الجزء الثالث: الربع الأول من القرن العشرين

الجزء الثالث

الربع الأول من القرن العشرين

مقدمة

لما انتهينا السنة 1910 من نشر كتابنا الذي وسمناه بالآداب العربية في القرن التاسع عشر كان قصده أن نشفعه عام عن أحوال تلك الآداب وتطورها في أوائل القرن العشرين فلم تسنح الفرصة بتحقيق نيتنا وإنما اكتفينا بأن نختمه بملحقين أو فصلين موافقين لأحوال العشر الأول من ذلك القرن الجديد دعوناهما: الحماسة الدستورية ومنظومات الوقائع الدستورية يبلغان أربعين صفحة.

لكننا لم نزل منذ ذاك الحين نجمع المواد المواصلة العمل وتدوين أخبار قسم من آداب القرن العشرين إذا مد الله بحياتنا. وإذا قد بلغنا بنعمته تعالى الربع الأول من هذا القرن فرأينا أن هذه الحقبة تستدعي تصنيف خلاصة ما جرى فيها من المشروعات والمساعي لرقي لغتنا الشريفة وما أنتجته قرائح الأدباء لتعزيزها ورفع منارة آدابها. فها نحن نعرض عليهم هذه المجموعة فعساها تروق في أعينهم وتأتي ببعض الفائدة.

ولعل البعض منهم ينسبوننا إلى التهور والثقة الزائدة بقوانا لما يلزم عملاً مثل هذا من المطالعة الكثيرة ووفرة المعارف وقد اتسعت في هذه السنين دائرة الآداب العربية اتساعاً كاد يستحيل على كاتب حصرها وضم أطرافها.

نعم أننا نقر بهذه المشقة ولم نزل نقدم رجلاً ونؤخر أخرى حتى تردد على فكرنا المثل السائر (ما لا يستطيع كلُهُ لا يُهمل قلُهُ) فأن بناء المعارف كصرح شاهق غاية ما يطلب من كل أديب أن لا يضن عليه بحجر صغير أو كبير يزيد في بنيانه سمواً.

ومما ينشطنا في مباشرة هذا العمل النظر إلى ما حرره البعض من ذوي النجابة والهمة القعساء فقربوا إلينا نوعاً القيام به فأننا نجد في ما صنفه في مصر الكاتب الهمام المرحوم جرجي زيدان في كتابه تاريخ الآداب العربية ونشره في بيروت جناب الفيكونت فيليب دي طرازي في تاريخ الصحافة العربية معلومات لم نجدها في وصف آداب القرن التاسع عشر. وكم نشرت المجلات الجرائد في القطرين المصري والشامي من فصول حسنة يمكن الاقتباس من أنوارها والاستقاء من مناهلها العذبة. فهي قد أحيت ذكر كثير من المعاصرين الأفاضل لولاها لبقيت أسماؤهم خاملة مجهولة وحقها أن يشاد بذكرها لتكون قدوة للناشئة وفخراً للوطن.

وقد قسمنا تاريخ هذه الآداب ثلاثة أقسام. فالقسم الأول يشمل وصفها وتراجم أصحابها في الثماني السنين الأولى من القرن العشرين من أول السنة 1900 إلى إعلان الدستور العثماني في 24 تموز 1908. ويتناول القسم الثاني العشر السنين التالية إلى نهاية الحرب الكلية في 11 تشرين الثاني 1918. ونخص القسم الثالث بالآداب العربية في هذه السنين الأخيرة إلى 1925.