الجزء الثاني: من السنة 1870 إلى 1900 - الفصل الأول : الآداب العربية من السنة 1870 إلى 1880 - بعض مشاهير الأدباء المسلمين في هذا الطور

بعض مشاهير الأدباء المسلمين في هذا الطور

كانت العلوم العربية في هذا الطور أرقى شأناً عند النصارى منها عند المسلمين وإنما اشتهر بين هؤلاء بعض الأفراد تعاطوا الفنون الأدبية من شعر ونثر وخلفوا منها آثاراً طيبة وهانحن نذكرهم على سياق سني وفاتهم تنويهاً بفضلهم.

رفاعة بك الطهطاوي

كان رفاعة بك من أشراف طهطا إحدى مدن الصعيد ويرتقي نسبة إلى فاطمة الزهراء ولما ولد سنة 1216 (1801) كان الدهر أخنى على أسرته فذا في حداثته مرائر العيش ثم انتقل بعد وفاة والده إلى القاهرة سنة 1222 (1807) وانتظم في سلك طلبة الأزهر وطلب العلوم برغبة حتى روي منها وأحبه أستاذه لاجتهاده وقدومه. ونما خبره إلى محمد علي باشا إمام الدولة الخديوية فأرسله مع غيره من الشبان إلى فرنسة ليتلقوا فيها العلوم الأوربية فدرس اللغة الفرنسوية حتى أحسن فهمها واستقى من مناهل المعارف الغربية ما استلفت إليه الأنظار ونقل كتاباً افرنسياً وسمه (بقلائد المفاخر في غرائب عوائد الأوائل والأواخر) فكان ذلك داعياً لترقيته في المناصب. فقلده محمد علي وظيفة الترجمان في المكتب الطبي الذي أنشأه في جوار القاهرة سنة 1242 (1826م) فنقل إلى العربية عدة تآليف إفرنجية مستحدثة. ثم عرب في مدرسة الطوبجية كتباً هندسية وغيرها. وفي 1251 (1835) ندبه صاحب مصر إلى رئاسة مصر الألسن الأجنبية التي عرفت بمدرسة الترجمة فأحسن تدبيرها حتى بلغ عدد تلامذتها 250. فجازاه الخديوي بمنحه رتبة قائمقام ثم رتبة أميرالاي. وأرسل مدة إلى الخرطوم لنظارة مدرستها وتولى نظارة المدرسة الحربية في مصر. ولم يزل يتقلب في المناصب وإدارة المدارس والتعليم والكتابة. وكان رفاعة بك لا ينقطع يوماً عن التأليف أو الترجمة. وهو الذي باشر أول جريدة عربية في بلاد الشرق وهي الوقائع المصرية سنة 1248 (1832). ثم تولى في آخر حياته إدارة جريدة روضة المدارس. ولرفاعة بك نحو عشرين كتاباً بعضها من تأليفه كرحلته إلى باريس ومباهج الألباب المصرية وكتاب تاريخ مصر الحديث وأكثرها من ترجمة كجغرافية ملطبرون وأخبار تليماك وهندسة ساسير ورسائل طبية وله غير ذلك من التآليف والمقالات والمنظومات التي لم يطبع منها إلا القليل. وقد رأيناه كثير التصرف في ترجمة كتبه إلا أنه سبق أهل وطنه بتعريب التآليف الغربية فنال فضلاً بتقدمه. وكانت وفاته سنة 1290 (1873) فرثاه الحاج مصطفى انطاكي الحلبي بقصيدة مطلعها:

ألا لِطَرْف المجـد دامٍ ودامـعُ

 

على وجنة العلياء هامٍ وهامعُ

إلى أن قال مشيراً إلى فهمي أفندي نجل المتوفى:

وكادت تميدُ الأرض لو لم يكن بها

 

لهُ خلفٌ يحيي المآثـرَ بـارعُ

عبد الغفار الأخرس

هو السيد عبد الغفار لابن السيد عبد الواحد من مشاهير شعراء العراق كان مولده في الموصل السنة 1220 (1805) ثم أنشأ في بغداد واتخذها موطناً وسكن جانب الكوخ وقرأ على المشيخ الآلوسي كتاب سيبويه فأعطاه به إجازة. ثم درس العلوم العقلية والفنون العربية فأتقنها وتعاطى فن الشعر فأجاد به كل الإجادة حتى أن صاحب كتاب المسك الأذفر قال عنه إن إليه كانت النهاية في دقة الشعر ولطافته وحلاوته وعذوبته. وكان مع ذلك في لسانه تلعثم وثقل فدعي بالأخرس لسببه. قيل أنه في شبابه كتب إلى داود باشا والي العراق أبياتاً يسأله فيها أن يأمر بمعالجة لسانه قائلاً:

إن أياديك مـنـك سـابـقةُ

 

عليَّ قدماً في سالفِ الحُقُبِ

هذا لساني يعـوقـه ثِـقَـلٌ

 

وذاك عندي من أعظم النُّوَبِ

فلو تسبَّبتَ في معالـجـتـي

 

لَنلتَ أجراً بذلك الـسـبـبِ

وليس لي حرفةٌ سـوى أدبٍ

 

جمٍ ونظم القريض والخطبِ

من بعد داودَ لا حُرِمْتُ مُنـىً

 

فقلت قد مضت دولةُ الأدبِ

فأرسله الوالي إلى بعض أطباء الهند فقال له: أنا أعالج لسانك بدواء إمّا أن ينطلق وأما أن يلحقك بمن مضى من سالف الجدود. فأبى ولم يرضَ بدوائه وقال: لا أبيع كلي ببعضي وكرّ راجعاً إلى بغداد. وكان يتردد إلى البصرة لما عرف في عرف أهلها من السخاء ومحبة الغرباء. وله مدائح في أكثر أعيانها وفضلائها وبها كانت وفاته سنة 1290 (1873م) كما ورد في مقدمة ديوانه وفي سنة 1291 على رواية السيد نعمان الآلوسي. وكان له شعر كثير متفرق جمعه أحمد عزت باشا العمري بعد وفاة صاحبه وسماه الطراز الأنفس في شعر الأخرس. وقد طبع هذا الديوان في مطبعة الجوانب سنة 1304 (1886م). فمن شعره قوله يصف سفره من البصرة إلى بغداد على سفينة بخارية:

قد ركبنا بمركـب الـدُّخـانِ

 

وبلغنا بهِ أقاصي الأمانـي

حيث دارت أفلاكهُ واستدارت

 

فهي مثلُ الأفلاك بالدوَرانِ

ثمَّ سرنا والطيرُ يحسدنا بـالأ

 

مسِ لإسراعنا على الطيرانِ

يخفق البحرُ رهبة حين يجري

 

والذي فيه كائنٌ في أمـانِ

كلَّما أبعد البخارُ بـمـسـرىً

 

قَرَّب السيرُ بُعْدَ كلّ مَكـانِ

أتقَنتْ صُنَعُه فـطـانةُ قـومٍ

 

وصَفوهم بـدَقة الأذهـان

ما أراها بالفكـر إلا أنـاسـاً

 

بقيت من بقَّـية الـيونـان

أبرزوا بالعقول كل عجـيبٍ

 

ما وجدناهُ في قديم الزمـان

وبنوا للعُلى مبـانـي عـلاو

 

عاجزٌ عنها صاحب الإيوانِ

فلهم في الزمانِ علمٌ وفخـرٌ

 

ومقامٌ يعلو علـى كـيوانِ

وقد نظم السيد الأخرس قصائد عديدة في مدح أديب العراق عبد الباقي الفاروقي. ورثاه بعد موته بقصيدة أولها:

ما لي أودّع كل يومٍ صاحبـاً

 

إذ لا تَلاقي بعد طول فراقِ

وأصارم الأحبابَ لا عن جفوةٍ

 

مني ولا متعرّضاً لشقـاقِ

فارقتهم ومدامعي مـنـهـلةٌ

 

وجوانحي للبَين في إحراقِ

إلى أن قال:

فارقتُ أذكى العالمينَ قـريحةَ

 

وأجلَّها فضلاً على الإطـلاقِ

وفقدتُ مستَنَد الرجال إذا روتْ

 

عنهُ الثقاتُ مكارمَ الأخـلاقِ

قد كان منتجَعي وشِرْعةُ منهلي

 

ومناطُ فخري وارتيادُ نياقـي

كانت لهُ الأيدي يطوقني بـهـا

 

منناً هي الأطواق في الأعناقِ

وختمها بقوله:

رزء أصيب بهِ العراق فأرخَوا

 

رزء العراقِ بموتِ عبد الباقي

(1278).
وقال مودعاً بعض الكرام اسمه يوسف:

مولاي قـد حـان الــوداعَ

 

وقد عزمتُ على المسـيرِ

كم زرتُ حضرتـك الـتـي

 

ما زلتُ منها في حـبـورِ

ورجعـتُ عـنـك بـنـائلٍ

 

غِمر وبالخَبـر الـكـثـيرِ

والـلـهُ يعـلـمُ أنـنـــي

 

عن شكر فضلك في قصورِ

يا مـفـرداً فـي عـصـرهِ

 

بالفضل معدوم الـنـظـيرِ

يا يوسـفُ الـبـدرُ الــذي

 

يسمو على البدر المـنـيرِ

ما لـي بـعـيرك حــاجةُ

 

كغنى الخطير عن الحقـيرِ

وســواك يا مـــولاي لا

 

واللهُ يخطرُ في ضمـيري

ما كـــلُّ وزادٍ يفــــو

 

ز بموِرد العذب النـمـيرِ

لا زلت أهـلاً لـلـجـمـي

 

ل مدى الليالي والشـهـورِ

ومما لم نجده في ديوانه تخميس قالها عبد الباقي العمري في قاض جائر:

ألا قطع الرحمن كـل مُـقـاطـعٍ

 

مضرٍّ بما يقضى به غير نـافـعِ

وراض بظلمٍ طامع غـير قـانـعٍ

 

وقاضٍ بجورٍ ما له من مضـارعٍ

على أنهُ بالعسفِ أقطعُ من ماض

 

 

فكم قد جنى في حكمهِ من جنايةٍ

 

وقد راح في غـيٍّ لـهُ وغـوايةٍ

فلا رُد قاضٍ ما اهتـدى لـهـدايةٍ

 

قضى ومضى لكن إلى كل غـايةٍ

من الخزي لا يحظى بها أبداً قاض

 

 

بُلينا بقاضٍ جائر غير عادلٍ

 

ويجورُ بحكمٍ قاصرٍ غـير طـائلٍ

ومن أعظم البلوى بلاءٌ بـجـاهـلٍ

 

يقولونُ يقضي قلتُ لكن ببـاطـلٍ

وقالوا يقصُّ الحقَّ قلتُ بمقراض

 

 

السيد صالح القزويني

هذا لساني يعـوقـه ثِـقَـلٌ

 

وذاك عندي من أعظم النُّوَبِ

فلو تسبَّبتَ في معالـجـتـي

 

لَنلتَ أجراً بذلك الـسـبـبِ

وليس لي حرفةٌ سـوى أدبٍ

 

جمٍ ونظم القريض والخطبِ

من بعد داودَ لا حُرِمْتُ مُنـىً

 

فقلت قد مضت دولةُ الأدبِ

فأرسله الوالي إلى بعض أطباء الهند فقال له: أنا أعالج لسانك بدواء إمّا أن ينطلق وأما أن يلحقك بمن مضى من سالف الجدود. فأبى ولم يرضَ بدوائه وقال: لا أبيع كلي ببعضي وكرّ راجعاً إلى بغداد. وكان يتردد إلى البصرة لما عرف في عرف أهلها من السخاء ومحبة الغرباء. وله مدائح في أكثر أعيانها وفضلائها وبها كانت وفاته سنة 1290 (1873م) كما ورد في مقدمة ديوانه وفي سنة 1291 على رواية السيد نعمان الآلوسي. وكان له شعر كثير متفرق جمعه أحمد عزت باشا العمري بعد وفاة صاحبه وسماه الطراز الأنفس في شعر الأخرس. وقد طبع هذا الديوان في مطبعة الجوانب سنة 1304 (1886م). فمن شعره قوله يصف سفره من البصرة إلى بغداد على سفينة بخارية:  

قد ركبنا بمركـب الـدُّخـانِ

 

وبلغنا بهِ أقاصي الأمانـي

حيث دارت أفلاكهُ واستدارت

 

فهي مثلُ الأفلاك بالدوَرانِ

ثمَّ سرنا والطيرُ يحسدنا بـالأ

 

مسِ لإسراعنا على الطيرانِ

يخفق البحرُ رهبة حين يجري

 

والذي فيه كائنٌ في أمـانِ

كلَّما أبعد البخارُ بـمـسـرىً

 

قَرَّب السيرُ بُعْدَ كلّ مَكـانِ

أتقَنتْ صُنَعُه فـطـانةُ قـومٍ

 

وصَفوهم بـدَقة الأذهـان

ما أراها بالفكـر إلا أنـاسـاً

 

بقيت من بقَّـية الـيونـان

أبرزوا بالعقول كل عجـيبٍ

 

ما وجدناهُ في قديم الزمـان

وبنوا للعُلى مبـانـي عـلاو

 

عاجزٌ عنها صاحب الإيوانِ

فلهم في الزمانِ علمٌ وفخـرٌ

 

ومقامٌ يعلو علـى كـيوانِ

وقد نظم السيد الأخرس قصائد عديدة في مدح أديب العراق عبد الباقي الفاروقي. ورثاه بعد موته بقصيدة أولها:

ما لي أودّع كل يومٍ صاحبـاً

 

إذ لا تَلاقي بعد طول فراقِ

وأصارم الأحبابَ لا عن جفوةٍ

 

مني ولا متعرّضاً لشقـاقِ

فارقتهم ومدامعي مـنـهـلةٌ

 

وجوانحي للبَين في إحراقِ

إلى أن قال:

فارقتُ أذكى العالمينَ قـريحةَ

 

وأجلَّها فضلاً على الإطـلاقِ

وفقدتُ مستَنَد الرجال إذا روتْ

 

عنهُ الثقاتُ مكارمَ الأخـلاقِ

قد كان منتجَعي وشِرْعةُ منهلي

 

ومناطُ فخري وارتيادُ نياقـي

كانت لهُ الأيدي يطوقني بـهـا

 

منناً هي الأطواق في الأعناقِ

وختمها بقوله:

رزء أصيب بهِ العراق فأرخَوا

 

رزء العراقِ بموتِ عبد الباقي

(1278).
وقال مودعاً بعض الكرام اسمه يوسف:

مولاي قـد حـان الــوداعَ

 

وقد عزمتُ على المسـيرِ

كم زرتُ حضرتـك الـتـي

 

ما زلتُ منها في حـبـورِ

ورجعـتُ عـنـك بـنـائلٍ

 

غِمر وبالخَبـر الـكـثـيرِ

والـلـهُ يعـلـمُ أنـنـــي

 

عن شكر فضلك في قصورِ

يا مـفـرداً فـي عـصـرهِ

 

بالفضل معدوم الـنـظـيرِ

يا يوسـفُ الـبـدرُ الــذي

 

يسمو على البدر المـنـيرِ

ما لـي بـعـيرك حــاجةُ

 

كغنى الخطير عن الحقـيرِ

وســواك يا مـــولاي لا

 

واللهُ يخطرُ في ضمـيري

ما كـــلُّ وزادٍ يفــــو

 

ز بموِرد العذب النـمـيرِ

لا زلت أهـلاً لـلـجـمـي

 

ل مدى الليالي والشـهـورِ

ومما لم نجده في ديوانه تخميس قالها عبد الباقي العمري في قاض جائر:

ألا قطع الرحمن كـل مُـقـاطـعٍ

 

مضرٍّ بما يقضى به غير نـافـعِ

وراض بظلمٍ طامع غـير قـانـعٍ

 

وقاضٍ بجورٍ ما له من مضـارعٍ

على أنهُ بالعسفِ أقطعُ من ماض

 

 

فكم قد جنى في حكمهِ من جنايةٍ

 

وقد راح في غـيٍّ لـهُ وغـوايةٍ

فلا رُد قاضٍ ما اهتـدى لـهـدايةٍ

 

قضى ومضى لكن إلى كل غـايةٍ

من الخزي لا يحظى بها أبداً قاض

 

 

بُلينا بقاضٍ جائر غير عادلٍ

 

ويجورُ بحكمٍ قاصرٍ غـير طـائلٍ

ومن أعظم البلوى بلاءٌ بـجـاهـلٍ

 

يقولونُ يقضي قلتُ لكن ببـاطـلٍ

وقالوا يقصُّ الحقَّ قلتُ بمقراض

 

 

السيد صالح القزويني

هو أيضاً أحد شعراء العراق المجيدين ولد في النجف في 17 رجب 1208ه شباط 1793م وتوفي في بغداد في 5 ربيع الأول 1301 (4ك 1883) تخرج في وطنه على علمائه وأتقن العلوم المذهبية ثم تفرغ للآداب ولنظم الشعر فنبغ منه. فكان مواطنوه ينتابون مجلسه ويتجاذبون أطراف الأدب ويتناشدون الأشعار فلا يكاد أحد يبلغ شأوه. وقد اشتهر خصوصاً بالرصف والمدح وقد خلف ديوان في كل معاني الشعر لم يمثلا بالطبع حتى اليوم:

الحاج عمر الإنسي

ولما كانت مصر تفتخر بطهطاويها والعراق بأخرسها كانت بيروت تأنس بأنسيها الحاج عمر سليل أسرة شريفة اشتهر لقبها بالصقعان. ولد الإنسي سنة 1237 (1822م) في بيروت وأخذ العلوم عن الشيخين محمد الحوت وعبد الله خالد وقد قلدته الحكومة السنية عدة مناصب كنظارة النفوس في لبنان وعضوية مجلس إدارة بيروت ومديرية حيفاء ونيابة صور وبقاع العزيز تقلب فيها كلها وأظهر فيها دراية وعفة نفس وعلو همة. وكانت وفاته في وطنه سنة 1293 (1876م). وقد وصفه من عرفه بحسن الشعر وأنس المحضر والصدق والاستقامة. وكان فصيح اللفظ طلق اللسان حسن النظم وله مصنفات منها ديوان شعره الموسوم بالمورد العذب طبع في بيروت سنة 1013 (1895م) بهمه نجله السيد عبد الرحمن. وقد كان بينه وبين الشيخ ناصيف اليازجي مكاتبات. ومما مدحه به الشيخ قوله من أبياتٍ:

وإذا أردتَ قـصــيدةً

 

فيه لها عُمَـراً وَنـمْ

الشاعرُ العربـي ذو ال

 

غُرَر التي سبَت العجمْ

في المكرُمـات لـهُ يدٌ

 

وإلى الصوابِ لهُ قدّمْ

ولهُ منـاقـبُ لا تُـنـا

 

ل كأَنها َصْيدُ الحَـرَمْ

وهذه نبذة من أقوال الحاج عمر. قال في التقى:

عليك بتقوى الله والصـدق إنـمَّـا

 

نجاةُ الفتى يا صاحٍ بالصدقِ والتُّقى

وقِسْ حالَ أبناء الزمـان بـضـدهِ

 

ترَ الفرق ما بين السعادةِ والشقـا

وقال في الزهد:

رغبتُ عن الدنـيا وزُخْـرفِ أهـلـهـا

 

وقلتُ لنفسي إنما العيشُ في الأخـرى

فدَعنْي وزهدي في الحُطـامِ فـأنـنـي

 

أرى الزهدَ في الدنيا هو الراحةُ الكبرى

ومن ظريف هجوهِ ما قالهُ في غلام قهوجي يُدعى هلالاً:

تعس الهلالُ الـقـهـوجـيُّ لأنـهُ

 

قد قطّعَ الأنفاس مـن أنـفـاسـهِ

هذا الهلالُ هو الـهـلاكُ وإنـمـا

 

غلطوا فلم يضعوا العصا في رأسهِ

أراد بالعصا الشطبة التي تُرسم في رأس الكاف (ك) الشبيهة باللام (ل). وقال يهجو ثقيلاً كان لا يزال يذكر ذنوبه:

شكا ثقَلَ الذنوب لنـا ثـقـيلٌ

 

فقلتُ لهُ استمِعْ لبديع قيلـي

ثلاث بالتناسب فيك خُصَّـت

 

فلم توجد بغيركَ من مثـيلِ

ذنوبك مثل روحك ضمنَ جسمٍ

 

ثقيلٍ في ثقيلٍ فـي ثـقـيلِ

ومن رثائه قوله في مارون النقاش لما توفي في طرسوس سنة 1271ه من أبياتٍ:

فقدنـا أديبـاً كـان طِـرْسُ يراعـهِ

 

إذا خطَّ سطراً نال من خطهِ شَطـرا

أخاشَيمٍ قد أعجزتْ عـن مـديحـهـا

 

لساني فأمسى لا يُطيق لها شـكـرا

وما كنتُ يا مارونُ قبـلـك زاعـمـاً

 

بأن الثرى عن أعيني يحجبُ البدرا...

فكم لك من آداب لـطـفُ شـمـائلٍ

 

إذا ما نشرنا ذكرها نفحَـتْ نـشـرا

وكم لك مـن أبـيات شـعـرٍ حـرَّيةٍ

 

بها أن تحلَي جيدها الغادةُ الـعـذرا

ألا يا بني النقَّـاش لا يحـزنـنَّـكـم

 

بكاً وسَّع الأجفانَ أو ضَّيق الصـدرا

أرى الدهر لما قَّسم الحزن خـصَّـنـا

 

بتسعة أعشارٍ وحَّملكـم عـشـرا...

فآسف لو كان الـتـأسُّـف نـافـعـاً

 

عليهِ ولكنَّ الـثـنـاءَ لـهُ أحـرى

الآلوسيَّان عبد الله وعبد الباقي

وفي هذه المدة قضى اثنان من الآلوسيين نحبهما في العراق. وهما أبناء السيد العلامة شهاب محمود أفندي الآلوسي الذي سبق لنا تعريف فضله: (ج 9:1 - 12) أعني عبد الله وعبد الباقي. فالسيد عبد الله بهاء الدين أفندي ولد سنة 1248 (1832) فقال السيد عبد الغفار الأخرس مؤرخاً لولده:

ليهنئك يا تحـريرَ أهـل زمـانـهِ

 

ويا كاملاً عنهُ غدا الطَرْفُ قاصرا

بطفـلٍ ذكـيّ قـد أتـاكَ وإنـمـا

 

يضاهيك بالأخلاق سراً وظاهـرا

وبشّرتني فيهِ فـقـلـتُ مـؤرخـاً

 

بولد عبد الله نلـتَ الـبـشـائرا

فلما ترعرع أخذ العلوم عن والده إلى أن أصيب بوفاته وهو إذ ذاك بين اثنتين وعشرين سنة فجزع لموته وكاد لحزنه يلحق بأبيه. ثم انكب على الدرس واجتمع ببعض أفاضل وطنه فما لبث أن فاقهم وأقبل على التدريس فحصل بعد حين على شهرة واسعة وانتظم في سلك أهل الطريقة النقشبندية. ثم بلي بأنواع الأسقام فخرج من وطنه قاصداً الآستانة العلية لكن أشقياء العربان نهبوا أثقاله فعاد إلى بغداد صفر اليدين. وفي آخر أمره تولى القضاء في البصرة فأكرمه أهلها وعرفوا قدره لولا أنه تأذى بحمياتها القتالة فخرج منها بعد سنتين ولسانُ حالهِ ينشد مع معاصره الشيخ صالح التميمي:

ومتى تسيرُ ركائبي عن بـلـدةٍ

 

أبداً أقام فناؤها بـفـنـاهـا

لا فرق بين شَمالها وَجنوبـهـا

 

وقَبُولها ودَبُورها وصبـاهـا

ما أن تحرَّكتِ الغصونُ بأرضها

 

ألا تحرَّك في الجسومِ أذاهـا

أشجارُها خضرٌ وأوجهُ أهلهـا

 

صُفرٌ محا كَسْفُ السقامِ بهاها

لولا قضاء اللهِ حـتـمٌ واجـبٌ

 

أبتِ المروءة أن أدوسَ ثراها

فما وصل إلى بغداد حتى مات بعد أيام 1291 (1874) وله من العمر 43 سنة وكان السيد عبد الله كثير التدين لين الجانب محباً للفقراء لا يأنف من مخالطتهم. وقد امتاز بحسن نثره وجزالة تعبيره. ومن تأليفه رسائل ومقالات مفيدة وشروح في علمي المنطق والبيان وألف كتاب الواضح في النحو وكتاباً في آداب الصوفية.

أما أخوه فهو السيد سعد الدين عبد الباقي وقع مولده سنة 1250 فأرخه الشاعر عبد الحميد الأطرقجي:

طرباً بمن سرَّ الـورى مـيلادُهُ

 

وسرى نسيمُ اللطفِ في الآفاقِ

يا سادتي بشراكُم فـيمـن بـدا

 

متخلقاً بمـكـارم الأخـلاقِ

فرداً أتى وبه استعنتُ مؤرخـاً

 

تمَّ السرورُ لكم بعبد البـاقـي

أخذ عن والده كأخيه ثم عن الشيخ عيسى البندبيجي وزار الحجاز وتولى القضاء في كركوك مركز ولاية شهرزور ثم في بتليس وسافر إلى دار السعادة. وله عدة مصنفات أخصها القول الماضي فيما يجب المفتي والقاضي وأوضح منهج في مناسك الحج الذي طبع في مصر وأسعد كتاب في فصل الخطاب وغير ذلك مما يشهد له برسوخ القدم في المعارف. توفي في مصر سنة 1298 (1881).

أبو النصر علي

واشتهر في مصر في هذه الحقبة الأديب المصري أبو النصر علي ولد في منفلوط وفيها كانت وفاته سنة 1298 (1880 - 1881) نظم الشعر في مقتبل الشباب وأصبح من فرسان ميدانه فنما خبره إلى خديوي مصر إسماعيل باشا فقدمه وأجازه ولأبي النصر عدة قصائد غراء فيه وفي أمراء الدولة الخديوية وقد وافق إسماعيل باشا لما رحل إلى الآستانة ثم مدح بعده الحضرة التوفيقية. ولأبي النصر ديوان كبير طبع في مطبعة بولاق سنة 1300 ضمنه أقوالاً منتخبة في كل أبواب البلاغة ومعاني الشعر فمما استحسناه قوله في الخمر وقد نحا في وصفه طريقة الصوفيين:

بنتُ كرمٍ دونهـا بـنـتُ الـكـرامْ

 

وهي بكرٌ زفَّها ساقهـا الـمُـدامُ

شمسُ راحٍ في اصطباحٍ أشرقـت

 

في سماء الكأس كالبدر التـمـامْ

كم تجلى كـأسُـهـا عـن لـؤلـؤ

 

من حُبابٍ كالدراري في انتظـامْ

إنَّ لـي عـنـهـا حـديثـاً سـرَّهُ

 

لا يُضاهَي وهي لي أقصى المرامْ

لو درى أهلُ التـقـى أسـرارَهـا

 

لَسقَوا أبناءَهم قـبـل الـفِـطـامْ

لا تسَلْني عن مـعـانـيهـا وسَـلْ

 

عن حُلاها وسناها بـاحـتـشـامْ

قال صفْها قلـتُ دَعـنْـي أنـهـا

 

صورةٌ كالجسم عندي والـسـلامْ

قال زدني قلتُ ما المسـئول عـن

 

ها بأَدْرى منها يا هـذا الـغـلامْ

قال قلْ في كرْمهـا مـخـلـوقةٌ

 

نزهةٌ النـاس مـن سـامٍ وحـامْ

ما رآهـا عـابـدٌ إلا انـثـنــى

 

عن سـجـود وركـوعٍ وقــيامْ

راحةُ الأرواحِ فـي أقـداحـهــا

 

أنبأَتنا إنَّهـا تُـبـري الـسـقـامْ

وهي طويلة. ومن حسن شعره قوله يصف سفرة الحضرة التوفيقية إلى الصعيد سنة 1287م:

زار في موكبٍ كعقد اللآلـي

 

فازدهى بالقدوم صفو الليالي

إلى أن قال:

فازدهى رونقُ الصعيد جـمـالاً

 

وتحلّت أرجـاؤهُ بـالـحـلالِ

وروى النيلُ عـن رُواهُ حـديثـاً

 

يشرحُ الصدر شرحهُ في المقالِ

حيث دُقّت بالشاطـئَينِ طـبـولٌ

 

والأهالي تفوقُ عـدَّ الـرمـالِ

وتلافوا بضُمَّـير سـابـقـاتٍ

 

فترى الليث فوق ظهر الغزال

وتوالَوْا في سَيْرِهم فـأضـاءت

 

حليةُ البيض بين سُمْر العوالي

وجميعُ الـبـلادِ أيدت سـروراً

 

ناشراتٍ أعلامها بابـتـهـالِ

نسألُ الله عصـمةً ونـجـاحـاً

 

وبقـاء لـهُ وحـسـنَ مـآل

ومن أقواله يعاقب دهرهُ:

إلامَ تصـوّبُ الأوهـامُ غـيًّا

 

وتنشرُ ما طواهُ الرشدُ طياً

أبعد الحق تُنتظَر الأمـانـي

 

ويُفرَضُ ميّت الآمال حـياً

إذا كنا مع الأحياء مـوتـى

 

فهيَّا نلحقُ الأمـواتَ هـيّا

شربتُ من الأسى عللاً ونَهْلاً

 

فزدتُ صدىً وما ألفيتُ رّياً

وكم جبتُ المهامة كي ألاقي

 

بمُنْتَجعي جواداً أو تـقّـيا

فذلك أراهُ مختالاً فَـخـوراً

 

وهذا قصدهُ يُدعـى ولـيّاً

وقال يصف الأماني الباطلة:

بلوتُ الأماني وجرَّبـتُـهـا

 

فألفيت فيها عجيب العُجائبْ

تريك البعيدَ قـريبـاً كـمـا

 

تريك انقيادَ الأمير المهابْ

فلا تتَّخذْهـا سـبـيلاً إلـى

 

بلوغ المرام ودَعْ ما يُعـابْ

فإن الأمانـي خـيالٌ يمـرُّ

 

على من تخيَّل مَرَّ السحابْ

وغايةُ ما ينتجُ من مُـنـاهـا

 

تصوُّر لخلافِ الصـوابَ

ومن أقوالهِ الحماسية قوله:

أرى دولة الأَيام خـائنة الـعـهــد

 

مراوغةً تصبو إلى الخُلف في الوعدِ

وما بالها تجني علـى كـلّ مـاجـدٍ

 

كأنَّ لها ثاراً على دولة الـمـجـدِ

ترينا محبّاً باسم الـثـغـر ظـاهـراً

 

ولكن لها قلبٌ مصرٌّ على الحـقـدِ

تمرُّ فتحلو لـلـغـبّـي ومَـن درى

 

تُجرّعه كأس المرار على عـمـدِ

أعدَّت لحربي جندَها فـلـقـيتُـهـا

 

بقوَّةِ جأش دونها قـوَّة الـصَـلْـدٍ

واستقبل الأخطار بالـبـشـر لاهـياً

 

بدون اكتراثٍ مازجَ الهزل بالـجـدِّ

وإن ضاق ميدانُ المخاوف لـم أكـن

 

حريصاً على حبّ الحياة ولا أفـدي

ولأبي النصر رحلتان إلى القسطنطينية كانت الأولى في أيام السلطان عبد المجيد موفداً من محمد عليّ الكبير وأنشد حينئذٍ شيخ الإسلام قوله يمدح القسطنطينية:

وكنَّا نرى مصر السعيدة جَّـنةً

 

ونحسُبها دون البلاد هي العليا

فلمَّا رأى دار الخلافة عينُـنـا

 

علمنا يقيناً أنها لَهيَ الـدنـيا

وكانت رحلتنه الثانية مع الخديوي إسماعيل باشا وصادف دخولهما الآستانة يوم عيد جلوس السلطان عبد العزيز سنة 1289 (1872) فقال أبو النصر يمدح الحضرة السلطانية بقصيدة مطلعها:

تبسَّمتِ الأزهار عن لؤلؤ القطـرِ

 

ففاح شذاها في الحدائق كالعطرِ

ومنها في مدح السلطان:

أفادَ العلا جـاهـاً وعـزاً مـؤبـداً

 

وأَلبسها من مجدهِ حللَ الـفـخـرِ

وأبدى لأعلام التـقـدُّمِ مـظـهـراً

 

به ملكهُ يعلو على دولِ العـصـرِ

وأحيا لإحياء الـعـلـى كـلّ دارسٍ

 

فأضحت قلاعُ الثغر باسمة الثغـرِ

وجدَّد في عهـد قـريبٍ بـواخـراً

 

بها قوَّةُ الإسلام محـكـمةُ الأمـرِ

برونقها تكسو الـفـخـار مـهـابةً

 

وتعلو بما حازت على الأنجمِ الزُّهرِ

لهُ من رجال الحرب جيشٌ عر مـرمٌ

 

لهم هِمَمٌ في الفتك بالبيض والسمرِ

مدافُعهم شمُّ الأُنوفِ علـى الـعـدى

 

تخرُّ لهم شمُّ الجبالِ من الصـخـرِ

وأسيافُهم في السلْم يحلو صـيامُـهـا

 

متى جُرّدت مالت إلى الفطر بالنَّحرِ

وختمها بهذا التاريخ:

وها أن في البُشرى أقولُ مؤرخاً

 

جلوسُكَ عيدُ الدهرام ليلةُ القدرِ

محمود صفوت

ومن معاصري أبي النصر على وطنيه محمود أفندي صفوت بن مصطفى آغا الزيلع الشهير بالساعاتي ولد بالقاهر سنة 1241 وبها توفي سنة وفاة أبي النصر 1298 (1881) لزم الآداب واشتهر بنظمه ونثره حتى عد فيهما من المقدمين. وتوجه إلى الحجاز ودخل على أمير مكة الشريف محمد بن عون فأكرم مثواه وأبقاه عنده إلى آخر إمارته ثم سافر إلى القسطنطينية وعاد بعد ذلك إلى وطنه وفيها قضى بقية حياته. ولمحمود أفندي صفوت ديوان شعر نشر بالطبع في مصر سنة 1329 (1911). فمن ذلك قوله يفتخر:

وَلع الزمانُ وأهلهُ بعداوتي

 

إنَّ الكرام لها اللثامُ عداءُ

أتحطُ قدوري الحادثاتُ وهمَّتي

 

ومن دونها المرّيخُ والجوزاءُ

هيهات تهضمُ جانبي وعزائمي

 

مثل البواتر دأبُها الإمضـاءُ

صبراً على كيد الزمان فإنمـا

 

يبدو الصباحُ وتنجلي الظلماءُ

وله في رثاء أحد العلماء:

بكت عيون العلا وانحطَّت الرُّتَـبُ

 

ومزَّقت شملَها من حزنها الكتـبُ

ونكسَّتْ رأسهـا الأقـلامُ بـاكـيةً

 

على القراطيس لمَّا فاحت الخُطبُ

وكيف لا وسماء العلم كنت بـهـا

 

بدراً تماماً فحالت دونك الحجُـب

يا شمسَ فضلٍ فدتك الشهبُ قاطبةً

 

إذ عنك لا أنجمٌ تُغني ولا شهـبُ

لما أصـابـك لا قـوسٌ ولا وتـرٌ

 

سهمُ المنَّية كاد الكون ينـقـلـبُ

ما حيلةُ العبـدِ والأقـدارُ جـاريةٌ

 

العمرٌ يوهَبُ والأقدارُ تنتـهـبُ

صالح مجدي بك

وفي السنة ذاتها 1298 (1881) توفي أديب آخر من نوابغ كتبة مصر السيد صالح مجدي بك. ولد في رجوان من مديرية الجيزة سنة 1242 (1826) وبعد أن تلقى مبادئ العلوم العربية ودرس اللغة الفرنسوية ألحقه أستاذه رفاعة بك الطهطاوي بقلم الترجمة ثم عهد إليه بتدريس اللغتين العربية والفرنسوية في المدرسة الهندسية الخديوية وعهدوا إليه تعريب كتب علمية للفرنج فعرب منها عدداً وافراً في رسم الأمكنة والطبقات الجيولوجية والميكانيكيات والحساب والجر والهندسة والفلكيات والفنون الحربية كبناء الحصون ورمي القنابل إلى أن تولى رئاسة الترجمة وجعله إسماعيل باشا في المعية السنية وولاه مناصب أخرى وكان آخر ما عهد إليه قضاء القاهرة فلزمه إلى وفاته. وكان صالح بك يحسن الإنشاء وفنون الكتابة وقد نشر مقالات عديدة اجتماعية وسياسية وأدبية في جرائد مصر كروضة المدارس والوقائع المصرية. واشتغل بتأليف مطول لتاريخ مصر مع علي باشا المبارك وله ديوان شعر واسع طبع في بولاق سنة 1312ه.

ومن شعر السيد صالح بك مجدي قوله سنة 1289 يهنئ جناب الخديوي إسماعيل باشا عند رجوعه من الآستانة:

مع النصر وافى من عليهِ المعوَّلُ

 

ومن هو في أيّامهِ الـغـرّ أوَّلُ

ومن هو للأوطان والملك والملا

 

ملاذٌ وحصـنٌ لا يُرامُ ومـوئلُ

ومن تملأُ الدنيا مهابتُـهُ الـتـي

 

بها الأسدُ في آجامها تتـجـدْلُ

ومن فاض من يمناهُ ماءُ سمـاحةٍ

 

فأحيا بلاداً أهلها قد تـمـوَّلـوا

ومن شاد أركان المعالي بـهـمَّةٍ

 

يقّصرُ من إدراكها متـطـوّلُ

وقد جاءت البشرى بذاك فزُينـت

 

لُمقْدمةِ مصرٌ وفازَ المـؤّمـلُ

وأثنتْ على دار الخلافة عند مـا

 

رأتهُ بها يعلو وشانيهِ يسـفـلُ

فِعش ما تشا في دولةٍ أنت رّبهـا

 

ومجدك فيها من قديم مـؤَثَّـلُ

وقد قلتُ في يوم القدومِ مؤرخـاً

 

إلى مصر إسماعيلُ بالبشر مقبلُ

وقال من قصيدة يهنئه بها في أول العام:

بالبشر في مصرَ لاحـت غـرَّةُ الـعـامِ

 

تزهو بنور مليكٍ للـحـمـى حـامـي

تزهو بنـور مـلـيك غـيثُ راحـتـهِ

 

في الكون طول المدى بين الورى هامي

هو الخـديوُ الـذي أوطـانـهُ نـشـرت

 

للفضل في عصرهِ مـطـويَّ أعـلامِ

وللـتـمـدُن مـدَّت بـاعـهـا وإلـى

 

أوج العلا سارعَتْ من غـير أحـجـامِ

فيا لهُ من حـكـيم بـالـعـلاج مـحـا

 

ما كان في جسمها من فـرط أسـقـامِ

وله في حسين باشا ناظر المعارف والأوقاف والأشغال العمومية:

لجانبك العالي ثلاثُ مـصـالـحٍ

 

نُظمتْ بمسطَتيْ عسجدٍ ولُجَـينِ

وأضاءَ منك جبـيُنـهـا بـرئاسةٍ

 

أعماُلها منشورةُ الـعَـلـمَـينِ

ونمتْ بها بركـاتُ أوقـافٍ روت

 

مصراً وقد فاضت على الحرمَينِ

وبحزمك الأشغالُ زاد نجاحـهـا

 

ونجازُها في السهل والجبـلَـينِ

ولك المعارف غرَّدت أبـنـاءهـا

 

بمـدائح الأجـداد والأبـــوَينِ

وبديعُ نظمِ كامـل فـي كـامـلٍ

 

من مخلصٍ بالقلب والشفـتـيَنِ

من مُخلص لك في الثنـاء بـدولةٍ

 

أضحيت فيها حائزَ الشـرَفـينِ

وختمها بهذا التاريخ:

والمجد في علياك قال مؤرخـاً

 

زمنُ المعارف مُشْرقٌ بحُسَين

(1289).

أبو السعود أفندي

ومن مشاهير أدباء مصر في ذلك الوقت أبو السعود أفندي عبد الله المصري ولد سنة 1244 (1828) في دهشور قرب الجيزة ودرس في المدرسة الكلية التي أنشأها محمد علي باشا في القاهرة فبرع بين أقرانه. ثم ندبته الحكومة إلى نظارة أعمالها فكان في وقت الفراغ يواصل دروسه ويعكف على التأليف شعراً ونثراً. وحرر مدة جريدة وادي النيل وكاتب أدباء زمانه. ونقل بعض كتب الفرنج إلى العربية. ومن تآليفه (كتاب منحة أهل العصر بمنتقى تاريخ مصر) نظم فيه مجمل حوادث تاريخ مصر للجبرتي ووضع تاريخاً لفرنسة ألحقه بتاريخ ولاة مصر من أول الإسلام دعاه بنظم اللآلي. وباشر بترجمة تاريخ عام مطول وسمه بالدرس التام في التاريخ العام طبع منه قسم سنة 1289. وكان أبو السعود شاعراً مجيداً له ديوان طبع في القاهرة أودعه كثيراً من فنون الشعر كالمديح والمراثي والفراقيات. ونبغ في المنظومات المولدة كالمواليا والموشحات. وله أرجوزة تظم فيها سيرة محمد علي باشا كثيرة الفوائد بينة المقاصد تبلغ عشرة آلاف بيت. وله غير ذلك مما تفنن فيه وسبق آل عصره توفي أبو السعود أفندي في ربيع الأول سنة 1295 (1878). وقد رثاه أحد شعراء وطنه بقصيدة قال في مطلعها:

خُلق الهبوطُ مع الصعودْ

 

ومع القيام بدا القعـودْ

إلى أن قال:

ليس الـبـكـاء لـغـادةٍ

 

أبدتْ لمغرمها الصـدودْ

لكـنَّـهُ لـمَّـا قـضـى

 

ربُّ القريضِ أبو السعودْ

من لم يُجبْـهُ بـدمـعِـه

 

فكأنما نقضَ العـهـودْ

فهو الحـريُّ بـأن تـذو

 

ب عليهِ بالأسفِ الكبـودْ

بحـرٌ تـدَّفـق مــاؤه

 

لكنَّـه عـذبُ الـورودْ

بقريحةٍ سـالـت عـلـى

 

أرجائها سَيْلَ العـهـودْ

كم أنجبت نُـخَـبـاً لـهُ

 

فكأنّـهـا الأمُّ الـوَلـودْ

أبـداً تـوقَّـدُ بـالـذكـا

 

ءِ فليس يعروها خمـودْ

نشبت مخالبها الـمـنَّـي

 

ةُ فيه وهو من الأسـودْ

لا غروَ إن صعدَ السـمـا

 

بين الملائكة السـجـودْ

فبناتُ نعشٍ قـد حـمـل

 

ن سريرهُ لَمن الشهـودْ

الحاج حسين بيهم

وفي آخر هذه الجبقة في صفر من سنة 1298 (23 ك2 1881) فقدت الآداب أحد أركانها في بيروت وهو الحاج حسين ابن السيد عمر بيهم كان والده عمر من أعيان المدينة وأدبائها رثاه الشيخ ناصيف اليازجي سنة وفاته 1276 (1859) بقصيدة مطلعها:

زُر تربةً في الحمى يا أبها المطرُ

 

وقُلْ عليكَ سلامُ اللهِ يا عُـمَـرُ

ومنها:

في شخصهِ الدين والدنيا قد اجتمعا

 

وذاك يندرُ أن تحظى بهِ البشـرُ

ولد حسين ابنه سنة 1249 (1833) ونشأ حريصاً على تحصيل مسائل العلم وفنون الأدب فأخذ عن علماء ملته كالشيخ محمد الحوت والشيخ عبد الله خالد. وبعد أن تعاطى التجارة زمناً يسيراً انقطع إلى العلم ونال به شهرة ثم نظم الشعر فصارت له به ملكة راسخة بحيث كان يقوله ارتجالاً في المحافل ويخرجه على صور مبتكرة تطرب له الأسماع. وقد ولته الحكومة عدة مناصب كنظارة الخارجية ورئاسة الأحكام العدلية ثم أعيدت إليه الخارجية فقال في ذلك:

إنَّ الفؤَاد لهُ في الملك معـرفةٌ

 

فالخارجيَّةُ لم تترك نظـارتَـهُ

لذاك سلطانُنا المنصور ردَّ لـهُ

 

مع حسن أنظارهِ أَرّخْ بضاعَتَهُ

ولما وضع القانون الأساسي وفتح للمرة الأولى مجلس النواب انتخبه مواطنوه ليمثلهم فيه فحضر في الآستانة جلساته ثم عاد إلى وطنه واعتزل المأموريات وانقطع إلى الآداب. وكان حاضر الجواب ثاقب الرأي كريم الأخلاق على الهمة محبوباً عند الجميع. وكان أحد أعضاء جمعية العلوم السورية المنشأة في بيروت فلمّا توفي رئيسها الأول الأمير محمد أرسلان عهدوا إليه رئاستها. وكان للحاج حسين نظم رشيق مطبوع قد بقي منه القليل ومن آثاره رواية أدبية وطنية مثلت مراراً وقرظها الأدباء. ومن شعره قوله في تاريخ جلوس السلطان عبد العزيز سنة 1277:

خلافة الإسلام قد أصبـحـت

 

تزهو افتخاراً بالمليك العزيزْ

ومـلة الأيمـان أرَّخـتُـهـا

 

طابت بشاهنشاهَ عبد العزيزْ

وقال مؤرخاً إنشاء التلغراف في بيروت:

لله درُّ السِلكِ قد أدهـشـت

 

عقولنا لمَّا على الجوّ ساقْ

فأعجبَ الكون بتـاريخـهِ

 

شبيهُ برقٍ أو شبيه البُراقْ

(1277)  وقال مشطراً:

إذا العنايةُ لاحظتك عيونُـهـا

 

وحَباكها من فضلهِ الرحمانُ

ناداك طائرُ يمنك وسعـودهـا

 

ثم فالمخاوف كلُّهـنَّ أمـانُ

واصطَدْ بها العنقاءَ فهي حبالةٌ

 

واملك بها الغبراءَ فهي سنانُ

واصعد بها العلياء فهي معارجٌ

 

واقتَدْ بها الجوزاءَ فهي عنانُ

ومن جيد شعرهِ قولهُ يعزي صديقاً بفقد ماله:

لقد غمَّنا والله والصحـبَ كـلَّـهـم

 

مصابٌ دهاكم بالقضا حكـم قـادرِ

كانَّ شراراً منـهُ طـار لأرضـنـا

 

فاحرق أحشاء الورى بالـتـطـاُيرِ

ولكنَّنـا قـلـنـا مـقـالةَ عـاقـلٍ

 

يسلم الباري بكـل الـمـظـاهـرِ

إذا سَلِمتْ هامُ الرجالِ مـن الـردى

 

فما المالُ إلا مثل قصِ الأظـافـرِ

فكن مثل ظن الناس فيك مـقـابـلاً

 

لذا الخطب بالصبر الجميل المصادرِ

ولا تأسفَنْ إذا ضاع مالٌ ومقـتـنـىً

 

فرُّبكَ يا ذا الحرم أعظـمُ جـابـرِ

وإنَّ حياة الـمـرء رأسٌ لـمـا لـه

 

سلامتهُ تعلو جمـيع الـخـسـائرِ

وقد نظم أرجوزة حسنة في العلم وشرفه نشرت في أعمال الجمعية العلمية السورية لسنتها الأولى (ص16 - 26).

ومما رثي به الحاج حسين أفندي بيهم قول أبي الحسن الكستي:

فراقُكَ صعبٌ يا حسينُ احتمـالُـهُ

 

وبعدك رَكبُ الأنس شالت رحالهُ

رحلتَ إلى دار البقاء مـكـرَّمـاً

 

ومثلك مولى للـنـعـيم مـالـهُ

ولكن تركت القوم تبكي عيونـهـم

 

عليك بدمعٍ كالسيول انهـمـالُـهُ

وليس لنا من بعد فقـدك حـلـيةٌ

 

سوى الحزن أو صبرٍ يعزُّ منالهُ

حويت خصالاً جل في الناس قدرُها

 

وما كلُّ إنسانٍ تجلُّ خـصـالـهُ

عفافٌ ومعـروفٌ وعـلـمٌ ورقَّةٌ

 

وفضلٌ ومجدٌ قلَّ فينا مـثـالـهُ

محمد أكنسوس

وممن رزئت به الآداب في هذا الوقت في بلاد المغرب الأديب الشاعر أبو عبد الله محمد بن أحمد اكنسوس المراكشي توفي في بلده مراكش سنة 1294 (1877) وقد عرف المذكور بسعة معارفه لا سيما التاريخية والأدبية. وله التاريخ المسمى كتاب الجيش وقصائد عديدة في مشاهير بلاده من ذلك قوله يرثي سلطان مراكش المولى عبد الرحمن المتوفى سنة 1276 (1859):

هذي الحياةُ شبـيهةُ الأحـلامِ

 

ما الناسُ أن حقَّقتَ غيرُ نيامِ

ومنها:

لو كان ينجـو مـن رداهـا مـالـكٌ

 

في كـثـرةِ الأنـصـار والـخـدَّامِ

لنا أمير الـمـؤمـنـين ومـن غـدا

 

أعلى ملوك الأرض نجـل هـشـام

خير السـلاطـين الـذين تـقـدَّمـوا

 

في الغرب أو في الشرق أو في الشامِ

يا مـالـكـاً كـانـت لـنـا أيامــهُ

 

ظلاً ظـلـيلاً دائمَ الإنـــعـــامِ

لا ضَير انك قد رحـلـت مـيمّـمـاً

 

دار الـهـنـاء وجـنَّة الإكـــرامِ

فلك الرضا فأنعم بـمـا أعـطـيتَـهُ

 

ولك الهـنـاءُ بـنـيل كـل مـرامِ

وقال يصف خروج السلطان المولى حسن على أعداء دولته سنة 1293 (1876):

عصفتَ عليهمِ بالبأسِ تُزْجي

 

كتائبَ كالسحابِ إذا تلوحُ

فألقيتَ الجرانَ على ذراهم

 

بجيشٍ كلُّهم بطلٌ مُشـيحُ

فجاء العفو منك وهم ثلاثٌ

 

أسيرٌ أو كسـيرٌ أو ذبـيحُ

وقد قُسمتْ بلادهُم بـعـدلٍ

 

ودورهمُ كما قُسمَ الوطيحُ

فلا تحلمْ فإنَّ الجرح يُكوى

 

طرياً بالمحاور أو يقـيحُ

أبا زيدٍ إذا تبقي عـلـيهـم

 

بصفحٍ رُبما ندم الصّفوحُ

وله يصف بستاناً للوزير أبي عبد الله محمد بمن إدريس:

يا منزلاً قد خصَّصَتْـهُ سـعـادةٌ

 

واستبدلَتْهُ أنعُمـاً مـن أَبْـؤسِ

أصبحتَ مأوَى للوزير محـمَّـد

 

نجل الأَدارسةِ الكرام المغرسِ

إنسانُ عين كون من لَبسـت بِـه

 

رُتبُ العلى أبهى وأبهج ملبسِ

يا أيها البحر الذي من فـيضـهِ

 

كلّ الأماني والغنى للمفـلـسِ

يهنيك ذا القصرُ الذي أنشـأتـهُ

 

بالسعد في عام انشراح الأنفسِ

لا زلتُ تشرف من مطالع سعدهِ

 

كالبدر يظهر من خلال الحندسِ

والدهرُ يخدم جانبيك ويحتـمـي

 

بجلالك العالي الأعزّ الأقـدس

وكان محمد اكنسوس يأسف على ما يرى في وطنه من الخمول فقال في ذلك قبل وفاته:

ولستُ أُبالي أن يقال محمدٌ

 

أبلّ أم اكتظّ َت عليه المآتمُ

ولكنَّ ديناً قـدر أردتُ صـلاحـهُ

 

أحاذرُ أن تقضي عليه العـمـامُ

وللناس آمـالُ يُرُجـوُن نَـيْلـهـا

 

وإن متُّ ماتَتْ واضمحلّت عزائمُ

فيا ربي إن قدَّرتَ رجعي قـريبةً

 

إلى عالم الأرواح وانقضَّ خاتـمُ

فبارك على الإسلام وارزقهُ مرشداً

 

رشيداً يضيءُ النهجَ والليلُ قاتـمُ

     

هذا ما أمكنا جمعه من تراجم أدباء المسلمين في هذا العشر وهو بر من عد ولا نشك أنه اشتهر في بلاد الإسلام غير هؤلاء ألا أن تواريخهم لم تطبع حتى الآن أو تجد منها نتفاً قليلة متفرقة لا ينتفع من مضامينها إلا من وصلت يده إلى تلك المنشورات وسمح له الزمان بمراجعتها وقليل ما هم.

وممن أطلعنا على ذكر بعض آثارهم دون معرفة ترجمة حياتهم الشيخ العالم حمزة أفندي فتح الله الذي حرر مدة في الإسكندرية جريدة الكوكب الشرقي ثم انتقل إلى تونس ففوضته حكومتها أن يحرر جريدتها الرسمية المدعوة بالرائد التونسي مع منشئها منصور أفندي كرلتي. فاشتغل بذلك مدة منذ السنة 1293 (1876م) وكان ذا باع في الإنشاء وله نظم حسن فمن ذلك قوله يمدح الوزير الكبير خير الدين باشا بقصيدة مطلعها:  

آلاؤكَ الغـرُّ أو إنـاؤك الـغُـررُ

 

زها بها في الزمان الجيدُ والطُّرُرُ

ومنها:

الله ملجـأنـا إذ لـيس يفـجـأنـا

 

شرُّ الخطوب وخيرُ الدين لي وَزَرُ

خَيْرٌ له همةٌ أعلـى وأرفـع مـن

 

هامِ الثريَّا ومجدُ ليس ينحـصـرُ

وسيرة سرَّت الدنـيا بـشـائرُهـا

 

وضمَّخ الكونَ عَرفاً مسكها الذَّفِرُ

لا زال كهفاً لمن يأوي بسـاحـتـهِ

 

في ظلّهِ تسعد الآمال والـوطـرُ

وكبةً وزراء الفضل أنـجـمُـهـا

 

تزهو بهِ وهو فيما بينهم قـمـرُ

وكان خير الدين المذكور وزيراً لباي تونس فاشتهر بحسن سياسته وتدبيره للأمور. وكان كاتباً بارعاً ألّف كتاباً دعاه أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك طبعه في حاضرة تونس سنة 1285. وهو أجود كتاب وضعه أحد الشرقيين في وصف الممالك الأوربية وتعريف أحوالها المدنية مع لمحة من تواريخها.

وعرف بذلك الوقت في المغرب وبلاد تونس من الأدباء الوزير أبو العباس أحمد ابن أبي ضياف والشيوخ أبو عبد الله محمد الباجي وأحمد كريم الحنفي وأبو النجاة سالم أبو حاجب وأبو عبد الله محمد العربي زورق ومحمد الصادق ثابت وأبو راشد يونس العروسي ومصطفى رضوان ومحمد بن الحسن التطواني وقد قرأنا لكلهم فصولاً في الأدب إلا أن أخبارهم منقطعة عنّا.

وممن لم نقف على أخبارهم ونالوا بعض الشهرة في الأدب في الطور الذي نحن بصدده السيد عبد الرحمان النحّاس نقيب الأشراف في بيروت نشر ديوان خطب إسلامية مسجعة قرظها الشعراء ومما قال فيها الشيخ إبراهيم الأحدب:

أنشا لنا الخطب التي ألفـاظُـهـا

 

قد أعربت في السمع لَحْن مثاني

فِقَرٌ غدت حُلي المسامع مثلـمـا

 

أغنت فقير الفضل بالإحـسـانِ

أذِنت لآلئُ لفظها بـولـوجـهـا

 

في مسمـع الآذان قـبـل أذانِ

وللسيد عبد الرحمان قصائد متفرقة منها قوله يمدح الشاعر مصباح البربير:

لقد ضاءَ مصباحُ مشكاةِ عصـرهِ

 

وفاق بحسن الذكر نشرَ الشمائلِ

فتىً من بني البربير حازَ بـراعةً

 

وكان بنظم الشعـر أول قـائلِ

به طاب أهل المجد فرعاً وقد سما

 

مقاماً على هام البدور الكوامـلِ

لقد صاغ من نسج القريض نظامهُ

 

وجاء بديوان غريب المنـاهـلِ

وكان حديث السنّ لـكـنَّ قـدرهُ

 

كبيرٌ بأنواع العلى والفـضـائلِ

وأصاب في طرابلس بعض الشهرة الشيخ محمد الموقت كان يتعاطى الشعر وله مراسلات شعرية مع الشيخ ناصيف اليازجي منها قصيدة في مدحه يقول فيها:

لله هاتيك الصفـاتُ فـإنـهـا

 

جمعت ثناء مشارقِ ومغاربِ

أتظنُّ كل مهنَّـد فـي غـمـدهِ

 

ماضٍ وكلَّ غضنفرِ بمحاربِ

لا يخدعنَّك بالمُـحـال فـإنـهُ

 

ما كلُّ من سلّ الحسامَ بضاربِ

هذا هو الروض الذي أزهـاره

 

عطَّرنَ كل تَنوفَة وسبـاسـبِ

هذا هو الماء الـزلال وغـيرُهُ

 

ملحٌ أُجاجٌ ما يلـذُّ لـشـاربِ

هذا هو الفخر الذي شرُفت بـهِ

 

أبناء دوحتِه لبُعْـد تـنـاسـبِ

وكان في مصر طرابلسي آخر يدعى حسن أفندي الطرابلسي كاتب أيضاً الشيخ ناصيف فمدح الشيخ آدابه وشعره فقال:

يا أيُها الحسَنُ المـيمـونُ طـالـعُـهُ

 

أحسنت حتى ملأت السَّمَعَ والبصرا

ما زلتَ تجلو علـينـا كـلّ قـافـيةٍ

 

قد شبَّبت بمعاني حسنها الـشُّـعـرا

يهزُّك الشعرُ إنشـاداً فـنـحـن بِـه

 

نغوصُ في البحر حتى نجتني الدُّررا

وكذلك كتب في جرائد مصر الشيخ خليل العزازي ونظم القصائد فمدحه محرر الجوانب بقوله:

ألم ترَ كيف يزخرُ بالقوافـي

 

فيُسكر من سلافتها العقـولا

فتروي كلَّ من أمسى غلـيلاً

 

وتشفي كلَّ من أضحى عليلا

وقام في العراق أحمد عزت الفاروقي ابن أخي الشاعر عبد الباقي الذي مرّ لنا ذكره سابقاً. وله آثار شعرية لم تجمع حتى الآن. مدحه منشئ الجوانب غير مرّة لوفرة آدابه. وأخباره مجهولة لدينا.