الجزء الأول - كتاب المرجانة في مخاطبة الملوك - من كره من الملوك تقبيل اليد

من كره من الملوك تقبيل اليد

العتبي قال‏:‏ دخل رجل على هشام بن عبد الملك فقبل يده فقال‏:‏ أف له إن العرب ما قبلت الأيدي إلا هلوعاً ولا فعلته العجم إلا خضوعاً‏.‏

واستأذن رجل المأمون في تقبيل يده فقال له‏:‏ إن قبلة اليد من المسلم ذلة ومن الذمي خديعة ولا حاجة بك أن تذل ولا بنا أن نخدع‏.‏

واستأذن أبو دلامة الشاعر المهدي في تقبيل يده فقال‏:‏ أما هذه فدعها قال‏:‏ ما منعت عيالي شيئاً أيسر فقداً عليهم من هذه‏.‏

قال هارون الرشيد لمعن بن زائدة‏:‏ كيف زمانك يا معن قال‏:‏ يا أمير المؤمنين أنت الزمان فإن أصلحت صلح الزمان وإن فسدت فسد الزمان‏.‏

وهذا نظير قول سعيد بن سلم وقد قال له أمير المؤمنين الرشيد‏:‏ من بيت قيس في الجاهلية قال‏:‏ يا أمير المؤمنين بنو فزارة قال‏:‏ فمن بيتهم في الإسلام قال‏:‏ يا أمير المؤمنين الشريف من شرفتموه قال‏:‏ صدقت أنت وقومك‏.‏

ودخل معن بن زائدة على أبي جعفر فقال له‏:‏ كبرت يا معن قال‏:‏ في طاعتك يا أمير المؤمنين قال‏:‏ وإنك لجلد قال‏:‏ على أعدائك يا أمير المؤمنين قال وإن فيك لبقية قال‏:‏ هي لك يا أمير المؤمنين قال أي الدولتين أحب إليك أو أبغض أدولتنا أم دولة بني أمية قال‏:‏ ذلك إليك يا أمير المؤمنين وإن زاد برك على برهم كانت دولتك أحب إلي وإن زاد برهم على برك كانت دولتهم أحب إلي قال‏:‏ صدقت‏.‏

قال هارون الرشيد لعبد الملك بن صالح‏:‏ أهذا منزلك قال‏:‏ هو لأمير المؤمنين ولي به قال‏:‏ كيف ماؤه قال‏:‏ أطيب ماء قال‏:‏ فكيف هواءه قال‏:‏ أصح هواء‏.‏

وقال أبو جعفر المنصور لجرير بن يزيد‏:‏ إنك أردتك لأمر قال‏:‏ يا أمير المؤمنين قد أعد الله لك مني قلباً معقوداً بطاعتك ورأياً موصولاً بنصيحتك وسيفاً مشهوراً على عدوك فإذا شئت وقال المأمون لطاهر بن الحسين‏:‏ صف لي ابنك عبد الله قال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن مدحته عبته وإن ذممته اغتبته ولكنه قدح في كف مثقف ليوم نضال في خدمة أمير المؤمنين‏.‏

وأمر بعض الخلفاء رجلاً بأمر فقال‏:‏ أنا أطوع من الرداء وأذل لك من الحذاء‏.‏

وهذا قاله الحسن بن وهب لمحمد بن عبد الملك الزيات‏.‏

وقال آخر‏:‏ أطوع لك من يدك وأذل لك من نعالك وقال المنصور لمسلم بن قتيبة‏:‏ ما ترى في قتل أبي مسلم قال‏:‏ ‏"‏ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ حسبك أبا أمية‏.‏

وقال المأمون ليزيد بن مزيد‏:‏ ما أكثر الخلفاء في ربيعة قال‏:‏ بلى ولكن منابرهم الجذوع‏.‏

وقال المنصور لإسحاق بن مسلم‏:‏ أفرطت في وفائك لبني أمية قال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنه من وفىّ لمن لا يرجى كان لمن يرجى أوفى‏.‏

وقال هارون لعبد الملك بن صالح‏:‏ صف لي منبج قال‏:‏ رقيقة الهواء لينة الوطاء قال‏:‏ فصف لي منزلك بها قال‏:‏ دون منازل أهلي وفوق منازل أهلها قال‏:‏ ولم قدرك فوق أقدارهم قال‏:‏ ذلك خلق أمير المؤمنين أتأسى به وأقفو أثره وأحذو مثاله‏.‏

ودخل المأمون يوماً بيت الديوان فرأى غلاماً جميلاً على أذنه قلم فقال‏:‏ من أنت يا غلام قال‏:‏ أنا الناشئ في دولتك والمتقلب في نعمتك والمؤمل لخدمتك الحسن بن رجاء قال المأمون‏:‏ بالإحسان في البديهة تفاضلت العقول ارفعوا هذا الغلام فوق مرتبته‏.‏

علي بن يحيى قال‏:‏ إني عند المتوكل حين دخل عليه الرسول برأس إسحق بن إسماعيل فقام علي بن الجهم يخطر بين يدي المتوكل ويقول‏:‏ أهلاً وسهلاً بك من رسول جئت بما يشفي من الغليل برأس إسحق بن إسماعيل فقال المتوكل‏:‏ قوموا التقطوا هذا الجوهر لئلا يضيع‏.‏

ودخل عقال بن شبة على أبي عبيد الله كاتب المهدي فقال‏:‏ يا عقال لم أرك منذ اليوم قال‏:‏ والله إني لألقاك بشوق وأغيب عنك بتوق‏.‏

وقال عبد العزيز بن مروان لنصيب بن رباح - وكان أسود - يا نصيب هل لك فيما يثمر المحادثة يريد المنادمة فقال‏:‏ أصلح الله الأمير اللوم مرمد والشعر مفلفل ولم أقعد إليك بكريم عنصر ولا بحسن منظر وإنما هو عقلي ولساني فإن رأيت أن لا تفرق بينهما فافعل‏.‏

ولما ودع المأمون الحسن بن سهل عند مخرجه من مدينة السلام وقال له‏:‏ يا أبا محمد ألك حاجة تعهد إلي فيها قال‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين أن تحفظ علي من قلبك ما لا أستعين على حفظه إلا بك‏.‏

وقال سعيد بن سلم بن قتيبة للمأمون‏:‏ لو لم أشكر الله إلا على حسن ما أبلاني في أمير المؤمنين من قصده إلي بحديثه وإشارته إلي بطرفه لكان ذلك من أعظم ما توجبه النعمة وتفرضه الصنيعة قال المأمون‏:‏ ذلك والله لأن الأمير يجد عندك من حسن الإفهام إذا حدثت وحسن الفهم إذا حدثت ما لا يجده عند غيرك‏.‏