الجزء الأول - كتاب الجمانة في الوفود - وفود الأحنف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه المدائني

وفود الأحنف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه المدائني

قال‏:‏ قدم الأحنف بن قيس التميمي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أهل البصرة وأهل الكوفة فتكلموا عنده في أنفسهم وما ينوب كل واحد منهم وتكلم الأحنف فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن مفاتيح الخير بيد الله وقد أتتك وفود أهل العراق وإن إخواننا من أهل الكوفة والشام ومصر نزلوا منازل الأمم الخالية والملوك الجبابرة ومنازل كسرى وقيصر وبني الأصفر فهم من المياه العذبة والجنان المخصبة في مثل حولاء السلى وحدقة البعير تأتيهم ثمارهم غضة لم تتغير وإنا نزلنا أرضاً نشاشة طرف في فلاة وطرف في ملح أجاج جانب منها منابت القصب وجانب سبخة نشاشة لا يجف ترابها ولا ينبت مرعاها تأتينا منافعها في مثل مريء النعامة يخرج الرجل الضعيف منا يستعذب الماء من فرسخين وتخرج المرأة بمثل ذلك ترنق ولدها ترنيق العنز تخاف عليه العدو والسبع فإلا ترفع خسيستنا وتنعش ركيستنا وتجبر فاقتنا وتزيد في عيالنا عيالاً وفي رجالنا رجالاً وتصفر درهمنا وتكبر قفيزنا وتأمر لنا بحفر نهر نستعذب به الماء هلكنا‏.‏

قال عمر‏:‏ هذا والله السيد‏!‏ هذا والله السيد‏!‏ قال الأحنف‏:‏ فما زلت أسمعها بعدها‏.‏

فأراد زيد بن جبلة أن يضع منه فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنه ليس هناك وأمه باهلية‏.‏

قال عمر‏:‏ هو خير منك إن كان صادقاً‏.‏

يريد إن كانت له نية‏.‏

فقال الأحنف‏:‏ أنا ابن الباهلية أرضعتني بثدي لا أجد ولا وخيم أغض على القذى أجفان عيني إذا شر السفيه إلى الحليم قال‏:‏ فرجع الوفد واحتبس الأحنف عنده حولاً وأشهراً ثم قال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا كل منافق صنع اللسان وإني خفتك فاحتبستك فلم يبلغني عنك إلا خير رأيت لك جولاً ومعقولاً فارجع إلى منزلك واتق الله ربك‏.‏

وكتب إلى أبي موسى الأشعري‏:‏ أن يحتفر لهم نهراً‏.‏

على عمر بن الخطاب رضي الله عنه العتبي عن أبيه قال‏:‏ وفد الأحنف وعمرو بن الأهتم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأراد أن يقرع بينهما في الرياسة فلما اجتمعت بنو تميم قال الأحنف‏:‏ ثوى قدح عن قومه طالما ثوى فلما أتاهم قال قوموا تناجزوا فقال عمرو بن الأهتم‏:‏ إنا كنا وأنتم في دار جاهلية فكان الفضل فيها لمن جهل فسفكنا دماءكم وسبينا نساءكم وإنا اليوم في دار الإسلام والفضل فيها لمن حلم فغفر الله لنا ولك‏.‏

قال‏:‏ فغلب يومئذ عمرو بن الأهتم على الأحنف ووقعت القرعة لآل الأهتم‏.‏

فقال عمرو بن الأهتم‏:‏ لما دعتني للرياسة منقر لدى مجلس أضحى به النجم باديا شددت لها أزري وقد كنت قبلها لأمثالها مما أشد إزاريا وعمرو بن الأهتم‏:‏ هو الذي تكلم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله عن الزبرقان فقال عمرو‏:‏ مطاع في أدنيه شديد العارضة مانع لما وراء ظهره‏.‏

فقال الزبرقان‏:‏ والله يا رسول الله إنه ليعلم مني أكثر مما قال ولكن حسدني قال‏:‏ أما والله يا رسول الله إنه لزمر المروءة ضيق العطن أحمق الولد لئيم الخال والله ما كذبت في الأولى ولقد صدقت في الأخرى رضيت عن ابن عمي فقلت أحسن ما علمت ولم أكذب وسخطت عليه فقلت أقبح ما علمت ولم أكذب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن من البيان لسحراً‏.‏


وفود عمرو بن معد يكرب على عمر بن الخطاب رضي الله عنه

إذ أوفده سعد لما فتحت القادسية على يدي سعد بن أبي وقاص أبلى فيها عمرو بن معد يكرب بلاء حسناً فأوفده سعد على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكتب إليه معه بالفتح وأثنى في الكتاب على عمرو‏.‏

فلما قدم على عمر بن الخطاب سأله عنه سعد فقال‏:‏ أعرابي في نمرته أسد في تأمورته نبطي في جبايته يقسم بالسوية ويعدل في القضية وينفر في السرية وينقل إلينا حقنا نقل الذرة‏.‏

فقال عمر‏:‏ لشد ما تقارضتما الثناء‏.‏

وكان عمر قد كتب إلى سعد يوم القادسية أن يعطى الناس على قدر ما معهم من القرآن‏.‏

فقال سعد لعمرو بن معد يكرب‏:‏ ما معك من القرآن قال‏:‏ ما معي شيء قال‏:‏ إن أمير المؤمنين كتب إلي أن أعطي الناس على قدر ما معهم من القرآن فقال عمرو‏:‏ إذا قتلنا ولا يبكي لنا أحد قالت قريش ألا تلك المقادير نعطى السوية من طعن له نفذ ولا سوية إذ نعطى الدنانير وفود أهل اليمامة على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفد أهل اليمامة على أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد إيقاع خالد بهم وقتله مسيلمة الكذاب فقال لهم أبو بكر‏:‏ ما كان يقول صاحبكم قالوا‏:‏ أعفنا يا خليفة رسول الله قال‏:‏ لا بد أن تقولوا قالوا‏:‏ كان يقول‏:‏ يا ضفدع كم تنقين لا الشراب تمنعين ولا الماء تكدرين لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريش قوم لا يعدلون‏.‏

فقال لهم أبو بكر‏:‏ وحيكم‏!‏ ما خرج هذا من إل ولا بر فأين ذهب بكم قال أبو عبيد‏:‏ الإل‏:‏ الله تعالى‏.‏

والبر‏:‏ الرجل الصالح‏.‏