الجزء الأول - كتاب الجمانة في الوفود - وفود أم سنان بنت خيثمة على معاوية

 وفود أم سنان بنت خيثمة على معاوية

سعيد بن أبي حذافة قال‏:‏ حبس مروان بن الحكم وهو والي المدينة غلاماً من بني ليث في جناية جناها فاتته جدة الغلام أم أبيه وهي أم سنان بنت خيثمة بن خرشة المذحجية فكلمته في الغلام فأغلظ مروان فخرجت إلى معاوية فدخلت عليه فانتسب فعرفها فقال لها‏:‏ مرحباً يا بنة خيثمة ما أقدمك أرضنا وقد عهدتك تشتميننا وتحضين علينا عدونا قالت‏:‏ إن لبني عبد مناف أخلاقاً طاهرة وأحلاماً وافرة لا يجهلون بعد علم ولا يسفهون بعد حلم ولا ينتقمون بعد عفو وإن أولى الناس باتباع ما سن آباؤه لأنت قال‏:‏ صدقت نحن كذلك فكيف قولك‏:‏ عزب الرقاد فمقلتي لا ترقد والليل يصدر بالهموم ويورد يا آل مذحج لا مقام فشمروا إن العدو لآل أحمد يقصد هذا علي كالهلال تحفه وسط السماء من الكواكب أسعد خير الخلائق وابن عم محمد إن يهدكم بالنور منه تهتدوا ما زال مذ شهد الحروب مظفراً والنصر فوق لوائه ما يفقد قالت‏:‏ كان ذلك يا أمير المؤمنين وأرجو أن تكون لنا خلفاً بعده‏.‏

فقال رجل من جلسائه‏:‏ كيف يا أمير المؤمنين وهي القائلة‏:‏ فاذهب عليك صلاة ربك ما دعت فوق الغصون حمامة قمريا قد كنت بعد محمد خلفاً كما أوصى إليك بنا فكنت وفيا فاليوم لا خلف يؤمل بعده هيهات نأمل بعده إنسيا قالت‏:‏ يا أمير المؤمنين لسان نطق وقول صدق ولئن تحقق فيك ما ظننا فحظك الأوفر والله ما ورثك الشنآن في قلوب المسلمين إلا هؤلاء فأدحض مقالتهم وأبعد منزلتهم فإنك إن فعلت ذلك تزدد من الله قربا ومن المؤمنين حبا قال‏:‏ وإنك لتقولين ذلك قالت‏:‏ سبحان الله‏!‏ والله ما مثلك مدح بباطل ولا اعتذر إليه بكذب وإنك لتعلم ذلك من رأينا وضمير قلوبنا كان والله علي أحب إلينا منك وأنت أحب إلينا من غيرك قال‏:‏ ممن قالت‏:‏ مروان بن الحكم وسعيد بن العاصي قال‏:‏ وبم استحققت ذلك عندك قالت‏:‏ بسعة حلمك وكريم عفوك قال‏:‏ فإنهما يطمعان في ذلك قال‏:‏ والله لقد قاربت فما حاجتك قالت‏:‏ يا أمير المؤمنين إن مروان تبنك بالمدينة تبنك من لا يريد منها البراح‏.‏

لا حكم بعدل ولا يقضي بسنة يتتبع عثرات المسلمين ويكشف عورات المؤمنين حبس ابن ابني فأتيته فقال‏:‏ كيت وكيت فألقمته أخشن من الحجر وألعقته أمر من الصاب ثم رجعت إلى نفس باللائمة وقلت‏:‏ لم لا أصرف ذلك إلى من هو أولى بالعفو منه فأتيتك يا أمير المؤمنين لتكون في أمري ناظراً وعليه معديا قال‏:‏ صدقت لا أسألك عن ذنبه ولا عن القيام بحجته اكتبوا لها بإطلاقه قالت‏:‏ يا أمير المؤمنين وأنى لي بالرجعة وقد نفذ زادي وكلت راحلتي‏.‏

فأمر لها براحلة موطأة وخمسة آلاف درهم‏.‏