الجزء الأول - كتاب الجمانة في الوفود - وفود عكرشة بنت الأطرش على معاوية رحمه الله تعالى

وفود عكرشة بنت الأطرش على معاوية رحمه الله تعالى

أبو بكر الهذلي عن عكرمة قال‏:‏ دخلت عكرشة بنت الأطرش بن رواحة على معاوية متوكئة على عكاز لها فلمت عليه بالخلافة ثم جلست فقال لها معاوية‏:‏ الآن يا عكرشة صرت عندك أمير المؤمنين قالت‏:‏ نعم إذ لا علي حي قال‏:‏ ألست المتقلدة حمائل السيف بصفين وأنت واقفة بين الصفين تقولين‏:‏ أيها الناس عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إن الجنة لا يرحل عنها من قطنها ولا يرهم من سكنها ولا يموت من دخلها فابتاعوها بدار لا يدوم نعيمها ولا تنصرم همومها وكونوا قوماً مستبصرين في دينهم مستظهرين بالصبر على طلب حقهم إن معاوية دلف إليكم بعجم العرب غلف القلوب لا يفقهون الإيمان ولا يدرون ما الحكمة دعاهم بالدنيا فأجابوه واستدعاهم إلى الباطل فلبوه فالله الله عباد الله في دين الله وإياكم والتواكل فإن ذلك ينقض عرى الإسلام ويطفئ نور الحق هذه بدر الصغرى والعقبة الأخرى يا معشر المهاجرين والأنصار امضوا على بصيرتكم واصبروا على عزيمتكم فكأني بكم غداً ولقد لقيتم أهل الشام كالحمر الناهقة تصقع صقع البقر وتروث روث العتاق‏.‏

فكأني أراك على عصاك هذه وقد انكفأ عليك العسكران يقولون‏:‏ هذه عكرشة بنت الأطرش بن رواحة فإن كدت لتقتلين أهل الشام لولا قدر الله وكان أمر الله قدراً مقدوراً فما حملك على ذلك قالت‏:‏ يا أمير المؤمنين قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ‏"‏ وإن اللبيب إذا كره أمراً لا يحب إعادته قال‏:‏ صدقت فاذكري حاجتك قالت‏:‏ إنه كانت صدقاتنا تؤخذ من أغنيائنا فترد على فقرائنا وإنا قد فقدنا ذلك فما يجبر لنا كسير ولا ينعش لنا فقير فإن كان ذلك عن رأيك فمثلك من انتبه عن الغفلة وراجع التوبة وإن كان عن غير رأيك فما مثلك من استعان الخونة ولا استعمل الظلمة‏.‏

قال معاوية‏:‏ يا هذه إنه ينوبنا من أمور رعيتنا أمور تنبثق وبحور تنفهق قالت‏:‏ يا سبحان الله والله ما فرض الله لنا حقاً فجعل فيه ضرراً على غيرنا وهو علام الغيوب قال معاوية‏:‏ هيهات يا أهل العراق نبهكم علي بن أبي طالب فلن تطاقوا‏.‏

ثم أمر برد صدقاتهم فيهم وإنصافها‏.‏

مع معاوية رحمه الله تعالى سهل بن أبي سهل التميمي عن أبيه قال‏:‏ حج معاوية فسأل عن امرأة من بني كناية كانت تنزل بالحجون يقال لها دارمية الحجونية وكانت سوداء كثيرة اللحم فأخبر بسلامتها فبعث إليها فجيء بها فقال‏:‏ ما حالك يا بنة حام فقالت‏:‏ لست لحام إن عبتني أنا امرأة من بني كنانة قال‏:‏ صدقت أتدرين لم بعثت إليك قالت‏:‏ لا يعلم الغيب إلا الله قال‏:‏ بعثت إليك لأسألك علام أحببت علياً وأبعضتني وواليته وعاديتني قالت‏:‏ أوتعفيني يا أمير المؤمنين قال‏:‏ لا أعفيك قالت‏:‏ أما إذ أبيت فأني أحببت علياً على عدله في الرعية وقسمه بالسوية وأبغضتك على قتالك من هو أولى منك بالأمر وطلبتك ما ليس لك بحق وواليت علياً على ما عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم من الولاء وحبه المساكين وإعظامه لأهل الدين وعاديتك على سفكك الدماء وجورك في القضاء وحكمك بالهوى قال‏:‏ فلذلك انتفخ بطنك وعظم ثدياك وربت عجيزتك قالت‏:‏ يا هذا بهند والله كان يضرب المثل في ذلك لا بي قال معاوية‏:‏ يا هذه اربعي فإنا لم نقل إلا خيراً إنه إذا انتفخ بطن المرأة تم خلق ولدها وإذا عظم ثدياها تروى رضيعها وإذا عظمت عجيزتها رزن مجلسها فرجعت وسكنت‏.‏

قال لها‏:‏ يا هذه هل رأيت علياً قالت‏:‏ إي والله قال‏:‏ فكيف رأيته قالت‏:‏ رأيته والله لم يفتنه الملك الذي فتنك ولم تشغله النعمة التي شغلتك قال‏:‏ فهل سمعت كلامه قالت‏:‏ نعم والله فكان يجلو القلب من العمى كما يجلو الزيت صدأ الطست قال‏:‏ صدقت فهل لك من حاجة قالت‏:‏ أو تفعل إذا سألتك قال‏:‏ نعم قالت‏:‏ تعطيني مائة ناقة حمراء فحلها وراعيها قال‏:‏ تصنعين بها ماذا قالت‏:‏ أغذوا بألبانها الصغر وأستحيي بها الكبار وأكتسب بها المكارم وأصلح بها بين العشائر قال‏:‏ فإن أعطيتك ذلك فهل أحل عندك محل علي بن أبي طالب قالت‏:‏ ماء ولا كصداء ومرعى ولا كالسعدان وفتى ولا كمالك يا‏:‏ سبحان الله أو دونه‏.‏

فأنشأ معاوية يقول‏:‏ إذ لم أعد بالحلم مني عليكم فمن ذا الذي بعدي يؤمل للحلم خذيها هنيئاً واذكري فعل ماجد جزاك على حرب العداوة بالسلم ثم قال‏:‏ أما والله لو كان علي حياً ما أعطاك منها شيئاً قالت‏:‏ لا والله ولا وبرة واحدة من مال المسلمين‏.‏