الجزء الأول - كتاب الزبرجدة في الأجواد والأصفاد - أصفاد الملوك على المدح

أصفاد الملوك على المدح

سعيد بن مسلم الباهلي قال‏:‏ قدم على الرشيد أعرابي من باهلة وعليه جبة حبرة ورداء يمان قد شده على وسطه ثم ثناه على عاتقه قد عصها على فوديه وأرخى لها عذبة من خلفه‏.‏

فمثل بين يدي الرشيد‏.‏

فقال سعيد‏:‏ يا أعرابي‏.‏

خذ في شرف أمير المؤمنين‏.‏

فاندفع في شعره‏.‏

فقال الرشيد‏:‏ يا أعرابي أسمعك مستحسناً وأنكرك متهماً فقل لنا بيتين في هذين - يعني محمداً الأمين وعبد الله المأمون ابنيه وهما عن حفافيه - فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين حملتني على الوعر القردد ورجعتني عن السهل الجدد روعة الخلافة وبهر الدرجة ونفور القوافي على البديهة فأرودني تتألف لي نوافرها ويسكن روعي‏.‏

قال‏:‏ قد فعلت‏:‏ وجعلت اعتذارك بدلاً من امتحانك‏.‏

قال‏:‏ يا أمير المؤمنين نفست الخناق وسهلت ميدان السباق فأنشأ يقول‏:‏ بنيت لعبد الله ثم محمد ذرى قبة لإسلام فاخضر عودها هما طنباها بارك الله فيهما وأنت أمير المؤمنين عمودها فقال الرشيد‏:‏ وأنت يا أعرابي بارك الله فيك فسل ولا تكن مسألتك دون إحسانك‏.‏

قال‏:‏ الهنيدة يا أمير المؤمنين‏.‏

فأمر له بمائة ناقة وسبع خلع‏.‏

وقال مروان بن أبي حفصة‏:‏ دخلت على المهدي فاستنشدني فأنشدته الشعر الذي أقول فيه‏:‏ طرقتك زائرة فحي خيالها بيضاء تخلط بالحياء دلالها قادت فؤادك فاستقاد ومثلها قاد القلوب إلى الصبا فأمالها حتى انتهيت إلى قولي‏:‏ شهدت من الأنفال آخر آية بتراثهم فأردتم إبطالها أوتجحدون مقالة عن ربكم جبريل بلغها النبي فقالها هل تطمسون من السماء نجومها بأكفكم أو تسترون هلالها قال‏:‏ وأنشدته أيضاً شعري الذي أقول فيه‏:‏ يا بن الذي ورث النبي محمداً دون الأقارب من ذوي الأرحام الوحي بين بنى البنات وبينكم قطع الخصام فلات حين خصام ما للنساء مع الرجال فرضية نزلت بذلك سورة الأنعام إني يكون وليس ذاك بكائن لبني البنات وراثة الأعمام ظفرت بنو ساقي الحجيج بحقهم وغررتم بتوهم الأحلام قال مروان بن أبي حفصة‏:‏ فلما أنشدت المهدي الشعرين قال‏:‏ وجب حقك على هؤلاء - وعنده جماعة من أهل البيت - قد أمرت لك بثلاثين ألفاً وفرضت على موسى خمسة آلاف وعلى هارون مثلها وعلى علي أربعة آلاف وعلى العباس كذا وعلى فلان كذا‏.‏

فحسبت سبعين ألفاً‏.‏

قال‏:‏ فأمر بالثلاثين ألفاً فأتي بها ثم قال‏:‏ اغد على هؤلاء وخذ ما فرضت لك فأتيت موسى فأمر لي بخمسة آلاف وأتيت هارون فأمر لي بمثلها وأتيت علياً قال‏:‏ قصر بي دون إخوتي فلن أقصر بنفسي فأمر لي بخمسة آلاف فأخذت من الباقين سبعين ألفاً‏.‏

ودخل أعشى ربيعة على عبد الملك بن مروان وعن يمينه الوليد وعن يساره سليمان‏.‏

فقال له عبد الملك‏:‏ ماذا بقي يا أبا المغيرة قال‏:‏ مضى ما مضى وبقي ما بقي وأنشأ يقول‏:‏ وما أنا في حقي ولا في خصومتي بمهتضم حقي ولا قارع سني ولا مسلم مولاي من سوء ما جنى ولا خائف مولاي من سوء ما أجني وفضلى في الأقوال والشعر أنني أقول الذي أعني وأعرف ما أعني وأن فؤادي بين جنبي عالم بما أبصرت عيني وما سمعت أذني وإني وإن فضلت مروان وابنه على الناس قد فضلت خير أب وابن العتبي قال‏:‏ دخل الفرزدق على عبد الرحمن الثقفي بن أم الحكم فقال له عبد الرحمن‏:‏ أبا فراس دعني من شعرك الذي لا يأتي آخره حتى ينسى أوله وقل في بيتين يعلقان أفواه الرواة وأعطيكها عطية لم يعطكها أحد قبلي‏.‏

فغدا عليه وهو يقول‏:‏ وأنت ابن بطحاوي قريش فإن تشأ تكن في ثقيف سيل ذي حذب غمر وأنت ابن فرع ماجد لعقيلة تلقت له الشمس المضيئة بالبدر قال‏:‏ أحسنت‏.‏

وأمر له بعشرة آلاف‏.‏

أبو سويد قال‏:‏ أخبرني الكوفي قال‏:‏ اعترض الفضل بن يحيى بن خالد في وقت خروجه إلى خراسان فتى من التجار كان شخص إلى الكوفة فقطع به وأخذ جميع ما كان معه فأخذ بعنان دابة الفضل وقال‏:‏ سأرسل بيتاً ليس في الشعر مثله يقطع أعناق البيوت الشوارد أقام الندى والبأس في كل منزل أقام به الفضل بن يحيى بن خالد قال فأمر له بمائة ألف درهم‏.‏

العتبي‏:‏ قال أبو الجنوب مروان بن أبي حفصة أبياتاً ورفعها إلى زبيدة بنت جفعر يمتدح ابنها لله درك يا عقيلة جعفر ماذا ولدت من العلا والسودد إن الخلافة قد تبين نورها للناظرين على جبين محمد فأمرت أن يملأ فمه دراً‏.‏

وقال الحسن بن رجاء الكاتب‏:‏ قدم علينا علي بن جبلة إلى عسكر الحسن ابن سهل والمأمون هناك بانياً على خديجة بنت الحسن بن سهل المعروفة ببوران ونحن إذ ذاك نجري على نيف وسبعين ألف فلاح وكان الحسن بن سهل مع المأمون يتصبح فكان الحسن يجلس للناس إلى وقت انتباهه‏.‏

فلما قدم علي ابن جبلة نزل بي فقلت له قد قوي شغل الأمير‏.‏

قال‏:‏ إذاً لا أضيع معك‏.‏

قلت‏:‏ أجل‏.‏

فدخلت على الحسن بن سهل في وقت ظهوره فأعلمته مكانه‏.‏

فقال‏:‏ ألا ترى ما نحن فيه فقلت‏:‏ لست بمشغول عن الأمر له‏.‏

فقال‏:‏ يعطى عشرة آلاف إلى أن نتفرغ له‏.‏

فأعلمت علي بن جبلة‏.‏

فقال في كلمة له‏:‏ أعطيتني يا ولي الحق مبتدئاً عطية كافأت حمدي ولم ترني ما شمت برقك حتى نلت ريقه كأنما كنت بالجدوى تبادرني عرض رجل لابن طوق وقد خرج متنزهاً في الرحبة فناوله رقعة فيها جميع حاجته فأخذها فإذا فيها‏:‏ فقال‏:‏ والله لأصدقن ظنك‏.‏

فأعطاه حتى أغناه‏.‏

عرض دعبل بن علي الشاعر لعبد الله بن طاهر الخراساني وهو راكب في حراقة له في دجلة فأشار إليه برقعة فأمر بأخذها فإذا فيها‏:‏ عجبت لحراقة بن الحسين كيف تسير ولا تغرق وبحران‏:‏ من تحتها واحد وآخر من فوقها مطبق وأعجب من ذاك عيدانها إذا مسها كيف لا تورق فأمر له بخمسة آلاف درهم وجارية وفرس‏.‏

وخرج عبد الله بن طاهر فتلقاه دعبل برقعة فيها‏:‏ طلعت قناتك بالسعادة فوقها معقودة بلواء ملك مقبل تهتز فوق طريدتين كأنما تهفو يقص لها جناحاً أجدل ربح البخيل على احتيال عرضه بندى يديك ووجهك المتهلل لو كان يعلم أن نيلك عاجل ما فاض منه جدول في جدول فأمر له بخمسة آلاف‏.‏

ووقف رجل من الشعراء إلى عبد الله بن طاهر فأنشده‏:‏ وأضرب للهام يوم الوغى وأطعم في الزمن الماحل أشار إليك جميع الأنام إشارة غرقى إلى ساحل فأمر له بخمسين ألف درهم‏.‏

أحمد بن مطير قال‏:‏ أنشدت عبد الله بن طاهر أبياتاً كنت مدحت بها بعض الولاة وهي‏:‏ له يوم بؤس فيه للناس أبؤس ويوم نعيم فيه للناس أنعم فيقطر يوم الجود من كفه الندى ويقطر يوم البؤس من كفه الدم فلو أن يوم البؤس لم يثن كفه عن الناس لم يصبح على الأرض محرم ولو أن يوم الجود فرغ كفه لبذل الندى ما كان بالأرض معدم فقال لي عبد الله‏:‏ كم أعطاك قلت خمسة آلاف قال‏:‏ فقبلتها قلت‏:‏ نعم قال لي‏:‏ أخطأت ما ثمن هذه إلا مائة ألف‏.‏

ودخل حماد عجرد على أبي جعفر بعد موت أبي العباس أخيه فأنشده‏:‏ أتوك بعد أبي العباس إذ بانا يا أكرم الناس أعراقاً وعيدانا لو مج عود على قوم عصارته لمج عودك فينا الشهد والبانا فأمر له بخمسة آلاف درهم‏.‏

جاء موسى شهوات إلى سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان فقال‏:‏ إن هنا جارية تعشقتها وأبوا أن ينقصوني عن مائتى دينار‏.‏

فقال‏:‏ بورك فيه‏.‏

فذهب إلى سعيد بن خالد بن أسيد وأمه عائشة بنت طلحة الطلحات فدعا بمطرف خز فبسطه وعقد في كل ركن من أركانه مائة دينار وقال لموسى‏:‏ خذ المطرف بما فيه فأخذه ثم غدا عليه فأنشده‏:‏ أبا خالد أعني سعيد بن خالد أخا العرف لا أعني ابن بنت سعيد عميد الندى ما عاش يرضى به الندى فإن مات لم يرض الندى بعميد دعوه دعوه إنكم قد رقدتم وما هو عن أحسابكم برقود العتبي‏:‏ سمعت عمي ينشد لأبي العباس الزبيري‏:‏ وكل خليفة وولي عهد لكم يا آل مروان الفداء إمارتكم شفاء حيث كانت وبعض إمارة الأقوام داء فأنتم تحسنون إذا ملكتم وبعض القوم إن ملكوا أساءوا أأجعلكم وغيركم سواء وبينكم وبينهم الهواء هم أرض لأرجلكم وأنتم لأيديهم وأرجلهم سماء فقلت له‏:‏ كم أعطي عليها قال‏:‏ عشرين ألفاً‏.‏

الأصمعي قال‏:‏ حدثني رؤبة قال‏:‏ دخلت على أبي مسلم صاحب الدعوة فلما أبصرني نادى‏:‏ يا رؤبة فأجبته‏:‏ لبيك إذ دعوتني لبيكا أحمد رباً ساقني إليكا الحمد والنعمة في يديكا قال‏:‏ بل في يدي الله تعالى‏.‏

قلت له‏:‏ وأنت إذا أنعمت أجدت‏.‏

ثم قلت‏:‏ يأذن لي الأمير في الإنشاد قال‏:‏ نعم فأنشدته‏:‏ ما زال يأتي الملك من أقطاره وعن يمينه وعن يساره مشمراً لا يصطلى بناره حتى أقر الملك في قراره فقال‏:‏ يا رؤية إنك أتيتنا وقد شف المال واستنفده الإنفاق وقد أمرنا لك بجائزة وهي تافهة يسيرة ومنك العود وعلينا المعول والدهر أطرق مستتب فلا تجعل بيننا وبينك الأسدة‏.‏

قال رؤبة‏:‏ فقلت‏:‏ الذي أفادني الأمير من كلامه أكثر من الذي أفادني من ماله‏.‏

ودخل نصيب بن رباح على هشام فأنشده‏:‏ إذا استبق العلا سبقتهم يمينك عفواً ثم صلت شمالك فقال هشام‏:‏ بلغت غاية المدح فسلني‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين يداك بالعطية أطلق من لساني بالمسألة قال‏:‏ لا بد أن تفعل قال‏:‏ لي ابنة نفضت عليها من سوادي فكسدها فلو أنفقها أمير المؤمنين بشيء يجعله لها قال‏:‏ فأقطعها أرضاً وأمر لها بحلي وكسوة فنفقت السوداء‏.‏

الرياشي عن الأصمعي قال‏:‏ مدح نصيب بن رباح عبد الله بن جعفر فأمر له بمال كثير وكسوة شريفة ورواحل موقرة براً وتمراً‏.‏

فقيل له‏:‏ أتفعل هذا بمثل هذا العبد الأسود قال‏:‏ أما لئن كان عبداً إن شعره في لحر ولئن كان أسود إن ثناءه لأبيض وإنما أخذ مالاً يفنى وثياباً تبلى ورواحل تنضى وأعطى مديحاً يروى وثناء يبقى‏.‏

وذكروا عن أبي النجم العجلي أنه أنشد هشاماً شعره الذي يقول فيه‏:‏ الحمد لله الوهوب المجزل وهو من أجود شعره حتى انتهى إلى قوله‏:‏ والشمس في الجو كعين الأحول وكان هشام أحول فأغضبه ذلك فأمر به فطرد‏.‏

فأمل أبو النجم رجعته فكان يأوي إلى المسجد‏.‏

فأرق هشام ذات ليلة فقال لحاجبه‏:‏ ابغنى رجلاً عربياً فصيحاً يحدثني وينشدني‏.‏

فطلب له ما سأل فوجد أبا النجم فأتى به‏.‏

فلما دخل عليه قال‏:‏ أين تكون منذ أقصيناك قال‏:‏ حيث ألفاني رسولك‏.‏

قال‏:‏ فمن كان أب النجم أبا مثواك قال‏:‏ رجلين أتغدى عند أحدهما وأتعشى عند الآخر‏.‏

قال‏:‏ فما لك من الولد قال‏:‏ ابنتان‏.‏

قال‏:‏ أزوجتهما قال‏:‏ زوجت إحداهما‏.‏

قال‏:‏ فبم أوصيتها ليلة أهديتها قال‏:‏ قلت لها‏:‏ سبي الحماة وابهتي عليها وإن أبت فازدلفي إليها ثم اقرعي بالعود مرفقيها وجددي الخلف به عليها قال‏:‏ هل أوصيتها بعد هذا قال‏:‏ نعم‏:‏ أوصيت من برة قلباً برا بالكلب خيراً والحماة شرا لا تسأمي خنقاً لها وجرا والحي عميهم بشر طرا وإن كسوك ذهباً ودرا حتى يروا حلو الحياة مرا قال هشام‏:‏ ما هكذا أوصى يعقوب ولده‏.‏

قال أبو النجم‏:‏ ولا أنا كيعقوب ولا ولدي كولده‏.‏

قال‏:‏ فما حال الأخرى قال‏:‏ هي ظلامة التي أقول فيها‏:‏ كان ظلامة أخت شيبان يتيمة ووالداها حيان الرأس قمل كله وصئبان وليس في الرجلين إلا خطيان فهي التي يذعر منها الشيطان قال هشام لحاجبة‏:‏ ما فعلت بالدنانير التي أمرتك بقبضها قال‏:‏ هي عندي وهمس خمسمائة أبو عبيدة قال‏:‏ حدثني يونس بن حبيب قال‏:‏ لما استخلف مروان بن محمد دخل الشعراء يهنئونه بالخلافة فتقدم إليه طريح بن إسماعيل الثقفي خال الوليد بن يزيد فقال‏:‏ الحمد الله الذي أنعم بك على الإسلام إماماً وجعلك لأحكام دينه قوماً ولأمة محمد المصطفى جنة ونظاماً ثم أنشده شعره الذي يقول فيه‏:‏ تسوء عداك في سداد ونعمة خلافتنا تسعين عاماً وأشهرا فقال مروان‏:‏ كم الأشهر قال‏:‏ وفاء المائة يا أمير المؤمنين تبلغ فيها أعلى درجة وأسعد عاقبة في النصرة والتمكين‏.‏

فأمر له بمائة ألف درهم‏.‏

ثم تقدم إليه ذو الرمة متحانياً كبرة قد انحلت عمامته منحدرة على وجهه فوقف يسويها‏.‏

فقيل له‏:‏ تقدم‏.‏

قال‏:‏ إني أجل أمير المؤمنين أن أخطب بشرفه مادحاً بلوثة عمامتي فقال مروان‏:‏ ما أملت أنه قد أبقت لنا منك مي ولا صيدح في كلامك إمتاعاً‏.‏

قال‏:‏ بلى والله يا أمير المؤمنين أرد منه قراحاً والأحسن امتداحاً‏.‏

ثم تقدم فأنشد شعراً يقول فيه‏:‏ فقلت لها سيري أمامك سيد تفرع من مروان أو من محمد فقال له‏:‏ ما فعلت مي فقال‏:‏ طويت غدائرها ببرد بلى ومحا الترب محاسن الخد فالتفت مروان إلى العباس بن الوليد فقال‏:‏ أما ترى القوافي تنثال انثيالاً يعطى بكل من سمى من آبائي الربيع حاجب المنصور قال‏:‏ قلت يوماً للمنصور‏:‏ إن الشعراء ببابك وهم كثيرون طالت أيامهم ونفدت نفقاتهم‏.‏

قال‏:‏ أخرج إليهم فاقرأ عليهم السلام وقل لهم‏:‏ من مدحني منكم فلا يصفني بالأسد فإنما هو كلب من الكلاب ولا بالحية فإنما هي دويبة منتنة تأكل التراب ولا بالجبل فإنما هو حجر أصم ولا بالبحر فإنما هو غطامط لجب ومن ليس في شعره هذا فليدخل ومن كان في شعره هذا فلينصرف فانصرفوا كلهم إلا إبراهيم بن هرمة فإنه قال له‏:‏ أنا له يا ربيع فأدخلني‏.‏

فأدخله فلما مثل بين يديه قال المنصور يا ربيع قد علمت أنه لا يجيبك أحد غيره هات يا بن هرمة‏.‏

فأنشده قصيدته التي يقول فيها‏:‏ له لحظات عن حفافى سريره إذا كرها فيها عذاب ونائل لهم طينة بيضاء من آل هاشم إذا أسود من كوم التراب القبائل إذا ما أبي شيئاً مضى كالذي أبى وإذا قال إني فاعل فهو فاعل فقال‏:‏ حسبك هاهنا بلغت هذا عين الشعر قد أمرت لك بخمسة آلاف درهم‏.‏

فقمت إليه وقبلت رأسه وأطرافه ثم خرجت فلما كدت أن أخفى على عينيه سمعته يقول‏:‏ يا إبراهيم‏.‏

فأقبلت إليه فزعاً فقلت‏:‏ لبيك فداك أبي وأمي‏.‏

قال‏:‏ احتفظ بها فليس لك عندنا غيرها‏.‏

فقلت‏:‏ بأبي وأمي أنت أحفظها حتى أوافيك بها على الصراط بخاتم الجهبذ‏.‏

هي النفس ما حملتها تتحمل وكان في يد المتوكل جوهرتان‏.‏

فأعطاه التي في يمينه فأطرق متفكراً في شيء يقوله ليأخذ التي في يساره‏.‏

فقال‏:‏ مالك مفكراً إنما تفكر فيما تأخذ به الأخرى خذها لا بورك لك فيها‏.‏

فأنشأ يقول‏:‏ بسر من رى إمام عدل تغرف من بحره البحار يرجى ويخشى لكل أمر كأنه جنة ونار الملك فيه وفي بنيه ما اختلف الليل والنهار يداه في الجود ضرتان عليه كلتاهما تغار لم تأت منه اليمين شيئاً إلا أتت مثله اليسار وقال آخر في الهول‏:‏ إذا سألت الندى عن كل مكرمة لم تلف نسبتها إلا إلى الهول لو زاحم الشمس ألفى الشمس مظلمة أو زاحم الصم ألجاها إلى الميل أمضى من الدهر إن نابته نائبة وعند أعدائه أمضى من السيل فأنت أولى بتاج الملك تلبسه من هوذة بن علي وابن ذي يزن فأمر له بعشر آلاف درهم‏.‏

ودخلت ليلى الأخيلية على الحجاج فأنشدته‏:‏ إذا ورد الحجاج أرضاً مريضة تتبع أقصى دائها فشفاها شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة سقاها فقال لها‏:‏ لا تقولي غلام ولكن قولي‏:‏ همام‏.‏

ثم قال‏:‏ أي النساء أحب إليك أنزلك عندها قال‏:‏ ومن نساؤك أيها الأمير قال أم الجلاس بنت المهلب بنت سعيد بن العاص الأموية وهند بنت أسماء من خارجة الفزارية وهند بنت المهلب بن أبي صفرة العتكية‏.‏

قالت‏:‏ القيسية أحب إلي‏.‏

فلما كان من الغد دخلت عليه‏.‏

قال‏:‏ يا غلام أعطها خمسمائة‏.‏

قالت‏:‏ أيها الأمير أحسبها أدما‏.‏

قال قائل‏:‏ إنما أمر لك بشاء قالت‏:‏ الأمير أكرم من ذلك‏.‏

فجعلها إبلاً إناثا على استحياء وإنما كان أمر لها بشاء أولاً‏.‏