمد بن عبيد الله
بن محمد أبو محمد السمرقندي المديني حدث عنه الإدريسي، وعبد الله بن محمد
بن صالح بن مساور البراز المديني السمرقندي أبو محمد يروي عن عبد اللَه بن
عبد الرحمن السمرقندي وطبقته، وعبد اللهَ بن محمد القسام المديني أبو محمد
السمرقندي، وعلي بن إسحاق المفسر المديني عن سفيان بن عُيينة وطبقته، ومحمد
بن عبد اللَه بن محمد بن أحمد بن سهل أبو محمد المديني يعرف بحافد أبي محمد
البلخي عن أبيه وغيره، ومحمد بن عون المديني السمرقندي عن مُحاضر بن
الموَرع، ومحمد بن عيسى بن قريش بن فَرقَد الغزال المديني السمرقندي عن عبد
الله بن عبد الرحمن السمرقندي، ومحمد بن عامر بن محمد المديني السمرقندي.
مَدينة قَبرَةَ: ناحية من نواحيها يقال لها: إقليم المدينة بالأندلس.
مدينهُ المبَارَكِ: هي بقزوين استحدثها مبارك التركي وبها قوم من مواليه،
وأظن مباركاً من موالي المعتصم أو المأمون. ينسب إليها أبو يعقوب يوسِف بن
حمدان الزمِنُ المديني قال الخليل بن عبد الله القزويني فيما أنبأنا عنه
ابنه واقد قال: كان يسكن مدينة المبارك مات سنة 303، وفي "تاريخ قزوين" أنه
مات في سنة 299 سمع أبا حجر، ومحمد بن حُميد الرازي وغيرهما روى عنه علي بن
محمد بن مَهرَوَيه وغيره.
مدينة محمد بن الغِمرِ: هي من نواحي البحرين. مدينهُ مَروَ: وقد نسب إليها
قوم من أهل الحديث. منهم أبو يزيد محمد بن يحيى بن خالد بن يزيد بن مَتى
روى عنه أبو العباس المَعداني، وقال: هو من المدينة الداخلة بمروَ حدث عن
أحمد بن سعيد الرباطي، وأبو روح بن يوسف المديني المروزي العابد روى عن عبد
الله بن المبارك روى عنه محمد بن أحمد الحكيمي.
مدينَةُ مِصرَ: ذكر محمد بن الحسن المهلبي في كتاب "العزيزي": ومن مشاهير
خطط مصر خطة عبد العزيز بن مروان، وهي التي في سوق الحمام غربي الجامع تسمى
الآن المدينة وأظن أن أبا صادق المديني المصري إليها ينسب لأنه كان إمام
مسجد الجامع، وكان منزله في هذا الموضع وسألت عن ذلك بمصر فلم يتحقق إلي
شيء، ولو كان منسوباً إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيل: فيه
مدني واللهَ أعلم بذلك، وقال الحافظ أبو القاسم العكاوي: الحسن بن يوسف بن
أبي ظبية أبو علي المصري القاضي منسوب إلى مدينة مصر سمع بدمشق هشام بن
عمار، وبغيرها أحمد بن صالح المصري، وعمرو بن ثَور القيسراني روى عنه علي
بن عمر الحربي ومحمد بن المظفر وأبو بكر المفيد وذكره الخطيب فقال: الحسن
بن يوسف أبو علي المديني ثم قال: الحسن بن أبي ظَبية القاضي المصري، وفرق
بين الترجمتين وجعلهما رجلين، وهما رجل واحد.
مدينَةُ مُوسى: بقزوين كان موسى الهادي سار إلى الري في حياة أبيه المهدي
وقدم منها إلى قزوين فأمر ببناء مدينة بإزاء قزوين فبنيت فهي تدعى مدينة
موسى الهادي وابتاع أرضاً تدعى رُستماباذ فوقفها على مصالح المدينة.
مدينَةُ النُحاسِ: ويقال لها: مدينة الصفر ولها قصة بعيدة من الصحة
لمفارقتها العادة وأنا بريء من عهدتها إنما كتب ما وجدته في الكتب المشهورة
التي دونها العقلاءُ ومع ذلك فهي مدينة مشهورة الذكر فلذلك ذكرتها. قال ابن
الفقيه: ومن عجائب الأندلس أمر مدينة الصفر التي يزعم قوم من العلماء أن ذا
القرنين بناها وأودعها كنوزه وعلومه وطلسم بابها فلا يقف عليها أحد وبنى
داخلها بحجر البهتة، وهو مغناطيس الناس، وذلك أن الإنسان إذا نظر إليها لمٍ
يتمالك أن يضحك ويلقي نفسه عليها فلا يزايلها أبداً حتى يموت، وهي في بعض
مفاوز الأندلس، ولما بلغ عبد الملك بن مروان خبرها، وخبر ما فيها من الكنوز
والعلوم وأن إلى جانبها أيضاً بحيرة بها كنوز عظيمة كتب إلى موسى بن نُصير
عامله على المغرب يأمره بالمسير إليها، والحرص على دخولها، وأن يعرفه ما
فيها ودفع الكتاب إلى طالع بن مدرك فحمله وسار حتى انتهى إلى موسى بن نصير
وكان بالقيروان فلما أوصله إليه تجهز وسار في ألف فارس نحوها، فلما رجع كتب
إلى عبد الملك بن مروان بسم اللهَ الرحمن الرحيم أصلح اللهَ أمير المؤمنين
صلاحاً يبلغ به خير الدنيا والآخرة أخبرك يا أمير المؤمنين أني تجهزت
لأربعة أشهر وسرت نحو مفاوز الأندلس، ومعي ألف فارس من أصحابي حتى أوغلتُ
في طرُق قد انطمست، ومناهل قد اندرستْ وعفتْ فيها الآثار وانقطعت عنها
الأخبار أحاول بناءَ مدينة لم ير الراؤون مثلها، ولم يسمع السامعون بنظيرها
فسرتُ ثلاثة وأربعين يوما ثم لاحَ لنا بريق شرفها من مسيرة خمسة أيام
فأفزعنا منظرها الهائل وامتلأت قلوبنا رُعباً من عظمها وبُعد أقطارها فلما
قربنا منها إذ أمرها عجيب ومنظرها هائل كأن المخلوقين ما صنعوها فنزلت عند
ركنها الشرقي وصتيت العشاء الأخيرة بأصحابي وبتنا بأرعب ليلة بات بها
المسلمون فلما أصبحنا كبرنا استئناساً بالصبح وسروراً به ثم وجَّهت رجلاً
من أصحابي في مائة فارس وأمرتُه أْن يدور مع سورها ليعرف بابها فغاب عنا
يومين ثم وافى صبيحة اليوم الثالث فأخبرني أنه ما وجد لها باباً ولا رأى
مسلكاً إليها فجمعت أمتعة أصحابي إلى جانب سورها وجعلت بعضها على بعض لينظر
من يصعد إليها فيأتيني بخبر ما فيها فلم تبلغ أمتعتنا ربع الحائط لارتفاعه
وعلوه فأمرتُ عند ذلك باتخاذ السلالم فاتخذت ووصلت بعضها إلى بعض بالحبال،
ونصبتها على الحائط وجعلت لمن يصعد إليها ويأتيني بخبرها عشرة اَلآف درهم
فانتدبَ لذلك رجل من أصحابي ثم تَسَنم السلَم، وهو يتعوذ، ويقرأ فلما صار
على سورها وأشرف على ما فيها قهقهَ ضاحكاً ثم نزل إليها فناديناه أخبرنا
بما عندك وبما رأيته فلم يجبنا فجعلت أيضاً لمن يصعد إليها ويأتيني بخبرها
وخبر الرجل ألف دينار فانتدب رجل من حمير فأخذ الدنانير فجعلها في رحله ثم
صعد فلما استوى على السور قهقه ضاحكاً ثم نزل إليها فناديناه أخبرنا بما
وراءَك، وما الذي ترى فلم يجبنا ثم صعد ثالث فكانت حاله مثل حال اللذين
تقدماه فامتنع أصحابي بعد ذلك من الصعود وأشفقوا على أنفسهم فلما أيِستُ
ممن يصعد، ولم أطمع في خبرها رحلت نحو البحيرة وسرت مع سور المدينة فانتهيت
إلى مكان من السور فيه كتابة بالحميرية فأمرت بانتساخها فكانت هذه:
ليعلم المرءُ ذو العزّ الـمـنـيع ومـن |
|
يَرجو الخلود وما حـي بـمـخـلـود |
لو أن حياً ينال الخـلـد فـي مَـهَـل |
|
لنـال ذاك سـلـيمـان بـــن داود |
سالَت له العين عين القـطـر فـائضة |
|
فيه عطاء جلـيل غـير مـصـرود |
وقال للجن انـشـوا فـيه لـي أثـراً |
|
يبقى إلى الحشر لا يبـلـى ولا يُودي |
فصيروه صـفـاحـاً ثـم مـيل بـه |
|
إلى البـنـاء بـإحـكـام وتـجـويد |
وأفرغوا القِطر فوق السور منـحـدراً |
|
فصار صَلْباً شديداً مـثـل صَـيخـود |
وصب فيه كـنـوز الأرض قـاطـبة |
|
وسوف تظهر يومـاً غـير مـحـدود |
لم يبق من بعدها في الأرض سـابـغة |
|
حتى تضمن رمسـاً بـطـن أخـدود |
وصار في قعر بطن الأرض مضطجعاً |
|
مضمَنـاً بـطـوابـيق الـجـلامـيد |
هذا ليعلم أن الـمـلـك مـنـقـطـع |
|
إلا من الله في التقوى وفـي الـجـود |
ثم سرتُ حتى وافيت البحيرة عند غروب الشمس فإذا هي مقدار ميل في ميل، وهي كثيرة الأمواج وإذا رجل قائم فوق الماءِ فناديناه من أنت فقال: أنا رجل من الجن كان سليمان بن داود حبس ولدي في هذه البحيرة فأتيته لأنظر ما حاله قُلنا له فما بالُك قائماً على وجه الماءِ قال: سمعت صوتاً فظننته صوتَ رجل يأتي هذه البحيرة في كل عام مرة فهذا أوان مجيئه فيصلي على شاطئها أياماً، ويهلل اللهَ ويمجده قلنا فمن تظنه قال: أظنه الخضر عليه السلام ثم غاب عنا فلم ندر أين أخذ فبتنا تلك الليلة على شاطئ البحيرة وقد كنت أخرجت معي عدة من الغواصين فغاصوا في البحيرة فأخرجوا منها حباً من صفر مطبقاً ورأسه مختوماً برصاص فأمرت به ففتح فخرج منه رجل من صفر على فرس من صفر بيده مطرد من صفر فطار في الهواء، وهو يقول: يا نبي اللهَ لا أعود ثم غاصوا ثانية وثالثة فأخرجوا مثل ذلك فضج أصحابي وخافوا أن ينقطع بهم الزاد فأمرت بالرحيل، وسلكت الطريق التي كنت أخذت فيها وأقبلت حتى نزلت القَيروان والحمد للَه الذي حفظ لأمير المؤمنين أموره وسلم له جنوده فلما قرأ عبد الملك هذا الكتاب كان عنده الزهري فقال له: ما تظن بأولئك الذين صعدوا السور كيف استطيروا من السور وكيف كان حالهم. قال الزهري: خبلوا يا أمير المؤمنين فاستطيروا لأن بتلك المدينة جناً قد وكلوا بها قال: فمن أولئك الذين كانوا يخرجون من تلك الحِباب ويطيرون؟ قال: أولئك الجن الذي حبسهم سليمان بن داود عليه السلام في البحار.
مدينةُ نَسَفَ: وقد ذكرنا نسف في موضعها. ينسب إليها جماعة منهم أبو محمد
حامد بن شاكر بن سُورة بن ونوشان الوراق المديني النسفي رجل ثقة جليل روى
عن محمد بن إسماعيل البخاري "الجامع الصحيح" وروى عن أبي موسى الترمذي
وغيرهما سمع منه أبو يعلَى عبد المؤمن بن خلف النسفي "كتاب الصحيح" ومات
سنة 311 في ذي القعدة.
مدينة نَيسابُورَ: فهذه، ومدينة مرو ومدينة سمرقند ليست بأعلام فيما أحسب
إنما هي واحد من الجنس غلب على المنسوبين إليها للتمييز بينهم وبين من هم
من الرستاق فأما الباقي فهي أعلام لا تعرف إلا بذلك، وقد نسب إلى هذه أبو
عبد اللَه محمد بن الحسين بن عمارة المديني سمع إسحاق بن راهَوَيه، ومحمد
بن رافع وغيرهما، ومحمد بن نُعَيم بن عبد اللَه أبو بكر النيسابوري المديني
سمع قُتيبة بن سعيد ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب وغيرهما روى عنه من
الأقران محمد بن إسماعيل البخاري، وأبو العباس السراج وبعدهما أبو حامد بن
الشرقي ومكي بن عبدان، وسليمان بن محمد بن ناجية المديني روى عن أحمد بن
سلمة النيسابوري، ومحمد بن محمد بن سعد بن أيوب أبو الحسن المديني سمع أبا
بكر بن خزَيمة وأبا العباس السراج روى عنه والذي قبله الحاكم أبو عبد
اللهَ. مدينةُ يَثرِبَ: قال المنجمون: طول المدينة من جهة المغرب ستون درجة
ونصف وعرضها عشرون درجة وهي في الإقليم الثاني وهي مدينة الرسول صلى الله
عليه وسلم نبدأ أولاً بصفتها مجملاً ثم نفصل. أما قدرها فهي في مقدار نصف
مكة، وهي في حَرَة سبخة الأرض، ولها نخيل كثيرة ومياه ونخيلهم وزروعهم تسقى
من الآبار عليها العبيد وللمدينة سور والمسجد في نحو وسطها وقبر النبي صلى
الله عليه وسلم في شرقي المسجد، وهو بيت مرتفع وليس بينه وبين سقف المسجد
إلا فرجة، وهو مسدود لا باب له وفيه قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر أبي
بكر وقبر عمر، والمنبر الذي كان يخطب عليه رسول الله قد صلى الله عليه وسلم
قد غشي بمنبر آخر والروضة أمام المنبر بينه وبين القبر، ومصلى النبي صلى
الله عليه وسلم الذي كان يصلي فيه الأعياد في غربي المدينة داخل الباب
وبقيع الغرقد خارج المدينة من شرقيها وقُباءُ خارج المدينة على نحو ميلين
إلى ما يلي القبلة، وهي شبيهة بالقرية واحُد جبل في شمالي المدينة، وهو
أقرب الجبال إليها مقدار فرسخين، وبقربها مزارع فيها نخيل، وضياع لأهل
المدينة ووادي العقيق فيما بينها وبين الفُرع والفرع من المدينة على أربعة
أيام في جنوبيها، وبها مسجد جامع غير أن أكثر هذه الضياع خراب، وكذلك حوالي
المدينة ضياع كثيرة أكثرها خراب، وأعذب مياه تلك الناحية آبار العقيق. ذكر
ابن طاهر بإسناده إلى محمد بن إسماعيل البخاري قال المديني: هو الذي أقام
بالمدينة، ولم يفارقها والمَدَني الذي تحول عنها، وكان منها، والمشهور
عندنا أن النسبة إلى مدينة الرسول مدَني مطلقاً وإلى غيرها من المدُن مديني
للفرق لا لعلة أخرى، وربما ردَه بعضهم إلى الأصل فنسب إلى مدينة الرسول
أيضاً مديني، وقال الليث: المدينة اسم لمدينة رسول اللهَ خاصةً والنسبة
للإنسان مدني فأما العير ونحوه فلا يقال: إلا مديني، وعلى هذه الصيغة ينسب
أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي المعروف بابن المديني
كان أصله من المدينة، ونزل البصرة، وكان من أعلم أهل زمانه بعلل حديث رسول
الله صلى الله عليه وسلم، والمقدم في حفاظ وقته روى عن سفيان بن عيينة
وحماد بن زيد وكتب عن الشافعي كتاب "الرسالة"، وحملها إلى عبد الرحمن بن
مهدي وسمع منه ومن جرير بن عبد الحميد، وعبد العزيز الدراوردي، وغيرهم من
الأئمة روى عنه أحمد بن حنبل، ومحمد بن سعيد البخاري، وأحمد بن منصور
الرَمادي، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأبو أحمد المَرَئيُ، وغيرهم من الأئمة،
وقال البخاري: ما انتفعت عند أحد إلا عند علي بن المديني، وكان مولده سنة
161 بالبصرة، ومات بسامرا، وقيل: بالبصرة ليومين بقيا من ذي القعدة سنة
234، ولهذه المدينة تسعة وعشرون اسماً، وهي المدينة. وطيبة. وطابة.
والمسكينة. والعذراء. والجابرة. والمحبة. والمحببة. والمحبورة. ويثرب.
والناجية. والموفية. وأكالة البلدان. والمباركة. والمحفوفة. والمسلمة.
والمجنة. والقدسية. والعاصمة. والمرزوقة. والشافية. والخيرة. والمحبوبة.
والمرحومة. وجابرة. والمختارة. والمحرمة. والقاصمة. وطبابا. وروي في قول
النبي صلى الله عليه وسلم "رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق" "الإسراء:
80" قالوا: المدينة ومكة، وكان على المدينة وتهامة في الجاهلية عامل من قبل
مَرزُبان الزارة يجبي خراجها، وكانت قريظة، والنضير اليهود ملوكاً حتى
أخرجهم منها الأوس، والخزرج من الأنصار كما ذكرناه في مَأرب، وكانت الأنصار
قبل تؤدي خراجاً إلى اليهود، ولذلك قال بعضهم:
نُودي الخَرج بعد خَراج كسرى |
|
وخَرْج بني قريظة والنضـير |
وروى أبو هريرة قال: قال رسول اللهَ صلى الله عليه وسلم من صَبرَ على أوار المدينة وحرها كنت له يوم القيامة شفيعاً شهيداً، وقال صلى الله عليه وسلم: حين توجه إلى الهجرة اللهم إنك قد أخرجتني من أحب أرضك إليَ فأنزلني أحب أرض إليك، فأنزله المدينة فلما نزلها قال: اللهم اجعل لنا بها قراراً ورزقاً واسعاً، وقال عليه الصلاة والسلام من استطاع منكم أن يموت في المدينة فليفعل فإنه من مات بها كنتُ له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة، وعن عبد اللهَ بن الطُفَيل لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وثب على أصحابه وبَاء شديد حتى أهمدتهم الحمى فما كان يصلي مع رسول اللهَ صلى الله عليه وسلم إلا اليسير فدعا لهم، وقال: اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة واجعل ما كان بها من وباءِ بخم، وفي خبر آخر اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة وأشد وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها وانقلْ حُماها إلى الجحفة، وقد كان هم صلى الله عليه وسلم أن ينتقل إلى الحِمَى لصحته، وقال: نعم المنزل الحمى لولا كثرة حياته وذكر العرض وناحيته فهمَ به، وقال: هو أصح من المدينة، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: عند بيوت السقيااللهم إن إبراهيم عبدك، وخليلك، ونبيك، ورسولك دعاك لأهل مكة، وإن محمداً عبدك ونبيك ورسولك يدعوك لأهل المدينة بمثل ما دعاك إبراهيم أن تبارك في صاعهم ومدهم وثمارهم اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة، واجعل ما بها من وباء بختم اللهم إني قد حرمتُ ما بين لابتيها كما حرَم إبراهيم خليلك، وحرَم رسول الله صلى الله عليه وسلم شجر المدينة بريداً في بريد من كل ناحية، ورخص في الهش، وفي متاع الناضح ونهى عن الخبط، وإن يُعضد ويُهصَر، وكان أول من زرع بالمدينة واتخذ بها النخل وعمر بها الدور والآطام واتخذ بها الضياع العماليق، وهم بنو عملاق بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام وقيل في نسبهم غير ذلك مما ذكر في هذا الكتاب، ونزلت اليهود بعدهم الحجاز، وكانت العماليق ممن انبسط في البلاد فأخذوا ما بين البحرين وعُمان والحجاز كله إلى الشام، ومصر فجبابرة الشام، وفراعنة مصر منهم، وكان منهم بالبحرين، وعُمَان أمة يسمون جاسم، وكان ساكنوا المدينة منهم بنو هف وسعد بن هفان وبنو مطرويل، وكان بنجد منهم بنو بديل بن راحل وأهل تيماءَ ونواحيها وكان ملك الحجاز الأرقم بن أبي الأرقم، وكان سبب نزول اليهود بالمدينة وأعراضها أن موسى بن عمران عليه السلام بعث إلى الكنعانيين حين أظهره الله تعالى على فرعون فوطىء الشام وأهلك من كان بها منهم ثم بعث بعثاً آخر إلى الحجاز إلى العماليق، وأمرهم أن لا يستبقوا أحداً ممن بلغ الحلم إلا من دخل في دينه فقدموا عليهم فقاتلوهم فأظهرهمٍ الله عليهم فقتلوهم، وقتلوا ملكهم الأرقم، وأسروا ابنا له شاباً جميلاً كأحسن من رأى في زمانه فضنوا به عن القتل وقالوا: نستحييه حتى نقدم به على موسى فيرى فيه رأيه فأقبلوا، وهو معهم، وقبض الله موسى قبل قدومهم فلما قربوا، وسمع بنو إسرائيل بذلك تلقوهم، وسألوهم عن أخبارهم فأخبروهم بما فتح الله عليهم قالوا: فما هذا الفتى الذي معكم. فأخبروهم بقصته فقالوا: إن هذه معصية منكم لمخالفتكم أمر نبيكم والله لادخلتم علينا بلادنا أبداً فحالوا بينهم وبين الشام فقال ذلك الجيش: ما بلد إذ منعتم بلدكم خير لكم من البلد الذي فتحتموه وقتلتم أهله فارجعوا إليه فعادوا إليها فأقاموا بها فهذا كان أول سُكنى اليهود الحجاز والمدينة. ثم لحق بهم بعد ذلك بنو الكاهن بن هارون عليه السلام فكانت لهم الأموال والضياع بالسافلة، والسافلة ما كان في أسفل المدينة إلى أحد، وقبر حمزَة، والعالية ما كان فوق المدينة إلى مسجد قُباء وما إلى ذلك إلى مطلع الشمس فزعمت بنو قُرَيظة أنهم مكثوا كذلك زماناً ثم إن الروم ظهروا على الشام فقتلوا من بني إسرائيل خلقاً كثيراً فخرج بنو قريظة والنضير وهَدل هاربين من الشام يريدون الحجاز الذي فيه بنو إسرائيل ليسكنوا معهم فلما فصلوا من الشام وَجه ملك الروم في طلبهم من يردهم فأعجزوا رُسله وفاتوهم وانتهى الروم إلى ثمد بين الشام والحجاز فماتوا عنده عطشاً فسمي ذلك الموضع ثمد الروم فهو معروف بذلك إلى اليوم، وذكر بعض علماء الحجاز من اليهود أن سبب نزولهم المدينة أن ملك الروم حين ظهر على بني إسرائيل، وملك الشام خطب إلى بني هارون وفي دينهم أن لا يزوجوا النصارى فخافوه وأنعموا له وسألوه أن يشرفهم بإتيانه فأتاهم ففتكوا به، وبمن معه ثم هربوا حتى لحقوا بالحجاز وأقاموا بها، وقال آخرون: بل علماؤهم كانوا يجدون في التوراة صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يهاجر إلى بلد فيه نخل بين حرتين فأقبلوا من الشام يطلبون الصفة حرصاً منهم على اتباعه فلما رأوا تيماء وفيها النخل عرفوا صفته وقالوا: هو البلد الذي نريده فنزلوا، وكانوا أهله حتى أتاهم تُبع فأنزل معهم بني عمرو بن عوف والله أعلم أيُ ذلك كان. قالوا: فلما كان من سيل العرم ما كان كما ذكرناه في مأرب قال عمرو بن عوف: من كان منكم يريد الراسيات في الوَحْل، المطعمات في المحل، المدركات بالدخْل، فليلحق بيثرب ذات النخل. وكان الذين اختاروها وسكنوها الأنصار، وهم الأوس، والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد وأمهم في قول ابن الكلبي قَيْلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة. ويقال: قيلة بنت هالك بن عذرَة من قضاعة. وقال غيره: قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة ولذلك سمي بنو قيلة فأقاموا في مكانهم على جهد.وضنك من العيش، وكان ملك بني إسرائيل يقال له: الفيطوان، وفي كتاب ابن الكلبي الفطيون بكسر الفاءِ والياءِ بعد الطاء، وكانت اليهود والأوس والخزرج يدينون له، وكانت له فيهم سُنة ألا تزوَج امرأة منهم إلا أدخلت عليه قبل زوجها حتى يكون هو الذي يفتضها إلى أن زوجت أختٌ لمالك بن العَجلان بن زيد السالمي الخزرجي فلما كانت الليلة التي تهدى فيها إلى زوجها خرجت على مجلس قومها كاشفة عن ساقها وأخوها مالك في المجلس فقال لها: قد جئْتِ بسؤءة بخروجك على قومك، وقد كشفتِ عن سَاقيك قالت: الذي يراد في الليلة أعظم من ذلك لأنني أدخل على غير زوجي ثم دخلت إلى منزلها فدخل إليها أخوها، وقد أرمضه قولها فقال لها: هل عندك من خير؟ قالت: نعم فماذا؟ قال: ادخل معك في جملة النساء على الفطيون فإذا خرجن من عندك ودخل عليك ضربته بالسيف حتى يبرد قالت: افعل فتزيا بزي النساء وراح معها فلما خرج النساءُ من عندها دخل الفطيون عليها فشدَ عليه مالك بن العجلان بالسيف وضربه حتى قتله وخرج هارباً حتى قدم الشام فدخل على ملك من ملوك غَسان يقال له: أبو جُبيلة وفي بعض الروايات أنه قصد اليمن إلى تبع الأصغر بن حسان فشكا إليه ما كان من الفطيون، وما كان يعمل في نسائهم وذكر له أنه قتله وهرب، وأنه لا يستطيع الرجوع خوفاً من اليهود فعاهده أبو جبيلة أن لا يقرب امرأة ولا يمس طيباً، ولا يشرب خمراً حتى يسير إلى المدينة ويذل من بها من اليهود، وأقبل سائراً من الشام في جمع كثير مظهراً أنه يريد اليمن حتى قدم المدينة، ونزل بذي حُرُض ثم أرسل إلى الأوس والخزرج أنه على المكر باليهود عازم على قتل رؤسائهم، وأنه يخشى متى علموا بذلك أن يتحصنوا في آطامهم وأمرهم بكتمان ما أسره إليهم ثم أرسل إلى وجوه اليهود أن يحضروا طعامه ليحسن إليهم ويصلهم فأتاه وجوههم وأشرافهم، ومع كل واحد منهم خاصته وحشمُه فلما تكاملوا أدخلهم في خيامه ثم قتلهم عن آخرهم فصارت الأوس والخزرج من يومئذ أعز أهل المدينة وقمعوا اليهود وسار ذكرهم وصار لهم الأموال والآطام. فقال الرمق بن زيد بن غنم بن سالم بن مالك بن سالم بن عوف بن الخزرج يمدح أبا جُبيلة:
لم يقـض دينـك مـل حــســـا |
|
ن وقـد غَـنـيتَ وقـد غَـنـــيا |
الـراشـقـات الـمـرشــقـــا |
|
ت الـجـازيات بـمـا جـزينــا |
أشـبـاه غـزلان الـــصـــرَا |
|
ئم يأتـــزرن ويرتـــدينــــا |
الـــريط والـــديبــــاج وال |
|
حلي الـمـضـاعـف والـبُـرِينـا |
وأبـو جُـبــيلة خـــيرُ مـــن |
|
يمـشـي وأوفـاهـم يمــينـــا |
وأبرهم براً وأعلمهم بفضل الصالحينا |
|
|
أبقت لنا الأيامُ وال |
|
حَربُ الـمـهـمة يعـتـرينـــا |
كبـــشـــاً لـــــه زر يف |
|
ل متونـهـا الـذكَـرَ الـسـنـينـا |
ومـعـاقــلاً شـــمـــاً وأس |
|
يافـاً يَقُـمْـنَ ويَنْـحَـنــينـــا |
ومـــحـــلة زَوْرَاءَ تــــح |
|
جف بـالـرجـال الـظـالـمـينـا |
ولعنت اليهود مالك بن العجلان في كنائسهم وبيوت عبادتهم فبلغه ذلك فقال:
تحايا اليهود بتلعانـهـا |
|
تحايا الحميرِ بأبوالهـا |
وماذا عليَ بأن يغضبوا |
|
وتأتي المنايا بإذلالهـا |
وقالت سارة القُرَظية ترثي من قُتل من قومها:
بأهلي رِمة لم تغـن شـيئاً |
|
بذي حُرُض تُعَفيها الرياحُ |
كهول من قُرَيظة أتلفتهـم |
|
سيوفُ الخزرجية والرماح |
ولو أذنوا بأمرهم لحـالـت |
|
هنالك دونهم حرب رَداحُ |
ثم انصرف أبو جُبيلة راجعاً إلى الشام وقد ذللَ الحجاز والمدينة للأوس والخزرج فعندها تفرقوا في عالية المدينة وسافلتها فكان منهم من جاء إلى القرى العامرة فأقام مع أهلها قاهراً لهم، ومنهم من جاء إلى عَفاً من الأرض لا ساكن فيه فبنى فيه ونزل، ثم اتخذوا بعد ذلك القصور والأموال والآطام، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة مهاجراً أقطع الناس الدورَ، والرباع فخط لبني زُهرَة في ناحية من مؤخر المسجد فكان لعبد الرحمنِ بن عوف الحصن المعروف به، وجعل لعبد الله وعُتبة ابنَي مسعود الهُذَليين الخطة المشهورة بهم عند المسجد وأقطع الزبير بن العوَام بقيعاً واسعاً، وجعل لطلحة بن عبيد الله موضع ثوره، ولأبي بكر رضي الله عنه موضع داره عند المسجد وأقطع كل واحد من عثمان بن عَفّان، وخالد بن الوليد، والمقداد وعبيد، والطفيل، وغيرهم مواضع دورهم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع أصحابه هذه القطائع فما كان في عفاً من الأرض فإنه أقطعهم إياه، وما كان من الخطط المسكونة العامرة فإن الأنصار وهبوه له فكان يقطع من ذلك ما شاء، وكان أول من وهب له خططه ومنازله حارثة بن النعمان فوهب له ذلك وأقطعه، وأما مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقال ابن عمر: كان بناءُ المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسقفه جريد، وعمده خشب النخل فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً فزاد فيه عمر، وبناه على ما كان من بنائه ثم غيره عثمان، وبناه بالحجارة المنقوشة، والقصّة، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه ساجاً وزاد فيه، وكان لما بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل له بابين شارعين باب عائشة، والباب الذي يقال له باب عاتكة، وباباً في مؤخر المسجد يقال له: باب مُليكة وبنى بيوتاً إلى جنبه باللبن، وسقفها بجذوع النخل، وكان طول المسجد مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع فلما ولي عمر بن عبد العزيز زاد في القبلة من موضع المقصورة اليوم، وكان بين المنبر، وبين الجدار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قدر ما تمرُ الشاة، وكان طول المسجد في عهد عمر رضي الله عنه مائة وأربعين ذراعاً وارتفاعه أحد عشر ذراعاً، وكان بَنَى أساسه بالحجارة إلى أن بلغ قامة وجعل له ستة أبواب وحصنه وروي أن عمر أول من حصن المسجد وبناه سنة 17 حين رجع من سَرع، وجعل طول جداره من خارج ستة عشر ذراعاً، وكان أول عمل عثمان إياه في شهر ربيع الأول سنة 29، وفرغ من بنائه في المحرم سنة 30 فكانت مدة عمله عشرة أشهر، وقتل عثمان، وليس له شُرَافات فعملها والمحراب عمر بن عبد العزيز، ولما ولي الوليد بن عبد الملك واستعمل عمر بن عبد العزيز على المدينة أمره بهدم المسجد وبنائه فاستعمل عمر على ذلك صالح بن كَيسان وكتب الوليد إلى ملك الروم يطلب منه عُمالاً وأعلمه أنه يريد عمارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إليه أربعين رجلاً من الروم وأربعين من القفط ووجًه أربعين ألف مثقال ذهباً وأحمالاً من الفُسَيفساء فهدم الروم والقبط المسجد، وخمروا النورة للفسيفساء سنة، وحملوا القصة من بطن نخل، وعملوا الأساس بالحجارة، والجدار والأساطين بالحجارة المطابقة وجعلوا عمد المسجد حجارة حشوها عمد الحديد والرصاص، وجعل عمر المحراب والمقصورة من ساج، وكان قبل ذلك من حجارة وجعل طول المسجد مائتي ذراع وعرضه في مقدمه مائتين، وفي مؤخره مائة وثمانين، وهو سقف دون سقف قال صالح بن كيسان ابتدأتُ بهدم المسجد في صفر سنة 87 وفرغت منه لانسلاخ سنة 89 فكانت مدة عمله ثلاث سنين، و كان طوله يومئذ مائتي ذراع في مثلها فلم يزل كذلك حتى كان المهدي فزاد في مؤخره مائة ذراع وترك عرض مائتي ذراع على ما بناه عمر بن عبد العزيز، وعبد الملك بن شبيب الغساني في سنة 160 فأخذا عمله وزاد في مؤخره ثم زاد فيه المأمون زيادة كثيرة ووسعه وقرىء على موضع زيادة المأمون أمر عبد الله بعمارة مسجد رسول الله سنة 202 طلب ثواب الله، وطلب كرامة الله، وطلب جزاء الله فإن الله عنده ثواب الدنيا والآخرة، وكان الله سميعاً بصير والمؤذنون في مسجد المدينة من ولد سعد الفرط مولى عمار بن ياسر، ومن خصائص المدينة أنها طيبة الريح وللعطر فيها فضل رائحة لا توجد في غيرها، وتمر الصيحاني لا يوجد في بلد من البلدان مثله، ولهم حب اللبان مثله، ومنها يحمل إلى سائر البلدان وجبلها أحد قد فضله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحدَ جبل يحبنا ونحبه وهو على باب من أبواب الجنة، وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم شجر المدينة بريداً في، بريد من كل ناحية، واستعمل على الحمى بلال بن الحارث المُزَني فأقام عليه حياة رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية وفي أيامه مات، وكان عمر بن عبد العزيز يقول: لأن أوتي برجل يحمل خمراً أحب إليَ من أن أوتى به وقد قطع من الحرم شيئاً، وكان عمر بن الخطاب ينهى أن يقطع العضاه فتهلك مواشي الناس، وهو يقول: لهم عصمة، وأخبار مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة، وقد صنف فيها، وفي عقيقها، وأعراضها وجبالها كتب ليس من شرطنا ذكرها إلا على ترتيب الحروف، وقد فعلنا ذلك، وفيما ذكرناه مما يخصها كفاية والله يحسن لنا العافية، ولا يحرمنا ثواب حسن النية في الإفادة والاستفادة بحق محمد وآله، وأما المسافات فإن من المدينة إلى مكة نحو عشر مراحل، ومن الكوفة إلى المدينة نحو عشرين مرحلة، وطريق البصرة إلى المدينة نحو من ثماني عشرة مرحلة، ويلتقي مع طريق الكوفة بقرب معدن النقرة ومن الرقة إلى المدينة نحو من عشرين مرحلة ومن البحرين إلى المدينة نحو خمس عشرة مرحلة، ومن دمشق إلى المدينة نحو عشرين مرحلة، ومثله من فلسطين إلى المدينة على طريق الساحل، ولأهل مصر وفلسطين إذا جاوزوا مَديَنَ طريقان إلى المدينة أحدهما على شَغْب وبداً وهما قريتان بالبادية كان بنو مروان أقطعوهما الزهري المحدث، وبها قبره حتى ينتهي إلى المدينة على المروَة، وطريق يمضي على ساحل البحر حتى يخرج بالجحفة فيجتمع بها طريق أهل العراق، وفلسطين ومصر.