الجزء الثالث: الربع الأول من القرن العشرين - القسم الثالث: البحث الأول: الآداب العربية من السنة 1918 إلى 1926 - الباب الثاني: في المستشرقين المتوفين في هذه الحقبة الثالثة

الباب الثاني

في المستشرقين المتوفين في هذه الحقبة الثالثة

الفرنسويون

فقدت رسالتنا في الإسكندرية في 14 شباط 1919 أحد مرسليها المنقطعين للدروس الشرقية والآثار المصرية الأب (جول فيفر) (J. Faivre) درس تاريخ الإسكندرية ونشره في دائرة العلوم التاريخية الكنسية (Dict. D Hist. Ec-clesiastiqye) وله كتاب في آثار كانوب (أبو قير) وخرائبها راجع المشرق (1926): 899) وله منشورات عن مصر وآثارها النصرانية وفي 26 شباط من السنة التالية 1920 لحق إلى الأبدية المستشرق الفرنسوي (مرسال دي لافوا) (M. Dieulafoy) قرينته جان السابق ذكرها (راجع الصفحة 79 - 80) توفي في باريس وعمره 76 سنة. قضى مع زوجته سنين طويلة في الأسفار إلى مصر والجزائر ومراكش وبلاد الشام والعجم وفيها تولى الحفريات ووصف آثارها في عدة مجلدات في عهد قدماء الفرس وفي زمن بني ساسان. وله تآليف في مراكش وفي رباط واشتغل بآثار البابليين والكلدان. ودرس أسفار التوراة كسفر أستير وسفر دانيال وأسفار الملوك ليطبق معلوماتها على ما اكتشفه بأبحاثه الخاصة. وكانت قرينته تشاركه في كل هذه الأعمال بل خدم كلاهما في حرب فرنسة وألمانية سنة 1870 وتطوعا في خدمة وطنهما في هذه الحرب الأخيرة. فكانا نفساً واحدة في جسمين منفردين ومنيت فرنسة بفقدان مستشرق آخر تبع مرسال ديولافوا إلى القبر فتوفي بعده بثلاثة أسابيع المرحوم (هنري بونيون) (H. Pognon). ولد سنة 1853 وتوفي في شمباري في 16 آذار 1921. انكب منذ شبابه على درس اللغات الشرقية كالعبرانية والعربية والسريانية والبابلية وكان أول من درس اللغة الآشورية في مدرسة باريس العليا سنة 1878. وتعين كقنصل دولته في طرابلس الغرب ثم في بغداد. فكان بعد قيامه بواجبات منصبه يصرف كل زمانه في نشر الآثار الشرقية التي خلف منها عدداً وافراً. فمن ذلك تأليفه الفريد في الآثار السامية المكتشفة في الشام وفي ما بين النهرين وجهات الموصل. وهو الذي نشر كتابه نبو كدنصر التي وجدها في لبنان في وادي بريسا. ودرس ديانة الصابئة والآثار المندائية والكتابات الآرامية المكتشفة في جزيرة اليفنتين وله منشورات أخرى سريانية وآشورية  وفي السنة 1922 في 21 نيسان وقعت وفاة أحد كبار الأثريين المستشرقين المنسنيور (لويس دوشان) (L. Duschesne) توفي في رومية في 21 نيسان 1922. كان مولده سنة 1843. درس العلوم الدينية في المدرسة الرومانية العليا للآباء اليسوعيين في رومية. فتعرف بالأثري الكبير الكونت دي روسي فمالت أهواؤه إلى الآثار النصرانية القديمة فأولع بها. فمما نشره الكتاب الجليل المعروف بالكتاب الحبري (Liber Pontificalis) المتضمن سير قدماء الباباوات. ومن تآليفه كتاب في أصول مبادئ النصرانية وطقوسها. وله أيضاً كتاب في الكنائس الشرقية المنفصلة. وتاريخ الكنيسة في القرن السادس. وتعين المنسنيور دوشان رئيسا للمدرسة الفرنسوية الأثرية في رومية منذ السنة 1895. وقد نشر في المجلات العلمية مقالات ممتعة في عدة أبحاث شرقية أثرية. وقد أخذ عليه بعض الغلو في بسط آرائه الخاصة وفي شهر نيسان أيضاً من هذه السنة 1922 أسفت كلية الجزائر الفرنساوية على وفاة أحد رؤسائها الذي خص نفسه بإدارة دروسها العربية المرحوم (جورج دلفين) (J. Delphin). بعد أن رسخت قدمه في معرفة اللغة العربية باشر في تدرسيها في مدرسة وهران ثم انتدبته الحكومة إلى إدارة مدرسة الجزائر وإلى نظارة مدارسها الوطنية ودرس لهجات تلك البلاد ولغاتها العامية وعني بترقية المسلمين الأدبية واكتسب ثقتهم بأنسه ونشر عدة أبحاث عن الإسلام في الجزائر. وله كتب مدرسية عديدة تسهيلا لدرس العربية على مواطنيه. ومن منشوراته تاريخ الباشوات العثمانيين في الجزائر منذ السنة 921ه إلى 1158 (1515 - 1745م) والمقامات العاولية في اللهجة المراكشية. ونشر في مطبعتنا الكاثوليكية سنة 1891 كتابه جامع اللطائف وكنز الخرائف وكما الجزائر فجعت أيضاً تونس في السنة 1922 بوفاة مستشرق آخر فرنسوي المرحوم (لويس ماشويل) (L. Machael) تولى زمناً طويلاً إدارة مدرسة تونس وعلم فيها العربية وصنف لها عدداً وافياً من الكتب المدرسية كدليل الدارسين ومنتخبات تاريخية وأدبية. وعني بتكرار غراماطيق البارون دي ساسي بعد نفوذه وأتقن أيضاً لهجات العامة في تونس ومراكش ونشر فيها روايات فكاهية. وكان استظهر منذ صغره القرآن على أحد أساتذة الجزائر وقد خلف معجماً كبيرا عربياً وافرنسياً تنوي الحكومة في نشره لوفرة مواده. وكان المذكور حر الأفكار لا يكترث لدينه لتربيته صغيراً في مدارس لا دينية فطلب أن يدفن دفناً مدنياً أصيبت الآثار الشرقية في 16 شباط 1923 بوفاة رجل خدمها نيفاً وستين سنة العلامة الأثري (شرل كارمون غانو) (Ch. Clermont - Ganneau) حل أجله في باريس وفيها كان مولده سنة 1846. وجه نظره منذ شبابه إلى الدروس الشرقية فدرس العبرانية والعربية وترشح للمناصب القنصلية في أنحاء الشرق فخدم دولته كترجمان ثم كقنصل في القدس الشريف ثم في الأستانة في يافا. وتجول في مصر والشام والأناضول واليونان وتولى حفريات عديدة ودرس عادياتها. وقد تفرد خصوصاً بوصف عاديات الشام وفلسطين. وكان أول ما أذاع صيته في عالم العلم اكتشافه لكتابة مشا ملك مواب الراقية إلى القرن التاسع قبل المسيح المكتوب بالحرف العبراني ففسرها كارمون غانو سنة 1869. ثم اكتشف سنة 1871 الكتابة اليونانية التي كانت في حرم هيكل أورشليم وهي تحظر على كل أجنبي الدخول للهيكل تحت طائلة الموت. ثم تعددت بعد ذلك اكتشافات ومنشورات كارمون غانو. وتبلغ قائمة تآليفه عشرين صفحة ناعمة. نخص منها بالذكر مجموعته (دروس أثرية شرقية) ومجلته (مجموعة آثار شرقية) في ثماني مجلدات. ومن تآليفه الممتعة كشفه الستار عن الآثار المزورة وكتابه (فلسطين المجهولة). وله فضل كبير على وطننا بأبحاثه العديدة عن كل عادياتنا الفينيقية والعبرانية والعربية والسريانية  وفي 6 تشرين الأول من هذه السنة 1923 بارح الحياة في عز كهولته المرحوم (موريس بيزار) (M. Pezard) الذي مشى على آثار كارومون غانو فتخصص بدرس الآثار الشرقية. ساح في العجم وألف كتابه عن عاديات شوشن مع المسيو بوتيه. ثم أتى سورية بعد الحرب فباشر الحفريات في قدس مدينة الحثيين في أنحاء مدينة حمص فوقف على كثير من عادياتها في السنتين 1921 و1926. وكان نشر قبل ذلك سنة 1920 كتاباً بديعاً في خزفيات الإسلام القديمة وأصلها. وقبل وفاته بقليل نشر مقالة واسعة عن كتابة المفرعون ساتي الأول ومقالات غيرها.

وفي أوائل كانون الثاني من السنة 1924 علمنا بمزيد الأسف بوفاة أحد أنصار الدروس العربية المرحوم (رينيه باسه) (R. Basset) كان مولده سنة 1855. وإذ بلغ بعد دروسه الثانوية السنة الثامنة عشرة من عمره وقعت في يده كتابة قديمة لم يعرف شيئاً من أمرها فقيل له أنها كتابة عربية فكان ذلك داعياً لدرسه تلك اللغة ونبوغه فيها ولم يقصر نظره عليها بل أراد أيضاً أن يتقن بقية لغات الشرق كالفارسية والتركية والحبشية والقبطية فأصبح من أكبر اللغويين العصريين. إلا أنه تخصص بالعربية وباللغات السامية لا سيما مذ عهد إليه تدريس العربية في مدرسة الجزائر العليا سنة 1882. ثم تولى تدبير المدرسة فبلغها مقاماً ممتازاً وتعلم لغة البربر الساكنين في جبال الجزائر. وللمسيو باسّه تآليف عديدة تنبئ بسعة معارفه للشرق العربي الإسلامي منها تاريخية ومنها أدبية ومنها لغوية وله وصف رحل تجشمها إلى تونس وإلى السنيغال. ومن تآليفه مجموعة (ألف حكاية وحكاية) في عدة مجلدات منقولة إلى الافرنسية سبق لنا وصف مجلدين منها. ونشر تاريخ الحبشة لشهاب الدين أحمد بن عبد القادر المعروف بعرب فقيه مع ترجمته إلى الافرنسية. وله مقالات متعددة في المجلات الشرقية في فرنسة وفي الجزائر وتونس وفي دائرة العلوم الإسلامية. وكتب في الشعر العربي الجاهلي.

وكان لرينة باسه ابن (هنري باسه) (H. Basset) يعده ليكون خلفه في دروسه الشرقية فلم يعش بعده إلا سنتين فتوفي في 13 نيسان 1926 في رباط في الثالثة والثلثين من عمره. كان خدم وطنه في الحرب فذاق مرارتها ثم تخصص بعدها بدرس الإسلام في كل مظاهره التاريخية والأثرية والاجتماعية. وتولى بعد أبيه نشر دائرة الإسلام الافرنسية. وله أيضاً تاريخ آداب قبائل البربر. وبهمته أنشئت سنة 1921 مجلة الدروس الماركشية والبربرية المعروفة باسم عسبربس (Hesperis) وفي أواخر السنة 1923 كانت وفاة هنري سلادين (H. Saladin) الذي اشتغل مع المسيو ميجون في الكتاب النفيس المعنون بدليل الصناعة الإسلامية. وكان قبل ذلك نشر سنة 1888 كتاباً حسناً عن عاديات تونس في الأسبوع الأول من كانون الثاني 1924 خسرت فرنسا إمام علمائها بالمسكوكات القديمة (آرنست بابلون) (E. Babelon ) كان إليه مرجعهم في معرفة النقود العتيقة. نذكر منها دليل مسكوكات سورية والأرمن ودليل النقود العجمية وله دليل ثالث في الآثار الشرقية. ولد سنة 1854 ثم تضلع من علم اللغات السامية وتجول في الشرق متخصصاً بآثاره ومسكوكاته فنبغ فيها وتآليفه تبلغ عدة مجلدات ومن مناعي السنة 1924 العلامة (جاك دي مورغان) (J. De Morgan) توفي في أواسط تلك السنة مخلفاً له ذكراً طيباً في عالم العلوم الشرقية لا سيما الأثرية. وكفاه فخراً ما تولاه من الحفريات في العراق والعجم. فإليه يعود الفضل لاكتشافه في شوشن شرائع حمورابي الراقية إلى أوائل الألف الثاني قبل المسيح. واكتشف مسلة الملك البابلي نارام سين وتمثال الملك نابير أسو وآثار أخرى عديدة للعيلاميين تزين اليوم متحف باريس وغيرها. وقد نشر كثيراً من تلك الآثار مع العلامة الأب شيل الدومنيكي. وله تاريخ الأرمن وتآليف في عاديات مصر وفي أصول الشعوب وآثارهم السابقة للتاريخ. وقد اعتزل الأشغال في أواخر حياته لما وجد من المعاكسة في بعض زملائه فمات خاملاً  وممن نشبت فيهم المنون مخالبها منذ عهد قريب الأستاذ المستشرق (بول كازانوفا) (P. Casanova) الذي توفي في 24 آذار 1926 درس اللغات الشرقية في مكتب باريس المختص باللغات الشرقية الحية ونال شهادتها ثم علم العربية وآدابها في جامعة فرنسة سنة 1909 بعد أن أسند إليه في مصر بصفة نائب مدير معهد الآثار الشرقية الفرنساوي. وكانت الجامعة المصرية انتدبته ليلقي فيها دروساً شرقية سنة 1925 فلم تطل مدته وتوفي وهو مستعد ليأتي إلى بيروت ويحضر مؤتمرها الأثري مع عالم آخر جورج بنديت (G. Benedite) فتوفي كلاهما في أسبوع واحد. وللمرحوم كازانوفا من التآليف ترجمة المقريزي لوصف مصر وترجمة تاريخ ابن خلدون في قبائل البربر. وكتاب في محمد وآخر العالم. وكان المرحوم مولعاً بعلم النقود القديمة الإسلامية وبآلات العرب الرصدية وبمكاييلهم وموازينهم. وقد رددنا عليه في بعض تطرفه وكان آخر من فجعت به الآداب العربية وذلك في 2ك2 السنة 1927 المستشرق الممتاز (كليمان هوارت) (Cl. Huart) الذي أدى للعلوم العربية خدماً مشكورة. ولد في باريس في أواسط شباط 1854 وانكب منذ شبابه على الدروس الشرقية له عدة تآليف تركية وفارسية. ومما خدم به اللغة العربية خصوصاً كتابه في الآداب العربية سنة 1902 ثم تآليفه في تاريخ العرب في مجلدين (1912) ثم نشره وترجمته لكتاب البدء للمقدسي في ستة مجلدات (1899 - 1909) وتاريخ بغداد في القرون المتأخرة (1901) وكتاب في الخطوط العربية وتزيينها بالمينا في الشرق الإسلامي (1908) نضيف إلى هؤلاء اثنين من آباء كليتنا الأب (فرنسيس تورنبيز) (Fr. Tournebize) والأب (لويس بولوموا) (L. Bouloumoy ) خدم الأول الآداب الشرقية بعدة مصنفات أخصها تاريخ مطول لأرمينية السياسية والدينية (1910) ثم الكنيسة الرومية الأرثذكسية والاتحاد ثم مقالات عديدة علمية ودينية وتاريخية عن الأرمن والدروز والرسالات الشرقية وتراجم بعض المرتدين إلى الكثلكة أو بعض مشاهير الرجال توفي في 11 آذار 1926. أما الثاني فكان أحد أساتذة الطبيعيات في المكتب الطبي الفرنساوي تخصص بعلم الميكروبات وعلم النبات. له في هذا العلم الأخير كتاب نفيس وصف فيه نبات الشام بناء على ما جمعه من أصنافه في لبنان ومستنبته الشهير (المشرق 16 (1913): 277). طبع حديثاً في باريس.

المستشرقون الإنكليزيون

تأسف المستشرقون غاية الأسف على وفاة أحد أشراف الإنكليز (السر شرل جيمس ليال (Sir Ch. J. Lyall) رافع لواء العلوم الشرقية لكنه امتاز خصوصاً بمنشوراته العربية فنشر وترجم مجموعاً من شعراء العرب القدماء وشرح المعلقات للتبريزي ودواوين عبيد بن الأبرص وعامر ابن طفيل وعمرو بن قميئة. ونشر في مطبعتنا ديوان المفضليات للضبي مع شروحها وتذييلها بالملحوظات اللغوية والأدبية وترجمتها إلى الإنكليزية التي كان أحد رؤسائها وفي دائرة المعارف الدينية والأخلاقية وغيرهما توفي في غرة أيلول 1920 وعمره 76 سنة.

وفي أوائل كانون الثاني سنة 1925 فقد الإنكليز أستاذ آخر من أساتذة العلوم العربية المرحوم (كارليل ماكرتناي) (C. H. H. Macartney) بعد نشره لديوان شعر ذي الرمة مع شرحه وتذييله بالحواشي اللغوية والروايات المختلفة والفهارس طبعه في كمبدرج 1919.

ومن كبار المستشرقين الذي فجعت الآداب الشرقية بوفاته في العام الماضي 1926 في 5 ك2 (أدوار برّون) (Ed. G. Browne) أستاذ الآداب العربية والفارسية في جامعة كمبردج توفي وعمره 64 سنة أحرز له فخراً أثيلاً بتآليفه الواسعة لا سيما الفارسية والعربية. منها وصفه للمخطوطات الإسلامية في جامعة كمبردج في أربعة مجلدات وتاريخه الكبير المعجم وللآداب الفارسية في أربعة مجلدات أيضاً. ونشر مجاميع من شعراء الفرس وتواريخهم وتاريخ خراسان وتاريخ السلجوقيين وتاريخ أصفهان وتاريخ البابية والبهائية ورحلته إلى فارس ومذاكرة الشعراء لدولتشاه ولباب الألباب لمحمد عوفي وتاريخ الطب عند العرب وكتاب نهاية الأرب وفي أخبار الفرس والعرب. وفي العشرين من الشهر والسنة عينهما توفي الرحالة الإنكليزي (شرل دوتي) (Ch. M. Doughty) عن 82 سنة اشتهر برحلته إلى جزيرة العرب فسار من دمشق سنة 1876 على طريق الحج حتى بلغ الحجر وزار مدائن صالح والعلا وتيماء ونسخ عدداً من الكتابات المنقورة على صخورها وبلغ إلى حايل وخيبر ولقي في طريقه ضروب المشقات حتى كاد يذهب ضحية تهوره. ولما عاد إلى وطنه سالماً بعد سنتين نشر أخبار رحلته مع صورة الكتابات التي نسخها.

وفي السنة 1926 فقدت إنكلترا سيدتين اشتهرتا أيضاً بخدمة الآثار الشرقية. ففي 26 آذار توفيت السيدة (أغنس سميث لويس) (Agnes S. Lewis) التي تخرجت في جامعة كمبردج ثم تجشمت عدة أسفار إلى مصر وفلسطين واليونان وقبرص وطورسينا مع أختها السيدة جبسون. وقد كتبت أخبار رحلتها إلى قبرص وطورسينا حيث اكتشفت في مكتبتها عدة مخطوطات قديمة سريانية وعربية ويونانية من جملتها نسخة قديمة سريانية من إنجيل مار متى. وقد نشرت مجموعة من تلك الآثار دعتها الدروس السيناوية (Studia Sinaitica). وقد عرف لها وطنها خدمها فمنحها وسام الشرف. كان مولد أغنس لويس سنة 1843.

أما الثانية فهي الآنسة (برترودة بل) (Gert. Bell) توفاها الله في بغداد في 12 تموز وهي التي دعيت بملكة العراق لِما أدته من الخدم للحكومة الإنكليزية في العراق بعد أن فوض إليها الانتداب على تلك البلاد. عرفنا هذه الآنسة التي زارت كليتنا غير مرة قبل الحرب وبعدها فكنا معجبين بهمتها ونشاطها فأنها طافت أصقاع الجزيرة والعراق والأناضول ونزلت بين قبائل العرب والترك ودرست آثار البلاد الدينية والمدنية وفنونها وصنائعها ووصفت كل ذلك بعدة تآليف من قلمها بالإنكليزية ومن أفضل مصنفاتها كتابها عن كنائس وأديار طور عابدين وكتابها في بادية الشام وآثارها وكتابها في الحضر والمدر ووصفها لأمد مع المرحوم مكس فأن برشم ولألف كنيسة وكنيسة بمعية العلامة رمساي ومن مراد إلى مراد (Amurath to Amurath) ولما وصف قصر أخيضر القديم في العراق وغير ذلك مما قضى منها العجب.

المستشرقون الألمانيون

كان أول من منيت به منهم الآداب الشرقية بعد نهاية الحرب في 5 كانون الأول سنة 1919 الدكتور (مرتين هرتمان) (M. Hartmann) الذي عرفناه في بيروت زمناً طويلاً ككنشليار دولة ألمانية. ولد في برسلو سنة 1851 وقضى في برلين. كان ابن أحد قسوس البروتستانت ورث منه تحمسه لمهذبه ومعاداته للكثلكة.. صرف أكبر قسم حياته في درس اللغات الشرقية ولا سيما العربية ونشر آدابها. وكان أحد منشئي مدرسة اللغات الشرقية في برلين والمتولين على نظارتها. وقد نشر كتباً عديدة تنبئ من طول باعه في العربية منها كتابه في الصحافة العربية في مصر سنة (1899) وكتاب في العروض العربي وكتاب في الإسلام وأنشأ المجلة الإسلامية ومجلة عالم الإسلام ورحل إلى جهات مصر وسورية وتركستان وألف كتاباً عربياً لتعليم اللغة الألمانية. وله انتقادات على رسالتنا السورية جاوز فيها حدود العدل ثم أقر لنا بمغالاته. وقد نشرنا له في المشرق مقالته في درس اللهجات العامية. أوصى عند وفاته أن تحرق جثته وفي 11 كانون الثاني 1920 أسلم روحه في يد خالقه أحد آباء رهبانيتنا الألمانيين من كبار المستشرقين علماً الأب (جان نيبوسيق ستراسميار) (J. N. Strassmayer) الذي كان متقناً للغات الشرقية لا سيما السريانية والعربية لكنه قضى معظم حياته في نشر الآثار المسمارية، وهو أول من وضع لها معجماً بناه على كتاباتها الحجرية المحفوظة في المتحف البريطاني في لندن ونشر مع الأب اليسوعي لبنغ كتاباً عن معارف الكلدان في الفلكيات استناداً إلى آثارهم القديمة التي حلاّ رموزها. وكان مع دروسه هذه يقضي ساعات من نهاره في خدمة كاثوليك لندن  وفي العام التالي في 27 كانون الثاني 1920 استأثر الله بأستاذ ألماني عالم وعامل المرحوم (كرستيان فردريك سيبولد) (F. Ch Seybold) مات في توبنغ بعد أن علم سنين طويلة. ولد في أوائل سنة 1859 وبعد أن تخرج في جامعة توبنغ في علومها اللاهوتية والفلسفية واللغوية أنتدبه ملك البرازيل دون بدرو الثاني ليعلمه اللغات الشرقية وخصوصاً العربية والسنسكريتية فرافقه إلى البرازيل وتعلم هناك لغات الوطنيين في تلك البلاد وكان متفقاً للبرتغالية والإسبانية ثم دعي إلى اللغات الشرقية في جامعة توبنغ فعلم العبرانية والسريانية والفارسية. وقد فضل عليها تعليم العربية فوصف مخطوطات مكتبة الجامعة ونشر مؤلفات عربية مهمة كأسرار العربية لأبن الأنباري والشماريخ في علم التاريخ للسيوطي والمنى في الكنى له وكتاب المرصع لأبن الأثير والكتاب الدرزي النقط والدوائر ورواية سول وشمول مع ترجمتها إلى الألمانية. ونشر أيضاً معجماً قديماً لاتينياً لمؤلف غفل وطبع في مطبعتنا الكاثوليكية قسمين من تاريخ بطاركة الإسكندرية لأبن المقفع أسقف الأشمونين. هذا إلى مقالات عديدة بقلمه في المجلات الشرقية الألمانية.

وفي شهر حزيران من تلك السنة 1921 خسرت مونيخ عاصمة بافارية أحد أساتذة جامعتها في عز كهولته المستشرق (أرنست لندل) (E. Lindl) معلم اللغات الشرقية. نشر بعض التآليف في البابلية والآشورية وما يستفاد من آثار المسمارية تأييداً لمرويات الأسفار المقدسة. وفي آب من العام التالي 1922 خسرت مونيخ ناظر مكتبتها الدكتور (جوزف أومر) (Jos. Aumer) الذي كنا اختبرنا لطفه ومعارفه الشرقية. ومن آثاره وصفه المدقق المخطوطات العربية التي تحفظ هناك.

ومن علماء المستشرقين الألمان المتوفين في ذلك العام الدكتور (فردريك كرن) (Fr. Kern) توفي في برلين في تشرين الثاني 1921. كان يعلم في عاصمة بروسية العربية والآداب الإسلامية ويعاني الآثار الشرقية في بابل والهند ومن تآليفه كتابه في تاريخ البوذية في الهند.

وأعظم منه شهرة إمام الدروس السامية في برلين الأستاذ الدكتور (فرنتس ديلتيش) (Fr. Delitsch) المتوفى في كانون الثاني 1923 تعاطى كل العلوم الشرقية وإنما اشتهر خصوصاً بتآليفه المتعددة عن الآثار البابلية وشرح الأسفار المقدسة العبرانية والآرامية.

ومثله شهرة صديقنا الدكتور (كرل بتسولد) (Carl Bezold) توفي أيضاً في كانون الثاني من السنة 1923 كان أستاذ اللغات السامية في هيدلبرغ. أدار سنين طويلة المجلة الآشورية التي أودعها كنوزاً ثمينة من معارفه في كل لغات الشرق كالكلدانية والسريانية والعربية والحبشية. وله تآليف فريدة في كل الآثار الشرقية ونشر في العربية والحبشية الكتاب المصنوع المدعو (عهد آدم) وتاريخ ملوك الحبش المعروف بكبرا نغست إلا أن معظم تآليفه في الآثار البابلية.

وآخر من أسفت على فقده العلوم الشرقية الدكتور (فليكس بيزر) (F. Pciser) منشئ مجلة الآداب الشرقية الألمانية (OLZ) أدارها عدة سنين وبين رسوخ قدمه في معرفة كل آثار الشرق ولا سيما اللغات السامية القديمة والحديثة. تشهد له المقالات الفريدة التي تحفل بها المجلة كل أبواب المعارف الشرقية توفي في 24 نيسان 1925

النمساويون والمجريون والسويسريون

في أول جمعة من الهدنة بعد الحرب في 9 تشرين الأول 1918 توفي في فينة (الكافليار جوزف فون كرابتشك) (J. Karabcek ) ولد سنة 1845 في غراتس حاضرة ستيريا من أعمال النمسة سابقاً. درس في جامعة فينة ثم سافر إلى بناس وحصل على مجموعة مسكوكات عربية قديمة فانقطع إلى درسها ووصفها فعينته الحكومة النمساوية معلماً للآثار الشرقية وتوفقت الدولة بحصولها على آثار بردية عربية راقية إلى أوائل الفتح الإسلامي في مصر وُجدت في الفيوم سنة 1881 فعُهد إليه درسها فوصفها وتعين أستاذاً لتاريخ الشرق وعادياته فنشر في كل هذه الفنون مقالات واسعة في مجلة العلوم الشرقية النمسوية (WZKM).

وفي أوائل السنة 1920 توفي في براغ عاصمة بوهيميا النمسوية أستاذ اللغات الشرقية (رودلف دفوراك) (R. Dvorak) له تأليف في شعر أبي فراس الحمداني وترجمة حياته في الألمانية ونشر ما ورد من شعره في يتيمة الدهر للثعالبي مع ترجمته. طبعه في ليدن سنة 1825 وله تأليف في ألفاظ القرآن المعربة. ودُهمت الآداب العربية في السنة 1921 بوفاة مستشرقين كبيرين شاع فضلهما على العالم العربي: الأول (ماكس فان برشم) (Max Van Berchem) ولد في جنيف في سويسرة سنة 1863 ودرس في مدارسها وفي مدارس ألمانية ثم تخرج في مدرسة باريس المعروفة بمدرسة اللغات الشرقية الحية ثم في المجمع العلمي الأثري الأفرنسي في مصر فقصد أن يطرق باباً جديداً قلماً طرقه المستشرقون قبله فأنه حاول نشر الكتابات العربية الأثرية التي كتبها المسلمون على أبنيتهم القديمة من جوامع ومدارس وقصور ومعاهد عمومية ومدافن مقسماً ذلك إلى عدة أجزاء على حسب اختلاف البلاد وهو عمل جباري يحتاج إلى جماعة كبيرة وسياحات بعيدة وقد نشر من ذلك عدة مجلدات ممتعة كآثار مصر وحمص وديار بكر وآثار الصليبيين. وله تآليف أثرية أخرى في المجلات الاختصاصية. والأمل معقود أن يواصل عمله هذا بعض ذوي الهمة كالمسيو فيات وغيره. وقد تعين المرحوم زمناً طويلاً كأستاذ اللغات الشرقية في جنيفا عاصمة وطنه توفي في 7 آذار. وبعد وفاته نشرت قرينته سنة 1923 في كتاب خاص ترجمة حياته من أقوال العلماء ثناء على أعماله.

أما المستشرق الثاني فهو الكاتب الضليع الواسع الشهرة الموسوي (أغناطيوس غولدستهير) (Ign. Goldziher) الذي عرفناه في مؤتمري برلين وستوكلهم سنة 1909. ولد في المجر في 22 حزيران 1850 ودرس على كبار المستشرقين الألمانيين في ليبسيك ثم تفرغ للتدريس سنة 1870 في بودابست ومذ ذاك الحين لم يزل يكد ذهنه ويسهر جفنه في الأبحاث الشرقية وعلى الخصوص الأبحاث في العلوم الإسلامية بعد سياحته إلى الشام ومصر سنة 1873(1) فخلد اسمه بمنشوراته النفيسة عن الإسلام وعلومه الدينية والأدبية واللغوية. فمما نشره كتابه في مذهب الظاهريين (1884) ودروسه الإسلامية في مجلدين ضخمين (1888 - 1890) وديوان الحطيئة جرول بن اوس (1890) وأبحاث في اللغة العربية (1896 - 1898) في جملتها كتاب المعمرين. وله محاضرات جميلة في الإسلام ومعتقداته وأصوله وفي الحديث النبوي. وكان آخر ما أصدره من قلمه سنة 1920 كتاباً ممتعاً في اعتبار الشيع الإسلامية للقرآن وما بنو على نصوصه من الآراء المتباينة. توفي في 13 تشرين الثاني 1921.

وفي كانون الثاني من السنة 1922 لقي أجله في مدينة بال في سويسرة أستاذ جامعتها (فردريك شولتس) (Fr. Shulthess) الذي تخصص أيضاً بدرس العربية والأبحاث الشرقية ومما نشره ديوان أمية بن أبي الصلت جمعهُ من المقاطيع المبثوثة في كتب العلماء سنة 1922 ونشر أيضاً أبحاثاً أدبية في الدين الإسلامي وله تأليف في لغة السيد المسيح وغير ذلك.

المستشرقون الإيطاليون

أصيبت الدروس الشرقية في إيطالية بضربة مؤلمة بوفاة العلامة (سلستينو سكيابارلي) (Celestino Schiaparelli) الذي ولد في 14 أيار 1841 في بيامونتي وتوفي في رومية في 26 تشرين الأول سنة 1919 درس العربية في فلورنسة على الأستاذ ميشال أماري الشهير ثم تعين معلماً للغة العربية في جامعة رومية الوطنية. ومن آثار همته الطيبة نشره لديوان ابن حمديس الصقلي سنة 1897 ثم نشر رحلة ابن جبير مع ترجمتها الإيطالية (1906) ونشر في فلورنسة معجماً عربياً قديماً سنة 1871. ونشر مع الأستاذ أماري القسم المختص بإيطالية من نزهة المشتاق للإدريسي عن إيطالية في كتاب آخر يدعى أُنس المُهج وروض الفرج عن نسخة وجدها في الأستانة. وكذلك كتاب ابن الهائم الذي عنوانه مرشدة الطالب في أسمى المطالب وغير ذلك من آثاره الطيبة وفي 5 ك1 1920 خسرت إيطالية أستاذاً آخر ضليعاً من العلوم الشرقية الأستاذ (إيتالو بيزي) (Italo Pizzi) المولود في بارما سنة 1849 تخرج في جامعة بيزا وتعين للتدريس في جامعة تورينو. وقد اشتهر خصوصاً بعلمه للغة الفارسية وفيها نشر معظم تآليفه. وقد اشتغل كذلك بالعربية فنشر كتابه في آدابها بالطليانية سنة (1903) وألف أيضاً كتاباً في الإسلام. وعني بالآداب الهندية واللغة السنسكريتيةولا يقل عن هؤلاء شهرة الأستاذ (أوجيانو غربفيني) (Eug. Griftini) الذي توفي في 3 أيار 1925. كان مولده في ميلانو في أواخر سنة 1878 وبعد دروسه بلغه أن أحد مواطنيه يتاجر في صنعاء يدعى يوسف كبروتي فسافر إلى اليمن واجتمع به وساح في تلك البلاد وباع من كبروتي عدداً من مخطوطاتها التي وصفها ثم أوصى بها لوطنه بعده وتسيح أيضاً في طرابلس الغرب وهو يتزيا في أسفاره بأزياء العرب. ودعاه في آخر عمره جلالة الملك فؤاد كناظر مكتبته الخاصة في القاهرة فتوفي بعد قليل. ومن آثاره نشره نسخة قديمة من شعر الأخطل وجدها في اليمن وطبعها في مطبعتنا ونشر كذلك كتاب جامع الفقه لزيد بن علي نشره في ميلانو سنة 1919

المستشرقون الأميركيون

توفي في السنة 1921 أحد مشاهير العلماء المستشرقين في أميركا الدكتور (موريس جاسترو) (Morris Jastrow) كان من أساتذة جامعة فيلادلفية وكان موسويا أتقن في مقتبل عمره اللغات السامية وخصوصاً العبرانية والعربية. وكانت باكورة منشوراته كتاب أبي زكريا يحيى بن داود هيوج نشر نصه العربي في ليدن. ثم تعاطى العلوم الآشورية فأصبح أحد أساطينها ونشر عدداً عديداً من آثارها. وكذلك درس الأسفار المقدسة وعني بشرحها لكنه لم يرع في انتقاداته جانب الاعتدال. وله أبحاث عديدة في الأديان وأصولها وأطوارها ومن تآليفه المفيدة معجم للغة اليهودية الآرامية كالترجوميم والتلمودين البابلي والأورشليمي والمداريش. وله تاريخ التمدن في بابل وآشور ووصف أديانهما وفي 12 كانون الثاني سنة 1923 أسفت الجامعة الأمريكية في الثغر على فقد أستاذها في التاريخ والفلسفة الدكتور (هارفي بورتر) (Harvey Porter) وهو في التاسعة والسبعين من عمره. ولد سنة 1844 وقدم سورية سنة 1870 فخدم الجامعة الأمريكية بكل نشاط وإخلاص إلى السنة 1914. ومما خدم به العلوم الشرقية اهتمامه بالعاديات والنقود العربية. وألف كتاب النهج القويم في التاريخ القديم بالعربية وساعد الدكتور ورتبارت في معجمية المطول والمختصر العربي والإنكليزي وصنف بالإنكليزية تاريخاً مختصراً لبيروت هؤلاء أخص المستشرقين الذين بارحوا الحياة في الحقبة الثالثة فاستحقوا شكر مواطنيهم وكشفوا لنا كثيراً من كنوز أوطاننا الدفينة جازاهم الله خير جزائه .