الجزء الأول - كتاب اللؤلؤة في السلطان - باب من أحكام القضاء

 التعرض للسلطان والرد عليه

قالت الحكماء‏:‏ من تعرض للسلطان أرداه ومن تطامن له تخطاه وشبهوه في ذلك بالريح العاصفة التي لا تضر بما لان له من الشجر ومال معها من الحشيش وما استهدف لها من الدواح العظام قصفته‏.‏

قال الشاعر‏:‏ إن الرياح إذا ما أعصفت قصفت عيدان نبع ولا يعبأن بالرتم وقال حبيب بن أوس - وهو أحسن مل قيل في السلطان -‏:‏ هو السيل إن واجهته انقدت طوعه وتقتاده من جانبيه فيتبع وقال آخر‏:‏ هو السيف إن لاينته لان متنه وحداه إن خاشنته خشنان وقال معاوية لأبي الجهم العدوي‏:‏ أنا أكبر أم أنت فقال‏:‏ لقد أكلت في عرس أمك يا أمير المؤمنين‏.‏

قال‏:‏ عند أي أزواجها قال‏:‏ عند حفص ابن المغيرة‏.‏

قال‏:‏ يا أبا الجهم إياك والسلطان فإنه يغضب غضب العصبي ويأخذ أخذ الأسد‏.‏

وأبو الجهم هذا هو القائل في معاوية بن أبي سفيان‏:‏ نميل على جوانبه كأنا نميل إذا نميل على أبينا وقدم عقيبة الأسدي على معاوية ورفع إليه رقعة فيها هذه الأبيات‏:‏ معاوي إننا بشر فأسجح فلسنا بالجبال ولا الحديد أكلتم أرضنا فجردتمونا فهل من قائم أو من حصيد أتطمع بالخلود إذا هلكنا وليس لنا ولا لك من خلود فهبنا أمة هلكت ضياعا يزيد أميرها وأبو يزيد فدعا به معاوية فقال‏:‏ ما جرأك علي قال‏:‏ نصحتك إذ غشوك وصدقتك إذ كذبوك‏.‏

فقال‏:‏ ما أظنك إلا صادقاً وقضى حوائجه‏.‏

ومن حديث زياد عن مالك بن أنس قال‏:‏ خطب أبو جعفر المنصور فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال‏:‏ أيها الناس اتقوا الله‏.‏

فقام إليه رجل من عرض الناس فقال‏:‏ أذكرك الله الذي ذكرتنا به يا أمير المؤمنين‏.‏

فأجابه أبو جعفر بلا فكرة ولا روية‏:‏ سمعاً وطاعة لمن ذكر بالله وأعوذ بالله أن أذكر به وأنساه فتأخذني العزة بالإثم فقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين وأما أنت فوالله ما الله أردت بها ولكن ليقال‏:‏ قال فعوقب فصبر وأهون بها لو كانت وأنا أحذركم أيها الناس أختها فإن الموعظة علينا نزلت ومنا أخذت‏.‏

ثم رجع إلى موضعه من وقام رجل إلى هارون الرشيد وهو يخطب بمكة فقال‏:‏ ‏"‏ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ‏"‏‏.‏

فأمر به فضرب مائة سوط‏.‏

فكان يئن الليل كله ويقول‏:‏ الموت‏!‏ الموت‏!‏ فأخبر هارون الرشيد أنه رجل صالح فأرسل إليه فاستحله فأحله‏.‏

المدائني قال‏:‏ جلس الوليد بن عبد الملك على المنبر يوم الجمعة حتى اصفرت الشمس فقام إليه رجل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الوقت لا ينتظرك وإن الرب لا يعذرك‏.‏

قال صدقت‏:‏ ومن قال مثل مقالتك فلا ينبغي له أن يقوم مثل مقامك‏.‏

من ها هنا من أقرب الحرس يقوم إليه فيضرب عنقه الرياشي عن الأصمعي قال‏:‏ خاطر رجل رجلاً أن يقوم إلى معاوية إذا سجد فيضع يده على كفله ويقول‏:‏ سبحان الله يا أمير المؤمنين‏!‏ ما أشبه عجيزتك بعجيزة أمك هند‏!‏ ففعل ذلك‏.‏

فلما انفتل معاوية عن صلاته قال‏:‏ لا يا بن أخي إن أبا سفيان كان إلى ذلك منها أميل فخذ ما جعلوا لك فأخذه‏.‏

ثم خاطر أيضاً أن يقوم إلى زياد وهو في الخطبة فيقول له‏:‏ أيها أمير من أبوك ففعل‏.‏

فقال له زياد‏:‏ هذا يخبرك وأشار إلى صاحب الشرطة فقدمه فضرب عنقه‏.‏

فلما بلغ معاوية قال‏:‏ ما قتله غيري ولو أدبته على الأولى ما عاد إلى الثانية‏.‏

وخاطر رجل إلى أن يقوم إلى عمرو بن العاص وهو في الخطبة فيقول‏:‏ أيها الأمير من أمك ففعل‏.‏

فقال له‏:‏ النابغة بنت عبد الله أصابتها رماح العرب فبيعت بعكاظ فاشتراها عبد الله بن جدعان للعاص بن وائل فولدت فأنجبت فإن كانوا جعلوا شيئاً فخذه‏.‏

دخل خريم الناعم على معاوية بن أبي سفيان فنظر معاوية إلى ساقيه فقال‏:‏ أي ساقين لو أنهما على جارية‏!‏ فقال له خريم‏:‏ في مثل عجيزتك يا أمير المؤمنين‏.‏

قال‏:‏ واحدة بأخرى والبادئ أظلم‏.‏