الجزء الثالث - الليلة السادسة والثلاثون

الليلة السادسة والثلاثون

وقال - دامت أيامه - كيف تقول عند مهل الشهر شيئاً آخر من لفظه؟ فكان من الجواب: حكى العالم: عند هلول الشهر ومستهله وهله وإهلاله واستهلاله.

قال: ورأيت الحاتمي يقول: عشر كلماتٍ جاءت وعينها عينٌ ولامها واوٌ، ولم أوثر شرحه لها لثقل روحه، ومغالاته بنفسه، وكأنه لا علم إلا عنده، ولا فائدة إلا هي معه، فهل في حفظك هذه الكلمات؟ قلت: لا إله إلا الله، اليوم ذكر الأندلسي هذه الكلمات وعدها، وقد حفظتها، فقال: هات يا مبارك؛ فكان الجواب: منها البعو، وهو الجناية، والجعو، وهو الطين، والدعو، مصدر دعا دعواً، والسعو: الشمع، والشعو: هو انتفاش الشعر، والصعو: الرجل الضعيف، وهو أيضاً طائرٌ أصغر من العصفور، والقعو: من البكرة، واللعو: الحريص. والذئب في بعض اللغات، والمعو: الجني من الرطب، والنعو: الشق في مشفر البعير.

قال: هذا حسن، لو أتى به الحاتمي للوى شدقه، وقال: تنح فقد جاء الأسد وغلب الطوفان وخرج الدجال وطلعت الشمس من المغرب، ما بال أصحابنا تعتريهم هذه الخيلاء، ويغلب عليهم النقص، ويستمكن منهم الشيطان.

قلت: قال أبو سليمان: كل من غلب عليه حفظ اللفظ وتصريفه وأمثلته وأشكاله بعد من معاني اللفظ؛ والمعاني صوغ العقل، واللفظ صوغ اللسان، ومن بعد من المعاني قل نصيبه من العقل، ومن قل نصيبه من العقل كثر نصيبه من الحمق، ومن كثر نصيبه من الحمق خفي عليه قبح الذكر.