الجزء الأول: من السنة 1800 إلى 1870 - الفصل الرابع: الآداب العربية من السنة 1830 إلى 1850

الفصل الرابع

الآداب العربية من السنة 1830 إلى 1850

هو الطور الثاني من القرن التاسع عشر وهو يشمل عشرين سنة أصابت في مطاويها الآداب العربية ترقياً مذكوراً.

وممّا أمتاز به هذا الطور الثاني انتشار المطابع العربية في الشرق. نعم أن الطباعة كانت سبقت هذا العهد كما بيّنا الأمر في المقالات المتعددة التي خصصناها بهذا الفن في أعداد المشرق من السنين الثلاث 1900 و1901 و1902. لكنَّ المطبوعات العربية في الشرق كانت قليلة لا تتجاوز بعض العشرات وأكثرها دينية كما في مطابع حلب وبيروت والشوير. فلمَّا كان القرن التاسع عشر توَّفرت الأدوات الطبعيَّة في الشرق وقد مرّ لنا مطبعة الآستانة العليَّة ومطبعة بولاق (المشرق 3 (1900):174) وكلتاهما وسعت دائرة أشغالها في هذا الطور الثاني لا سيما مطبعة بولاق التي أبرزت نحو ثلاثمائة كتاب في فنون شتى بالعربية والتركية والفارسية (Journal As. 1843224 - 61) وكان أكثرها منقولاً عن الفرنسويّة في العلوم المستحدثة كالرياضيات والطب والجراحة وجرّ الأثقال والفنون العسكرية. أما الكتب الأدبية فكانت يسيرة.

ومن المطابع التي جددت حركتها في هذه المدة مطبعة القديس جاورجيوس في بيروت (المشرق 3 (1900):501) فإنها بعد خمودها نحو مائة سنة عادت إلى أشغالها بسعي مطران الروم الأرثوذكس بنيامين سنة 1848. وفي السنة التالية أنشأ في القدس بطريرك الروم كيرلُس الثاني مطبعة عرفت بمطبعة القبر المقدس اليونانية (المشرق 5 (1902):70). ومعظم مطبوعات هاتين المطبعتين في السنين الأولى لإنشائهما لم تتجاوز المواد الدينية وبعض المبادئ المدرسية. في أثناء هذا الطور أعني من السنة 1830 إلى 1850 استحدثت ثلاث مطابع كبيرة أعانت على نشر آداب اللغة العربية في جهات الشام: الأولى ومنها مطبعة الأمريكان التي نقلت سنة 1834 من مالطة إلى بيروت واستحضرت أدوات جديدة وحروفاً مشرقة فاشتغلت مذ ذاك الوقت بطبع مؤلفات جمَّة عددنا قسماً منها في المشرق (3 (1900):504). والثانية مطبعة الآداب الفرنسيين في القدس الشريف باشرت أعمالها 1849. والثالثة مطبعتنا الكاثوليكية كان ظهورها سنة 1848 فطبعت أولاً كتباً شتى على الحجر ثم طبعت على الحروف سنة 1854 (المشرق 3 (1900):641 - 656) فهذه المطابع لم تزل نيف وثمانين سنة يجاري بعضها بعضاً في ميدان الآداب ولا غرو فإن بواسطتها تعددت المنشورات وقرب جناها على أيدي الأحداث وأقبل على مطالعتها العموم.

ومن الأسباب التي ساعدت أيضاً في تلك المدة على اتساع المعارف الأدبية وارتقاء اللغة العربية ما أنشئ في الشرق من مدارس بهمة أصحاب الخير. فما عدا الآداب العربية من السنة 1830 إلى 1850 المعاهد التي سبق لنا ذكرها (ص5 - 6) كعين ورقة وعين تزار ظهرت مدارس جديدة غايتها ترقية العلوم كان الفضل في إنشائها إلى المرسلين اللاتينيين.

أوّل هذه المدارس التي فتحت لتثقيف الوطنيين بالآداب العصريَّة مدرسة عين طورا باشرت بالتعليم سنة 1834 وقد سبق المشرق (3 (1900):548 الخ) فاتسع في تاريخ هذه المدرسة الشهيرة ومن تخرَّج فيها من الأدباء فلا حاجة إلى التكرار.

ثم أُنشئت بعد تسع سنوات (1843) مدرسة للآباء اليسوعيين في كسروان أنشأها الأب مبارك بلانشة في غزير في الدار التي كان شيَّدها الأمير حسن شقيق الأمير بشير الشهابي لسكناه. وهذه المدرسة بقيت عامرة إلى سنة 1875 وفيها نقلت إلى بيروت فقامت عوضاً عنها مدرسة القديس يوسف الكلية. ومن مدرسة غزير خرج رجال أفاضل لا يحصى عددهم منهم بطاركة إجلاء وأساقفة مبجَّلون وكهنة غيورون ووجوه أُدباء وكتبة كانوا كلهم ولا يزال كثيرون منهم إلى يومنا سنداً لكل مشروع خيري ولكل مسعىً صالح ديني أو وطني.

وكما أهتم المرسلون بفتح المدارس المذكورة لم يسهموا عن تربية الإناث فبمساعيهم قدمت راهبات مار يوسف سنة 1845 ثم راهبات المحبة سنة 1847 وأخذن يتفانين في تهذيب الفتيات في الشام وفلسطين. وبعد سنين قليلة أنشأ الأباء اليسوعيُّون سنة 1853 جمعية الراهبات المريمات ثمَّ جمعية قلب يسوع والفئتان حازتا رضى الأساقفة والأهلين وخدمتا الوطن أحسن خدمة بتهذيب البنات ثم اجتمعتا بأخوية واحدة عُرفت باسم راهبات قلبي يسوع ومريم يشهد لهنَّ الجميع في يومنا بالغيرة والصلاح وحسن التربية للإناث وخصوصاً في القرى المهملة. وقد احتفلن في العام الماضي بيوبيلهنَّ السبعيني (اطلب المشرق 21 (1923):641). وكذلك انتشرت راهبات الناصرة في هذه البلاد في أواسط القرن السابق وتولَّين إدارة مدارس الإناث من كل طبقات الأهلين في بيروت وعكا وحيفا والناصرة وشفاعمرو فأحرزنَ لهنَّ ثقة الجمهور بفضلهنَّ.

أما المدارس الوطنية فإنها تعززّت أيضاً في هذا الطور وزادت نموَّا لا سيما مدرسة عين ورقة التي اكسبها رئيساها الأولان المطران خير الله اسطفان والمطران يوسف رزق الجزيني رونقاً عظيماً مادياً وأدبياً. ومن أثمار هذه المدرسة حينئذٍ (سنة 1840) إنشاء جمعية مرسلين انجيليين انتسبوا إلى مار يوحنا الإنجيلي وخدموا النفوس بأعمال الرسالة نحو عشرين سنة ثم خلفتهم جمعية مرسلي الكريم التي لا تزال حتى يومنا تفلح كرم الرب بنشاط وغيرة.

وكذلك تقدمت مدرستان أُخريان للطائفة المارونية كان سبق تأسيسها في أيَّام السيد البطريرك يوحنَّا الحلو نريد بهما مدرسة مار يوحنا مارون كفرحيّ ومدرسة مار مارون الرومية. فكان الساعي بإنشاء الأولى المطران جرمانوس ثابت في السنة 1811 خصها بتهذيب بعض أحداث بلاد جبيل والبترون وجبة بشراي ثم اتسعت بعد ذلك في أيام الطيب الذكر المطران يوسف فريفر الذي صرف المجهود في تحسينها وقد حذا حذوه رؤساؤها من بعده لا سيما المرحوم المنسنيسور بطرس ارسانيوس الذي اهتم كثيراُ بشؤونها ونجاحها. أما المدرسة الرومية فكان إنشاؤها بعد ذلك سنة 1817 وكانت هذه المدرسة ديراً فأمر البطريرك يوحنا الحلو بتحويلها إلى مدرسة وصادق على أمره آباء مجمع اللويزة في السنة التالية. ولعائلة بيت الصفير أوقاف وحقوق على مدرسة الرومية التي أخرجت عدداً وافراً من أفاضل الشبَّان المرشَّحين للكهنوت.

ولمَّا قام السيد يوسف حبيش بطريركاً على الطائفة المارونيَّة وَّجه عنايته إلى فتح المدارس لأبناء رعاياه ففُتحت أولاً مدرسة مار يوحنا مارون في صربا 1827 وكان الساعي بذلك المطران يوحنا العضم. ثم فُتحت مدرسة أخرى في عرمون وكان هناك لبيت آصاف دير للراهبات إلى أسم مار عبدا هرهريا فحوَّلوه بعد أمر السيد البطريرك إلى مدرسة عموميَّة لتعليم شبان الطائفة المارونية العلوم الاكليريكية وصار لهذه المدرسة نجاحٌ عظيم خرج منها أولو فضل ممن تفتخر بهم ملتهم حتى اليوم كالسادة الإجلاء المطران يوسف النجم والمطران اسطفان عوّاد والمطران بولس عوّاد والمطران مسعد وكالخوارنة العالمين العاملين يوسف العلم وكيل مطران بيروت سابقاً ويوحنا رعد الغزيري الشاعر والخوري عبد الله العقيقي وغيرهم وقد اغتالت المنيَّة أكثرهم.

وبعد ذلك بسنتين (1832) سعى البطريرك الموما إليه بتحويل دير مار سركيس سوباخوس في ريفون إلى مدرسة لأبناء الطائفة كمدرسة مار عبدا فلبَّى دعوته ولاة الدير من بيت مبارك بكل طيبة قلب وأفرغ رئيس الدير القس فرنسيس مبارك كنانة الجهد في تحقيق تلك الأماني فلم تذهب مساعيه أدراج الرياح كما ترى في تاريخ هذا الدير الذي سبق بتسطير أخباره حضرة الأب إبراهيم حرفوش في المشرق (8 (1905): 67 و347 و753).

وفي هذا الوقت أيضاً كان المرسلون الأمير كان لا يألون جهداً في فتح المدارس أخصها في بيروت وأعبيه فنجحوا فيها بعض النجاح لولا أنهم ناقضوا فيها تعاليم الدين الكاثوليكي ليبثُّوا في قلوب الأحداث زوان التساهل الدينيّ.

ولا نعرف للروم مدرسة ذات شأن في كل النصف الأوَّل من القرن التاسع عشر وكانت ناشئتهم غالباً تتردَّد على مدارس المرسلين الكاثوليك أو البروتستان الأميركان.

وكانت الدروس العربية في كل هذه المدارس راقية فأن منها خرج معظم الذين اشتهروا بالكتابة في القرن المنصرم وخصوصاً بين النصارى كما نبين ذلك.

أما المدارس خارجاً عن الشام فكانت في الغالب مقصورة على مبادئ القراءة والكتابة وأصول الحساب واللغة.

بعض مشاهير المسلمين في هذا الطور الثاني

نقدم عليهم الشيخ حسن بن محمد العطار كان أهله من المغرب فانتقلوا إلى مصر وولد في القاهرة سنة 1180ه (1766) وكان أبوه عطاراً استخدم ابنه أولاً في شؤونه ثم رأى منه رغبة في العلوم فساعده على تحصيلها فاجتهد الولد في إحراز المعارف وأخذ عن كبار مشايخ الأزهر كالشيخ الأمير والشيخ الصبان وغيرهما حتى نال منها قسماً كبيراً. وفي أيامه جاء الفرنسويون إلى مصر فاتصل بأناس منهم فأفادوه بعض الفنون الشائعة في بلادهم وأفادهم درس اللغة العربية. ثم ارتحل إلى الشام وأقام مدة في دمشق ومما نظمه حينئذٍ قوله في منتزهات دمشق:  

بوادي دمشق الشام جُزْ بي أخا البسـط

 

وعرّجْ على باب السلام ولا تُـخـطِ

ولا تبكِ ما يُبكي أمرؤَ القيس حـومـلاً

 

ولا منزلاً أودى بمنعرَج الـسـقـطِ

فإنَّ على باب السـلام مـن الـبـهـا

 

ملابسَ حسنٍ قد حُفظنَ من الـعـطِّ

هنالك تلقى مـا يروقـك مـنـظـراً

 

ويُسْلي عن الأخدان والصُحْب والرهطِ

عرائس أشجـارٍ إذا الـريح هـزَّهـا

 

تميلُ سكارى وهي تخطر في مـرطٍ

كساها الحيا أثواب خَـطْـر فـدُثَـرت

 

بنور شعاع الشمس والزهر كالقُـرطِ

وتجول هذا الشيخ حسن في بلاد كثيرة يفيد ويستفيد حتى كر راجعاً إلى مصر فاقرٌ لهُ علماؤها بالسبق فتولَّى التدريس في الأزهر وقُلد هذه المدرسة بعد الشيخ محمّد العروسي سنة 1246 فقد برّها أحسن تدبير إلى سنة وفاته في 22 ذي القعدة سنة 1250ه (1835م). وكان محمّد على باشا خديوي مصر يجلُّهُ ويكرمهُ. وقد خلّف عدة تآليف في الأصول والنحو والبيان والمنطق والطب. ولهُ كتاب في الإنشاء والمراسلات تكرَّر طبعهُ في مصر. وكان هذا الشيخ عالماً بالفلكيّات لهُ في ذلك رسالة في كيفيَّة العمل بالإسطرلاب والرُّبْعَيْن المنقطر والمجيَّب والبسائط. وكان يُحسن عمل المَزاول الليلية والنهارية. وقد اشتهر أيضاً الشيخ العطّار بفنون الأدب والشعر. وممّا يروى عنه أنه لمّا عاد من سياحته في بلاد الشرق رافق إمام زمانهِ في العلوم الأدبية السيد إسماعيل بن سعد الشهير بالخشّاب فكانا يبيتان معاً وينادمان ويتجاذبان أطراف الكلام فيجولان في كل فنّ من الفنون الأدبية والتواريخ والمحاضرات واستمرت صحبتهما وتزايدت على طول الأيام مودّتهما إلى أن توفي الخشاب فاشتغل العطار بالتأليف إلى موته. ولهُ شعر رائق جُمع في ديوانه فمن ذلك ما رواه له الجبرتي (233:4) في تاريخه يرثي الشيخ محمّد الدسوقيّ المتوفى سنة 1230ه (1815م). 

أحاديث دهرِ قد ألـمَّ فـأوجـعـا

 

وحلَّ بنادي جمعنا فـتـصـدّعـا

فقد صال فينا البينُ أعظـم صـولة

 

فلم يُخلِ من وقع المصيبة موضعا

وجاءت خطوبُ الدهر تَثرْى فكلّما

 

مضى حادث يُعْقِبْهُ آخرُ مسرعـا

وهي طويلة قال في ختامها:

سعى في اكتساب الحمد طولَ حياتهِ

 

ولم ترهُ في غير ذلك قد سـعـى

ولم تُلْههِ الدنيا بـزخـرفِ صـورةٍ

 

عن العلم كيما أن تَغُرَّ وتَخْـدعـا

لقد صرف الأوقات في العلم والتقى

 

فما أن لها يا صاحِ أمس مضيّعـا

فقدناهُ لكن نـفـعُـهُ الـدهـرَ دائمٌ

 

وما مات من أبقى علوماً لمن وعى

فجوزيَ بالحُسْنى وتُوج بـالـرضـا

 

وقوبل بالإكرام مـمّـن لـهُ دعـا

وممن مدحوا الشيخ حسن العطار المعلم بطرس كرامة اللبناني فقال فيهِ لما قابلهُ في مصر:

قد كنتُ أسمعُ عنكم كـل نـادرةٍ

 

حتّى رأيتك يا سؤلي ويا أربـي

واللهِ ما سمعتْ أذني بما نظـرت

 

لديك عيناي من فضلٍ ومن أدب

وقام بعد الحسن العطّار في رتبتهِ البرهان. القويسني فقد تقلّد مشيخة الأزهر أربع سنوات وتوفي سنة 1254ه (1838م) وكان مكفوف البصر عالماً لهُ تأليف فقهية قال فيه أحد شعراء زمانه يوم ولي رئاسة الأزهر معترفاً بسلفهِ:

ولئن مضى حسَنُ العلـوم أربـهِ

 

فلقد أتى حسنٌ وأحسنُ من حسنْ

أنـت الـمـقـدّم رتـبة ورئاسةً

 

وديانةً من ذا الذي ساواك مـنْ

واشتهر بالآداب أحد تلامذة الشيخ حسن العطّار وهو الشيخ حسن قويدر. وله بمصر سنة 1204 (1789م) وكان أصل أجداده من المغرب ثم انتقلوا إلى مدينة الخليل وتناسلوا بها ثمّ انتقل قويدر والد المترجم إلى القاهرة وفيها ولد أبنهُ الحسن. فملا نشأ أخذ عن شيوخ زمانهِ وخصوصاً عن الشيخ حسن العطّار. ولم يزل يتقدّم في العلوم حتى نال فيها شهرة عظيمة وكان مع ذلك يشتغل بالتجارة ويعامل أهل الشام ومن تآليفه شرحهُ المطوّل على منظومة أستاذهِ حسن العطّار في النحو وكان قرّظها بقولهُ:

منظومة الفاضل العطَّار قد عقبتْ

 

منها القلوبُ برَياً نكهة عطـرهْ

أو لم تكن روضةً في النحو يانعةً

 

لما جنى الفكر منها هذه الثمرةْ

في ظلمة الجهل لو أبدت محاسنها

 

والليلُ داجٍ أرانا وجهها قمـرهْ

قالوا جواهر لُفظِ قلت لا عجـبٌ

 

بحر البلاغة قد أدى لنـا دُرره

ومن تآليفه أيضاً كتاب إنشاء ومراسلات ورسائل أدبية. ومنها كتاب نيل الأرب في مثلثات العرب وهي مزدوجات ضمّنها الألفاظ المثلثة الحركات المختلفة المعاني كمثلثات قطرب. وهذا التأليف طبع في مصر وقد نقله إلى الإيطالية المستشرق الأديب المرحوم أريك فيتو قنصل إيطالية في بيروت سابقاً وطبعه في المطبعة الأدبية.

وممّا يروى من شعره قولهُ:

يا طالب النصح خذ مني محبَّـرة

 

تلقى إليها على الرغم المقالـيدُ

عروسةٌ من بنات الفكر قد كُسبت

 

ملاحةً وأما في الخـدّ تـوريدُ

كأنها وهـي بـالأمـثـال نـاطـقةٌ

 

طيرٌ لهُ في حميم القلـب تـغـريدُ

احفظ لسانك من لَغْطٍ ومـن غـلـطٍ

 

كل البلاد بهذا العضو مـرصـودُ

وأحذر من الناس لا تركن إلى أحـدٍ

 

فالخلّ في مثل هذا العصر مفقـودُ

بواطن الناس في هذا الدهر قد فسدت

 

فالشر طبع أمم والخـير تـقـلـيدُ

         

توفي الشيخ حسن قويدر سنة 1262ه (1846م) وقيل أنهُ في مرضه الأخير وضع تاريخ وفاته بهذه العبارة (رحمه الله علي حسن قويدر) مجموع حروفها سنة وفاته.

أما بلا الشام فاشتهر من علمائها الشيخ محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز كان مولده بدمشق سنة 1198 وفيها توفي سنة 1252 (1783 - 1736) برز بين أدباء وطنه وأخذ عنه علماء الشام وقد صنف في الفقه والتصوف نحو خمسين كتاباً.

وأشهر منه في الشعر الشيخ أمين بن خالد آغا ابن عبد الرزاق آغا الجندي ولد في حمص من أسرة شريفة سنة 1180 (1766) ونشأ بها في طلب العلوم ثم رحل إلى دمشق فامتاز بين أقرانه وشهد له الشيخ عمر اليافي بالتقدم في الشعر. وقد نظم القصائد المفيدة والقدود الفريدة وتفنن خصوصاً في الموشحات والمواليات والأناشيد الموقعة على آلات الطرب وقد غلبت عليه الغزليات. وكان سيال القلم طيب القريحة لم يمض عليه يوماً خالياً من نظم أو نثر يحرر في يوم ما يعجز عنه غيره فيشهر. وكان أهل زمانه يتزاحمون على مسامرته ويتنافسون على مواصلته ويتغنون بأقواله. وكانت وفاته في حمص سنة 1257ه (1841م) ودفن قريباً من الجامع الخالدي. وله ديوان طبع قسماً منه بالمطبعة السليمية الأديب سليم المدور سنة 1870 ثم طبعه سنة 1883 أصحاب المكتبة العمومية وأضافوا إليه قسماً آخر لم ينشر بالطبع. ومنذ عهد قريب تولى نشر ديوان الجندي بتمامه الأديب محمد أفندي كمال بكداش في مطبعة المعارف وهذه الطبعة لا تقل عن 450 صفحة ولشهرة هذا الديوان نكتف بذكر بعض. مقاطيع قليلة منه تدل على أساليب ناظمه فمن ذلك قوله من الرجز يصف فيه الربيع في ربوة دمشق:

يا حبَّذا الربوةُ مـن دمـشـقِ

 

بالفضل حازت قصَبات السبقِ

كم أطلعتَ بـهـا يدُ الـربـيعِ

 

من كل معـنـىً زائد بـديعِ

وفتح الوردُ الكفـوفَ إذ دعـا

 

داعي الصباح للهنا ورَجَّعـا

وفكّكـت أنـامـل الـنـسـيمِ

 

أزرارَ زهر الرَّند والشمـيمِ

وسقطـت خـواتـم الأزهـارِ

 

من فَنن الأغصان كالدراري

وانتفَّ سيفُ البرق في أوراقِ

 

مذ شام خيل الريح في سباقِ

ما بكت السماءُ بـالـغـمـامِ

 

إلا وصار الزهرُ في ابتسـامِ

ومن محاسن شعره قوله ومخمساً لأبيات عرضها عليه عبد الله بك العظم في خصام النرجس والورد:

قال لي النرجس حرّْض

 

لقتال الورد وادحض

قلتُ هذا قول مبغـضْ

 

أيها النرجسُ اعرضْ

لن تنال الأفضـلَّـيةْ

 

 

عُد إلى الجقّ سريعاً

 

ولقولي كن سمـيعـاً

وأنتِ للورد مطـيعـاً

 

وسل الزهر جميعـاً

عن معانيك الـرديئة

 

 

قد جهلتَ الأمر قدما

 

وادَعيت الحسن ظلما

فيمن أولاك حـلـمـا

 

لا تكن للورد خصمـا

فهو مرفوعُ المزبَّـهْ

 

 

كنت قبل العجب آمنْ

 

وبظلّ الروض كامنْ

فإذا حرَّكـتَ سـاكـنْ

 

أنت ربُّ السيف لكنْ

شوكة الـورد قـويَّة

 

 

ومن قوله في هجوم قوم:

وقومٍ غضَّ طرفُ الدهر عنهم

 

فآذوا كلَّ ذي عرض وعادوا

وفي ظُلُمات ظلم حق سـاروا

 

فسادوا عندما ظهر الفسـادُ

وإن قالوا سنرجع حيث كـنَّـا

 

مخافةَ أن تذمَّهم الـعـبـادُ

وإن طلبوا رجوعهم عـنـاداً

 

فما صدقوا ولو رُدُّوا لعادوا

ومن مديحه قوله في وزير من قصيدة طويلة:

رفيع مقامِ شامخ الـعـز ضـيغـمٌ

 

غياث مغيث من ظَلوم إذا اعتـدى

يلوذ بهِ الجاني فيبـلـغُ مـأمـنـاً

 

ولو كان أهل الخافقين لـهُ عِـدى

ومن أمَّهُ من فـاقةٍ عـاد مـثـرياً

 

وبرجع بعد الذل والفقر مسـعـدا

إذا الدهر يوماً جارَ في حكمهِ بـنـا

 

على الدهر أرسلناهُ سهماً مسـدّدا

فتىً جمع الدنيا مع الدين والحجـى

 

مع الحزم والراي السديد مع الهدى

فأضحى لأرباب الحـوائج كـعـبةً

 

وكهفاً لمـن يأوي إلـيهِ ومـوردا

لعمرُك هذا المجدُ والحـسـب الـذي

 

سما فوق أركان المجرَّة مُصـعـدا

سنغدو لنا لـلـعـزّ داراً ولـلـورى

 

بحضرتهِ باب المراد ومـقـصـدا

ويبقى لسان الحـال فـيهِ مـؤرخـاً

 

لك الحمد يا ذا الجود ولا زال سرمدا

(1262) وقال سنة 1256 مؤرخاً وفاة والسيد نجل الكيلاني:

في جنّة الفردوس حلَّ كـأنـهُ

 

بدرٌ ولكن نورهُ لا يُحْـجَـبُ

قد صاد كل المكرمات وكيف لا

 

يصطادها وأبوهُ باز أشهـبُ

بوفاتهِ. التـاريخ أنـبـأ قـائلاً

 

هذا النجيب وليس منه أنجـبُ

(1256) وقد اشتهر في هذا الطور الثاني غير الذين ذكرناهم من أدباء المسلمين لا سيما في العراق وحلب إلا إن أخبارهم قليلة متضعضعة ولعل بعض القراء يرشدونا إليها فيحيوا ذكر أولئك الأفاضل الذين درست آثارهم مع قرب عهدنا منّا.

مشاهير النصارى في هذا الطور

أما أدباء النصارى الذين عرفوا في تلك المدة بخدمة الآداب العربية فها نحن نذكر من اتصلت به معرفتنا القاصرة مع الرجاء بأن يزيدنا أهل الفضل فيهم علّما ويسدوا ما يجدون من الخلل.

استحق الذكر بآدابه وشعره في الطور الذي نحن في صدده نصر الله الطربلسي وهو ابن فتح الله بن بسارة الطرابلسي ولد في حلب سنة 1770 وكان من أسرة كريمة من طائفة الروم الكاثوليك. ولما انتقل أبوه إلى طرابلس عرف بالطرابلسي وكان عريقاً في الدين تحمل في سبيل إيمانه محناً عديدة فنشأ ابنه على مثاله تقياً ورعاً وكان مع ذلك متوقد الذهن محباً للعلوم ودرس اللغات فتعلم منها التركية والفرنسوية وكان مبرزاً في الآداب العربية مطلعاً على فنونها يحسن فيها الكتابة وينظم الشعر الحسن. وقد أبقى من نظمه مآثر عديدة أكثرها متفرق لو جمعت حصل منها ديوان كامل. وسكن نصر الله الشهباء زمناً طويلاً ومدح وجوه أهلها مسلمين ونصارى لا سيما نقيبها محمد الجابري وقد أثبت المشرق (3 (1900):400) قصيدته فيه ومدح كذلك الشيخ هاشم أفندي الكلاسي فقال يخاطبه:

لما سمعتُ مسلسَلاً عن سادة

 

إن الفصاحة كلها في هاشمِ

يمَّمتُ ناديهُ وألقيت العـصـا

 

ورجوتُ يقبلني ولو كالخادمِ

إن جاد لي بالارتضاء فبفضلهِ

 

أو لم يُجدْ فلسوء حظ الناظمِ

فأجابه الشيخ جواباً لطيفاً فكتب إليه:

نسيمُ لطفك صابني بـألـوكةٍ

 

صيبَ المحبّ إلى محبّ قادمِ

فبمثله أهلاً وسهلاً مرحـبـاً

 

بمسامرٍ ومـنـادمٍ لا خـادمٍ

وكذلك كان الطرابلسي يتردد على عبد الله الدلاّل ويجتمع عنده بأدباء زمانه وقد في أحدهم فتح الله المراش يشكر له جميل أياديه ويهنئه بعقد زواجه سنة 1821 هذا مطلعها:

يا للهوى ما للعَذُول وما لـي

 

أنا قد رضيتُ بكافةِ الأحوالِ

ومنها في المدح:

الندبا عبد الله فـخـر أوانـهِ

 

نسل الأماجد من بني الدلاَلِ

فهو الذي يشري الثناءَ بمالـهِ

 

ويزّين الأقوال بـالأفـعـال

وهو الذي لم يخلُ قطُّ زمانـهُ

 

من غوث ملهوف وبذلِ نوالِ

وختمها بهذا التاريخ:

وأسلم بتاريخي ودمتَ بمّنهِ

 

متمتعاً باللطف والإقبالِ

وممن مدحهم في حلب القنصل الفرنسوي يوسف لويس روسو وكان محباً للآداب الشرقية (أطلب المشرق 398:3 و400) وبإيعازه نظم الطرابلسي تهنئة لنابوليون الأول بمواد نجله الذي دعاه ملك رومية سنة 1811 فقال في قصيدته التي أولها (المشرق 399:3)

ورد البشيرُ فسرَّتِ الأقطـارُ

 

وترنَّمت في دوحها الأطيارُ

ومن حسن نظمه أبياته في شهداء الكثلكة في حلب سنة 1818 (المشرق 402:3 و664:10) فقال:

دعِ العين مني تذرف الدمع عَنْدمـا

 

فحقٌ لهذا الخطب أن تَسكُب الدما

وفيها أبيات صادرة عن قلب طافح حباً متفطر حزناً. وفي السنة 1828 تحامل على الطرابلسي أعداؤه فأحب الخروج من وطنه ورحل إلى مصر فلقي الحظوى عند بني البحري من أعيان طائفته وكانوا متقدمين في الدواوين فخدمهم وتقرب بواسطتهم في المناصب وقد مرت لنا أقواله فيهم (المشرق 403:3 - 405) وتوصل بهم إلى محمد على باشا خديوي مصر فمدحه ونال من إحسانه. وكانت وفاة الطرابلسي نحو السنة 1840 وشعره منسجم بليغ المعاني كثير التفنن أوردنا منه ما أوقفنا عليه بعض أدباء الشهباء في أغراض شتى (المشرق 406:3 - 408) ومما وجدنا له بعد ذلك مراسلات شعر ونثر دارت بينه وبين شاعر عصره بطرس كرامة فقال هذا في مدحه:

نشأت بنصر اللـه روحُ صـبـابةٍ

 

وأبى الفؤَادُ لغيرهـا أن يذكـرا

فرعٌ لفتح الله أينع مـخـصـبـاً

 

بحديقة الآداب شـبَّ وأثـمـرا

فإليك يُعزى الفضل يا من لاح لي

 

منهُ الودادُ ولن يراني مبصـرا

قرباً لدار كنتَ فـيهـا وحـبَّـذا

 

م الشهباءُ نصر الله فيها قد سرى

فأجابه نصر الله الطرابلسي من قصيدة ذكر فيها طرابلس بلده وكان بطرس كرامة حينئذٍ ساكناً فيها:

فسقى طرابُلُس السحـابُ ولـيُّهُ

 

سحاً وتهتاناً يُرى متـفـجَـرا

بلدٌ كأنّ الدهرَ عانـدنـي بـهـا

 

فاستاقَ أهلي قبل أن أطأ الثرى

لو فاخرت كلَّ البلاد بـأنَّ فـي

 

ها بطرساً لكفى بذلك مفخـرا

الأوحد الندب الفريد الأمجد السنَّدُ

 

س المجيد الألمعـي الأنـورا

إلى أن ختمها بقوله:

واسلم ودم بـمـهـابةٍ وكـرامةٍ

 

يا مورداً لم أرضَ عنهُ مصدرا

ما سارت الركبان تقطع فـدفـدّا

 

من عاشق ولهانَ تهدي الأسطرا

وله أيضاً من قصيدة أخرى في مدحه وذكر بعض رسائله:

شرَّفتنا بكتاب منك قد بـزغـتْ

 

أنوارهُ فهدينا واقتبـسـنـاهـا

رسالة أرسلت للقلب تحفـظـهُ

 

فما لهُ ضاع مني عند مسراها

فيا لها درراً من يمّكم قـذفـت

 

سفن العلوم فبلسم الله مجراهـا

وصرت ألثمها شوقاً وأنشـدهـا

 

توقاً لمن ببديع النظم وشـآهـا

إن أسعد الله عيني سـاعةً ورأت

 

محياكُم وجلت بالنور مـرآهـا

غفرت الدهر ما أبداهُ من نـكـدٍ

 

ونلت من واردات العمر أهناها

وكتب له أيضاً:

لقد حكم الزمان علـيَّ حـتـى

 

أراني في هواك كما ترانـي

وإن بُعـدت ديارك عـن دياري

 

فشخصك ليس يبرح عن عيناي

لقد أمكنتُ حبـك مـن فـؤادي

 

مكاناً ليس يعرفهُ جـنـانـي

كانت قد ختمت على ضمـيري

 

فغيرك لا يمرُّ على لسـانـي

ونلحق هنا بذكر نصر الطرابلسي صديقه بطرس كرامة الذي لعب في ترقي الآداب العربية دوراً مهماً قبل أواسط القرن التاسع عشر. وهو بطرس بن إبراهيم كرامة الحمصي من أعيان حمص وكان أهله من الروم الملكيين يدينون بالدين الكاثوليكي وهو متحمسون فيه. وكان عمه ارميا كرامة من الرهبان الشويريين ثم انتقل إلى الرهبنة المخلصية. وفي سنة 1763 سقف على قلاية دمشق فعرف بمطران دمشق وقاسى محناً عديدة من قبل المنفصلين إلى أن توفى سنة 1795 في دير المخلص. وكان عالماً غيوراً على إيمانه وله مصنفات دينية. أما بطرس كرامة ابن أخيه فولد في حمص سنة 1774 وفيها نشأ وتأدب وله في مديح أعيانها أقوال حسنة كقوله في الشيخ عبد الرحمن الكزبري:

يا حبَّذا حمـصُ الـتـي

 

ضاءَت بأعظـم نـيّر

قد أشرق البـدرُ بـهـا

 

وبشمس فضل الكزبري

 

وقال مرتجلاً في الشيخ أمين الجندي الذي مر لنا ذكره:

لله نعمَ مهـذب بـاهـت بـهِ

 

حمص ونور الفضل عنهُ يبينُ

لا غرو إذا فاق الـبـديعَ أنـهُ

 

شهمٌ على درر البديع أمـينُ

 

ثم قويت شوكة أعداء الملكيين فألحقوا بالكاثوليك ضروب الأذى فاضطر بطرس أن يهجر حمص مع والده متوجهين إلى عكار. وقصد بطرس علي باشا الأسعد حاكم تلك البلاد وامتدحه بالقصائد الحسنة فأجازه ورغب فيه لبراعته ودرايته وحسن أدبه وخطه فاستخدمه في ديوانه ورفع منزلته ورتب له ما يقوم. بكفايته فأقام في خدمته نحو خمس سنوات ثم ذهب إلى لبنان واستوطن الجبل. وأتصل بطرس بنقولا الترك شاعر الأمير بشير فقربه من مولاه سنة 1813 وحظي بطرس عند الأمير الشهابي لما رآه فيه من العلم وجودة للعقل وفصاحة اللسان مع معرفته للغة التركية فعهد إليه بتهذيب ولده الأمير أمين واتخذه كاتباً للأمور الأجنبية لجودة إنشائه. ثم جعله الأمير بشير معتمداً من قبله في التوجه إلى عكا فقام بأوامر سيده أحسن قيام وحصل عنده مالاً كثيراً وجاها وافراً وكان الأمير يحبه ويثق به في جميع أعماله ويعتمد عليه في مهمات أشغاله ولا ينتهي أمراً إلا برأيه. ثم سلمه الأمير تنظيم خزينة الحكومة فوضع لها قوانين استحسنها الشهابي وأمر بإجرائها ثم رفع منزلته وعمله كتخداه فصارت أمور لبنان كلها في يده يدبرها أحسن تدبير. فوقعت هيبته في القلوب وعظمت حرمته وانتشرت شهرته وعلت كلمته وابتنى داراً كبير في دير القمر واقتنى أملاكاً واسعة وكان قد سافر بمعية الأمير بشير إلى الديار المصرية واجتمع بفضلائها وعلمائها وله معهم مفاوضات ومباحثات يطول شرحها. ثم رجع إلى بيت الدين وبقي في خدمة الأمير إلى أن خرج الأمير بشير من بلاد سورية سنة 1840 فسافر معه إلى مالطة ثم إلى الآستانة العلية ونال من الالتفات وعلو المقام لدى رجال الدولة ما لم يزل مشهوراً. ثم عين ترجماناً للمابين الهمايوني فأظهر من البراعة ما أكسبه ثقة الجميع. وبقي في تميم أعباء وظيفته إلى سنة وفاته في الآستانة العلية (1851) وله مع أكابر رجالها مساجلات لطيفة وكان بليغ الكلام. وقد أرخ وفاته الشيخ ناصيف اليازجي فقال:

مضى من كان أذكى من أيلس

 

بحكمتهِ وأشهر من زُهَـيرِ

فقل يا ابن الكرامة قرَّ عينـاً

 

لبطرس أرّخوهُ ختام خـير

ولبطرس كرامة مكاتبات ورسائل غير مطبوعة. وله ديوان شعر كبير طبعه الأديب سليم بك ناصيف سنة 1898 في المطبعة الأدبية وقد وجدنا لهذا الشاعر آثار أخرى في بيت حفيده الفاضل. منها مساجلاته مع أدباء الآستانة ومنظوماته في العاصمة وبعضها لم يطبع في ديوانه. وشعر بطرس كرامة أضبط وأطبع من شعر آل عصره تراه يتصرف في المعاني ويخرجها على أبدع طريقة فمن قوله في الوصف ذكره لباقة زهر أهداه إياها الأمير بشير:

وباقةٍ زهر من ميلك منُحنـهـا

 

معطَّرة الأرواح مثل ثـنـائهِ

فأبيضُها يحكي جميع خصالـهِ

 

وأصفرها يحكي نضار عطائهِ

وأزرقها عين تشاهد فضـلـهُ

 

وأحمرها يحكي دماء عـدائهِ

وله تخميس وتشطير على هذه الأبيات. ومما لن نجده في ديوانه قصيدة قالها مستغفراً غما فرط منه ومناقشاً أهل المادة في آرائهم الفاسدة وسماها (درَّة القريض وشفاء المريض) أولها:

نأي الوجد عن قلبي وأعيت بلابلُهْ

 

وبانت لُبانات الهوى وبلابـلُـهْ

وهي طويلة تختار منها أحسن أبياتها:

ألا أنْدب زماناً قد صرفت بكـورهُ

 

خلالاً وقد مرَّت سفاهاً أصائلُـهْ

فكم خضت بحر المعصيات مُفاخراً

 

وقصَّرت رجلاً عن ثواب تقابلهْ

فيا من وعدت التائبـين بـرحـمةٍ

 

وعفوٍ وإن ذنبٌ تطاول طـائلـهْ

ألا أغفر لعبد أثـخـنـهُ مـآثـم

 

ومن جملة الأوزار قد كلَّ كاهلهْ

فإن كان ذنبي قد تعاظم جـرمـهُ

 

فعفوك بحرٌ ليس يُدرَكُ ساحلـهْ

ومنها في الرد على أهل الكفر:

فيا ويح قوم قد عصوك واركنـوا

 

إلى الكفر فانصَّبت عليهم غوائلهْ

فإن أثبتوا فعل الطباعِ ببعضـهـا

 

فمبدأ هذا الفعل من هو فاعلـهْ

ويلزمُ من هذا دوامُ تـسـلـسـل

 

وهذا محال لا تصحُّ مسـائلـهْ

فَمن سيَّر الأقمار في درجاتـهـا

 

على دوران لا تخلُّ مـنـازلـهْ

فإن كان جذباً مثلما قدَّروا فـمـن

 

ترى أوجد الجذب الذي هو كافلهْ

فيا ملحداً أمسى على الله منكـراً

 

فإنَّ وجود الله صحـت دلائلـهْ

فمن أبدعِ الكون البديعَ نظـامُـهُ

 

ومن ذا على ترتيبه الدهر شاملهْ

فإن قلتَ إن الكائنات تـمـدُهـا

 

فقد لزم الدورُ الذي شاع باطُلـهْ

فويلك من إنشاء العنـاصـر أولاً

 

وصيّرها في مركز لا يزايلُـهْ

وإن قلت أجزاء قديمٌ وجـودهـا

 

تحرّكها بالطبع كانت تعامـلـهْ

فوافقَ وقتاً إنهـا قـد تـألـقـت

 

على هيأة منها نشا الكون كاملهْ

فما هذه الأجـزاءُ هـل بـإرادةٍ

 

تحركها أم جاءَ بالقسر عاملـهْ

فإن كان قسراً فهي تحتاج موجوداً

 

يقيم بها فعلاً سرياً تفـاعـلـهْ

وإن كان عن قصد أتى فهي ربكم

 

تقاسمهُ عالي الوجود وسافـلـهْ

فما قلتموه باطـلٌ وكـلامـكـم

 

محالٌ ومهزولُ النتيجة حاصلـهْ

فيا واحداً يا قـادراً يا مـهـينـاً

 

تنزَّه عن ضدٍّ ونـدٍّ يمـاثـلـهْ

فهبني عفواً مـن لـدنـك ومـنَّة

 

وحسنَ ختام ارتجـيهِ وآمـلـهْ

وله تاريخ لوفاة الأمير بشير حفر على ضريحه في كنيسة الأرمن الكاثوليك أثبتناه في المشرق: (7 (1904): 1762). ومما روينا أيضاً لبطرس كرامة في مجلتنا (2 (1899): (1116 - 1117). مناظرة فكاهية بين نار جلية وماسورة: ومن مديحه الذي لم يذكر في الديوان قوله يثني على البطريرك الجليل مكسيموس مظلوم:

قُمْ للهناء فنـسـمةُ الـسَّـحَـر

 

جاءت برَيًّا عاطر الـزَهَـرِ

واغَنم العيش المني مـطـربـاً

 

عين السرور المشرق الأثـرِ

وأرشف كؤوس الصفو من زمنٍ

 

راقت مشاربهُ مـن الـكَـدَر

ودَع النسيبَ وكن علـى عـزلٍ

 

بمديح بدر السـادة الـغُـررِ

مكسيموس الحبر المقدس مـن

 

أضحى طَهُور القول والفكـر

البطريرك المرتقـي شـرفـاً

 

بفضائلٍ يشرقنَ كـالـقـمـر

باتت عـلـى أمْـنٍ زعـيتـهُ

 

ولطالما باتت عـلـى حـذرٍ

هو غوث ذي فقر وذي نـعـمٍ

 

بذلاً ورشداً غير منـحـصـرٍ

بشرى لنا آل الـكـنـيسة قـد

 

نلنا بهِ مـجـداً عـلـى وزرِ

يا بدرَ علمٍ ضاءَ مـشـتـهـراً

 

شرقاً وغرباً أي مشـتـهـرِ

أوضحت من نهج الهدى غُـرَرا

 

الناس كانت قبل فـي غَـرَرِ

ورفعت شعباً كان منخـفـضـاً

 

ما بين ناب الليثِ والظُّـفُـرِ

فاسلَمْ لنـا مـولـى وخـير أبٍ

 

يرعى البنين بصادقٍ النـظـرِ

ومما جاء في التهاني قوله في الأمير عبد الله الشهابي حفيد الأمير بشير سنة 1835 (لم تذكر في ديوانه):

يا سيّد العدل والإحسان زد شـرفـاً

 

قد زادك اللـهُ إنـعـامـاً وتـأييدا

لك الهنا بـحـفـيد كـان مـولـدهُ

 

السعد عزًّا والـعـلـياء تـولـيدا

فلا يزال هو الـصـمـود سـؤددهُ

 

مدى الزمان سعيد الدهر مسعـودا

ولا تـزال لـك الأيام ضـاحــكةً

 

والعيش رغداً وطيب العمر ممدودا

وقال في فضائل الصيد (وليست هي في ديوانه):

للسيد فضلُ فـي ثـمـان فـوائدٍ

 

من بعدها عشرٌ تزيد تشيد أساسَهْ

ساران هـمّ ثـم تـركُ بـطـالةً

 

وفصاحة التعبير ثـمَّ سـياسَـهْ

ونـزاهة ولـذاذةٌ ونـشــاطةٌ

 

ويقاظةٌ ونـبـاهةٌ وحـمـاسَة

ورياضةُ الأجسـام ثـم طـلاقة

 

م الأبصـار حـلاوةٌ وفـراسَة

وصيانةٌ ثم اكتـسـاب مـعـيشةٍ

 

والعلم بالطـرقـاتِ ثـم رئاسة

ومما لم نجده أيضاً في ديوانه قوله في صفر كان قد فقد ثم رجع:

تلألأ البشرُ وانجلتِ الغـياهـبْ

 

وحلّ الأنس في من كان غائبِ

وردَّ الله ضائعـنـا عـلـينـا

 

وأولانا بذا نِعَمَ الـمـواهـبْ

وجاءَ الصقَرُ المفـقـود مـنـا

 

يرفرف بالغنائم والمكـاسـبْ

فكم طينا بعـودتـهِ قـلـوبـاً

 

وبتناً في الحديث لهُ نعـاتـبْ

وأنشدناهُ ما لك غـبـتَ عـنَّـا

 

لعلك كنت أنت منـا هـاربْ

فردَّ مـجـاوبـاً رداً جـمـيلاً

 

معاذ الله لي من ذي الشوائبْ

وحاشا أن أخون العهـد يومـاً

 

ولي مولى جليل القدر صاحبْ

ولكن قد شعرت بنعمَ صـقـرٌ

 

أعزُّ الآل مـنـي والأقـاربْ

أتى ضيفاً جديداً في حـمـانـا

 

نزيلاً والنزيل قـراهُ واجـبْ

فسرت لملتقاه وجـئت مـعـه

 

أميناً مطمئن القـلـب طـئب

لكني قد قضيتُ بذا هـمـومـاً

 

وكم قاسيتُ فيه من متاعـبْ

وكم شاهـدتُ أهـوالاً ثـقـالاً

 

وأحوالاً رأيتُ بها العـجـائبْ

وكم كابدتُ في سفـري عـنـاءً

 

وكم فيه دهتني من مـصـائبْ

وكم لي وقـعةُ مـع كـل حـرٍ

 

وكم لاقيت شاهيناً مـحـاربْ

وكم صادفت فيه مـن عُـقـابٍ

 

شديد البأس قناصٍ مـعـاقـبْ

وكم من كاسر مـن كـل طـيرٍ

 

تعمَّدني وجاءَ عـلـيَّ واثـبْ

هناكَ أبنت بطشـي واقـتـداري

 

وأبديتُ العجائب والـغـرائب

وجرَّدتُ الأظافـرَ مـن اكـفٍّ

 

مظفَّرةٍ وانشبتُ المـخـالـب

وبتُّ بكل ذي جنحـينِ أسـطـو

 

وأقهر كلَّ خطَّافٍ مـضـاربْ

فكم شقَّتُّ منهم في الـفـيافـي

 

وكم بدَّدت منهم في السباسـبْ

وكم غادرتهم في الجوْ فوضـى

 

وكم أفنيتُ منهم في الشعـائبْ

ولم أنفكُّ أسـقـيهـم كـؤوسـاً

 

أجرّعهم بها مرَّ الـمـشـاربْ

ولم أتـرك بـهـم إلا فـراخـاً

 

يتامى في العشوش غدتْ نوادب

فمثلي من يخوض وغي الـمـايا

 

ويغزو هكذا ويعـودُ غـالـبْ

أنا المجلوبُ من كـرمٍ ولـكـن

 

بعون الله الأحـرار جـالـبْ

فهنَّوا سيدي بـي فـي مـقـال

 

يؤرَّخ جاءَ بعد العزّ كـاسـب

وقال لما دخل الآستانة العلية مع الأمير بشير يمدح دار السعادة:

منذ جئتُ إسلَمْبولَ شِمتُ محاسناً

 

دعت المحاسنَ كلَّهنَّ إلى الورا

فملوكها شرفُ الملوك ورَبْعهـا

 

خير الربوع وأهلها نعم الورى

ولولا خوف الإطالة لروينا غير هذا من قصائده التي تطبع في ديوانه. فاكتفينا بما سبق. ويحسن بنا القول في ختام كلامنا عن بطرس كرامة إن أدباء عصره عرفوا فضله وأقروا به إلا البعض منهم. ولما قال قصيدته الخالية الشهيرة التي التزم أن تكون قافيتها في جميع أبياتها لفظة (الخال) في معانيها المختلفة وأولها:

أمن خدّها الورديّ أفْتَنَكَ الخـالُ

 

فسحَّ من الأجفان مدمعك الخالُ

أعجب بها كثيرون وأثنوا على قائلها. وعارضها الشيخ عبد الباقي العمري الموصلي بقصيدة كتبها في بغداد يمدح فيها داود باشا هذا مطلعها:

إلى الروم أصبو كلَّما أومض الخالُ

 

فأسكبُ دمعاً دون تسكابهِ الخـالُ

وغيرهم خمَّسوها كالشيخ إبراهيم يحيى العاملي والشيخ بن شريف المشهدي وتخميسها في ديوان كرامة (ص 351 - 360). لكن الشيخ صالح التميمي لم يستحسنها وكتب في تزييفها قصيدته التي أولها:

عهدناك تعفو عن مسيءٍ تعذّراً

 

ألا فاعْفُنا عن ردّ شعر تنصرا

فاستاء من ذلك الأدباء وكتب الشيخ رشيد الدحداح في قمطرة الطوامير انتقاداً مطولاً على صاحبها. وأجاب عليها بطرس كرامة بقصيدة من البحر والروي أولها:

لكن امرئ شأنٌ تبـارك مـن رأى

 

وخصَّ بما قد شاء كلاً من الورى

وقد وقفنا على قصيدة للسيد عبد الجليل البصري حكم فيها بين الشاعرين فقال قصيدته التي افتتحها بقوله:

حكمتُ وحكمي الحقُّ ناءٍ عن المرا

 

بأنَّ التميمـي الأديب تـعـثَّـرا

بذمّ قوافٍ في تمامِ جـنـاسـهـا

 

وذلك نوعٌ في البـديع تـقـرَّرا

ومنها في مدح بعض شعراء العرب:

وقد قام من أهل الـكـنـابـين زمـرةٌ

 

جنوا من رياض الشعر ما كان مزهرا

فمن كان عبّادٍ يجـاري مـهـلـهـلاً

 

وكان مـسـيحـياً تـقـدم يشـكـرا

وكالأخطل المعرف شاعـر تـغـلـبٍ

 

يسوق بهِ القسّيس في الدير كالـفـرا

ومنها في مدح بطرس كرامة:

كما شاع حُرً الشعر في بيت بطرسٍ

 

وفي نجلهِ بين المدارين والقـرى

فصيحٌ رقى أوج البـلاغة يافـعـاً

 

فأشارهُ حلى بها رَبْـع قـيصـرا

لأفكارهِ غـرُّ الـقـوافـي قـريبةٌ

 

وعن غيره بُعد الثريا من الثـرى

أتى منهُ نظمٌ هـدَّ حـجة صـالـحٍ

 

وإن كان في المنظوم قدماً تصدَّرا

وقد كان لي من صالح خيرُ صحبةٍ

 

وعند أتباع الحقّ ما زلت اجـدرا

لكلٍّ تراني قد قضـيت بـحـقـهِ

 

وأسألُ بارينا الهدى والتبـصُّـرا

وقد مدح صاحب الترجمة قوم من أدباء زمانه كنصر الله الطرابلسي الذي سبق شيء من قوله. وكنقولا الترك وفي ديوانه عدة قصائد يطرأ فيها محامد بطرس كرامة فيجيبه هذا بأقوال مستطرقة تجدها في مجموع نظمه (ص 109 - 128). وممن مدحه أيضاً عبد الحميد البغدادي الشهير بابن الصباغ فكتب إليه رسالة أولها:

تبسم الزهر عن أنفاسكم فسَرى

 

من طيب ذكركمُ فنشر فأحيانا

فمن هناك عشقناكم ولم نرَكـم

 

والأذن تعشق قبـل أحـيانـا

فأجابه بطرس كرامة بكتاب افتتحه بقوله:

عشقتكمْ من قول لقـياكُـمُ

 

وكلُّ معشوق بما يوصفُ

كالشمس لا تدركها مقـلةٌ

 

لكنها من نورها تعـرفُ

وكذلك مدحه رزق الله حسون الحلبي وسنذكر قوله في ترجمته. وأشهر منه الشيخ ناصيف اليازجي فإن ديوانه الذي طبع لأول مرة في بيروت مصدّر بقصيدة في مدح كرامة يقول فيها:

رجلٌ وماذا وصفهُ وكفى به

 

رجلٌ له المفهومُ والمنطوقُ

حسنُ المعاني والبيان كلامهُ

 

جزلٌ ومعناهُ الرقيق دقيقُ

ومنها:

يا بطرسُ الشهمُ الكريم مكانهُ

 

وبنانهُ ولسانهُ المـنـطـيقُ

أنت الكرامةُ وأبها وأبُ لهـا

 

نسبٌ كريمُ في الكرام عريقُ

وله أيضاً يعزيه بولديه وهو رثاء بليغ أوله:

أجملَ الله في فؤادك صبرا

 

وجزى منهُ وأعظم أجرا

ومنها:

لو يُفيد الـبـكـاء والـنـوحُ شـيئاً

 

لأقامت خنساءُ قبـلـكَ صَـخْـراً

يطمع المرءُ في الـحـياة طـويلاً

 

وهو في الموت أو عن الموت فْترا

وحـياة الـدنـيا تـسـمـى حـياةُ

 

مثلما تُحْسبُ المـعـرَّةْ شـهـرا

هكذا النـاس طـائرُ إثـر كـلـبٍ

 

كلْ عينٍ بدمعة الـبـين شـكـوى

يا طريق البقـا إذا كـنـت خـيراً

 

فلك الفضلْ كلمـا زدت قـصْـرا

وحـياة الـدنـيا طـريق الأخــر

 

ى فخذ زادها الـذي هـو أمـرى

وممن اشتهروا في هذا الطور الثاني أديب عاجلته المنية فقصفت غصن حياته النضير وهو أحد نصارى صيداء جرجس بن يوسف بن الياس آبيلا الذي رويناه شيئاً من شعره تفي المشرق (6 (1903): 293 - 265) وكان هذا الشاب مكفوفاً وهو شديد الذكاء والنباهة يقول الشعر عن سليقة وكانت وفاته سنة 1849 وهو في الربيع السابع عشر من عمره فأرخه بطرس كرامة بقوله:

بُنيٌ لآبيلا بذا اللـحـد قـد ثـوى

 

بصيرٌ ذكيُّ شاعرُ مـتـفـرّسُ

ولما قضى نودي تنعَّم مـؤرخـاً

 

ونلْ فرحاً في جنَّة الخلد جرجسُ

وكان جرجس آبيلا مع صغر سنه يكاتب أدباء عصره فكاتب إبراهيم بك ابن بطرس كرامة فقال: فيه ولعل هذه الأبيات لأخوة رفول:

لقد أحييتَ فضل أبيك حتَّـى

 

بفضلكَ فقتَ والدك الحكيما

أبوك لقد بنى لك بيت مجـدٍ

 

وزدتَّ بمجدك المجد القديما

وكاتب الشيخ ناصيف اليازجي فمدحه بقصيدة لم نعرف غير مطلعها:

بحور الهوى قد أغرقت كل سابحٍ

 

وقصَّر في ميدانهِ كلُّ راجـح

فكان جواب الشيخ بقصيدة قال فيها قال فيها مثنياً على الشاعر الحدث:

هويتُ الذي أعطى النجـوم فـؤادهُ

 

فأعطَتهُ منها سانحاً بـعـد بـارحِ

تيمنتُ باسم الخضر فيهِ وطـالـمـا

 

ترى المرءَ لا يخلو اسمهُ من لوائحِ

وجدتُ به بل منهُ مـتـعة سـامـعٍ

 

ويا حبذا لـو نـلـتُ رؤية لامـحِ

به حسدت عينـاي أذنـي وربـمـا

 

تُخصَّص بالإقبال بعض الجـوارح

ومن حسن أقوال جرجس آبيلا قصيدة مدح بها السيد عبد الله الجابري منها:

دُعيتَ بـعـبـد الـلـه أنـك سـيّد

 

وبالجابريّ الألمعي لـتـجـبـرا

وأصبحَ ذو فضلٍ بحـبـك عـائمـاً

 

وأضحى بك الشاني الظلومُ مكدرّا

حويتَ التُّقى والجدَ والمجد والهـدى

 

عن الجدّ حتى طبت فرعاً وعنصرا

وله من قصيدة مدح فيها الشيخ يوسف الأسير:

فيوسـف يُدعـى بـالأسـير لأنــهُ

 

يسيرُ إليهِ العلم فـي غـاية الأسـرِ

فهـيمُ كـريمٌ فـاضـلٌ مـتــأدبٌ

 

قد استوجب المدح الجزيل مع الشكرِ

قد استوجبَ العز الرفيع مع الـثـنـا

 

لكثرة ما فيهِ من الـشـيم الـغُـرِّ

وكان لجرجس آبيلا أخ أكبر منه يدعى رفول وكان أيضاً مكفوفاً كشقيقه ويشبهه في توقد ذهنه وفصاحة لسانه لكنه عاش دهراً بعده وكان يقول مثله الشعر وقد عارضهما أهل زمانهما بأبي العلاء المعري فقيل انهما حكياه في أدبه كما حكياه بفقد بصره. وتأدب على رفول بعض الأدباء فاشتهروا بعده بالكتابة منهم فقيد الأدب نقولا بك توما المحامي الشهير المتوفى في مصر السنة 1908. ومن شعر رفول أبيات نجت من أيدي الضياع أثبتناها في المشرق (6 (1903): 261) منها قصيدة قالها في أحد الأدباء أولها:

يا نسيم الصبح خُذْ عني السلامْ

 

نحو قومٍ هيَّجوا فيَّ هـيام

ومن أقواله في الشوق إلى بعض الأحباب:

أخبرِ الأحبابَ عني أنـنـي

 

بعدَ بُعدي عنهمُ ذقتُ النـدمْ

طيفهم أن بعدوا عن مقلتـي

 

لم يفارقها دواماً وهي لَمْ..

فعسى أحظى برؤياهم وبـي

 

رمقٌ كي أشفى من ذا الألمْ

وعلى الله اتكالـي فـالـذي

 

يُخلصُ الآمال فيهِ لم يُضَمْ

وفي هذا العهد كان أيضاً الشماس حنا الماروني المعروف بالقزي وزي وكان يقول الشعر الحسن بالمواضيع الدينية لكن أكثره قد فقد. ومما سلم منه تخميسه لقصيدة الطيب الذكر المطران جرمانوس فرحات في مريم العذراء وقد عثرنا على نسختين من هذا التخميس إحداهما عند الرهبان الموارنة البلديين قال في مطلعه:

كلّ النبيّين الذين تـقـدَّمـوا

 

في مدح سيدةِ الأنام تكلَّموا

فلذا يُناديها الفؤادُ المـغـرمُ

 

لو كان للأفلاك نطقٌ أو فمُ

لترنَّموا بمديحكِ يا مـريمُ

 

 

وفي هذا الزمان عينه كان في الأستانة شاعر آخر من طائفة السريان الكاثوليك اسمه فيليب باسيل بنّاء وكان أصله من حلب واستوطن دار السلطنة وعرف بأدبه وحسن نظمه فمن ذلك عدة قصائد قالها ولم يبق منها إلا ثلث طبعت في برساو من حواضر ألمانية مع ترجمتها إلى الألمانية سنة 1844 الواحدة منها قالها في السلطان الغازي عبد المجيد. والثانية مدح فيها البرنس دي جوانفيل وكان أظهر مروءة عظيمة في حريق بُليت به بعض أحياء استنبول. وقال الثالثة في مدح غليوم الرابع ملك بروسيا. أما سنة وفاته فمجهولة.

وكذلك نجهل تاريخ شاعر آخر مدحه نيقولا الترك وهو نيقولا النحاس نكتفي بتدوين اسمه رجاء أن يستدل أحد القراء على مآثره.

وممن نختم بذكره هؤلاء الكتبة والشعراء لهمته وخدمته للآداب الدينية بطريرك الملة السريانية أغناطيوس بطرس جروه اشتغل بتعريب عدة تآليف دينية أخصها مختصر اللاهوت النظري والأدبي لتوما دي شرم وكتاب الحياة الإلهية للأب نيرمبرغ اليسوعي ولدينا منه كتاب مواعظ وكتب ترجمة عمه البطريرك ميخائيل جروه أول بطاركة السريان الكاثوليك بعد انفصالهم النهائي عن اليعاقبة وكانت وفاته سنة 1861 في 12 ت1 وعارضه في هذه التعريبات معاصره ووطنيه السيد إبراهيم كوبلي مطران الأرمن في حلب فعرب كتاب الحق القانوني وبعض التآليف الروحية (المشرق 9 (1906): 420) كانت وفاته سنة 1831 شهيد محبته في خدمة رعيته.

دعنا الآن ننتقل إلى ذكر شيء من الحركة العلمية التي استجدت في هذا الطور بين الأوربيين فحملتهم على طلب الآداب العربية وإحراز فوائدها. ومن أقوى البواعث التي ساعدت علماء أوربا على بلوغ هذه الغاية تشكيل جمعيات علمية آسيوية يعقد أصحابها جلسات قانونية وينشرون الأبحاث المختلفة في كل فروع العلوم الشرقية. وكانت الجمعية الآسيوية الفرنسوية تتقدم ما سواها في هذا السباق الشريف فبلغت في ذلك الطور الثاني مقاماً عالياً كما تشهد عليه منشوراتها المتعددة. وكذلك الجمعية الآسيوية الإنكليزية تجاري شقيقتها في همتها وإن كان نظرها منصرفاً بالخصوص إلى الهند والشرق الأقصى. ومما استؤنف من هذه الجمعيات الآسيوية البنغالية التي باشرت سنة 1832 نشر مجلة كالمجلات الآسيوية الأوربية وهي لا تزال إلى يومنا تواصل أعمالها بنشاط. وفي هذا الزمان نشأت في ألمانية نهضة محمودة لدرس العلوم الشرقية ولا سيما العربية. فاجتمع قوم من أصحاب الجد والعمل أخصهم ايفلد (Ewald) وغابلنتس (V. D. Gabelentz) وكوسغرتن (Kosegarten) وروديغر (Roediger) وجعلوا ينشرون مجلة لمعرفة الشرق (Zeitesh f. d. Kunde d. Morgenlandes) تجد فيها مقالات عديدة في التاريخ والآداب العربية. وما لبثت جمعية أخرى أوسع نطاقاً وأرقى علماً إن ظهرت في ألمانية باسم الجمعية الآسيوية الألمانية كان أول ظهورها سنة 1845 ونشرت مجلتها (ZDMG) سنة 1847 فخدمت منذ ذاك الحين الآداب الشرقية خدماً لا تنسى ومجموع هذه النشرة يعد اليوم كخزانة كتب واسعة تحتوي طرفاً جليلة من سائر فنون الشرق ومعارفه. وقد احتفلت هذه الجمعية سنة 1907 بيوبيلها الخمسيني وناهيك بذلك شاهداً على ثباتها وترقي أعمالها: أما الذين اشتهروا بين المستشرقين بتآليفهم العربية فليس منهم أحد نال فخراً كالعلامة البارون دي ساسي (Barons S. de Sacy) فإن هذا الرجل العظيم فضلاً عن علمه العجيب بلغات الشرق بعث في قلوب آل عصره روح الغيرة والهمة فكان كمنار استضاء به طلبة العلوم الشرقية في كل أنحاء البلاد وكالقطب دارت حوله مساعيهم في استخراج كنوز آداب الشرق.

ولد دي ساسي في باريس في 11 أيلول سنة 1758 وفيها توفي في 21 شباط سنة 1838. ما كاد هذا يميط عنه التمائم حتى نبغ في المعارف ولا سيما في درس اللغات ولم يكتف بالألسنة الأوربية طلب لغات الشرق فأخذ منها شيئاً من علماء زمانه منهم الراهب البندكتي الشهير دون برترو (Dom Bertherean) فتعلم أولاً العبرانية ثم السريانية والكلدانية والسامرية ثم العربية ثم الفارسية والتركية وكان يعرف أكثر هذه اللغات معرفة جيدة كما يلوح من منشوراته وتآليفه لكنه كان يُحكم آداب اللغتين العربية والفارسية حتى سبق في معرفتهما علماء زمانه شرقاً وغرباً. ولو عددنا كل ما قام به هذا الهمام من المشروعات في تعزيز العلوم الشرقية من تعليم وكتابة وإنشاء مجلات وإدارة دوائر علمية وتنظيم مكاتب لاتسع بنا الكلام كثيراً. وحسبنا أن نقول أنه نشر نيفا ومائتي تأليف في كل علوم الشرق ولغاته وكثير من هذه المصنفات كبير الحجم واسع المادة فذكر منها غراماطيقية العربي في مجلدين كبيرين ومنتخباته العربية في ثلاثة مجلدات وطرائفه اللغوية في مجلد كبير وتاريخه لعرب الجاهلية وتعريف ديانة الدروز في مجلدين وأول طبعة لكتاب كليلة ودمنة ومقامات الحريري مع شروح مستوفية بالعربية في مجلدين ورحلة عبد اللطيف البغدادي إلى مصر. فترى من هذه القائمة ما للبارون دي ساسي من الفضل العميم وكان مع عمله كثير الدين حريصاً على كل وصايا الكنيسة متبعاً لتعاليمها.

ومات قبل دي ساسي رجلٌ آخر حظي شهرة بمنشوراته عن علوم العرب الفلكية وهو جان جاك عمانوئيل سيديليو (J. J. E. Sedillot) ولد سنة 1777 ودرس في مكتب اللغات الشرقية ثم انقطع إلى درس النجوم فنقل إلى الافرنسية كتاب الآلات الفلكية المسمى جامع المبادئ والغايات لأبي الحسن علي المراكشي وتآليف شتى لابن يونس ولأبي الوفاء وكتب عدة مقالات في تاريخ الشرق وعلومه الرياضية. كانت وفاته سنة 1833. وسيأتي ذكر ولده في محله.

وزاد عن سيديليو شهرة مستشرق إفرنسي آخر كوسان دي برسفال (J. J. A. Caussin de Perceval) كان مولده سنة 1759 وتوفي سنة 1835. تولى نظارة المخطوطات الشرقية في باريس وعلم اللغة العربية في مكتبها الملكي وألف كتباً عديدة في آداب العرب وتاريخهم منها المعلقات السبع وكتاب الزيج الكبير الحاكمي لأبي الحسن على ابن يونس الفلكي وكتاب الصور السماوية الشيخ عبد الرحمن الصوفي ونقل الكتابين إلى الافرنسية وطبع أيضاً مقامات الحريري وأمثال لقمان وملحقاً على كتاب ألف ليلة وليلة في مجلدين وتاريخ صقلية في عهد الإسلام للنويري وخلّف ابناً اشتهر مثله في معرفة أحوال العرب سنذكره. ومن تلامذة دي ساسي الذين توفاهم الله في هذا الزمن جوبار (Pierre Amedee Jaubert) كان درس اللغات الشرقية في باريس ورافق نابوليون الأول في رحلته إلى مصر بصفة ترجمان ثم تجول في أنحاء أرمينية والعجم وكتب أخبار رحلته وعلّم في عاصمة فرنسة اللغتين التركية والفارسية وصنف فيها كتباً وكان يُحسن العربية وهو الذي نقل جغرافية الشريف الإدريسي (نزهة المشتاق) إلى الافرنسية في مجلدين طُبعا في باريس سنة 1836 - 1840 وترجم أيضاً كتاب تاريخ غانة. توفي سنة 1847.

وممن تخرجوا أيضاً على العلامة دي ساسي همبرت (J. Humbert) كان مولده في جنيفة عاصمة سويسرة 1792 وفيها درس اللغات الشرقية بعد أن تلقنها في باريس. وكان عالماً باللغة العربية وله فيها بعض آثار مشكورة منها منتخبات شعرية مع ترجمتها إلى الافرنسية وعدة كتب مدرسية لدرس العربية صنفها في اللاتينية والافرنسية ومنها مقالات انتقادية ونظرية في علوم العرب ولغتهم. توفي همبرت سنة 1851.

وأزهر في هذا الزمان بعض المستشرقين الألمان منهم أرسنت فردريك روزنمولر E. E. M. Rosemuller) من أساتذة اللغات الشرقية البارعين مات سنة 1835 وكان مولده سنة 1768. أخذ العلوم الدينية عن أبيه أحد زعماء مذهب البروتستانت ثم درس في ليبسيك اللغات الشرقية ولما أتقنها صار أحد أساتذتها وله مطبوعات متعددة تدل على براعته في معرفة اللغة العربية منها غراماطيق عربي في اللاتينية ومنها مقتطفات في ثلاثة أجزاء مع ترجمتها إلى اللاتينية وكذلك نقل إليها معلقة زهير وبعض مقامات الحريري وطرفاً من أمثال الميداني. ولكن معظم كتاباته كانت في تفسير الأسفار المقدسة توفي في ليبسيك سنة 1835.

وفي سنة وفاة روزنمولر 1835 توفي وطنيُه الشهير كلابروث (H. G. Klaproth) ولد في برلين من أسرة شريفة سنة 1783 وكان أبوه أحد علماء الطبيعة المعدودين وآثر ابنه درس اللغات الشرقية ورحل إلى روسية لهذه الغاية وتجول أقطار أوربة ثم عاد إلى وطنه فقلدته الحكومة تدريس العلوم الشرقية فقام بمهنته أحسن قيام. وهو ممن سعوا في مقابلة لغات آسيا وبيان ائتلافها فألف في ذلك كتاباً كبيراً (Asia Polyglotta) وله كتاب آخر في الأصول السامية وقد صنف تآليف غيرها في معظم لغات الشرق وفي تاريخ أممه وآدابها. وبرز خصوصاً في اللغات التترية والكرجية.

واشتهر في زمانه المعلم هابخت (C. M. Habicht) ولد في برسلو سنة 1775 وتوفي سنة 1839 جاء باريس في عهد دي ساسي ودرس عليه وعلى الأب رافائيل المصري اللغة العربية ثم عهد إليه بتدريسها في بلده وقد نشر مجموعاً من الرسائل العربية المكتوبة في مراكش ومصر والشام ونقلها إلى اللاتينية ثم طبع نخبة من أمثال الميداني وعلق عليها التعليقات الحسنة وهو أول من سعى بطبع كتاب ألف ليلة وليلة فباشر به سنة 1825 وطبع منه ثمانية أجزاء قبل وفاته ثم أنجز الباقي منه المعلم فليشر. ولها بخت ترجمة ألمانية لهذا الكتاب مع عالمين آخرين من تلامذته هاغن (V. d. Hagen) وشال (Schall) وله أيضاً عدة مقالات في المجلات الشرقية.

ومن أفاضل المستشرقين الألمان الذين فقدهم العلم في هذا الطور جزنيوس (H. W. Gesenius) ولد سنة 1786 ومات سنة 1842 انقطع منذ صغره إلى درس اللغات السامية فبرز فيها وصار في بلاده إماماً يقتدي بمثله ويؤخذ عنه. قيل إن عدد طلبة دروسه أربى في مدينة هال على الألف. وقد ترك آثارا جليلة في أكثر اللغات الشرقية كالسريانية والكلدانية والفينيقية والحميرية والسامرية لكنه كان في العبرانية حجّة وله المعجم الكبير في ثلاثة مجلدات لا يزال العلماء يرجعون إليه وقد طبع الطبعات العديدة. وكان يُحسن أيضاً العربية كما يظهر من مقالاته في المعجمين السريانيين والعربيين لبَر علي وبر بهلول ومن رسالته في اللغة المالطية.

واشتهر في هذا الزمان كاتب آخر هو بولس (H. Eb. G. Paulus) من مستشرقي الألمان درس اللغات الشرقية في كلية توبنغ ثم في لندن وفي أكسفرد واشتهر في الدروس الكتابية وشرح الأسفار المقدسة مع كونه لم يعتقد بالوحي. وله من الآثار كتاب مختصر باللاتينية في أصول العربية وسعى بطبع الترجمة العربية للكتب المقدسة التي ألفها سعدي الفيومي في القرن التاسع للميلاد وعلّق عليها شروحاً. كان مولده سنة 1761 ووفاته سنة 1850. وعرف أيضاً في هذا الطور الألماني فراهن (C. M. Frhaen) ولد في روستك سنة 1782 انتدبه قيصر روسيا للتعليم في كلية قازان وكانت وفاته في بطرسبورج سنة 1851 كان من كبار المستشرقين الألمان واشتهر خصوصاً في معرفة النقود الشرقية القديمة وله من التآليف نيف و200 كتاب وقد نشر عدة صفات عربية ونقلها إلى اللاتينية أخضها رسالة ابن فضلان في روسية وأهلها نقلها إلى الألمانية وأضاف إليها ما وجده في كتب العرب عن قبائل روسية القديمة ومنها كتاب تحفة الدهر في عجائب البر والبحر لشمس الدين الدمشقي لم يتم فأنجزه بعد وفاته العلامة مهرن (Mehren) ومنها مقالة ابن الوردي في مصر أخذها من كتابه خريدة العجائب. وله أيضاً عدة مقالات في النقود العربية.

أما الانكليز فعرف منهم في هذا الزمان وليم مارسدن (W. Marsden) كان مواده في دوبلين سنة 1754 ثم رحل إلى سوماترة وبقي فيها مدةً ووضع تاريخها وكتب في اللغة الماليزية واشتهر في كتاباته في النقود القديمة والنقود الاسلامية وكان له مكتبة شرقية كثيرة المخطوطات العربية أهداها إلى خزانة المتحف البريطاني. كانت وفاته سنة 1836.

ولم يبلغ أحد في هولندة ما بلغه في هذه المدة الأستاذ هماكر (H. A. Hamaker) ولد في أمستردام سنة 1789 وتخرج على المستشرق فلمت (ص46) وتعلم بزمن قليل اللغات السامية فضلاً عن سائر لغات أوربة وانتدبته الحكومة إلى التدريس في كلية ليدن فعلم هناك العربية والسريانية والكلدانية وأحرز له شهرة قلما يبلغها العلماء وأبقى آثاراً عربية متعددة منها وصف المخطوطات العربية في مكتبة ليدن ونشر قسماً من تآليف بعض مشاهير العرب كالواقدي والمقريزي ورسالة ابن زيدون وتاريخ أحمد بن طولون. واشتهر كثير من تلامذته.

ويذكر البلجكيون بالفخر أحد مشاهير علمائهم اوجين جاكه (Engene Jacquet) الذي وقف حياته على درس لغات الشرق وتواريخه ولد سنة 1811 وتوفي سنة 1838.