الباب الأول
في الأدباء المتوفين في الحقبة الثالثة
1- أدباء الإسلام المتوفون في هذه الحقبة
لما أخذت تلوح بوارق الصلح بين الدول المتحاربة سنة 1918 رحل إلى دار البقاء أحد أدباء مصر (الشيخ عبد الكريم سلمان) درس في الأزهر مع الشيخ الإمام محمد عبده فتعاشرا وتصادقا. ولما قام الأستاذ بنهضته لإصلاح أمور الإسلام كان الشيخ عبد الكريم عضده ونصيره فشاركه في تحرير الوقائع المصريَّة وفي إصلاح التعليم في الجامع الأزهر وقد نشر خلاصة أعمال مجلس إدارته في عشر سنين فكان لكتابه تأثير عظيم في كثير من مواطنيه لكنه أوغر عليه قلوب غيرهم. فأيس من الإصلاح. ومن ظريف ما أخبره منشئ المنار الإسلامي (20: 440) من نفسه ما رآه من يأس الشيخ سلمان من صلاح حال أمته فروى ما ننقله بحرفه الواحد: (كان يصرح بذلك ويحتج علي الأستاذ الإمام قائلاً: سترى ما ينتهي إليه أملكما في هذه الأمة الميتة وما يبلغه إصلاحكما من هذه الشعوب الفاسدة. وله كلمة في هذا المعنى قالها لأستاذنا الشيخ حسين الجسر ألبسها كعادته ثوب الدعابة والهزل. وقد كنا بدار الأستاذ الإمام نتحدث بما أشيع من رغبة الأمة اليابانية في التدين بدين الإسلام. قال الشيخ حسين الجسر: إذا يرجى أن يعود إلى الإسلام مجده. قال الفقيد: دعهم فإني أخشى إذا صاروا منا أن نفسدهم قبل أن يصلحونا. ذكرت هذا في ترجمة الرجل لما فيه من العبرة المحزنة) فتأمل! وفي كانون الثاني من السنة 1919 توفيت في القاهرة إحدى أديبات مصر النابغات في الإسلام كعائشة تيمور نريد بها (ملك هانم) كريمة حفني بك ناصف التي اشتهرت بلقب باحثة البادية وسعت بإصلاح أحوال بنات جنسها في القطر المصري توفيت في شرخ شبابها. عني أبوها بتربيتها وتخرجت بأرقي مدارس البنات الأميرية فنالت شهاداتها المختلفة. ثم انتدبت إلى تعليم الفتيات فامتازت به ثم حاولت الكتابة والتأليف فبرعت بهما. ولما زوجها والدها من أحد شيوخ العرب المقيم بجوار الفيوم عبد الستار بك الباسل جمعت بين حضارة المدن والبادية فكان ذلك سبباً لتسميتها بباحثة البادية. وقد صنفت كتباً بحثت فيها عن كل الأحوال النسائية كتربية البنات وأوصاف المرأة والزواج والحجاب والسفور. ونظمت القصائد وتفننت في الكتابات الأدبية والاجتماعية. وقد جمعت كتابات ملك هانم في كتاب عنوانه النسائيات. وقد عرفت هذه السيدة باعتدالها في المسائل النسائية فكانت تذهب في ذلك مذهباً وسطاً بين القديم والحديث بناءً على قول المثل (خير الأمور أوسطها) وقد صنفت الآنسة الأديبة مي كتاباً في وصفها سبق لنا الكلام فيه (المشرق 18 (1920): 716) وبعد وفاة السيدة (ملك هانم) بسنة تبعها إلى الأبدية في 26 شباط 1920 والدها (حفني بك ناصف) في نحو الستين من عمره. كان تخرج في أشهر مدارس القاهرة كالأزهر ودار العلوم ودار الحقوق الخديوية ثم عهد إليه التدريس فيها وعين مدرساً في مدرسة الخرس والعميان فلبث فيها أربع سنوات وألقى دروساً في الجامعة المصرية جمعها في (كتاب تاريخ اللغة العربية). ومما ألفه لما حضر مؤتمر المستشرقين في أوربا كتابه في لهجات العرب الذي أصاب لديهم استحساناً. واشتغل بالقضاء وفي مركز مفتش المعارف. ونشر القرآن في المطبعة الأميرية (بحسب قواعد الإملاء) فمدحه لفعله كثيرون وقدح فيه آخرون. وكان حفني بك يحسن الكتابة نثراً أو شعراً ومما قاله قبل وفاته:
أَتَقْضي معي إن حانَ حيّني تجاربي |
|
وما نلتُها إلا بـطـولِ عَـنَـاءِ |
إذا وَرّثَ المثرون أبنائهم غِـنـىً |
|
وجاهاً فما أشقى بني الحكـمـاءِ |
وفي نيسان 1920 توفى الدكتور (محمّد توفيق صدقي) المولود في السنة 1881. درس العلوم في القاهرة ونال شهادة الدكتورية بعلم الطب له في المسائل الطبية أبحاث حسنة منها مقالة في ماء النيل ومضارّه. ثم تخصص بالمسائل الأدبية والدينية والاجتماعية فكتب في الإصلاح الإسلامي ورد على الماديين وله تأليف سماه الدين في نظر العقل الصحيح. ودافع عن دينه الإسلامي في عدة تآليف وقد رددنا عليه في ما كتبه عن لاهوت السيد المسيح وفي السنة 1920 في 8 ك2 أسفنا على فقد أحد أصحابنا الشيخ الفاضل (طاهر الجزائري). كان مولده في دمشق سنة 1851 وأخذ عن أدباء الفيحاء العلوم الدينية واللغوية والأدبية فأولع بدرسها وكد ذهنه في إحراز أسرارها وسعى بنشر كنوزها وتعميم فوائدها. وإليه يعود الفضل في إنشاء مكتبة الملك الظاهر. كما انه لم يذخر وسعاً في تعزيز الآداب العربية في المدارس إذ أقيم ناظراً عليها. وقد تفرَّغ للتأليف فوضع كتباً عديدة تدلُّ على اجتهاده وسعة معارفه بعضها دينية كتوجيه النظر إلى أصول الأثر ومنية الأذكياء في قصص الأنبياء. وبعضها لغوية كالتقريب لأصول التعريب وإرشاد الألباء ومدخل الطلاب لفن الحساب. وغيرها علمية كالفوائد الجسام في معرفة خواص الأجسام ومد الراحة إلى أخذ المساحة. ونشر كتباً أخرى لقدماء الكتبة وحشَّاها كديوان ابن نباتة وروضة العقلاء. ومما نود أن لا يبقى منزوياً بين المخطوطات كتابه (التذكرة الطاهريّة) بحث فيه عن نوادر المخطوطات ووصفها وعرف محل وجودها. وكان الشيخ طاهر أحد الأدباء القليلين الذين فضّلوا في الإسلام عيشة العزوبة ليتفرغوا لدرس العلوم. وقد أحيا بين قومه التاريخ وعني بفنون الكتابة. راجع في المشرق (18 (1925): 144 - 148) ترجمته لكاتبنا المدقق الأستاذ عيسى أفندي إسكندر المعلوف. ونشر سيرته أيضاً في دمشق الشيخ محمد سعيد الباني فدعاها (تنوير البصائر بسيرة الشيخ طاهر) وفي 25 من الشهر والسنة السابقين 1920 توفي في طرابلس الصحافي (محمد كامل البحري) صاحب جريدة طرابلس ومؤلف أخبار سياحة باشرها إلى بعلبك وأنحاء الشام. ومثله توفى في 20 آب من السنة أديب آخر (عبد القادر بك العظمي المؤيد) له كتابات متفرقة في بعض الصحف والمجلات ومن أشعر شعراء هذا العصر الذي حلت به المنيَّة في هذه الحقبة سنة 1920 (محمد إمام العبد) أصله من أسرة عبيد لكنه توصل بسعيه إلى أن أحرز الأدب ونبغ في الشعر. وله شعر رقيق جمع في ديوان لم ينشر بالطبع وإنما ظهر منه عدة قصائد رنّانةَ في كتب الأدباء. ومن لطيف قوله يندب حظه:
نسَبوني إلى العبـيد مـجـازاً |
|
بعد فضلي واستشهدوا بسوادي |
ضاع قدري فقمتُ أندبُ حظّي |
|
فسوادي علـيَّ ثـوب حِـدادِ |
ومن أقواله الحماسية:
ولـمَّـا الـتـقـينـا والأسـنة شُــرَّعٌ |
|
ونادى المنادي لا نجاةَ مـن الـحـتـفِ |
عطفتُ على سيفِ المنـيّةِ فـانـجـلَـتْ |
|
صفوفٌ وكان الصفُّ أُلْصِقَ بالـصـفِّ |
فرُحْتُ وفي وجهـي وجـوهٌ عـبـوسةٌ |
|
وعدتٌ وأَشْلاءُ الفوارس من خـلـفـي |
فلم أرَ قلباً غير قـلـبـي بـجـانـبـي |
|
ولم أرَ سيفاً غير سيفـيَ فـي كـفّـي |
وقسّمَ سيفـي الـقـومَ قـسـمة عـادلٍ |
|
فأرضى الثرى بالنِصف والطيرَ بالنصفِ |
وفي السنة 1931 في 24 شباط اخترمت المنون أديباً آخر أدى للآداب العربية في مصر خدماً مشكوراً نعني به (محمد بك تيمور) نجل احمد باشا تيمور توفاه الله في العقد الثالث من عمره. شغف منذ صباه بالآداب العربية فبرع فيها حتى انه نظم الشعر في الثانية عشر من عمره وكتب في الجرائد ثم سئم الشغل بالسياسة ونفر من المنازعات بين الأحزاب ورأى ما عليه وطنه من التأخر في فن التمثيل. فقصد البلاد الأوربية ودرس الحقوق في باريس وهو يلحظ مسارحها الكبرى حتى أتقن أصول ذلك الفن وتخصص بترقيته في بلاده. فألف لذلك جوقاً مختاراً امتاز بمهارة التمثيل تحت إدارته. وان هو يؤلف له الروايات الأدبية ويجهز له كل لوازم التمثيل وربما وقف هو بين الممثلين فكان موضوع إعجاب الحضور من أعيان مصر. وكان يختار الروايات التي تمثل فيها حوادث الشرق وعاداته حتى عد فن التمثيل بمسعاه في مصر شبيهاً به في عواصم البلاد وهو في ذلك يطلب جمال الفن أكثر منه لأرباحه. وقد خلف تآليف عديدة في هذا الباب وفي غيرها أخصها كتابه وميض الروح جمع فيه ديوانه ومقالاته الأدبية وقصصه ومذكراته. ثم كتابه حياتنا التمثيلية خصه بفن التمثيل وتاريخه وفنونه وآدابه ثم كتاب المسرح المصري. دونك بعض أبيات من نظمه عنوانها (شاعر يتألم)
ليلةُ كـلـهـا عـنـاءٌ وهـــمٌّ |
|
وشقاءٌ والقلب منـهـا تـعـذَّبْ |
ذقتُ فيها المصابَ كأساً دِهـاقـاً |
|
ضاع رشدي فيها ولم ألقَ مهرَب |
ففـؤادي مـن نـاره يتـلـظَـى |
|
ودموعي من المَحاجر تُسـكَـبْ |
قد دَعَوْني فتى القريض وحسبـي |
|
منه في القلب جمرةٌ تتـلـهّـبْ |
ما نظمتُ القريض أبغـي نـوالاً |
|
من كبير ولا أحاول مـكـسـبْ |
بل أقول الأشعار كيمـا أُنـاجـي |
|
كلَّ حرٍ من بـؤسـهِ يتـعـذَّبْ |
ذاك رأيي فيما أسمّـيهِ شـعـراً |
|
ولكل في الشعر رأيٌ ومذهـبْ |
ومات في أوائل تلك السنة رجل مصري آخر كان له موقع كبير في نفوس مواطنيه الكاتب الأديب (دياب محمد بك) ولد سنة 1853 درس في الأزهر ودرس فيه وفي دار العلوم وتعيَّن مفتّشاً في وزارة المعارف وتفرغ للكتابة فنشر تآليف مختلفة ككتاب دروس البلاغة والإنشاء وقلائد الذهب في فصيح لغة العرب وتاريخ أدب اللغة العربية ومعجم الألفاظ الحديثة وتاريخ العرب في إسبانية وعرَّب عن الفرنساوية كتاب تخطيط أوربة وغير ذلك ممَّا خدم به الأدب والوطنوفي تلك السنة 1921 تعدَّدت وفيات الأدباء فقضى أيضاً (وليُّ الدين بك يكن) نحبه فيها في 6 آذار. كان تركي الأصل من أسرة شريفة ولد في الآستانة سنة 1873 جاء صغيراً إلى مصر مع أهله فتوفى فيها والده وكفله عمه فتخرج في مدرسة الأنجال المشهورة فأتقن فيها العربية كما عرف التركية وعاد إلى الآستانة وكتب في جرائدها. وقد عرف بميله إلى الحرية فنفي إلى سيواس وبقي هناك إلى الإعلان بالدستور سنة 1908 فعاد إلى مصر وحظي لدى سلطانها حسين كامل فعيَّنه كاتباً في الديوان العالي في القصر السلطاني حتى مني بعلة أذاقته كأس المنون في مدينة حلوان. وله شعر منسجم مطبوع يتدفق رقة فمن قوله يحيي سيواس يوم نفي إليها:
رضيتُ سـيواسَ داراً |
|
وما بسـيواسَ شـرٌّ |
جَنْوا عليها فأمـسـتْ |
|
قد أقفرَتْ فهي قفرُ |
فلا بها الروض خصبٌ |
|
ولا بها الزهرٌ نَضْرٌ |
فليس لي ثَـمَّ نـظـمٌ |
|
وليس لي ثَمّ نـثـرٌ |
وكم بـمـصـرَ أديبٌ |
|
يشدو فترقصُ مصرُ |
لهفي على سانـحـاتٍ |
|
كأنَّما هـي سـحـرُ |
يقولـهـا قـائلـوهـا |
|
فيعتري الناسَ سكـرُ |
وممَّا روي له في مختارات الزهور (ص 77) قوله عن لسان فتاةٍ عمياء:
سادتي أنَّ في الوجود نـفـوسـاً |
|
ظلمَتْها الأقدار ظلـمـاً شـديداً |
هي تشقى من غير ذنبٍ جنَـتْـهُ |
|
ولَكَم مذنـبٍ يعـيشُ سـعـيدا |
رَحِمَ الله أعينـاً لـم تُـشـاهـدْ |
|
منذ كانـت إلا لـيالـيَ سُـودا |
تتمنَّى لو فُتّـحَـتْ فـتـمـلّـت |
|
من جمالِ الوجودِ هذا الشهـودا |
تتناجى حمائمُ الروض صبـحـاً |
|
لا تراها وتسمـعُ الـتـغـريدا |
ويكونُ الربـيعُ مـنَّـا قـريبـاً |
|
فنظنُّ الربـيعَ مـنَّـا بـعـيدا |
حين ترنو إلـى الـورود عـيونٌ |
|
ليت شعري كم تستطيبٌ الورودا |
سادتي إننا صبـرنـا امـتـثـالاً |
|
ما ضجرنا ولا شكونا الجـدودا |
فانظروا نظرة الـكـرام إلـينـا |
|
وارحموا أدمعاً تخدُّ الـخـدودا |
ولولي الدين يكن من التآليف ما ذاع صيته كالصحائف السود وهو عبارة عن مجموع مقالات اجتماعية بليغة الإنشاء طافحة بآرائه الحرَّة. وكتأليفه في أحوال تركية وسياستها دعاه المعلوم والمجهول. ونقل إلى العربية كتاب نيازي بك في الدستور العثماني المعنون بالتجاريب. وقد حرَّر كثيراً من المقالات في أكبر جرائد مصر وفي ثاني يوم حزيران من السنة 1922 انطفأ نور حياة شاعر آخر (عبد الحليم حلمي المصري) ولد في دمنهور سنة 1887 ودرس في وطنه ثمَّ دخل في المدرسة الحربية وتوظف في ديوان الأوقاف في مصر. وكان مولعاً بنظم الشعر ونشر عدة قصائد دلت على جودة قريحته وحسن ذوقه جمعها في جزأين وطبعهما تحت عنوان (ديوان المصري) سنة 1910 وقد تحرَّى في شعره المواضيع العصريَّة وأدَّت إحدى قصائده إلى محاكمته وسجنه. ثم دخل بعد الانقلاب الدستوري في خدمة الملك. وهذا مثال من شعره قال يتشوق إلى الشام:
يحنُّ لمصرّ من سكَنَ الـشـامـا |
|
ونحن نودُّ لو كانت مـقـامـا |
منابتُ لا تجفُّ بها الـخُـزامـى |
|
ولا تشكو أزاهرُهـا الأُوامـا |
وأرضُ تُنبت اليوم المـعـالـي |
|
وكانت تُنبت الرسلَ الكَـرامـا |
على (لبنانَ) زَهْريّ الهِـضـابِ |
|
على (الأردنّ) خمريّ الخْبـابِ |
على (القدس) المفضَّل في الكتابِ |
|
على تلك القصور على الغبابِ |
سلامُ مـتَّـيمٍ لـولا الـلـيالـي |
|
تُقَيّده لما بـعـثَ الـسـلامـا |
وافتتح قصيدته في وطنه في مصر بقوله:
بلادي سقاكِ الدمعُ إن مُنعَ القَطْـرُ |
|
وما بَرحَت خضْراً ميامنُك الخُضْرُ |
وقفنا عليكِ المال والعُمـر والـذي |
|
يُحَبُّ عليه يوَقفُ الحالُ والعمـرُ |
وتبع المصري إلى القبر بعد أشهر من تلك السنة 1922 شاعر ثالث ليس دونهما سمعةً ورقياً (إسماعيل صبري باشا) ولد في مصر سنة 1861 وتقلب في مناصب الدولة المصرية كمنصب النائب العام ومحافظة الإسكندرية ووكالة نظارة الحقَّانيَّة. وقد اشتهر بشعره الرقيق اللفظ والفصيح الأسلوب وكان لا ينشده إلا بعد انتقاده وتمحيصه مراراً. وقد استحسنا له قوله في الاستغفار واعتقاد الخلود:
يا ربِّ أين تُرى تقامُ جهنَّمٌ |
|
للظالمينَ غداً وللأشرارِ |
لم يُبق عفوُكَ في السموات العُلى |
|
والأرضِ شبراً خالياً للـنـارِ |
يا ربِّ أهّلني لفضلك وأكفِـنـي |
|
شَطَطَ العقول وفِتنة الأفكـارِ |
ومُرِ الوجودَ يشقُّ عنك لكي أرى |
|
غضَبَ اللطيفِ ورحمةَ الجَبّارِ |
يا عالم الأسْرارِ حسبيَ مـحـنةً |
|
علمي بأنك عـالـمُ الأسـرارِ |
أخْلِقْ برحمتكَ التي تَسَعُ الوَرى |
|
ألاّ تضيقَ بـأعـظـم الأوزارِ |
وما أحسن قوله في الوفاء والعفو:
إذا خانَني خِلٌ قديمٌ وعـقَّـنـي |
|
وفوَّقتُ يوماً في مقاتِله سَهْمي |
تعرَّض طيفُ الودِّ بيني وبينـهُ |
|
فكسَّر سهمي فانثنيتُ ولم أَرْمِ |
ومثله حسناً في طيش الشباب وعجز المشيب:
لم يدرِ طَعْمَ العـيش شُ |
|
بّانٌ ولم يُدرِكـهُ شِـيبُ |
جهلٌ يُضِلُ قوى الفتـى |
|
فتطيشُ والمَرْمى قريبُ |
وقِوىً تخورُ إذا تشبـثَ م |
|
بالقوي الشـيخُ الأريبُ |
فيما يُقال كبا المغفَّـل م |
|
إذ يقال خبا الـلـبـيبُ |
أوّاهُ لو علـم الـشـبـا |
|
بُ وآهِ لو قدر المشيبُ! |
وخسر العراق في تلك السنة أيضاً في شهر أيلول 1922 رجلاً من علمائه المشهورين (الشيخ علي باقر) أحد علماء النجف الشيعيين وتقفى آثارهم إلى دار الخلود في العام التالي عالم الهند السيد (أبو بكر باعلوي) توفى في حيدر آباد في أواخر السنة 1923 كان من علماء بلاده اشتغل بالتعليم والكتابة. وتولى تصحيح مطبوعات وطنه حيدر آباد. له مصنفات عديدة في الفقه والأنساب والحساب والطبيعيات والأدب والمنطق. وديوان شعر. وقد اشتهر بمعاداة الشيعة وأنصارها وبالدفاع عن السنَّة وذويها فحصل له بذلك تعنت كثير. كان مولده سنة 1846 وفي العام ذاته في 5 آب 1933 توفى (احمد كمال باشا) أحد أدباء مصر الذين تخصصوا مع علماء الفرنج البحث عن آثار قدماء المصريين فتعيَّن أوَّلاً كأمين مساعد في المتحف المصري فانكب على درس اللغة الهيروغليفية والآثار المصرية حتى تمكن من معرفة أسرارها وأخذ يلقي في ذلك المحاضرات في النوادي الوطنيَّة وينشر المقالات الواسعة فيها فاختاروه كعضو في المجمع العلمي المصري وله في سجلاته خطب ومحاضرات. وكذلك علم فن الآثار المصرية بمدرسة المعلمين العليا. وقد ألَّف قاموساً هيروغليفياً عربياً فرنسوياً واسعاً نسبه فيه بعض العلماء إلى الغلو والتطرُّف في ردّه ألوفاً من الألفاظ العربية إلى أصول مصريّة قديمة وورد علينا في أواسط آذار من السنة 1924 نبأ أليم بوفاة أحد أصدقائنا في بغداد السيد الأديب (محمود شكري الآلوسي) من الأسرة الآلوسية الكريمة وابن الشهاب الآلوسي الذي مرَّ لنا ذكره بين أعلام القرن التاسع عشر. ولد سنة 1857 وتخرَّج في بغداد على آله فتبحَّر في العلوم الإسلامية وانتدب إلى التدريس في مدارسها فنبغ من تلاميذه الشاعر العصري الرصافي. وقد تولَّى إدارة الزوراء وهي أوَّل جريدة أنشئت في مدينة السلام فكتب فيها فصولاً رائقة خرج فيها عن دائرة التقليد الضيّقة حتى سعي به إلى عبد الحميد فلم ينج من المنفى إلاَّ بفضل بعض أصحابه. وله من التآليف النفيسة بلوغ الأرب في أحوال العرب قدَّمه لمؤتمر المستشرقين في استوكهولم فشكرته عليه اللجنة وأجازته بوسام ذهبي. ومن تآليفه كتاب أخبار بغداد وتراجم بعض علمائها في القرن الثالث عشر وتاريخ نجد وأمثال العوامّ في مدينة السلام وغير ذلك من المصنفات التي زاد بها شرف أسرته. وكان سبقه إلى الأبدية أحد أنسبائه السيد (احمد شاكر الآلوسي) فاتنا ذكره توفى سنة 1912 وكان عضواً في مجلس المعارف الكبير في الآستانة وخلّف كذوي قرابته آثاراً أدبية متفرقة ولم نكد ننسى ما ألم بالآداب العربية بوفاة ذلك الكاتب الشهير (السيد مصطفى المنفلوطي) الذي نعت بأمير بيان هذا العصر. ولد في مدينة منفلوط سنة 1875 وتوفي سنة 1924 وتخرج في الأزهر المصري ونال قصبة السبق على أقرانه واستهواه حب الأدب في أول ربيع حياته فأخذ يتمرن على الكتابة نثراً ونظماً. ثم لحق بالشيخ الإمام محمد عبده فلازمه عشر سنين وأخذ من أفكاره وآدابه. وبعد وفاة الأستاذ عاد إلى وطنه وأخذ يحرر رسائله الشهيرة في جريدة المؤيد فالتفتت إليه أنظار أرباب وطنه. ولم يول منذ ذلك الزمان يواصل الكتابة فنشر مؤلفاته الرائعة (النظرات) في ثلاثة أجزاء و (العبرات) وفي سبيل التاج نقله بتصرف عن الافرنسية. و (الشاعر والفضيلة) إلى غير ذلك مما ضاعف الحزن على وفاته وهو لم يبلغ الخمسين من عمره. وله شعر حسن وإنما برز خصوصاً بإنشائه البليغ على الأسلوب العصري.
وفي 30 حزيران من السنة الماضية 1925 حل الأجل المحتوم بأحد مواطنينا (رفيق بك العظم). ولد في دمشق سنة 1865 ثم نشأ في وطنه وأخذ الآداب عن مشايخه ثم انتقل إلى مصر وتعاطى فيها أمور السياسة والأدب وكان أحد السعاة بتحرير وطنه من النير العثماني أو بالحري بتخفيفه باللامركزية. وله كتب تاريخية وأدبية حسنة أخصها كتاب مشاهير الإسلام في أربعة أجزاء.
وفي هذا العام أيضاً أيار 1925 توفي الشيخ محمد حسين شمس الدين أديب جبل عامل وشاعره.
2- أدباء النصارى المتوفون في هذه الحقبة
أولاً الأحبار والكهنة
بين السنين التي مرت منذ نهاية الحرب العالمية إلى أواخر السنة 1926 دعا الله إلى جواره بعض أحبار الكنيسة الذين خدموا الآداب متاجرين بالوزنات التي نالوها من ربهم.
(السيد ديونيسيوس أفرام نقاشة) نكبت الطائفة السريانية بفقد هذا الحبر الجليل في 13 آذار سنة 1920 توفي في مدرسة الشرفة في لبنان عن سبعين عاماً. وكان السيد الفقيد رئيس أساقفة حلب على السريان الكاثوليك منذ 5 نيسان سنة 1903 أدى في حياته لملته خدماً جمّة وقد عُرف بنسكه وانصرافه إلى العيشة التَقويّة. وكان مولعاً بدرس التاريخ وقد نشر في ذلك كتاباً نفيساً ضمنه أخبار طائفته السريانية الكاثوليكية منذ اهتدائها إلى حجر الكنيسة الكاثوليكية إلى زمن السيد الجليل بطريرك إنطاكية الحالي ماري أغناطيوس أفرام الثاني رحماني وذلك في مجلد ضخم دعاه عناية الرحمان في هداية السريان. وما هو إلا قسم من تاريخ أوسع لم يزل مخطوطاً بحث فيه عن أخبار الطائفة السريانية منذ نشأتها.
وفي هذا الشهر عينه في 22 آذار 1920 انتقل إلى دار البقاء سيد آخر من أركان الطائفة المارونية الكريمة (المطران يوسف دريان) النائب البطريركي على القطر المصري. ولد هذا الحبر الجليل سنة 1861 ودخل الرهبانية الحلبية ودرس أولاً في مدرسة انتشار الإيمان في رومية وأتم دروسه في كلية القديس يوسف في بيروت. وفي السنة 1896 جُعل رئيس أساقفة طرطوس شرفاً. وقد خلف آثاراً كنسية وأدبية وتاريخية عديدة تشهد له بطول باعه في العلوم الدينية والمدنية. فمن تآليفه الدينية كتاب رُتب السياميذ الكهنوتية المعروفة بالشرطونية وكتاب المغنم في تكريم مريم والمقالة الوفية في العبادة الحقيقية لمريم العذراء. معرباً عن تأليف الطوبوي لويس غرينيون دي منفرت وكتاب الدعوة الرهبانية للقديس الفونس دي ليغوري وجادة الفلاح في سبيل التقي والصلاح ومجموعة أناشيد روحية بعضها من نظمه منها نظم الجمان في سبيل سيدة لبنان. ومن تآليفه التاريخية نبذة في أصل البطريركية الأنطاكية وفي أصل الطائفة المارونية واستقلالها في لبنان في قديم الدهر حتى الآن وثلاثة أبحاث في المردة جمعها في كتاب دعاهُ (البراهين الراهنة في أصل المردة والجراجمة والموارنة) خالف فيه رأي السيد يوسف الدبس. ومن آثاره الأدبية كتاب الإتقان في صرف لغة السريان ومنها عدة مقالات أدبية نشرها في الجرائد وفي مجلة المشرقوفي 18 أيار 1921 توفي في بيروت السيد (كيرلس مكار) بطريرك الأقباط الكاثوليك سابقاً. فُصل عن تدبير كنيسة لدواع موجبة. وكان المذكور يتعاطى الآداب الشرقية بعد أن تخرج بها في كليتنا البيروتية لتاريخ الكنيسة الإسكندرية وأبحاث في آثار النصرانية في مصر ومنظومات شعرية بالافرنسية ومناشير وغيرها. ولد في الصعيد سنة 1868 (الأب مبارك سلامة المتيني) أحد رؤساء الرهبانية اللبنانية العامين الإجلاء. ولد في المتين (لبنان) في 15 نيسان 1852 وانضوى سنة 1866 إلى الرهبانية البلدية فكان من أفضل أبنائها أدباً وبرارةً تلقى العلوم الدينية العالية في كلية القديس يوسف وكان أول من نال فيها شهادة الملفنة في علمي الفلسفة واللاهوت سنة 1883. وعهدت إليه في رهبانيته أفضل المناصب وأرقاها فتولاها عدة سنين بنشاط وحكمة أقرّ بها الجميع لا سيما أنه كان بمثله أوعظ منه بكلامه. توفي في عيد مولد العذراء في 8 أيلول 1921. (اطلب ترجمته لحضرة الخوري بطرس سارة في المشرق 20 (1922): 852 - 862). وكان المرحوم مع كثرة أشغاله في الرهبانية وفي الأعمال الرسولية في لبنان لا يضيع برهةً من زمانه فقد ألف مختصر اللاهوت الأدبي واختصر كتاب الكمال المسيحي للأب رودربكس اليسوعي. وقد نشر من تعريبه كتاب دستور الرؤساء في سياسة المرؤوسين وهو سفر جليل للأب فالوي اليسوعي وكتاب دستور الحياة الروحية ليسوعي آخر الأب سورين الشهير وممن فقدته الآداب العربية من ملة الروم الكاثوليك الكريمة المطران استفانوس سكرية رحل إلى دار الخلود في 25 ت1 1921 ولد في دمشق سنة 1868 وتخرج في العلوم الدينية والدنيوية في القدس الشريف في مدرسة القديسة حنة. وقد أحرز له فضلاً كبيراً في تدريس الفنون العربية فيها ثم في المدرسة البطريركية في دمشق وكان لا يألو جهده في تعزيز العربية وكان هو من كتبتها الجيدين وخطبائها المشهورين. وقد أبقى بعض الآثار المتفرقة من رسائل وإرشادات وله كتاب وضعه لجمعية أنشأها ولقبها بالنهضة الدينية الكاثوليكية وفي مفتتح السنة 1922 فُجعت كنيسة الآباء البوليسيين الأفاضل بخلّب أليم إذ فارقهم إلى الأبدية أحد اخوتهم المأسوف عليه كثيراً الأب ولسن سيوبر وهو في عز الكهولة كان أيضاً من متخرجي مدرسة الصلاحية في القدس ثم أحد أساتذة الآداب العربية فيها لطلبتها من طائفته الكاثوليكية. ولما انضم إلى جماعة الآباء البوليسيين في حريصا سنة 1903 ما عتم أن باشر الرسالات في حوران وتنقل في قراها متفانياً في كل الأعمال الرسولية. ولهُ عدة آثار كتابية في مجلة المسرة وكان أحد محرري مقالاتها الدينية والأدبية الممتازة. ومن منشورات قلمه رواية القديس سفستيانس الشهيد وزهور النفس من حديقة خوري أَرس وكتاب المجمع الملي للروم الكاثوليك وكنوز النفس في الغفرانات ونبذة في صناعة الشعر العربي. ومن مقالاته الحسنة في المسرة ما سطره عن عوائد العرب وله بحث جغرافي تاريخي في حوران وغير ذلك مما زاد أسف اخوته على فقده وفي أواسط 9 شباط 1922 استأثرت رحمة الله مرسلاً غيوراً من الطائفة المارونية اشتهر في كل أنحاء لبنان بمواعظه وبلاغته وأعماله الرسولية الخوري الأسقفي اسطفان الشمالي. نشر مع الطيب الذكر السيد جرمانوس الشمالي جزأين من الخطب والعظات أقبل عليهما لحسنهما لفظاً ومعنى. وكان الخوري اسطفان شاعراً مجيداً له في ذلك آثار متفرقة وفي 20 أيلول من السنة 1922 ودع الحياة المأسوف عليه القس نعمة الله أبو ناضر أحد مدبّري الرهبانية اللبنانية البلدية. كان تلقّى العلوم في كليتنا البيروتية وكان من المتضامنين من اللغة العربية فانتدب إلى تدرسيها ثم تعاطى فن المحاماة وحرر مدة روضة المعارف ونشر عدة مقالات فقهية وأدبية في المجلات والصحف السيارة في الآستانة وبيروت. ثم آثر العيشة الرهبانية وخدمة الدين إلى آخر حياته وممن فقدته الآداب العربية أحد أخوة المدارس المسيحية (الأخ ساروفيم فكتور عطاء الله) المتوفى في كانون الثاني سنة 1923. له تاريخ الآداب العربية منذ نشأتها طبعه في الإسكندرية سنة 1914 فأقبلت عليه المدارس لحسن تنسيقه فأعيد طبعه ومن أنصار الآداب العربية الذين أصيبت بفقدهم طائفة الروم الكاثوليك المثلث الرحمات البطريرك (دمتريوس قاضي) الذي لبى دعوة سيده في 25 تشرين الأول 1925 في دمشق. كان له اهتمام خصوصي بتعزيز اللغة العربية في مدارس الطائفة في مصر والشام. وتدل كتاباته على ضلاعته بهذه اللغة فضلاً عن معارفه الدينية الواسعة التي كان استقاها في باريس من أصفى مناهلها وفي 24 حزيران من السنة الماضية 1926 شق علينا نعي أحد أساتذة الآداب العربية في مدرسة العائلة المقدسة للآباء اليسوعيين في مصر (الخوري نعمة الله بركات) كان من الكتبة البارعين كشقيقه الشهير وعليه تخرج عدد عديد من الناشئة المصرية. ومن آثاره تعريبه لمختصر التاريخ المقدس تأليف لومند
ثانياً العالميون
في أوائل السنة التابعة للحرب في 14 ك2 فقدت طائفة الروم الأورثذكس في بيروت أحد مشاهير أدبائها (الشيخ اسكندر العازار) المولود سنة 1855. أخذ العلوم اللسانية والأدبية عن أساتذة طائفته وفي مدرسة اعبيه الأميريكانية. وقد امتاز منذ حداثة سنه بمزاولة النظم والإنشاء فكان من السعاة بالنهضة الأدبية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وكان خطيباً متفنناً وكاتباً بليغاً وشاعراً مجيداً. له من الآثار الكتابية في الجرائد والمجلات ما لو جمع لألف مجلداً ضخماً. منها خطب ورسائل وروايات تمثيلية وخواطر أدبية. وديوان شعر. ولولا انحيازه إلى الماسونية ومجاهرته بالأفكار الحرة ومغالاته بالسياسة التي ذاق مرّها أكثر من حلوها لعددناه من أركان الآداب العربية في الوطن.
وفي 3 نيسان 1919 قصفت المنون في مصر غصناً يانعاً من الدوحة البستانية (نجيب البستاني) نجل بطرس صاحب دائرة المعارف ولد سنة 1862 وتخرج على والده كأخيه نسيب المتوفى سنة 1913 وقد ساعده كلاهما في تآليفه وحرر مقالات عديدة في الجنة والجنان وتعاطى الدروس الفقهية فتولى منصب المدعي العمومي ورئاسة محكمة المتن في لبنان. وعدل عن بروتستانية والده فارتد إلى دين طائفته المارونية. ومن آثاره دروس تاريخية عن فينيقية وعن جيل النور وأخلاقهم وعن روسية. وله منظومات شعرية لم ينشرها.
وفي تلك السنة وقعت وفاة كاتب ضليع من أدباء الموارنة (يوسف خطار غانم) توفي في 20 تموز سنة 1919. كان مولده سنة 1857 ودرس في مدرسة الآباء اليسوعيين القديمة في بيروت وحرر فصولاً واسعة نثراً ونظماً في صحف الشام ومصر وكان كثير البحث عن آثار طائفته كما يدل عليه تأليفه برنامج جمعية مار مارون الجامع بين المعلومات الوافرة وفنون الآداب فأحيا ذكر كثيرين من مشاهير ملته وزين مقالاته بصورهم المفقودة.
وفي 29 ت2 1919 مات في سان باولو البرازيل بداء القلب أحد أبناء سورية الأدباء وهو (قيس لبكي) حرر في جرائد المهجر ومجلاتها فاشتهر بالكتابة. وإنما شوه كتاباته بما ضمنها من الآراء الفاسدة والتحامل على الدين ما حمل من المنصفين على تفنيده وتزييف آرائه.
ومن مناعي العام 1919 أيضاً الصحافي (صموئيل يني) أخو جرجي أفندي يني منشئ مجلة المباحث في طرابلس. جارى أخاه بما نشره هناك من المقالات الأدبية الحسنة. وخلف أيضاً آثاراً كتابية لم تنشر بالطبع.
وفيه نعيت (مريانا مراش) من الأسرة المراشية الحلبية الشهيرة. امتازت في وطنها بين بنات جنسها بوضع المقالات الأدبية وبنظم الشعر وخلفت منه ديواناً بعنوان بنت فكر نُشر في بيروت سنة 1893. فمن أقوالها تهجو طبيباً جاهلاً ثرثاراً:
طبيبٌ بلا علـمٍ يرومُ لـنـفـسـهِ |
|
مديحاً لفعلٍ يقتضي أقبـح الـذمِ |
فيسقيِ علاج الَمذق من عذب لفظهِ |
|
وينفثُ من أفعالهِ قـائل الـسـمِ |
ومما نقش على نعش فتاة من نظمها:
يا زهرةً ذبلـتْ بـغـير أوان |
|
ناحت عليها الوُرْقُ بالأغصان |
فتعـزّيا يا والـديهـا أنـهـا |
|
مثلُ الملاكِ مضت لخلد جنانِ |
ومما قالته فنقش على كيس تبغ:
أحفَظْ ودادك في فؤادك كامنـاً |
|
واثُبتْ ولا تكْ مثل تبغِ دُخانِ |
فعواصفُ الأنفاس تُصْعدهُ سدى |
|
وتزجُّه في عالم الـنـسـيانِ |
والودُّ ضمنَ القلب نقطةُ مركز |
|
كالأرض ثابتةٌ على الدَّوَرانِ |
وكأن الحرب الكونية ومصائبها هدت قوى كثيرين من الأدباء فماتوا متأثرين من كوارثها. ففي السنة 1920 في شهر شباط توفي في دمشق الأديب (نعمان القساطلي) صاحب تاريخ دمشق المعنون بالروضة الغناء في دمشق الفيحاء.
وفيها في 31 أيار 1920 رزنت العلوم القضائية بأحد أساطينها (الشيخ سليم باز) المولود في 5 حزيران 1859. درس في مدرسة الآباء اليسوعيين في غزير حيث شهدنا عياناً نشاطه وسباقه لرفقته في ميدان العلم والتقى. ثم انكب على العلوم الفقهية متلمذاً للسيد يوحنا حبيب منشئ الجمعية التقويمية قبل أسقفيته فكان موضوع إعجاب أستاذه ولم يزل يتبخر في الفنون الشرقية القضائية حتى عُد من كبار علمائها وأسندت إليه أرقى مناصبها فقام بها أحسن قيام واستحق ثناء أرباب الأمر. وعموم الأهلين وألفت إليه أنظار الدولة التركية فجعلته من أعضاء مجلسها الشورى. ثم عاد إلى وطنه فخدمه أطيب الخدم كمحام قانوني وأستاذٍ نطاسي ومؤلف بارع تشهد له المؤلفات العديدة التي يتداولها أرباب المحاكم كشرح المجلة وشرح قانون المحاكمات وقانون الجزاء ومرقاة الحقوق وهو مختصر نفيس في علم الفقه فضلاً عن تآليف فقهية عديدة عربها عن التركية ومقالات عديدة عربها عن التركية ومقالات عديدة يطول تعدادها. وقد نشر أخوه جناب الدكتور جورج باز ترجمة حياته المطولة في المشرق (30 (1922): 938 - 957).
وكانت السنة 1921 أسوأ عاقبةً على الأدباء فغادرنا كثيرون منهم إلى العالم الآخر ففي 17 كانون 1921 ودع الحياة أحد أدباء صيداء (فرج الله نمور) من أسرة نمور الوجيهة. ولد في 25 آذار سنة 1868 ودرس في مدرسة الآباء اليسوعيين في صيداء فنال بين رفقته قصب السباق وأخذ يتمرن على الكتابة ونظم الشعر حتى برع فيهما ثم بارح الوطن لما وجد فيه من المضايقة على الأقلام وانتقل إلى مصر فصار يحرر في أكبر جرائدها. ثم تجول في البلاد وزار تونس وأنشأ مع نجيب ملحمه جريدة البصيرة فقام بأعباء تحريرها سنتين ثم أنشأ في طنجة جريدة لسان المغرب فأصابت رضى سلطان مراكش. ثم اضطر بعد أربع سنوات إلى مغادرتها لاختلاط الأمور السياسية وأبحر إلى البرازيل سنة 1920 وفتح في سان باولو مدرسةً خدم فيها الجالية السورية بهمة قدرها له المهاجرون لولا أنه أصيب في أوائل السنة 1921 بداء الجنب الذي لم يمهله إلا أياماً قليلة فغالته المنية وعم أسف مواطنيه على فقده. ولفرج الله نمور عدة قصائد قالها في كبار الرجال ولقيت استحسانهم. فمن قوله يحن إلى وطنه صيداء ويأسف على فراقها:
ما للغريب سوى البكاءِ مـؤَانـسٌ |
|
إن كان يعلم مؤنسـاً وخـلـيلا |
اللهُ يا صيدونُ يا وطـنـي الـذي |
|
فاق البلاء مَرابعـاً وطـلـولا |
حيَّاكَ يا وطنَ الفضائل والـهـنـا |
|
مَرُّ النسـائمِ بـكـرةً وأَصـيلا |
بلدٌ بها اخضرَّت نباتُ عوارضـي |
|
ورشفتُ من كأس الصفاء شَمولا |
تلك التي حسنَتْ مقاماً لـلـورى |
|
ومنازلاً وحـدائقـاً وسـهـولا |
دعني وشأني والدموعَ فـإنـهـا |
|
تشفي الفؤادَ وقلبَي المـتـبـولا |
وفي 2 آذار من السنة 1921 توفيت سيدة سورية (رحمة خوري صروف) المولودة سنة 1880 درست في مدرسة طرابلس الأميركانية فنالت شهادة دروسها العالية ودانت هناك بالمذهب البروتستانتي. ثم تولت التدريس في مدرستي طرابلس وحمص بدعوة عمتها ثم رحلت إلى مصر وعلمت في مدارسها وأخذت تنشئ المقالات الأدبية النسائية فنشرت منها عددا في جريدة القطم فأحرزت لها سمعة طيبة حتى دعيت إلى إلقاء المحاضرات في الجامعة المصرية في القسم المختص بالسيدات. وهي من جملة السيدات اللواتي نهجن للفتيات سبل التربية العصرية. كتبت في ذلك عدة مقالات في المقتطف مع قرينها إسحاق أفندي صروفوفي تلك السنة المشؤومة شيعنا جنازة أديب آخر من أفضل رجال الوطن وعلمائه (سليم أصفر) نجل كبير قومه إبراهيم أفندي أصفر. تلقى العلوم في كليتنا فكان فيها قدوة لكل رفقته بجده وحسن سلوكه. ثم انتقل إلى فرنسة فتعمق في درس الزراعة ليخدم بها وطنه مع حاجته إليها. فلما عاد راجعاً عهدت إليه إدارة الزراعة في الجبل فأفادها كثيراً وأحب أن يفتح لها أبواباً جديدة للارتزاق لولا ما لقيه من العوائق في سبيله. ثم رحل إلى الآستانة يطلب امتيازاً لاستثمار جهات الحولة وتحسين تربتها. ثم تخلى في دار عمه عن الأشغال مدة الحرب محتملاً بصبر جميل ما أصيب به من الأمراض حتى قابل الوفاة بكل تقي وتسليم لإرادته تعالى. وللمرحوم كتابات نفيسة في كل فنون الزراعة ظهر منها في المشرق عدة مقالات وهو الذي كتب في زمن الحرب تلك الفصول الشائقة التي ظهرت في كتاب لبنان عن الزراعة والصناعة في الجبل. وقد عرف باستقامته ولزومه كل فرائض دينه وممارسته لسائر الفضائل المسيحية ومن الأدباء الذين فاجأتهم النية في العام المذكور (25 ت1 1921) الكاتب البارع خليل طنوس باخوس. من أسرة باخوس الكريمة. ولد في غزير ودرس في مدرسة الآباء اليسوعيين التي سبقت كلية بيروت. ثم تفرغ للكتابة ولخدمة الآباء العربية فكان أحد أساتذتها المقصودين يقبلون إليه حيثما يدرّس. وهو الذي فتح المطبعة اللبنانية ونشر فيها كتباً أدبية مفيدة ثم أنشأ جريدة الروضة فحررها سنين عديدة وكتب فيها الفصول الرائقة باعتدال الطريقة وصون كرامة الدين ومن مآثره الحسنة روايته التمثيلية الحارث ملك نجران بالشعر ثم رواية ديمتريوس معربة وأضافت المنون إلى الأدباء المتوفين في ذلك العام الدكتور اسكندر بك البارودي في 25 ت2 1921 ولد في صيدا سنة 1856 من عائلة من الروم الكاثوليك عدلت إلى الروم الأورثذكس لخلاف حصل هناك. وتربى اسكندر بك في المدارس الأميركية وفي جامعتها وحاز شهاداتها البيروتية فأتبع الكنيسة الإنجيلية. وانحاز - سامحه الله - إلى الماسونية فصار أحد رؤساء محافلها. وكان الدكتور من الأطباء الحاذقين والكتبة الماهرين تشهد له مجلته الطبيب التي أنشأها وأدارها مع الدكتور بوست سنين طويلة وضمّنها مقالات مستجادة طبية وأدبية وتاريخية ومن آثاره أيضاً كتابه السوار المحلي في تدبير الأعلا وخير الأغراض في مداواة الأمراض والنصائح الموافقة في سن المراهفة والمبادئ الصحية للأحداث وحياة الدكتور كرنيليوس فان ديك وكلها مطبوعة ومما لم يطبع تاريخ الحثيين وتفسير لشرح ابن رشد لأرجوزة ابن سينا ونشر فصوص الحكم للرازي ودعوة الأطباء لابن بطلان وساعد أساتذة الكلية الاميركانية في تعريب ونشر تآليفهم وكان قاضياً في محكمة استئناف جبل لبنان سنين طويلة ومؤسساً لجمعية الأطباء والصيادلة ومن أعضاء الجمعيات العلمية والخيرية وكانت وفاته في سوق الغرب فواروه التراب في مكين مع والديه. وللفقيد أخ من أم أخرى دخل جمعية الآباء اللعازريين وهو اليوم مرسل غيور في رسالتهم الصينية وفي السنة 1921 المذكور أيضاً سبق إلى الأبدية الدكتور أسكندر بارودي أستاذان بارعان خدما وطنهما بالتعليم ونشرا فيه الآداب أحدهما ماروني يوسف حرفوش والآخر اورثذكسي نخلة زريق.
توفي المرحوم (يوسف حرفوش) في 14 ك2 1921 وله من العمر 74 سنة. تلقى العلوم في مدرسة الآباء اليسوعيين في بيروت ثم أكملها في مدرسة فرسايل في فرنسة بعد حوادث الشام سنة 1860 ثم عاد إلى الوطن وعلم نيفاً وأربعين سنة في كلية القديس يوسف بهمة ودراية أقر لهما تلامذته شاكرين. وكان فضلاً عن ذلك قدوتهم في ممارسة كل الفضائل المسيحية وفرائضها. وقد أبقى من آثار قلمه عدة تآليف سهل فيها على الشبيبة درس اللغة الفرنسوية وقرب درس اللغة العربية على الأجانب فصار إقبال عظيم على مصنفاته نخص منها بالذكر ترجمانه العربي وتمارينه المترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية والمراسلة التجارية ودليل المتكلم وغير ذلك مما نشر بعضه ولا يزال بعضه الآخر مخطوطاً كقاموسه اللغة العامية. أما المرحوم الأستاذ (نخلة زريق) فكان أحد أعضاء المجمع العلمي العربي الدمشقي. ولد سنة 1859 في بيروت وتوفي في القدس الشريف في 21 تموز 1921 كان من رجال النهضة الجديدة بخدمته للآداب العربية بصفة كاتب وأستاذ لغوي. صنف عدة رسائل وقصائد متفرقة تشهد له بالبراعة وحسن الذوق. وقد علم نيفا وربع قرن في مدرسة المعلمين في كلية القدس الشريف الإنكليزية وانتُخب بعد الحرب كعضو في تهذيب لجنة الكتب العسكرية في المدرسة الحربية في دمشق فلم تطل فيها مدته حتى عاد إلى القدس. وقد عُرف الفقيد بغيرته نحو وطنه وبلزومه الأخلاق الوطنية ولغة الوطن وأزياءه وفي 3 آذار من السنة 1922 فُجع الوطن اللبناني بأحد كبار رجاله المعدودين (إبراهيم بك أبو خاطر) كان مولده في زحلة سنة 1869 من أسرة رومية كاثوليكية فاضلة. أخذ مبادئ العلوم في مدارس وطنه ثم تخرّج على نفسه في الآداب وظهرت مقدرته في الكتابة والخطابة لما حل الإعلان بالدستور العثماني لسان الأحرار فأخذ يكتب ويخطب بأسلوب يجذب إليه القلوب ويبعث الهمم اطلب الاستقلال الوطني. وقد نشرت له الجرائد عدة خطب أدبية وسياسية مستحسنة وأنشأ في زحلة جريدته الخواطر كتب فيها فصولاً بليغة زيف في البعض منها مبادئ فولتير وجان جاك روسو وقبّح الشيعة الماسونية ثم خلفه في إدارتها الوجيه موسى أفندي نمور حتى بطلت في أوائل الحرب. وقد عرضته أفكاره الحرة وميله إلى فرنسة وإعجابه بأعمالها إلى حقد الأتراك فقاسى في زمن الحرب محناً شتّى. وقد شغل المذكور عدة مناصب جليلة في عهد المتصرفين مظفر باشاً وأوهانس باشا في زمن الانتداب الفرنسوي الأخير فتعين ثلث مرات لقائمقامية زحلة وقد عرف له الوطن فضله فأكرمه حياً وميتاً. كما أن فرنسة أعربت عن رضاها بمساعيه فعينته كعضو في لجنة لبنان الكبير الإدارية فخدمها أصدق خدمة وفي 22 آب 1922 فقدت أسرة الشيوخ الدحداح الكرام رجلاً من أفاضل وطنه لبنان المرحوم (الشيخ خطار الدحداح). كان مولده في عرامون (كسروان) في 18 شباط 1840. وبعد أن درس العلوم في مدرسة عينطورة الشهيرة دُعي إلى التعليم في معظم المدارس الوطنية والأجنبية كالمدرسة البطريركية والكلية الأميركية ومدارس الثلثة أقمار وكفتين والوطنية فتخرج عليه كثيرون من مشاهير الأدباء ثم تولى مناصب مختلفة خدم بها الحكومة اللبنانية أصدق خدمة. وقد اشتهر الشيخ المرحوم بآدابه الراقية وبمصنفاته المفيدة. فأنه تولى مساعدة التحرير في المجلات والجرائد الوطنية كالجنة والجنان والجنينة والمصباح. ومن أخص تآليفه تاريخ فرنسة الحديث الذي أكمله بعدئذ المرحوم سليم البستاني وطبعه. ثم باشر بتصنيف تاريخ آخر أطول للدولة المذكورة لم يتمه. وله روايات أدبية لم تزل مخطوطة سعى بتمثيلها على مسارح المدارس. الأولى من تأليفه وهي رواية يوسف الحسن ثم ألحقها بثلث روايات أخرى عربها نثراً ونظماً للشاعرين النابغتين كورنيل وراسيل أعني: أغوسطوس (أوسينا) وأستير وفيوجينا (أفيجينية). مثلت الثلث الأولى في المدرسة الوطنية والرابعة في المدرسة البطريركية فأصابت استحسان العموموفي 6 تموز 1922 حصدت المنون بمنجلها كاتباً واسع الشهرة وهو في عز الكهولة نريد به (فرح أنطون) أصله من عائلة أورثوذكسية من طرابلس الشام وبها ولد سنة 1874 درس في مدرسة كفتين وحول فكره منذ شبابه إلى حرية الضمير وأخذ يدرس تآليف الكتبة المتطرفين في آرائهم الدينية والشيوعية من فرنسويين وروسيين وجرمانيين كرينان وكرل ماركس وتولستوي ونيتشة فعششت أفكاره في دماغه فصار يجاريهم في كتاباته فهاجر إلى مصر ثم إلى الولايات المتحدة ثم عاد إلى مصر وهو لا يزال حيث ما حل يعالج المواضيع الاشتراكية والديموقراطية المتطرفة المجردة عن روح الدين لا يأخذه في كتاباته ملل بل تجاوز في ذلك كل حدود الفطنة دون مراعاة لصحته وهو يشتغل ليلاً مع نهار حتى غلبت قواه فمات ضحية غلوائه. أما تآليفه فهي كثيرة وكلها تشعر بأفكاره الحرة منها عدة روايات خيالية ومشاهد (Drames) تمثيلية عرب قسماً منها وألف القسم الآخر وقد حرر مقالات جمة في عدة جرائد. وأنشأ بالإسكندرية مجلته الجامعة ثم واصل نشرها في الولايات المتحدة. وقد اشتغل أيضاً بالفلسفة وان لم يكن من فرسان ميدانها وله أبحاث في فلسفة ابن رشد ونقل كتاب رينان في هذا الصدد كما أنه عرّب تأليف هذا الملحد المدعو (تاريخ المسيح) الذي هو أحق أن يُدعى مسخاً منه تاريخاً بعد أن بين العلماء الإثبات أغلاطه الفظيعة وأكاذيبه الشنيعة ومناقضاته الواضحة فما كان بانطوان أن يضن بشرفه ودينه عن سفاسفه!. فيعز علينا أن نرى بعض حاملي الأقلام في بلادنا ينشرون بدون تعقل مبادئهم المستقبحة فيلقون قراءهم في وهاد الإلحاد وقعر الفساد وكان بوسعهم أن يهذبوا عقولهم ويرقوا أخلاقهم ويجعلوهم سنداً لوطنهم فيُبارك اسم الذين أرشدوهم إلى الصلاح ونكبّوا بهم عن جادة الضلال.
وفي أيلول 1922 بارح الحياة رجل آخر من أدباء العصر (عبد المسيح أنطاكي بك) مولود حلب في 16 شباط سنة 1874 من أسرة روم أورثذكسية. نشأ فقيراً إلا أنه بنشاطه وذكائه الفطري لم يزل يجاهد أحوال الزمان ويطلب له مقاماً بين الأدباء حتى فاز ببغيته وعُني أولاً بالصحافة في وطنه ثم في مصر الحرة فأنشأ في حلب الشذور وفي مصر مجلة الشهباء ثم العمران مراعياً في كتاباته أحوال الزمان. يناوئ حيناً الأتراك وحيناً يجاريهم. يناضل اللامركزية ويتحد مع رجالها. وهو لا يزال ينادي بالقومية العربية. ثم ترك الصحافة وعُني بنظم الشعر فنال منه بعض الشهرة إذ تقرب به إلى الذوات بمدحه أصحاب الأمر وأرباب الدين. وتجشم الأسفار إلى بلاد العرب فرحل إلى اليمن والحجاز والعراق واجتمع بأمرائهم ساعياً وراء تحقيق آماله من نهضة العرب واسترجاع مجدهم. فقضى بعد حل وترحال وهو يعاين الانقلابات التي حدثت في الجزيرة بسقوط ملك الحجاز وفوز ملك نجد ابن سعود. ولعبد المسيح أنطاكي تآليف مختلفة منها ديوانه عرف الخزام في مآثر السادة الكرام. ومنها كتابه نيل الأماني في الدستور العثماني ومطلع الميامن في تهاني البطريرك كيرلس الثامن جحا لخص فيه تاريخ البطريركية الإنطاكية ولا سيما الرومية الكاثوليكية. وكان عبد المسيح الأنطاكي من أنصار الاتحاد بين طائفته الاورثذكسية وطائفة الروم الكاثوليك وقد طرأ في هذا الكتاب أعمال الآباء اليسوعيين في هذا الشأن (ص 18 - 19). وأنشأ في المعنى نفسه مجلة الكنيسة الاورثذكسية ولم يرض من خطة رؤسائها بعد أن سعى مع الوطنيين إلى تحريرهم من العنصر اليوناني. وللانطاكي أيضاً رواية بطرس الأكبر وغير ذلك. ودونك مثالاً من شعره يصف مواعظ الدهر:
دَعْ عنك أنغام الطَـرَبْ |
|
ومَلاهياً فيها الوصبْ |
وانظر إلى خَتْل الزمـا |
|
نِ محاذراً شرًّ الحَرَبْ |
يعلوَ الدنـيُّ بـلُـوُمـهِ |
|
ويذلُّ أربابُ الحسَـبْ |
كم من لبيبٍ عـضَّـهُ م |
|
الدهرُ بأنياب النُّـوَبْ |
وأخو الجهالة في الهنـا |
|
يلتذُّ في ذاك النَّشَـبْ |
والمـوتُ فـينـا دائرٌ |
|
والناسُ طراً في لَعِبْ |
ويلٌ لـدهـر خــائنٍ |
|
كم من عظيمٍ قد سلَبْ |
يغـتـالُـنـا ويُبـيدنـا |
|
كالنار شبّتْ في حَطَبْ |
وفي 18 ت2 1922 أسِف الوطن على فقيد عزيز المرحوم (داود بك عمون) ولد في نيسان من السنة 1869 في دير القمر وتخرج في العلوم والآداب في مدرستي عينطورة والحكمة. خدم دولة تونس الغرب مدة وحظي برضى أربابها. ثم تعاطى المحاماة في مصر فنال نجاحاً باهراً وأحرز له سمعة واسعة ثم عاد إلى الشام وانتُخب سنة 1914 عضواً بمجلس إدارة لبنان. ولما أعلن بالانتداب الفرنساوي كان داود بك من أكبر أنصاره فأخلص الخدمة في سبيل توطيده وتعزيز لبنان الكبير فأجمع مواطنوه على إكرامه حياً وميتاً وكان داود بك من الكتبة البلغاء والشعراء المجيدين. فمن قوله يذكر لبنان وهناء العيش فيه:
حبَّذا المصطافُ في جبلٍ |
|
ينطحُ الجوزاءَ بالقُنَـنِ |
مؤيلُ الأحرار من قِـدَمٍ |
|
وأُباةِ الضَّيمِ في زمَـنِ |
ليس لبنانٌ لمكـتـسـحٍ |
|
بضعيفِ العزم ممتهنِ |
إلى أن قال:
فبنو لبنـانٍ أسـدٌ وغـىً |
|
أطلقَتْ فيهم يدُ المحـنِ |
ليت ذا عزمٍ يضـمُّـهُـم |
|
ضمَّةَ الأعضاءِ في البدنِ |
فيعَيدوا السابقات من المس |
|
جدِ والعلياءِ لـلـوطـنِ |
يا بني أمي إذا حضـرَت |
|
ساعتي والطبٌ أسْلمنـي |
اجعلوا في الأرز مقبرتي |
|
وانسجوا من ثلجهِ كفني |
وفي 17 كانون الأول من السنة 1923 لبى دعاء ربه الأديب المرحوم (موسى صفير) صاحب مكتبة المعارف في بيروت ولد في القليعات (كسروان) سنة 1865 ودرس في مدرسة الرومية وعينطوره وفي مدارس الفرير واليسوعيين وأنشأ مكتبة المعارف فخدم بها الآداب. كان من الكتبة المجيدين والشعراء المحسنين حرر في جريدة الروضة ونشر عدة قصائد متفرقة وصف فيها أصحاب المراتب الدينية والوطنية والأحوال الجارية. وعلم مدة في مدارس بيروت ونشر بعض الكتب المدرسية كدرجات القراءة ومبادئ العربية ودليل الأحداث وترقي الصغار في دروس الاستظهار وغير ذلك مما لم ينشر بعد وفي أوائل السنة 1924 هصرت المنون غصناً من الدوحة اليازجية في مصر نريد بها السيدة (وردة اليازجي) ابنة الشيخ ناصيف كان مولدها في كفرشيما سنة 1838 فدرست في بيروت في مدرسة البنات الأميركية وأخذت الآداب العربية عن والدها فبرعت بها وصارت تصنف الرسائل والقصائد في زمن لم يعهد ببنات جنسها شيء. من ذلك. وبعد وفاة زوجها الأستاذ فرنسيس شمعون انتقلت إلى مصر وعُنيت بالكتابة ونظم القصائد. ومن آثار قلمها في الضياء مقالة في تعريف المرأة الشرقية. وقد طبع ديوانها الصغير الحجم اللطيف النظم افتتحته بأبيات وجهتها إلى سميتها وزميلتها في الأدب وردة ابنة الشاعر نقولا الترك أولها:
يا وردة التْركِ أني وردةُ العَـرَبِ |
|
فبيننا قد وجَدْنا أقربَ الـنَّـسَـبِ |
أعطاكِ والدكِ الفنَّ الذي اشتهـرَتْ |
|
ألطافُهُ بين أهلِ العـلـمِ والأدبِ |
فكنتِ بين نساء العـصـر راقـيةً |
|
أعلى المنازل في الأقدار والرُّتَبِ |
وقد امتازت خصوصاً بمراثيها فمن ذلك ما قالته في رثاء البطريرك مكسيموس مظلوم:
يا أيُّها الحبرُ الجـلـيلُ مـقـامُـهُ |
|
هل بعدَ فَقْدِكَ غـيرُ دمـعٍ جـارِ |
للـه يومُـكَ فـي الأنـامِ فـأنَّــهُ |
|
أبقى لنا حـزنـاً مـدى الأدهـارِ |
يا بدرَ تمٍ غابَ عنـا فـي الـثـرى |
|
ما كـان ذلـك عـادةَ الأقـمـارِ |
حسدَتْهُ أفلاكُ العُلَى وتـحـسّـرت |
|
لو أنَّـهُ فـي طـيهـا مُـتَـوارِ |
ويلاهُ مَنْ أَبقـيتَ بـعـدَكَ راعـياً |
|
يرعى الرعيّةَ حيثُ يرضى الباري |
من للمنابر والهياكـل والـحـجـى |
|
والمشكلاتِ وغامـضِ الأسـرارِ |
قد سرتَ عن دار الفناء مـجـاوراً |
|
دار البقاء فنـلـتَ خـير جـوارِ |
وقالت تودع سليمان بك البستاني لما انتخب بعد الدستور عضواً لمجلس النواب عن بيروت:
أخْلقْ ببيروتَ دار العلم من قدَمٍ |
|
أن تصطفيك على الأيام معْوانا |
فالله لما ارتأى إعلانَ حكمـتـهِ |
|
ما اختارَ من شعبهِ إلا سليمانا |
وفي كانون الثاني من السنة 1924 خسرت الجالية السورية في البرازيل أحد أدبائها الأستاذ (نعمة يافت) مولود الشوير سنة 1860. تعلم في وطنه مبادئ العلوم ثم أتمها في الجامعة الأميركية فأمتاز فيها بين أقرانه بالعلوم الرياضية والطبيعية فنال شهادتها بل ندب إلى التدريس تلك العلوم فيها ثم علم في مدرسة طائفته الأورثذكسية المعروفة بالثلاثة الأقمار. وفي السنة 1893 هاجر إلى البرازيل وتعاطى التجارة فربح بدرايته وحسن معاملاته ثروة كبيرة أنفق قسماً منها في عمل الخير. وكان هناك من أنصار الآداب القومية يدعى إلى حفلاتها فيخطب ويباحث بكل معرفة وأدب إلى آخر حياته مأسوفاً عليه.
وفي أوائل شهر آب 1924 توفيت في نيويورك كاتبة أصابت بقلمها بعض الشهرة وهي السيدة (عفيفة كرم) من عائلة كرم المارونية ولدت في عمشيت سنة 1883 واقترنت بالزواج بالسيد كرم حنا كرم وهاجرت إلى أمريكة فكتبت عدة مقالات في جريدة الهدى ثم أصدرت مجلة العالم الجديد النسائية ولها من تأليفها روايات كغادة عمشيت وفاطمة البدوية. وعربت غيرها كملكية يوم محمد علي. فكانت من النساء المساعدات على ترقية بنات جنسها نأخذ عليها بعض الانتقادات الباطلة على الدين وذويه.
وفي غرة حزيران سنة 1925 نعي إلينا من نيويورك بمزيد الأسف رجل الأدب والعلم والسياسة كبير أسرته الوزير (سليمان البستاني) ولد في بكشتين من قرى الشوف في 22 أيار سنة 1856 ودرس على أفاضل أسرته كالطيب الذكر السيد عبد الله البستاني والمعلم بطرس منشئ المدرسة الوطنية وما لبث أن نبغ في علومه حتى رأى نفسه قديراً على التأليف فأشتغل مع أنسابه في صحفهم ودائرة معارفهم. ثم ساح في البلاد فطاف العراق وجزيرة العرب جنوباً وشمالاً وأجتمع بقبائل البادية فدرس الأخلاق ووسع نطاق معارفه وهو يشتغل تارة بالتجارة وتارة بالتعليم ويدون ملحوظاته فينشرها بالمجلات أو يحفظها لتآليف ينوي تصنيفها. وتردد بعد ذلك إلى مصر والأستانة فتقرب من إشرافهما ونال امتيازات الدولة العثمانية ومناصبها الشريفة كمندوب مجلس المبعوثان وعضو مجلس الأعيان ووزير وممثل للسلطنة في البلاد. وتجول في أنحاء أوربة وهو في كل مكان موضوع اعتبار الجميع لما تجلى به من الأخلاق الراقية والآراء الراجحة وروح الدين حتى أنهى حياته في أميركا بعد أن اشتدت عليه وطأة المرض في مصر وتألم من داء عينيه فالتمس الشفاء في الولايات المتحدة. وقد نشر الأديب فؤاد أفندي أفرام البستاني ترجمته المطولة في المشرق (23 (1925): 778؛ 824؛ 908). أما تآليفه التي خدم بها الآداب العربية فلا يجهلها أحد وأعظمها شأنا ترجمته لإلياذة هوميرس بالشعر العربي المتين(1) وقدم عليها درسا جليلا في تعريفها وفي الشعر العربي وآدابه. ومن آثاره كتابه عبرة وذكرى وصف فيه أحوال الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده. وله متفرقات شتى كمقالات في المجلات والجرائد وكقصيدته الداء والشفاء وبحثه في الاختزال ومخطوطات تاريخية نتمنى أن ينشرها أنسباؤه.
وفي 8 آب 1925 توفي (الدكتور سليم بك عطية) ولد في صافيتا سنة 1873 وتخرج في الكلية الأميركية في بيروت ودرس فيها الطب وأكمل دروسه في جامعة بلتيمور في الولايات المتحدة ثم انتظم في سلك الجيش المصري لما فتحت بلاد السودان فخدم الحكومتين المصرية والبريطانية وتولى هناك إدارة المستشفيات العسكرية بكل نشاط وحسن تدبير. وكان في أثناء عمله يكتب المقالات المستجادة عما يلحظه في تلك البلاد فتنشر في المجلات الأجنبية. وكان يحسن الكتابة في لغته الوطنية نثرا ونظما وتروى له عدة قصائد صنف بعضها بالشعر العامي بكل سلامة ذوق وفي أوائل ذاك الشهر من السنة عينها نشبت المنون أحد أدباء الروم الأورثذكس في الثغر (وديع أبو رزق) كان كتبا ضليعا حرر في الجرائد الوطنية نثرا ونظما وقد فقدت الآداب في عامنا الماضي بعض رجاله المعدودين أخصهم الكاتب الأديب الشهير (سليم سركيس) الذي رزى بوفاته حملة الأقلام لما أنسوه من تفننه في الكتابة توفي في 3 ك2 1926. كان مولده في بيروت في 11 أيلول 1869 فورث عن والده المرحوم شاهين حب الآداب. وبعد أن تخرج في المدرسة الوطنية ومدرسة عين زحلتا تعاطى فن الصحافة فبرع فيها وكتب زمنا طويلاً في جريدة لسان الحال. له فيها مقالات رنانة. ثم ساح في أوربة فأنشأ في لندن جريدة (رجع الصدى) وفي باريس (كشف النقاب) مع صديقه الأمين أرسلان. ونشر في مصر جريدته المشير التي أثار فيها غضب الدولة التركية حتى حكمت عليه بالإعدام غيابياً ولم يسكت عن بعض أعمال الدولة الألمانية فناله بعض أذاها. ثم رحل إلى أميركا فأنشأ الراوي والبستان وعاد إلى مصر فأنشأ مرآة الحسناء وختمها بمجلة سركيس فثبت على نشرها من السنة 1905 إلى آخر حياته. وهو لم يزل يكتب أيضاً في جرائد مصر الكبرى كالمؤيد والأهرام وفي كلها ما يشعر بخفة روحه وفكاهة نفسه ولزومه الصدق في الكتابة. ومن آثاره وصفه لمراقبة المكتوبجي في بيروت أيام الاستبداد ومقالاته (في الزوايا خبايا) نقد فيها بعض أعمال الإرسالية الأمريكانية. وكتاب سر مملكة وغير ذلك مما كان يسر بطرائفه القراء. وهو لا يبالي بانتقاد ولو شط ببعض كتاباته وفي آخر ك2 1926 أيضاً توفي في بوغوتا كولمبية أحد المهاجرين إليها المرحوم (إلياس ناصيف رزق) تخرج في كليتنا البيروتية في الآداب العربية والفرنسوية وأنس من نفسه الميل إلى الكتابة فأنشأ مقالات نثرية وشعرية استحسنها الناس في الوطن والمهجر. وبرع أيضاً في اللغة الإسبانية وأصاب في المهجر ثروة كبيرة بما أنشأ من الدوائر التجارية وفي 19 آذار 1926 لبى دعوة ربه (الدكتور حبيب الدرعوني) بعد أن استعد لأخرته استعداد الأبرار فختم حياته بالصلاح كما قضاها بالبر وعمل الخير. ولد المرحوم في زحلة وتلقى العلوم الأدبية والطبية في كليتنا البيروتية فكان من أنجب وأفضل طلبتها. وقد زاول فن الطب بكل نشاط ونزاهة ومحبة خاصة للفقراء. وعني مدة في مكتبنا الطبي بمعالجة داء الكلب. وكان الدكتور كاتباً بارعاً يحسن الكتابة بالعربية والافرنسية له فيهما عدة آثار منها ما نشرناه في مجلة المشرق. وكان ينظم الشعر أيضاً فمن ذلك نظمه لقسم كبير من كتاب الاقتداء بالمسيح أطلعنا على بعض فصوله الشائقة وفي 31 تموز من هذه السنة الأخيرة وقع في ساحة القتال مأسوفاً على شبابه (عادل أفندي النكدي). على أننا تمنينا لو لم يبارح الحياة في جملة مواطنيه الدروز الثائرين على الانتداب إذ قتل في إحدى الوقائع التي جرت في غوطة دمشق. ولد عادل سنة 1896 في أعبية وتخرج في مدرستها ثم أكمل دروسه في مدرسة بيروت العلمانية ونال شهادتها ودخل سنة 1914 مدرسة الحقوق الفرنسوية في بيروت ولم يتمها إلا بعد الحرب الكونية في القاهرة أولا ثم في لوزان (سويسرة) فنال شهادتها كمأذون ثم كدكتور وذلك في أوائل العام المنصرم. وكان عادل مشبعاً من أفكار الحرية والاستقلال فلما بلغته أخبار ثورة الدروز في حوران انتظم في سلكهم وصار أحد زعمائهم فقطعت المنية غصن حياته لدنا. كان عادل متعمقاً بالآداب العربية يكتب ويخطب وينشئ المقالات الواسعة. وقد نقل من الإفرنسية كتاب إتيان فلاندان في النظامات السياسية في أوربة الحالية فنشر قسمه الأول. وعرب أيضاً كتاب تربية الأحداث وكتاب الأصول الإدارية في الإسلام مع عدة مقالات سياسية وأدبية في الصحف الوطنية والأجنبية وممن استأثر بهم الله في تلك السنة أحد أدباء الوطن الأستاذ (شاكر عون) ولد سنة 1845 وأرسل بعد حوادث سنة 1861 إلى مدرسة فرسايل الثانوية فبرع في علومها كالأستاذ المرحوم يوسف حرفوش. ثم دعي بعد رجوعه إلى بيروت إلى التدريس في المدارس الوطنية فقضى سنين طويلة في التعليم بمدرسة الحكمة ثم علم في مدرسة الشيخ عباس وكان أحد أعضاء الجمعية المارونية العلمية. ومن آثاره تعريبه لكتاب خطبة التاريخ العام لبوسويت مع الشيخ عبد الله البستاني. وأنشأ مجلة النديم وكتب في جريدة الروضة. وله مقالات متينة في فروع الآداب والمسائل الاجتماعية. توفي في 22 ت1 1926 وآخر من نذكره في هذه الحقبة وطنيٌ ذائع الصيت من أرباب اليراع الناثر الشاعر (طانيوس عبده) توفي في بيروت في 2 ك1 1926 في مستشفى القديس جاورجيوس. أثر مرض جاء من مصر ليتداوى منه في وطنه. كان المذكور من أدباء القرن الحالي المشار إليهم بالبنان لوفرة مصنفاته الأدبية. نشر مقالات بليغة في الصحف وأنشأ صحيفة الراوي ثم مجلة الشرق وألف عدة روايات وعرب غيرها. فأقبل عليها الأدباء لحسن إنشائها وجودة سياقها وقد اشتهر خصوصاً بالشعر الرائق. فجمع منه قسما جناب صديقنا أنطون الجميل فنشر جزؤه الأول في مصر تحت عنوان ديوان طانيوس عبده. وفي هذا المجموع حسنات عديدة صورة ومعنى قد تفنن فيه الشاعر ما شاء. دونك مثالاً من شعره في وصف لبنان:
لبنانُ أنتَ قوَّة الـضـعـيفِ |
|
وملجأ الخائف والملهـوف |
ومستقرُّ العابد الـعـكـوفِ |
|
في البرد والربيع والخريفِ |
أما الصيف فهو شيءٌ ثاني |
|
|
كل جبال الأرض مهما تعلو |
|
فإنها لأخْمصْـيك نـعـلُ |
قد قدَّستك الأنبياء من قـبـلُ |
|
وقد مَشتْ قدماً إليك الرسلُ |
تستنزلُ الوحيَ من الرحمانِ |
|
|
سبحان من أرساك يا لبنانُ |
|
فليس زلزالُ ولا بـركـانُ |
فيك ولا غيضُ ولا طوفـانُ |
|
بل كلُّ ما فيك هو الأمـانُ |
وطيّب الآمال والأمـانـي |
|
|
وقد رثاهُ الشاعر الرقيق الياس أفندي فياض بقصيدة مؤثرة أولها:
لا تبكهِ فاليومَ بدء حياتهِ |
|
إنَّ الأديب حياتُهُ بمماتهِ |