الجزء الثالث: الربع الأول من القرن العشرين - القسم الأول: الباب الثاني: أركان النهضة في أوائل القرن العشرين في مصر - أدباء المسلمين المصريين في أوائل القرن العشرين

أدباء المسلمين المصريين في أوائل القرن العشرين

عبد اللطيف الصيرفي

هو شاعر مصري معاصر لسامي البارودي كاد يجاريه في سنتي مولده ووفاته. ولد في الإسكندرية سنة 1257ه (1841م) وتوفي سنة 1322ه (1904م) تعلم في المدارس الأهلية حتى أتقن اللغة العربية والحساب والأنغام وبرع بالخط فدخل في دواوين التحريرات وخدم حكومة وطنه زمناً طويلاً ثم اشتغل بفن المحاماة إلى سنة وفاته. صنف ديواناً نشره بعد وفاته ابنه عبد العزيز وهو مجلد واسع في 220 صفحة طبع سنة 1335ه (1908م) وشعره سهل وسط لا يخلو من بعض الرقة والتفنن وكذلك نثره له منه فصول ومراسلات ومداعبات منسجعة.

وهذا مثال من شعره قاله يهجو أحد العمَّال في دمنهور:

كانت دمـنـهـورُ لـنـا

 

مهدَ المحاسن والظرائفْ

لا سيمـا لـمّـا رقَـتْ

 

بُمديرها ربّ اللطـائفْ

خيري الـلائق احـمـدٍ

 

مُحيي الفاخر والمعارفْ

وسعت لنادي فـضـلـهِ

 

أهل الفضائل والعوارفْ

فاستأنستْ نفسـي بـهـم

 

وظْللتُ ألتقط الطرائفْ

وأقول قد سعـدت دمـن

 

هورُ وراقت كلَّ طائفْ

لكن بها كلـبٌ عَـقُـوٌر

 

قد بدتْ منه المخـاوفْ

لا زال يعطفُ كـاسـراً

 

فيسيء جالسها وواقـفْ

حتـى غـدَت مـوبـؤةً

 

بوجوده والكلُّ واجـفْ

فمن الـذي يأتـي لـهـا

 

ما دام فيها الكلبُ عاطفْ

ألا وَبـسْـتـور لـــهُ

 

في كل آونة مسـاعـفْ

ولـرَّبـمـا لـم يُجْــده

 

تطبيُبُه والـداءُ نـاقـفْ

فاللـه يخـفـى رسـمـهُ

 

منها فتأخذُه المتـآلـف

لأكــون أوَّل آمـــنِ

 

وأكون آخر من يجازفْ

إبراهيم بك المويلحي

في هذه الحقبة الأولى من القرن العشرين وقعت أيضاً وفاة أحد أعيان المصريين الذين أحرزوا لهم ذكراً في عالم الأدب نعني به إبراهيم المويلحي المولود في مصر سنة 1262ه (1846م) والمتوفى سنة 1322ه (29 ك 2 1906م) تقلب في عدة أعمال وغلب عليه الأدب والسياسة فخدم وطنه مصر في أيام الخديوي إسماعيل باشا ورافقه بعد استقالته إلى أوربة فكان أمين أسراره وسكن مدة باريس ونابولي معه ثم تردد مراراً إلى الأستانة فحظي بالنعم السلطانية والرتب عند عبد الحميد. وأنشأ عدة جرائد مثل الخلافة في نابولي والرجاء في باريس ونزهة الأفكار ومصباح الشرق في القاهرة وله عدة مقالات في الصحف العربية غيرها. وكان لم يستقر على خطة مع كونه شديد الذكاء بليغ الإنشاء كثير التفنن مر الانتقاد وهو منشئ جمعية المعارف لنشر الكتب المفيدة. ومن آثاره كتابه الشهير (ما هنالك) وصف فيه أسرار يلدز وسياسة السلطان عبد الحميد وله شعر قليل وإنشاؤه أقرب إلى الإنشاء العصري لا تصنُّع فيه كمن سبقه. وإنما يزينه بالنكت البديعة والمعاني المستطرفة. ومما وقفنا له من قلمه ما كتب في (الإنشاء والعصر) وهو كلام طويل ينتقد خمول المصريين بصناعة الإنشاء مع تزايد المطابع وانتشار التعليم وكثرة المدارس ويبحث عن أسباب انحطاطها فقال في ذلك: (إنما السبب عند جمهور الباحثين هو سوء طريقة التعليم والتلقين للعلوم العربية بين طلبة المدارس وضعف العناية في اختيار الكتب النافعة للتدريس. وليس هذا في نظرنا السبب الوحيد لما نشاهده من التأخر والانحطاط في صناعة الإنشاء والتحرير وقلَّة العاملين فيها فذلك مهما جئت به من التحسين والتعديل لطريقة التعليم لا ينفع في ملكة الإنشاء في أذهان التلاميذ التي عليها المعوَّل في حسن الصناعة لان المدَّة لدرس اللغة العربية في المدارس لا تكفي لغير الحصول على أصول اللغة وقواعدها ولا تفيد لتكوين الملكة لشيء صالح. ولا يخفى عن علمك أن الطالب يتجرع هذه القواعد والأصول في الدرس ولا يكاد يسيغها ولا يتناولها إلا كما يتناول المحموم مرَّ الدواء ولا تمكث في صدره إلا ريثما يمجُّها عند أخذ الشهادة...

(على مثل هذا يخرج المتخرجون في المدارس سواءٌ الفائز منهم بالشهادة والخائب فيها ثمَّ ينصرف كل واحد منهم إلى الأشغال التي تلهيه عن كل صحيفة وكتاب ولا يجد أمامه مجالاً لنمو ملكة الكتابة... أما إذا ابتلاه الله بالدخول في خدمة الحكومة فقل يا ضيعة العلم والأدب ويا بؤس صناعة الإنشاء والتحرير ويا زوال ملكة الإفصاح والتعبير! إذ يتلقى هناك لساناً جديداً ولغةً حديثة لا يهتدي فيها إلى قاعدة ولا ترتبط برابطة ولا تفضل لغة البرابرة...

ولو أنه ذهل يوماً وجاء في بعض عمله بجملة صحيحة وعبارة مستقيمة في اللغة وانحرف عن ذلك اللسان المصطلح عليه شيئاً قليلاً لأصبح عرضةً للتهكم عليه الاستهزاء به بين العمال فيعمد إلى التوبة من الذنب... ويأخذ بلسانهم فيأمن من مكرهم...

(ومن سوء الحظ لم تلتفت الجرائد السيارة إلى إتقان صناعة التحرير ولم تعمل لهذا المقصد النبيل ولم ير أربابها أن يتعبوا أنفسهم ويكدوا خواطرهم للتفنن في بلاغة القول وفصاحة التعبير وانتقاء الألفاظ وتنويع التركيب وتجديد الأسلوب وما شابه ذلك من محاسن هذه الصناعة التي تتوق للنفس وتطرب إليها القلوب... فينبغ النوابغ من الفصحاء والبلغاء ويكثر بيننا عديد الكتاب والأدباء... وفاتهم أن الواجب على الكتاب المجيدين الذين يضعون أنفسهم أمام القارئ في الهادي والمرشد ومقام المربّي والمعلم أن يرتفعوا بذهن القارئ إلى درجة أذهانهم لا أنهم ينزلون بأفكارهم إلى درجة أفكاره...) ومن فصوله الحسنة ذكره في كتابه (ما هنالك) (ص130 - 132) لموكب السلطان عبد الحميد في الأستانة يوم الجمعة (السلاملك) تلك حفلة حضناها مرّة فأحسن المويلحي بوصفها قال:  وإذا صدرت الإدارة السنيَّة بتعيين مسجد صلاته اجتمعت العساكر في ساحة المسجد أمام الباب السراي واصطفت صفوفاً مضاعفة بعضها وراء بعض. وفي هذه الأثناء تتسابق مركبات المشيرين والوزراء والمشائخ والأجانب من السفراء وغيرهم فيجلس السفراء ومن كان معهم من علية قومهم الوافدين على الأستانة في قاعة الجيب الهمايوني المطلة على تلك الساحة التي لا يسمع السامع فيها قيلاً ولا صهيلاً إلا صليل الأسياف وترديد الأنفاس هيبة وإجلالاً وانتظاراً واستقبالاً لإشراق نور الحضرة السلطانية فإذا حان وقت الصلاة أشرقت المركبة السلطانية المذهبة كالشمس ضياءً من مطلع السراي تحمل الإمام نائب الرسول صلعم ويجلس أمامه الغازي عثمان باشا. والمشيرون وكبار رجال المابين حافون من حول المركبة مشاةٌ خشع الأبصار ترهقهم ذلة من جلال تلك الإمامية وهم في غير هذه الساعة أكاسرة الزمان وقياصرة الرومان كبراً وجبروتاً وكلهم في أمواج الملابس الذهبية يسبحون وعلى صدورهم نياشين الجوهر تخطف الأبصار وتأخذ الألباب حتى أن الناظر ليكاد يوالي الحمد لله تباعاً على ما منحه للدولة من عديد الرجال الصادقين في خدمة الملَّة بشهادة الكلمات الناطقة فوق النياشين... فإذا اختلف المكتوب على الصدر عن المكنون في القلب كانت كبائعٍ يغش الناس بوضعه على زجاجة الخل عنوان ماء الورد... ثم تسير المركبة بالعز والإجلال والسعادة والإقبال تحسدها الكواكب وتحفظها المواكب.. ثم يصعد السلطان إلى المكان المخصص لصلاته فيصلي فيه وحده وصفوف العساكر العثمانية واقفون في تلك الساحة ينتظرون تشريف جلالته للسراي بعد تأدية الصلاة..) ومن أدباء المسلمين أيضاً المتوفين في أوائل القرن العشرين بعض الذين تركوا آثاراً قليلة من أقلامهم (كوفاء أفندي محمد) المتوفى سنة 1319 (وقيل 1322) (1901 - 1904) كان أمين المكتبة الخديوية دونك مثالاً من رسائله يهنئ بعض السادة بالعيد: (كيف أهنئك وحدي وأنك العالم في واحد. فقد انطلقت الألسن بتهنئتك حيث أجمعت القلوب على محبتك وقد وافانا يوم العيد الأكبر فالناس بين مهلل ومكبر. وهذا الربيع قد احتفل بيمن طالعك السعيد فنشر على الربى مطارفه السندسية ورفع أعلامه الزبرجدية، وبعث برسول النسيم، إلى الروض فتلقاه بوجه وسيم، وثغر بسيم، ونشر من الزهر النضير، دراهم ودنانير، ورقصت الغصون فغنت الطيور فوق الأفنان، بفنون الألحان، فهكذا تكون إشارات التهانئ، وإن لم تف بوصفها الألفاظ والمعاني، والية بمن أولاك، رفعة تصافح السماء وولاك، رتبة لا تدانيها الجوزاء، عن صحيح الفهم في دارك علاك لعليل، وإن اللسن وإن شحذ اللسان في وصف مجدك لكليل والسلام) ومنهم (مصطفى بك نجيب) المتوفى سنة 1320ه (1902) وكان رئيس قلم بنظارة الداخلية وهو أحد الأدباء الفضلاء الذين اشتهروا بفصاحة القلم ونشر المواعظ وجليل الحكم فمن قوله نبذة وصف فيها الفونغراف قال: (الفونغراف مثال القوة الناطقة، من غير إرادة سابقة، يقتطف الألفاظ اقتطافاً، ويخطف الصوت اختطافاً، أشد من الصدى في فعله، في إعادة الصوت على أصله، كأنه الوتر عن يد الضارب، والقصب عن فم القاصب، يحفظ الكلام ولا يبيده، ومتى استعدته منه يعيده، كأنما حفظ الوديعة، في نفسه طبيعة، فلو تقدم له الوجود في مرتبة الزمن لأسمعنا كلام السيد المسيح في المهد، وصوت ألعازر من اللحد، وكانت استودعته الفلاسفة حكمتهم، وأنشدوه كلمتهم، فرأينا به غرائب اليونان، وبدائع الرومان... نديم ليس فيه هفوة النديم، وسمير لا ينسب إليه تقصير، تسكته وتستعيده، وتذمه وتستجيده، وتنقصه وتستزيده، وهو في كل هذه الأحوال، راض بما يقال، لا يكل من تحديث، ولا يمل من حديث، نمام كما ينم لك ينم عليك، وينقل لغيرك كما ينقل إليك، فهو المتكلم بكل لغة ولا يجهده الأداء، ولا يضره اختلاف شكل، ولا تباين أصل، بل تعدت شدة حفظه البشرية من اللغات، إلى حفظ أصوات العجماوات، إلى تركة اصطكاك الجمادات. (عائشة التيمورية) هي إحدى النساء المسلمات التي تفردت في الآداب في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين فتوفيت في صفر من السنة 1320 (أيار 1902) وكان مولدها في القاهرة سنة 1256ه (1840م) ووالدها إسماعيل باشا تيمور وأمها جركسية. أحبت منذ صغرها العلم والأدب وبعد أن اقترنت بالزواج ثم ترملت انصرفت إلى الآداب وبرعت بنظم الشعر في اللغات الثلث العربية والتركية والفارسية. وقد طبع ديوانها العربي المسمى حلية الطراز فأثنى عليه الأدباء طيب الثناء وشفعته بكتاب نتائج الأحوال فأقبل عليه العلماء أيضاً وأطرأوا صاحبته. وممن قرظ كتاب حلية الطراز السيدة وردة كريمة الشيخ ناصيف اليازجي فقالت:

حبَّذا حليةُ الطـراز أَتَـتْ مـن

 

مصرَ تزهوا باللؤلؤ المنظـومِ

حليةُ المعقول لا حلـيةُ الـوَشْ

 

ي وكنزُ المنطوق والمفهـومِ

أنشأتْـهُ كـريمةٌ مـن ذوات م

 

المجد والفخر فرعُ أصلِ كريمِ

قد أعاد الزمانُ عـاشـئةُ فـي

 

ها فعاشت آثارُ عـلـمِ قـديمِ

هي فخرُ النساء بل وردةٌ فـي

 

جيدِ ذا العصْر زُيّت بالـعـومِ

فأدام المولى لـهـا كـلّ عِـزّ

 

ما بدا الصبحُ بعد لَيلِ بَـهـيمِ

وقالت في تقريظ نتائج الأحوال:

هذا الكتابُ الذي هام الفؤادُ بِه

 

يا ليتَني قلمٌ في كفّ كاتبِـه

ودونك أمثلة من شعر عائشة تيمور قالت في الفخر:

بيد العفاف أصونُ عز حـجـابـي

 

وبعصْمتي أسمو على أتـرابـي

وبـفـكـرةٍ وقـادةٍ وقـــريحةٍ

 

نقَـادة قـد كُـمَـلْـتْ آدابــي

فجعلتُ مرْآتـي جـبـينَ دفـاتـرٍ

 

وجعلتُ من نَقْش المدادِ خطابـي

ما عاقني خجلي عن الـعَـلْـيا ولا

 

سَدْلُ الخمار بلمتَّـي وِنـقـابـي

عن طيّ مضمار الرهانِ إذا اشتكتْ

 

صعبَ السباق مطامحُ الـركّـابِ

بل صولتي في راحتي وتفـرُّسـي

 

في حُسن ما أسعى لخَـير مـآبِ

ومما قالته ترثي أبنتها وكان موتها في رمضان:

طافت بشهر الصوم كاساتُ الـردى

 

سَحَرَا وأكوابُ الـدمـوع تـدورُ

ومضى الذي أهوى وجرَّ عني الأسى

 

وغدَتْ بقلبـي جُـذوةٌ وسـمـيرُ

ناهيك ما فَعلتْ بماءِ حـشـاشـتـي

 

نارٌ لهـا بـين الـضـاوع زفـيرُ

آني أَلْفتُ الحـزنَ حـتـى أنـنـي

 

لو غاب عني ساءني الـتـأخـيرُ

قد كنتُ لا أرضي التبـاُعـدَ بـرهةً

 

كيف التصبُّر والـبـعـادُ دهـورُ

أبكيكِ حتى نـلـتـقـي فـي جـنّةٍ

 

برياضِ خُلْد زَّيَنْـتـهـا الـحُـورُ

هذا النعيمُ بـهِ الأحـبَّةُ تـلـتـقـي

 

لا عيشَ إلاَّ عيشُـهُ الـمـبـرورُ

واللهِ لا أسلـو الـتـلاوةَ والـدُّعـا

 

ما غرَّدت فوقَ الغصـون طـيورُ

ولعائشة تيمور قصائد مختلفة في الأوصاف والأخلاق والغزل والمديح وإنما أخذت في كل ذلك أخذ كتبه زمانها فلم تعالج المواضيع المبتكرة. وكذلك نثرها في نتائج الأحوال لا يخلو. من التصنع في نظم سجعاته. هذا فضلاً عما يحتويه من التخيلات والأقاصيص المصنوعة التي قصدت بها ترويح الأفكار وتلهية الأحداث.

وفي هذه الحقبة ذاتها فقدت مصر قوماً من مشاهير أطبائهم الذين كانوا أغنوا الطب الوطني بمؤلفاتهم بعد أن تخرجوا على أطباء نطاسيين من الأوربيين منهم (محمد باشا الدري) و (أحمد بك حمدي الجراح) وقد أتقن كلاهما علم الطب في باريس. وقد ألف الأول تذكار الطبيب وألف مطولاً في الجراحة وكتب تاريخ الأسرة الخديوية. كانت وفاته في مطلع القرن العشرين وصنف الثاني في أعمال الجراحة ونشر جريدة طبية دعاها المنتخب كانت وفاته سنة 1321ه (1903م).. ومنهم الدكتور (محمد بك بدر) تخرج في فن الطب في إنكلترا وهو مؤلف كتاب علم الشفا والمادة الطبية وكتاب شرح الأدوية الجديدة وكتاب الصحة التامة توفي سنة 1902. وكان محمد بك بدر أشتغل في ألمانيا في فلسفة الإسلامية ودرس هناك اللغات السامية وباشر بتاريخ فلاسفة الإسلام ومؤلفاتهم منذ ظهر الإسلام إلى اليوم ولا نعلم أنشر تأليفه بالطبع. وهو الذي نشر كتاب أبي منصور عبد القادر البغدادي الفرق بين الفرق). وممن درس الطب في ألمانيا (حسن باشا محمود) له مصنفات عديدة في الأمراض العصرية كحمى الدنج والهيضة وخص بدرسه أدواء وطنه كالدمل المصري والطاعون الساري. ومن تأليفه الحسنة كتابه الخلاصة الطبية في الأمراض الباطنية.

وتفقه أيضاً في أوربا غير هؤلاء مثل (عبد الرحمن بك الهراوي) صاحب تأليف في الفسيولوجية توفي سنة 1906. (والدكتور سليمان نجاتي) الذي تخصص بمعالجة الأمراض العقلية وألف كتاب (أسلوب الطبيب في فن المجاذيب). كانت وفاته سنة 1907.

واشتهر في العلوم الفلكية (إسماعيل باشا الفلكي) الذي درس الرصد في مرصد باريس وأدار في مصر المرصد الفلكي وكان ينشر تقاويم أرصاده الفلكية الرسمية في اللغتين العربية والأفرنسية. ومن تأليفه: (الآيات الباهرة في النجوم الزاهرة) توفي سنة 1901.

فترى أن العلوم العصرية كانت مدينة خصوصاً لأوربة حيث تخرج فيها المصريون ثم نشروها في وطنهم إما بالتدريس في القصر العيني وإما بالمزاولة والتأليف فكانت سبب نهضة علمية معتبرة تتمتع اليوم مصر بثمرتها.

أُدباء الإسلام في الشام والعراق

وبينما كان المصريون يحاولون كسر أغلال التقليد القديم الذي كان يضايقهم في الكتابة ويحول بينهم وبين الرقي العصري. كان إخوانهم في الشام يجاهدون للحصول على حرية كافية لينزعوا عنهم ضغط نير الأتراك فيطلقوا العنان لأقلامهم للبحث في المسائل الاجتماعية والإصلاح السياسي. وفي مقدمتهم: (عبد الرحمن الكواكبي) ولد في حلب سنة 1265ه (1849م) من أسرة آل الكواكبي القديمة التي إليها تنسب في الشهباء المدرسة الكواكبية. وفيها تلقى العلوم اللسانية والشرعية وبعض العلوم الحديثة ثم أنس بالكتابة فحرر عدة جرائد كالفرات والشهباء والاعتدال وخدم الدولة متقلباً في مناصبها العلميَّة والإدارية والحقوقية إلا أن ما طبع عليه من الإباء والنخوة ودقة النظر وحب الانتقاد في العصر الحميدي حمل أعداءه إلى الوشاية به إلى المراجع العليا فزج بالسجن وجرد من أملاكه. ثم خرج سائحاً إلى البلاد وطاف جانباً من أفريقية وجزيرة العرب حتى توغل في صحاريها وبلغ اليمن ثم رحل إلى الهند وسكن أخراً في مصر وفيها توفي سنة 1903. ومن آثاره ما يثبت له سعة إطلاعه على تاريخ الشرق ولا سيما تاريخ الممالك العثمانية فعرف أداؤها وحاول علاجها كالأفغاني. ومما ألفه في ذلك كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستبعاد) وكتاب (أم القرى) نظر فيه الشيخ محمد عبده. وكان الكواكبي مع أنفته من الاستبداد رقيق الجانب عطوفاً على الضعفاء والمساكين.

(محمد رشيد الدنا) وقد أسفت بيروت في أوائل القرن العشرين على فقدها لهذا الكاتب الضليع في السنة 1902 (1320ه) وهو أحد تلامذة المعلم بطرس البستاني في مدرسته الوطنية. خدم الحكومة التركية عدة سنين ثم استقال من مناصبها ليخدم وطنه بالتحرير فأنشأ جريدة بيروت سنة 1886 وأدارها إلى سنة وفاته وكان معتدل الطريقة في سياسته فأمن نكبات الدهر. وكان يرتشد بآراء شقيقه الأكبر السديدة السيد عبد القادر وصارت الجريدة بيروت من بعده في عهدة أخيه محمد أمين.

نضيف إلى أدباء المسلمين في الشام (السيد إبراهيم الطباطبائي) من مشاهير أدباء العراق قضى نحبه سنة 1319ه (1901م) في النجف وفيها كان مولده سنة 1248ه (1832م) كان إمام النهضة اللغوية في وطنه بين صدور الشيعة. وله ديوان شعر طبع في صيداء تلوح فيه الأساليب البدوية القديمة وكان مغرّى بغريب اللغة وترى ذلك في معظم أشعاره. وقسم كبير من قصائده في الغزليات. ومن حسن قوله أبيات ذكر فيها الأحباب وأيام الأنس:

أخَيِّ هل راجعُ ليلٌ فينظـمـنـا

 

بشط دِجْلة نَظْمَ العقدِ إخـوانـا

أحبابَنا أن تَهُنْ فيكـم وسـائلُـنـا

 

فحسُبنا كلّ شيء بعدكم هـانـا

إن فرَّق الدهرُ ما بيني وبينـكـمُ

 

فقد صَحبّتكمُ دهـرا وأَزمـانـا

تركتُ في النَّجَف الأعلى لصحبتكم

 

صَحْباً وأهْلا وأوطاناً وجيرانـا

عوضتموني عن أهلي وعن وطني

 

بالأهل أهلاً وبالأوطان أوطانـا

ومن حكمه:

ما كلُّ من صَحب الأخوان جرَّبهم

 

لا يُعْرَفْ الخل إلا بالتجـاريب

وقال في محاسن الشعر:

للشعر حُسْنانِ لا تَعْدوهما جهةُ

 

حسنُ بمعنَى وحسنُ بالأساليبِ