حـرف الـهـاء: باب الهاء واللام، الميم و يليهما

باب الهاء واللام و يليهما

هلالُ: بالضم واخره لام علم مرتجل لشعب بتهامة يجيء من السراة من ناحية يسومَ.

هَلْبَاءُ: بالباء الموحدة والمد ذنب أهلبُ وفرس هلباء إذا استؤصل ذنبها جَزا وكذلك الأرض المجروزة على الاستعارة: موضع بالحجاز، وقال الحفصي موضع بين اليمامة ومكة وانما سميت الهلباء لكثرة نباتها وأنها تُنبِت الحَلي والصليان. قال الشاعر:

سل القاع بالهلباء عنا وعنهم

 

وعنك وما أنباك مثلُ خبير

ويوم الهلباء من أيامهـم.

 

 

 

هلثا: بالثاء المثلثة والقصر: وهو صقع من أعمال البصرة بينها وبين البحر وهي نبَطية.


هِلِسْ: بكسر أوله وثانيه والسين مهملة: مدينة في أطراف الجزيرة مما يلي الروم وأهلها أرمن.


هَلُورَس: موضع عند مخرج دجلة بينه وبين آمد يومان ونصف وهلورس هو الموضع الذي استشهد فيه علي ا لأرمني.


الهَليةُ: قرية من أعمال زبيد.

 

باب الهاء والميم وما يليهما

 

الهَماءُ: موضع بنَعمان بين الطائف ومكة وقيل الهماءُ سميت برجل قُتل بها يقال له الهماء ُكذا في شعرهذيل عن السكري، وفي كتاب أبي الحسن المهلبي الهماءُ موضع. قال النمَيري:

 

تَضَوَعَ مسكاَ بطنُ نعمانَ إذ مـشَـت

 

به زَبيبٌ فـي نـسـوة خَـفِـرات

فأصبحنَ ما بين الهماء فـصـاعـداً

 

إلى الجزع جزع الماء، ذي العشَرات

له أرج بالعنبر الـبـحـت فـاغـمٌ

 

مطـالـع رياه مـن الـكَـفَـرات

 

الهِماجُ: بالكسر من الهمج وقد ذكر بعد وهو اسم موضع بعينه. قال مزاحم العقيلي:

 

نظرتُ وصحبتي بقصور حجر

 

بعَجلَى الطرف عابرة الحجاج

إلى ظعن الفضيلة طالـعـات

 

خلال الرمل واردة الهمـاج

وتحتي من بنات العود نقـض

 

أضر بطرقه سير الـدياجـي

 

قال أبو زياد الهماج مياه من نهي ترَبَة وقد ذكر.


الهُمامَين: بضم أوله تثنية هُمام الثلج وهو ما سال من مائه إذا ذاب والهمام من أسماء الملوك لعظم همتهم: موضع في شعر الأعشى:

 

ومنا امرؤ يوم الهمامين ماجد

 

بجوّ نَطاع يوم تُجنى جَناتُها

 

الهُمامِيةُ: بلدة من نواحي واًسط بينها وبين خوزستان لها نهر يأخذ من دجلة منسوبة إلى هُمام الدولة منصور بن دبيس بن عفيف الأسدي وليس هذا بصاحب الحلة المزيدية هؤلاء أمراء تلك النواحي في أيام بني مزَيد أيضاَ.


هُمانِية: قرية كبيرة كالبلدة بين بغداد والنعمانية في وسط البرية ليس بقربها شيء من العمارات وهي في ضفة دجلة، وقد نسب إليها قوم من الكتاب الأعيان والنسبة إليها هُماني وربما قيل همني بغير ألف.


الهَمَجُ: بالتحريك والجيم الهمج في كلام العرب البعوض والهمج الجوع ثم يقال لأرذال الناس هَمجٌ والهمج: ماء وعيون عليه نخل من المدينة من جهة وادي القرى.


هَمَدُ: بفتحتين ودال. قال ابن السكيت همدَ الثوب يهمد همداً إذا بلي: ماة لبني ضَبة.


هَمذَانُ: بالتحريك والذاد معجمة وآخره نون في الإقليم الرابع وطولها من جهة المغرب ثلاث وسبعون درجة وعرضها ست وثلاثون درجة. قال هشام بن الكلبي همذانه سميت بهمذان بن الفلوج بن سام بن نوح عليه السلام وهمذان وأصبهان أخوان بنى كل واحد منهما بلدة، ووُجد في بعض كتب السريانيين في "أخبار الملوك والبلدان " إن الذي بنى همذان يقال له كرميس بن حليمون، وذكر بعض علماء الفرس أن اسم همذان إنما كان نادمه ومعناه المحبوبة وروى عن شعبة أنه قال الجبال عسكرٌ وهمذان معمعتها وهي أعذبها ماء وأطيبها هواءً، وقال ربيعة بن عثمان كان فتح همذان في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان الذي فتحها المغيرة بن شعبة في سنة 24 من الهجرة، وفي اخر وجه المغيرة بن شعبة وهو عامل عمر بن الخطاب على الكوفة بعد عزل عمار بن ياسر عنها جرير بن عبد اللهَ البجلي إلى همذان في سنة 23 فقاتله أهلها وأصيبت عينه بسهم فقال أحتسبها عند الله الذي زين بها وجهي ونور لي ما شاءَ ثم سَلبنيها في سبيله، وجرى أمر همذان على مثل ما جرى عليه أمر نهاوند في آخر سنة 23 وغلب على أرضها قسراً وضمها المغيرة إلى كثير بن شهاب والي الدينور، واليه ينسب قصر كثير في نواحي الدينور، وقال بعض علماء الفرس كانت همذان أكبر مدينة بالجبال وكانت أربعة فراسخ في مثلها طولها من الجبل إلى قرية يقال لها زَينواباذ وكان صنف التجار بها وصنف الصيارف بسنجاباذ وكان القصر الخراب الذي بسنجاباذ تكون فيه الخزانن والأموال وكان صنف البزازين في قرية يقال لها برشيقان فيقال إن بُخت نَصر بعث إليها قائداً يقال له صقلاب في خمسمائة ألف رجل فأناخ عليها وأقام يقاتل أهلها مدة وهو لا يقدر عليها فلما أعيته الحيلة فيها وعزم على الانصراف استشار أهله فقالوا الرأي أن تكتب إلى بُخت نَصر وتعلمه أمرك وتستأذنه في الانصراف فكتبإليه أما بعد فإني صرت على مدينة حصينة كثيرة الأهل منيعة واسعة الأنهار ملتفة الأشجار كثيرة المقاتلة وقد رُمتُ أهلها فلم أقدر عليها وضجر أصحابي المقام وضاقت عليهم الميرة والعُلوفة فإن أذن لي الملك بالانصراف فقد انصرفت فلما وصل الكتاب إلى بخت نَصر كتب إليه أما بعد فقد فهمتُ كتابك ورأيت أن تصور لي المدينة بجبالها وعيونها وطرقها وقراها ومنبع مياهها وتنفذ إليَ بذلك حتى يأتيك أمري ففعل صقلاب ذلك وصور المدينة وأنفذ الصورة إليه وهو ببابل فلما وقف عليه جمع الحكماء وقال أجيلوا الرأي في هذه الصورة وانظروا من أين تفتح هذه المدينة فأجمعوا على أن مياه عيونها تحبس حولاً ثم تفتح وترسل على المدينة فإنها تغرق فكتب بُخت نَصرإلى صقلاب بذلك وأمره بما قاله الحكماء ففتح ذلك الماء بعد حبسه وأرسله على المدينة ثم سورها وحيطانها وغرق أكثر أهلها فدخلها صقلاب وقتل المقاتلة وسبى الذرية وأقام بها فوقع في أصحابه الطاعون فمات عامتهم حتى لم يبق منهم إلا قليل ودفنوا في أحواض من خزَف فقبورهم معروفة توجد في المحال والسكك إذا عمروا دورهم وخربوا ولم تزل همذان بعد ذلك خراباً حتى كانت حرب دارا بن دارا والاسكندر فإن دارا استشار أصحابه في أمره لما أظله الإسكندر فأشاروا عليه بمحاربته بعد أن يحرز حرمه وأمواله وخزائنه بمكان حريز لا يوصل إليه ويتجرد هو للقتال فقال انظروا موضعاً حريزاً حصيناً لذلك فقالوا له إن من وراء أرض الماهَين جبالاً لا ترام وهي شبيهة بالسند وهناك مدينة منبعة عتيقة قد خربت وبارت وهلك أهلها وحولها جبال شامخة يقال لها همذان فالرأي للملك أن يأمر ببنائها وإحكامها وأن يجعل في وسطها حصناً يكون للحرم والخزائن والعيال والأموال ويبني حول الحصن دور القواد والخاصة والمرازبة ثم يوكل بالمدينة إثني عشر ألف رجل من خاصة الملك وثقاته يحمونها ويقاتلون عنها مَن رامها قال فأمر دارا ببناء همذان وبنى في وسطها قصراً عظيماً مشرفاً له ثلاثة أوجه وسماه ساروقاَ وجعل فيه ألف مَخبأ لخزائنه وأمواله وأغلق عليه ثمانية أبواب حد يد كل باب في ارتفاع اثني عشر ذراعاَ ثم أمر بأهله وولده وخزائنه فحولوا إليها واسكنوها وجعل في وسط القصر قصرًا آخر صير فيه خواص حرمه وأحرز أمواله في تلك المخابىء ووكل بالمدينة إثني عشر ألفاً وجعلهم حراساَ، وحكىِ بعض أهل همذان عنها مثل ما حكيناه أولاً عن بُخت نصر من حبس الماء وإطلاقه على البلد حتى خربه وفتحه والله أعلم، ويقال إن أول من بنى همذان جم بن نوجهان بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح علية السلام وسماها سارو ويعرب فيقال ساروق وحضَنها بهمن بن أسفنديار وإن دارا وجد المدينة حصينة المكان دارسة البناء فأعاد بناءها ثم كثر الناس بها في الزمان القديم حتى كانت منازلها تقدر بثلاثة فراسخ وكان صنف الصاغة بها بقرية سنجاباذ واليوم تلك القرية على فرسخين من البلد. قال شيرويه في أخبار الفرس بلسانهم سارو جم كرد دارا كَمَر بست بهمن إسفنديار بسر آورد معناه بَنى الساروق جم ونطقه دارا أي سوره وعمل عليه سوراً واستتمه وأحسنه بهمن بن إسفنديار، وذكر أيضاً بعض مشايخ همذان أنها أعتق مدينة بالجبل واستدلوا على ذلك من بقية بناءِ قديم باقِ إلى الان وهو طاقٌ جسيم شاهق لا يدرَى من بناه وللعامة فيه أخبار عامية ألغينا ذكرها خوف التهمة، وقال محمد بن بَشار يذكر همذان وأروَنْد:

 

ولقد أقول تيامني وتشاءمـي

 

وتواصلي رَيما على همـذان

بلد نبات الزعفـران تـرابـه

 

وشرابُه عسل بمـاء قـنـان

سَقياً لأوجُهِ مَن سُقيت لذكرهم

 

ماءَ الجَوَى بزُجاجة الأحزان

كاد الفؤاد يطير مما شـقـهُ

 

شوقاَ بأجنحة من الخفـقـان

فكسا الربيعُ بلاد أهلك روضة

 

تفتر على نفَل وعن حَـوذان

حتى تعانق من خُزَاماك الذي

 

بالجَلهَتين شقائق النعـمـان

وإذا تَبجست الثلوجُ تبجسـت

 

عن كوثر شَبم وعن حـيوان

متسلسلين على مذانب تَـلـعة

 

تثغوالجداء بها على الحملان

 

قال المؤلف ولا شك من شاهد همذان بأنها من أحسن البلاد وأنزهها وأطيبها وأرفهها وما زالت محلاً للملوك ومعدناً لأهل الدين والفضل إلا أن شتاءها مفرط البرد بحيث قد أفردت فيه كتبْ وذكر أمره بالشعر والخطب وسنذكر من ذلك مناظرة جرت بين رجل من أهل العراق يقال له عبد القاهر بن حمزة الواسطي ورجل من همذان يقال له الحسين بن أبي سرح في أمرها فيه كفاية. قالوا وكانا كثيراَ ما يلتقيان فيتحادثان الأدب ويتفاكران العلم وكان عبد القاهر لا يزال يذم الجبل وهواءه وأهله وشتاءه لأنه كان رجلاً من أهل العراق وكان ابن أبي سرح مخالفاً له كثيراً يذم العراق وأهله فالتقيا يوماً عند محمد بن إسحاق الفقيه وكان يوماً شاتياً صادق البرد كثير الثلج وكان البرد قد بلغ من عبد القاهر مبالغه فلما دخل وسلم قال لعن الله الجبل ولعن ساكنيه وخص الله همذان من اللعن بأوفره وأكثره فما أكدر هواءها وأشد بردها وأذاها وأشد مؤونتها وأقل خيرها وأكثر شرها فقد سلط الله عليها الزمهرير الذي يعذب به أهل جهنم معها يحتاج الانسان فيها من الدثار والمؤن المجحفة فوجوهكم يا أهل همذان مائلة وأنوفكم سائلة وأطرافكم خصرة وثيابكم متسخة وروائحكم قذرة ولحاكم دخانية وسُبلكم منقطعة والفقر عليكم ظاهر والمستور في بلدكم مهتوك لأن شتاءكم يهدم الحيطان ويُبرز الحصَان ويفسد الطرق ويشعث الآطام فطرقكم وحلة تتهافت فيها الدواب وتتقذر فيها الثياب وتتحطم الابل وتخسف فيها الآبار وتفيض المياه وتكف السطوح وتهيج الرياح العواصف وتكون فيها الزلازل والخسوف والرعود والبروق والثلوج والدمق فتنقطع عند ذلك السبل ويكثر الموت وتضيق المعايش فالناس في جبلكم هذا في جميع أيام الشتاء يتوقعون العذاب ويخافون السخط والعقاب ثم يسمونه العدو المحاصر والكلب الكلِب ولذلك كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بعض عماله إنه قد أظلكم الشتاء وهو العدو المحاصر فاستعدوا له الفِراء واستنعلوا الحذاءَ وقد قال الشاعر:

 

إذا جاء الشتاءُ فأدفنوني

 

فإن الشيخ يهدمه الشتاء

 

فالشتاء يهدم الحيطان فكيف الأبدان لا سيما شتاؤكم الملعون ثم فيكم أخلاق الفرس وجفاءُ العُلوج وبخل أهل أصبهان ووقاحة أهل الري وقدامة أهل نهاوند وغلظ طبع أهل همذان على أن بلدكم هذا أشد البلدان برداً وأكثرها ثلجاَ وأضيقها طرقاً وأوعرها مسلكاً وأفقرها أهلاً وكان يقال أبرد البلدان ثلاثة بَرذعة وقاليقلا وخوارزم وهذا قول من لم يدخل بلدكم ولم يشاهد شتاءكم وقد حدثني أبو جعفر محمد بن إسحاق المكتب قال لما قدم عبد الله بن المبارك همذان أوقدت بين يديه نار فكان إذا سخن باطن كفه أصاب ظاهرها البرد واذا سخن ظاهرها أصاب باطنها البرد فقال:

 

أقول لها ونحن على صلاء

 

أما للنار عندك حرُ نـار

لئن خيرتُ في البلدان يوماً

 

فما همذان عندي بالخيار

 

ثم التفت إلي ابن أبي سرح وقال يا أبا عبد الله وهذا والدك يقول:

 

النار في همذان يَبرُدُ حرُهـا

 

والبردُ في همذان داء مسقـمُ

والفقرُ يُكتم في بلادٍ غيرهـا

 

والفقر في همذان ما لا يُكتمُ

قد قال كسرى حين أبصر تلكم

 

همذان لا انصرفوا فتلك جهنمُ

 

والدليل على هذا أن الأكاسرة ما كانت تدخل همذان لأن بناءهم متصل من المدائن إلى أرزميدخت من أسداباذ ولم يجوزوا عقبة أسداباذ وبلغنا أن كسرى أبرويز هم بدخول همذان فلما بلغ إلى موضع يقال له دوزَخ درَه ومعناه بالعربية باب جهنم قال لبعض وزرائه ما يسمى هذا المكان فعرفه فقال لأصحابه انصرفوا فلا حاجة بنا إلى دخول مدينة فيها ذكر جهنم وقد قال وهب بن شاذان الهمذاني شاعركم:

 

أما آن من همذان الرحـيلُ

 

من البلدة الحزنة الجامـدَة

فما في البلاد ولا أهلـهـا

 

من الخير من خصلة واحدَة

يشيبُ الشبابُ ولم يهرمـوا

 

بها من ضبابتها الـراكـدَة

سألتهمُ أين أقصى الشـتـاءٍ

 

ومستقبلُ السـنة الـواردة

فقالوا إلى جمرَةِ المنتهـى

 

فقد سقطت جمرة خامـدَة

 

وأيضاً قد قال شاعركم:

يوم من الزمهرير مـقـرورُ

 

على صبيب الضباب مزرور

كأنمـا حـشـوه جـزائره

 

وأرضه وجهها قـواريرُ

يرمي البصير الحديد نظرته

 

منها لأجفانـه سـمـاديرُ

وشمسه حرزة مـخـدرة

 

تسلبت حين حم مـقـدورُ

تخال بالوجه من ضبابتهـا

 

إذا حذت جلـده زنـابـيرُ

 

وقال كاتب بكر:

همذان متلفة النفوس وببردها

 

والزمهريرِ وحرُها مأمون

غلب الشتاءُ مصيفها وربيعها

 

فكأنما تموزُهـا كـانـونُ

 

وسأل عمر بن الخطاب رضي اللَه عنه رجلاً من أين أنت فقال من همذان فقال أما إنها مدينة هم وأذىً تجمد قلوب أهلها كما يجمد ماؤها وقد قال شاعركم أيضأ وهو أحمد بن بشار يذم بلدكم وشدة بره وغلظ طبع أهله وما تحتاجون إليه من المؤن المجحفة الغليظة لشتائكم، وقيل الأعرابي دخل همذان ثم إنصرف إلى البادية كيف رأيت همذان فقال أما نهارهم فرقاص وأما ليلهم فحمال يعني أنهم بالنهار يرقصون لتدفأ أرجلهم وبالليل حمالون لكثرة دثارهم، ووقع أعرابي إلى همذان في الربيع فاستطاب الزمان وأنس بالأشجار والأنهار فلما جاء الشتاء ورد عليه ما لم يعلمه من البرد والأذى فقال:

 

بهمـذان شَـقِـيَت أمـوري

 

عند انقضاء الصيف والحرور

جاءَت بشر شر من عَـقُـور

 

ورَمت الافاق بـالـهـرير

والثلج مقرون بـزمـهـرير

 

لولا شعار العاقر الـنـزور

أم الكبير وأبـو الـصـغـير

 

لم يدفَ إنسانٌ من الخصـير

 

ولقد سمعت شيخاً من علمائكم وذوي المعرفة منكم أنه يقول يربح أهل همذان إذا كان يوم في الشتاء صافيا له شمس حارة مائة ألف درهم وقيل لابنة الحسن أيما أشدُ الشتاءُ أم الصيف فقالت من يجعل الأذى كالزمانة لأن أهل همذان إذا اتفق لهم في الشتاء يوم صافٍ فيه شمس حارّة يبقى في أكياسهم مائة ألف درهم لأنهم يربحون فيه حطب الوقود وقيمته في همذان ورساتيقها في كل يوم مائة ألف درهم وقيل لأعرابي ما غاية البرد عندكم فقال إذا كانت السماءُ نقنة والأرض ند يّة والريح شامية فلا تسأل عن أهل البرية، وقد جاءَ في الخبر أن همذان تخرب لقلة الحطب ودخل أعرابي همذان فلما رأى هواءها وسمع كلام أهلها ذكر بلاده فقال:

 

وكيف أُجيب داعيكم ودوني

 

جبالُ الثلج مشرقفة الرعان

بلاد شكلها من غير شكلـي

 

وألسُنُها مخالفة لـسـانـي

واسماءُ النساءِ بهـا زَنـان

 

وأقرب بالزنان من الزواني

 

فلما بلغ عبد القاهر إلى هذا المكان التفَتَ إليه ابن أبي صرح وقال له قد كثرت المقال وأسرقتَ في الذم وأطَلتَ الثلْبَ وطولت الخطبة ثم صمد للاجابة فلم يأت بطائل أكثر من ذكر المفاخرة بين الصيف والشتاء والحر والبرد ووصف أن بلادهم كثيرة الزهر والرياحين في الربيع وأنها تنبت الزعفران وأن عندهم أنواعاً من الألوان لا تكون في بلاد غيرهم وأن مصيف الجبال طيّب فلم أر الاطالة بالاتيان به على وجهه. قالوا وأقبل عبيد الله بن سليمان بن وهب إلى همذان في سنة 284 بمائة ألف دينار وسبعين ألف دينار بالكفاية على أن لامؤونة على السلطان، وهي أربعة وعشرون رستا قاً همذان، وفرواز، وقوهيا باذ، واناموج، وسِيسَار، وشراة العليا، وشراة الميانج، والاسفيذجان، وبحر، واباجر، وارغين، والمغارة، واسفيذار، والعلم الأحمر، وارناد، وسمير، وسردروذ، والمهران، وكوردور، وروذه، وساوه، وكان منها بَسَا وسلفانروذ وخرَقان ثم نقلت إلى قزوين، وهي ستمائة وستون قرية وعملها من باب الكرج إلى سيسر طولاً وعرضاً من عقبة أسداباذ إلى ساوه. قالوا ومن عجائب همذان صورة أسد من حجر على باب المدينة يقال إنه طلسم للبرد من عمل بليناس صاحب الطلسمات حين وتجهه قباذ ليطلسم آفات بلاده ويقال إن الفارس كان يغرق بفرسه في الثلج بمذان لكثرة ثلوجها وبردها فلما عمل لها هذا الطلسم في صورة الأسد قل ثلجها وصلح أمرها وعمل أيضاً على يدين الأسد طلسماً للحيات واخر للغرق فأمنوه وآخر للعقارب فنقصت وآخر للبراغيث فهي قليلة جداً بهمذان، ولما عمل بليناس هذه الطلسمات بهمذان استهان بها أهلها فاتخذ في جبلهم الذي يقال له اروند طلسماً مشرفاً على المدينة للجفاءِ والغلظ فهم أجفى الناس وأغلظهم طبعاً وعمل طلسماً آخر للغدر فهمٍ أغدرُ الناس فلذلك حولت الملوك الخزائن عنها خوفا من غدر أهلها واتخذ طلسماً اخر للحروب فليست تخلو من عسكر أو حرب، وقال محمد بن أحمد السلمي المعروف بابن الحاجب يذكر الأسد على باب همذان:

 

ألا أيها الليث الطويل مقـامـه

 

على نُوَب الأيام والـحـدَثـان

أقمتَ فما تنوي البراح بـحـيلة

 

كأنك بوَاب عـلـى هـمـذان

أطالب ذحل أنت من عند أهلهـا

 

أبِن لي بحـق واقـعٍ بـبـيان

أراك على الأيام تـزداد جـدةً

 

كأنك مـنـهَـا آخِـذ بـأمـان

أقبنلَك كان الدهرُ أم كنت قبلـه

 

فنعلم أم ربـيتُـمـا بـلـبـان

وهل أنتما ضدانِ كل تَـفـردَت

 

به نسـبة أم أنـتـمـا أخـوان

بقيت فما تفنى وأفنينتَ عالـمـاً

 

سَطَا بهم موتٌ بكـل مـكـان

فلوكنت ذا نطق جلست محدثـاً

 

وحدثتنا عن أهل كـل زمـان

ولو كنت ذا روح تُطالب مأكلا

 

لأفنيتَ أكلاً سـائر الـحـيوان

أجتبت شر الموت أم أنت منظر

 

وابليس حتى يُبعث الـثـقـلان

فلا هرَماً تخشى ولا الموت تتقي

 

بمضرب سيف أو شَباة سنـان

وعما قريب سوف يلحق ما بقى

 

وجسمك أبقى من حِرا وأبـان

 

قال وكان المكتفي يهمُ بحمل الأسد من باب همذان إلى بغداد وذلك أنه نظر إليه فاستحسنه وكتب إلى عامل البلد يأمره بذلك فاجتمع وجوه أهل الناحية وقالوا هذا طلسم لبلدنا من آفات كثيرة ولا يجوز نقله فيهلك البلد فكتب العامل بذلك وصعبَ حمله في تلك العقاب والجبال والمدُور وكان قد أمر بحمل الفيلة لنقله على العجلة فلما بلغه ذلك فَتَرَت نيته عن نقله فبقي مكانه إلى الآن، وقال شاعر أهل همذان وهو أحمد بن بشار يذم همذان وشدة برده وغلظ طبع أهله وما يحتاجون إليه من المؤن المجحفة الغليظة لشتائهم:

قد آن من همذان السيرُ فانـطـلِـق

 

وارحل على شعب شمنلٍ غير مُتفقِ

بئسَ اعتياض الفتى أرض الجَبال له

 

من العراق وباب الرزق لم يضـق

أما الملوكُ فقـد أودَت سـراتُـهُـم

 

والغابرون بها في شيمة الـسـوَق

ولا مقام عـلـى عـيش تـرنـقـه

 

أيدي الخُطُوب وشَر العيش ذو الرَنق

قد كنتُ أذكر شيئاَ من محاسـنـهـا

 

أيامَ لي فنـنٌ كـاسٍ مـن الـورق

أرض يعذّب أهلـوهـا ثـمـانـية

 

من الشهور كما عذبتُ بالـرَهَـق

تبقى حياتك ما تبـقـى بـنـافـعة

 

إلآ كما انتفع المجروض بالـمـدق

فإن رضيتَ بثلث العمر فارض بـه

 

على شرائطِ مَن يقنع بمـا يَمـق

إذا ذوى البقل هاجت في بـلادهـم

 

من جزبيائهـم نَـشـافة الـعَـرَق

تبشر الناس بَالبلـوى وتـنـذرهـم

 

ما لا يُداوى بلُبس الـدرع والـدرَق

تلفُهم في عجـاج لا تـقـوم لـهـا

 

قوائمُ الفيل فيل الماقِطِ الـشـبِـق

ِ لايملك المرء ُفيها كـورعـمـتـه

 

حتى تُطيرها من فرط مخـتـرق

فإن تكلـم لاقـتـهُ بـمـسـكـنة

 

ملءَ الخياشيم والأفـواه والـحـدَق

فعندها ذهبَت ألـوانُـهـم جـزعـاً

 

واسقبلوا الجمع واستولوا على العَلَق

حتى تفاجئهم شهبـاءُ مـعـضـلة

 

تستوعب الناس في سربالها اليَقَـق

خَطب بها غير هَينِ من خطوبـهـم

 

كالخنق ما منه من مَلْجَا لمختـنـق

أما الغني فمحـصـور يكـابـدمـا

 

طول الشتاءِ مع اليربوع في نَفَـق

يقول أطبِقْ وأسـبـل يا غـلام وأر

 

خ السترَ واعجل برد الباب واندفق

وأوقدوا بـتـنـانـير تـذكـرهـم

 

نارَ الجحيم بها من يضلَ يحـتـرق

والمملقون بها سـبـحـان ربـهـم

 

ماذا يقاسون طول الليل مـن أرَق

صبغُ الشتاء إذا حَل الشتـاءُ بـهـا

 

صبغُ المآتم للحـسّـانة الـفُـنُـقِ

والذئبُ ليس إذا أمسى بمحـتـشـم

 

من أن يخالط أهل الدار والنـسـق

فوَيل مَنْ كان في حيطانه قـصـرٌ

 

ولم يخص رِتاجَ الباب بالـغَـلَـق

وصاحب النسك ما تهدا فـرائضـه

 

والمستغيث بشرب الخمر في عرق

أما الصلاة فوَدًعها سـوى طـلـل

 

أقوى وأقفر من سلمى بذي العمـق

تمسي وتصبح كالشيطان في قَـرَن

 

مستمسكاً من حبال اللهَ بـالـرمـق

والماءُ كالثلج والأنـهـار جـامـدة

 

والأرض أضراسها تلقاك بالـدَبَـق

حتى كأن قُرونَ الـغـفـرِ نـاتـئة

 

تحت المواطىء والأقدام في الطرُق

فكل غـادٍ بـهـا أو رائح عَـجـل

 

يمشي إلى أهلهاَ غضبانَ ذا حنـق

قوم غذاؤهم الألبانُ مـذ خُـلـقـوا

 

فما لهم غيرها من مطـعـمٍ أنِـق

لا يعبقُ الطيبُ في أصداغ نسوَتهـم

 

ولا جلودهم تبـتـل مـن عـرق

فهم غلاظٌ جُفاة في طـبـاعـهـم

 

إلا تَعلة منسوبٍ إلـى الـحُـمُـق

أفنيت عمري بها حولين مـن قـدَر

 

لم أقْوَ منها على دَفْع ولـم أطـق

         

 

قلتُ وهذه القصيدة ليست من الشعرَ المختار وانما كُتبت للحكاية عن شرح حال همذان وللشعراءِ أشعار كثيرة في برد همذان ووصف أروَند فأما أروند فقد ذكر في موضعه وأما الأشعار التي قيلت في بردها ففي ما ذكرنا كفاية، وقال البديع الهمذاني فيها:

 

همذانُ لي بلد أقول بفضلـه

 

لكنه من أقبـح الـبـلـدان

صبيانه في القبح مثل شيوخه

 

وشيوخه في العقل كالصبيان

 

وقال شيرويه قال الأستاذ أبو العلاء محمد بن عليّ بن الحسن بن حستون الهمذاني لوزير من قصيدة:

يا أيها الملك الذي وَصَلَ العلا

 

بالجود والإنعام والإحـسـان

قد خفتُ من سفرأطَل عليَ في

 

كانون في رمضان من همذان

بلد إليه أنْتَمي بمـنـاسـبـي

 

لكنه من أقـدر الـبـلـدان

صبيانه في القبح مثل شيوخـه

 

وشيوخه في العقل كالصبيان

 

وقال شيروَيه أيضاً إن سليمان بن داود عليه السلام اجتاز بموضع همذان فقال ما بال هذا الموضع مع عظم مسيل مائه وسعة ساحته لا تُبنى فيه مدينة فقالوا يا نبي الله لا يثبت أحد فيه لأن البرد ينصب فيه صبا ويسقط الثلج قامة الرمح فقال عليه السلام لصخر الجني هل من حيلة قال نعم فاتخذ سَبُعاً من حجر منقول ونصب طلسماَ للبرد وبنى المدينة، وقيل أول من أسسها دارا الأكبر قال كعب الأحبار متى أراد الله أن يخرب هذه المدينة سقط ذلك الطلسم فتخرب بإذن الله. قال شيروَيه والسبُعُ هو الأسد المنحوت من الحجر الخورزني وخورزن جبل بباب همذان الموضوع على الكثيب الذي على ذنب الأسد وهذا الأسد من عجائب همذان منحوت من صخرة واحدة وجوارحه غير منفصلة عن قوائمه كأنه ليثُ غابة ولم يزل في هذا الموضع منذ زمن سليمان علية السلام وقيل من زمان قُباذ الأكبر لأنه أمر بليناس الحكيم بعمله إلى سنة 319 فإن مرداويج دخل المدينة ونهب أهلها وسباهم فقيل له إن هذا السبع طلسم لهذه المدينة من الآفات وفيه منافع لأهله فأراد حمله إلى الري فلم يقدر فكُسرت يداه بالفِطيس.


هَمَزَى: بوزن جَمَزى والهمْزُ العصر تقول همزتُ رأسه وجوَز ابن الأنبار قوس هَمَزى شديدة الهمز إذا نزع فيها وفرس هَمَزى شديدة الهمز إذا جالت وهمزى: هو موضع بعينه.


هُمَينيا: هي هُمانيا التي ذكرت في أول هذا الباب بين المدائن والنعمانية كان أول من بناها بَهْمن بن اسفنديار ملك الفرس.