الجزء الأول - كتاب المرجانة في مخاطبة الملوك - تذكير الملوك بذمام متقدم

تذكير الملوك بذمام متقدم

قال ثمامة بن أشرس للمأمون لما صارت إليه الخلافة‏:‏ إنه كان لي أملان‏:‏ أمل لك وأمل بك فأما أملي لك فقد بلغته وأما أملي بك فلا أدري ما يكون منك فيه قال‏:‏ يكون أفضل ما رجوت وأملت فجعله من سماره وخاصته‏.‏

الأصمعي قال‏:‏ لما مات يزيد بن عبد الملك وصارت الخلافة إلى هشام بن عبد الملك خر أصحابه سجوداً إلا الأبرش الكلبي فقال له‏:‏ يا أبرش ما منعك أن تسجد كما سجدوا قال‏:‏ يا أمير المؤمنين لأنك ذهبت عنا وتركتنا قال‏:‏ فإن ذهبت بك معي قال‏:‏ أو تفعل يا أمير المؤمنين قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فالآن طاب السجود ثم سجد‏.‏

ولما صارت الخلافة إلى أبي جعفر كتب إليه رجل من إخوانه‏:‏ إنا بطانتك الألى كنا نكابد ما نكابد ونرى فنعرف بالعدا وة والبعاد لمن نباعد ونبيت من شفق علي ك ربيئة والليل هاجد هذا أوان وفاء ما سبقت به منك المواعد وقال حبيب الشاعر في هذا المعنى‏:‏ وإن أولى الموالي أن تواسيه عند السرور لمن واساك في الحزن إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا من كان يألفهم في الموطن الخشن حسن التخلص من السلطان أبو الحسن المدائني قال‏:‏ كان العباس بن سهل والي المدينة لعبد الله بن الزبير فلما بايع الناس عبد الملك بن مروان ولى عثمان بن حيان المري وأمره بالغلظة على أهل الظنة فعرض يوماً بذكر الفتنة وأهلها فقال له قائل‏:‏ هذا العباس بن سهل على ما فيه كان مع ابن الزبير وعمل له فقال عثمان بن حيان‏:‏ ويلي عليه والله لأقتلنه قال العباس‏:‏ فبلغني ذلك فتغيبت حتى أضر بي التغيب فأتيت ناساً من جلسائه فقلت لهم‏:‏ ما لي أخاف وقد أمنني عبد الملك بن مروان فقالوا‏:‏ والله ما يذكرك إلا تغيظ عليك وقلما كلم على طعامه في ذنب إلا انبسط فلو تنكرت وحضرت عشاءه وكلمته‏.‏

قال‏:‏ ففعلت وقلت على طعامه وقد أتي بجفنة ضخمة ذات ثريد ولحم‏:‏ والله لكأني أنظر إلى جفنة حيان بن معبد والناس يتكاوسون عليها وهو يطوف في حاشيته يتفقد مصالحها يسحب أردية الخز حتى إن الحسك ليتعلق به فما يميطه ثم يؤتى بجفنة تهادى بين أربعة ما يستقلون بها إلا بمشقة وعناء وهذا بعد ما يفرغ الناس من الطعام ويتنحون عنه فيأتي الحاضر من أهله بالدنو والطارئ من أشراف قومه وما بأكثرهم من حاجة إلى الطعام وما هو إلا الفخر بالدنو من مائدته والمشاركة ليده قال‏:‏ هيه أنت رأيت ذلك قلت‏:‏ أجل والله قال لي‏:‏ ومن أنت قلت‏:‏ وأنا آمن قال‏:‏ نعم قلت‏:‏ العباس بن سهل بن سعد الأنصاري قال‏:‏ مرحباً وأهلاً أهل الشرف والحق‏.‏

قال‏:‏ فلقد رأيتني بعد ذلك وما بالمدينة رجل أوجه مني عنده‏.‏

فقيل له بعد ذلك‏:‏ أنت رأيت ونزلنا ذلك الماء وغشينا وعليه عباءة ذكوانية فلقد جعلنا نذوده عن رحلنا مخافة أن يسرقه‏.‏

أبو حاتم قال‏:‏ حدثنا أبو عبيدة قال‏:‏ أخذ سراقة بن مرداس البارقي أسيراً يوم جبانة السبيع فقدم في الأسرى إلى المختار فقال سراقة‏:‏ امنن علي اليوم يا خير معد وخير من لبى وصلى وسجد فعفا عنه المختار وخلى سبيله‏.‏

ثم خرج مع إسحاق بن الأشعث فأتي به المختار أسيراً فقال له‏:‏ ألم أعف عنك وأمنن عليك أما والله لأقتلنك قال‏:‏ لا والله لا تفعل إن شاء الله قال‏:‏ ولم قال‏:‏ لأن أبي أخبرني أنك تفتح الشام حتى تهدم مدينة دمشق حجراً حجراً وأنا معك ثم أنشده‏:‏ خرجنا لا نرى الضعفاء شيئاً وكان خروجنا بطراً وحينا تراهم في مصفهم قليلاً وهم مثل الدبى لما التقينا فأسجح إذا قدرت فلو قدرنا لجرنا في الحكومة واعتدينا تقبل توبة مني فإني سأشكر إن جعلت النقد دينا قال‏:‏ فخلى سبيله‏.‏

ثم خرج إسحاق بن الأشعث ومعه سراقة فأخذ أسيراً وأتي به المختار فقال‏:‏ الحمد لله الذي أمكنني منك يا عدو الله هذه ثالثة فقال سراقة‏:‏ أما والله ما هؤلاء الذين أخذوني فأين هم لا أراهم إنا لما التقينا رأينا قوماً عليهم ثياب بيض وتحتهم خيل بلق تطيق بين السماء والأرض فقال المختار‏:‏ خلوا سبيله ليخبر الناس‏.‏

ثم دعا لقتاله فقال‏:‏ ألا أبلغ أبا إسحاق أني رأيت البلق دهماً مصمتات أري عيني ما لم ترأياه كلانا عالم بالترهات كفرت بوحيكم وجعلت نذراً علي قتالكم حتى الممات كان معن بن زائدة قد أمر بقتل جماعة من الأسرى فلما سقوا قال‏:‏ يا معن أتقتل ضيفانك فأمر معن بإطلاقهم‏.‏

لما أتي عمر بن الخطاب بالهرمزان أسيراً دعاه إلى الإسلام فأبى عليه فأمر بقتله فلما عرض عليه السيف قال‏:‏ لو أمرت يا أمير المؤمنين بشربة من ماء فهو خير من قتلي على الظمأ فأمر له بها فلما صار الإناء بيده قال‏:‏ أنا آمن حتى أشرب قال‏:‏ نعم‏.‏

فألقى الإناء من يده وقال‏:‏ الوفاء يا أمير المؤمنين نور أبلج قال‏:‏ لك التوقف حتى أنظر في أمرك ارفعا عنه السيف فلما رفع عنه قال‏:‏ الآن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله فقال له عمر‏:‏ ويحك‏!‏ أسلمت خير إسلام فما أخبرك قال‏:‏ خشيت يا أمير المؤمنين أن يقال أن إسلامي إنما كان جزعاً من الموت فقال عمر‏:‏ إن لفارس حلوماً بها استحقت ما كانت فيه من الملك‏.‏

ثم كان عمر يشاوره بعد ذلك في إخراج الجيوش إلى أرض فارس ويعمل برأيه‏.‏

لما أتي الحجاج بالأسرى الذين خرجوا مع ابن الأشعث أمر بقتلهم فقال رجل‏:‏ أصلح الله الأمير إن لي حرمة قال‏:‏ وما هي قال‏:‏ ذكرت في عسكر ابن الأشعث فشتمت في أبويك فعرضت دونهما فقلت‏:‏ لا والله ما في نسبه مطعن فقولوا فيه ودعوا نسبه قال‏:‏ ومن يعلم ما ذكرت فالتفت إلى أقرب الأسرى إلي فقلت‏:‏ هذا يعمله قال له الحجاج‏:‏ ما تقول فيما يقول قال‏:‏ صدق أصلح الله الأمير وبر‏.‏

قال‏:‏ خلياً عن هذا لنصرته وعن هذا لحفظ شهادته‏.‏

عمرو بن بحر الجاحظ قال‏:‏ أتي روح بن حاتم برجل كان متلصصاً في طريق الرقاق فأمر بقتله فقال‏:‏ أصلح الله الأمير لي عندك يد بيضاء قال‏:‏ وما هي قال‏:‏ إنك جئت يوماً إلى مجمع موالينا بني نهشل والمجلس محتفل فلم يتحفز لك أحد فقمت من مكاني حتى جلست فيه ولولا محض كرمك وشرف قدرك ونباهة أوليتك ما ذكرتك هذه عند مثل هذا قال ابن حاتم‏:‏ صدق وأمر بإطلاقه وولاه تلك الناحية وضمنه إياها‏.‏

ولما ظفر المأمون بأبي دلف وكان يقطع في الجبال أمر بضرب عنقه فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين دعني أركع ركعتين قال‏:‏ افعل‏.‏

فركع وحبر أبياتاً ثم وقف بين يديه فقال‏:‏ بع بي الناس فإني خلف ممن تبيع واتخذني لك درعاً قلصت عنه الدروع وارم بي كل عدو فأنا السهم السريع فأطلقه وولاه تلك الناحية فأصلحها‏.‏

أتي معاوية يوم صفين بأسير من أهل العراق فقال‏:‏ الحمد لله الذي أمكنني منك قال‏:‏ لا تقل يا معاوية فإنها مصيبة قال‏:‏ وأي نعمة أعظم من أن أمكنني الله عز وجل من رجل قتل جماعة من أصحابي في ساعة واحدة اضرب عنقه يا غلام فقال الأسير‏:‏ اللهم اشهد أن معاوية لم يقتلني فيك وأنك لا ترضى بقتلي وإنما يقتلني في الغلبة على حطام هذه الدنيا فإن فعل فافعل به ما هو أهله وإن لم يفعل فافعل به ما أنت أهله قال له‏:‏ ويحك‏!‏ لقد سببت فأبلغت وأمر مصعب بن الزبير برجل من أصحاب المختار أن يضرب عنقه فقال‏:‏ أيها الأمير ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة ووجهك هذا الذي يستضاء به فأتعلق بأطرافك وأقول‏:‏ أي رب سل هذا فيم قتلني قال‏:‏ أطلقوه فإني جاعل ما وهبت له من حياته في خفض أعطوه مائة ألف قال الأسير‏:‏ بأبي أنت وأمي‏.‏

أشهد أن لابن قيس الرقيات منها خمسين ألفاً قال‏:‏ ولم قال‏:‏ لقوله‏:‏ إنما مصعب شهاب من الل ه تجلت عن وجهه الظلماء ملكه ملك عزة ليس فيه جبروت منه ولا كبرياء‏.‏

يتقي الله في الأمور وقد أف لح من كان همه الاتقاء أمر عبد الملك بقتل رجل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنك أعز ما تكون أحوج ما تكون إلى الله فعفا عنه‏.‏

أتي الحجاج بأسرى من الخوارج فأمر بضرب أعناقهم فقدم فيهم شاب فقال‏:‏ والله يا حجاج لئن كنا أسأنا في الذنب فما أحسنت في العفو فقال‏:‏ أف لهذه الجيف ما كان فيهم من يقول مثل هذا‏!‏ وأمسك عن القتل‏.‏

وأتي الحجاج بأسرى فأمر بقتلهم فقال له رجل منهم‏:‏ لا جزاك الله يا حجاج عن السنة خيراً فإن الله تعالى يقول‏:‏ ‏"‏ فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء ‏"‏‏.‏

فهذا قول الله في كتابه‏.‏

وقد قال شاعركم فيما وصف به قومه من مكارم الأخلاق‏:‏ وما نقتل الأسرى ولكن نفكهم إذا أثقل الأعناق حمل القلائد فقال الحجاج‏:‏ ويحكم‏!‏ أعجزتم أن تخبروني بما أخبرني هذا المنافق‏!‏ وأمسك عمن بقي‏.‏

الهيثم بن عدي قال‏:‏ أتي الحجاج بحرورية فقال لأصحابه‏:‏ ما تقولون في هذه قالوا‏:‏ اقتلها أصلح الله الأمير ونكل بها غيرها‏.‏

فتبسمت الحرورية فقال لها‏:‏ لم تبسمت فقالت‏:‏ لقد كان وزراء أخيك فرعون خيراً من وزرائك يا حجاج استشارهم في قتل موسى فقالوا‏:‏ أرجه وأخاه وهؤلاء يأمرونك بتعجيل قتلي فضحك الحجاج وأمر بإطلاقها‏.‏

وقال معاوية ليونس الثقفي‏:‏ اتق الله لأطيرنك طيرة بطيئاً وقوعها قال‏:‏ أليس بي وبك المرجع إلى الله قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فاستغفر الله‏.‏

ودخل رجل من بني مخزوم على عبد الملك بن مروان وكان زبيرياً فقال له عبد الملك‏:‏ أليس الله قد ردك على عقبيك قال‏:‏ ومن رد إليك يا أمير المؤمنين فقد رد على عقبيه فسكت عبد الملك وعلم أنها خطأ‏.‏

دخل يزيد بن أبي مسلم على سليمان بن عبد الملك فقال له سليمان‏:‏ على امرئ أمرك وجرأك وسلطك على الأمة لعنة الله أتظن الحجاج استقر في قعر جهنم أم هو يهوي فيها قال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الحجاج يأتي يوم القيامة بين أخيك وأبيك فضعه من النار حيث شئت‏.‏

وقال عبيد الله بن زياد لقيس بن عباد‏:‏ ما تقول في وفي الحسين قال‏:‏ أعفني عافاك الله قال‏:‏ لا بد أن تقول قال‏:‏ يجيء أبوه يوم القيامة فيشفع له ويجيء أبوك فيشفع لك قال‏:‏ قد علمت غشك وخبثك لئن فارقتني يوماً لأضعن أكثرك شعراً بالأرض‏.‏

الأصمعي قال‏:‏ بعث الحجاج إلى يحيى بن يعمر فقال له‏:‏ أنت الذي تقول‏:‏ إن الحسين بن علي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن رسول الله لتأتيني بالمخرج مما قلت أو لأضربن عنقك فقال له ابن يعمر‏:‏ وإن جئت بالمخرج فأنا آمن قال‏:‏ نعم قال‏:‏ اقرأ‏:‏ ‏"‏ وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ‏"‏ إلى قوله ‏"‏ ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى ‏"‏ إلى قوله ‏"‏ وعيسى ‏"‏‏.‏

فمن أقرب‏:‏ عيسى من إبراهيم وما هو ابن بنته أو الحسين من محمد صلى الله عليه وسلم فقال له الحجاج‏:‏ والله لكأني ما قرأت هذه الآية قط وولاه قضاء بلده فلم يزل بها قاضياً حتى مات‏.‏

أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده قال‏:‏ دخل عبد الرحمن بن أبي ليلى على الحجاج فقال لجلسائه‏:‏ إن أردتم أن تنظروا إلى رجل يسب أمير المؤمنين عثمان ابن عفان فهذا عندكم يعني عبد الرحمن فقال عبد الرحمن‏:‏ معاذ الله أيها الأمير أن أكون أسب أمير المؤمنين إنه ليحجزني عن ذلك آيات في كتاب الله قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ‏"‏‏.‏

فكان عثمان منهم‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏"‏ والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ‏"‏‏.‏

فكان أبي منهم‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏"‏ والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ‏"‏‏.‏

فكنت أنا منهم‏.‏

فقال‏:‏ صدقت‏.‏ أبو عوانة عن عاصم بن أبي وائل قال‏:‏ بعث إلي الحجاج فقال لي‏:‏ ما اسمك قال‏:‏ ما أرسل إلي الأمير حتى عرف اسمي قال‏:‏ متى هبطت هذا البلد قلت‏:‏ حين هبط أهله قال‏:‏ ما تقرأ من القرآن قلت‏:‏ أقرأ منه ما لو تبعته كفاني قال‏:‏ إني أريد أن أستعين بك في عملي قلت‏:‏ إن تستعن بي تستعن بكبير أخرق ضعيف يخاف أعوان السوء وإن تدعني فهو أحب إلي وإن تقحمني أتقحم قال‏:‏ إن لم أجد غيرك أقحمتك وإن وجدت غيرك لم أقحمك قلت‏:‏ وأخرى أكرم الله الأمير إني ما علمت الناس هابوا أميراً قط هيبتهم لك والله إني لأتعار من الليل فيما يأتيني النوم من ذكرك حتى أصبح هذا ولست لك على عمل قال‏:‏ هيه كيف قلت فأعدت عليه فقال‏:‏ إني والله لا أعلم على وجه الأرض خلقاً هو أجراً على دم مني قال‏:‏ فقمت فعدلت عن الطريق كأني لا أبصر فقال‏:‏ أرشدوا الشيخ‏.‏

لما أتي الحجاج بأسرى الجماجم أتي فيهم بعامر الشعبي ومطرف بن عبد الله الشخمير وسعيد بن جبير وكان الشعبي ومطرف يريان التقية وكان سعيد بن جبير لا يراها وكان قد تقدم كتاب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج في أسرى الجماجم أن يعرضهم على السيف فمن أقر منهم بالكفر في خروجهم علينا فيخلي سبيله ومن زعم أنه مؤمن فيضرب عنقه فقال الحجاج للشعبي‏:‏ وأنت ممن ألب علينا مع ابن الأشعث اشهد على نفسك بالكفر فقال‏:‏ أصلح الله الأمير نبا بنا المنزل وأحزن بنا الجناب واستحلسنا الخوف واكتحلنا السهر وخبطتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء قال‏:‏ لله أبوك لقد صدقت ما بررتم بخروجكم علينا ولا قويتم خلوا سبيل الشيخ‏.‏

ثم قال لمطرف‏:‏ أتقر على نفسك بالكفر قال‏:‏ أصلح الله الأمير إن من شق العصا وسفك الدماء ونكث البيعة وفارق الجماعة وأخاف المسلمين لجدير بالكفر فخلى سبيله‏.‏

ثم قال لسعيد بن جبير‏:‏ أتقر على نفسك بالكفر قال‏:‏ ما كفرت منذ آمنت بالله فضرب عنقه ثم استعرض الأسرى فمن أقر بالكفر خلى سبيله ومن أبى قتله حتى أتي بشيخ وشاب فقال للشاب‏:‏ أكافر أنت قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ لكن الشيخ لا يرضى بالكفر فقال له الشيخ‏:‏ أعن نفسي تخادعني يا حجاج والله لو علمت أعظم من الكفر لقلته فضحك الحجاج وخلى سبيله‏.‏

فلما مات الحجاج وقام سليمان قال الفرزدق‏:‏ لئن نفر الحجاج آل معتب لقوا دولة كان العدو يدالها لقد أصبح الأحياء منهم أذلة وموتاهم في النار كلحا سبالها وكانوا يرون الدائرات بغيرهم فصار عليهم بالعذاب انفتالها ألكني إلى من كان بالصين أورمت به الهند ألواح عليها جلالها هلم إلى الإسلام والعدل عندنا فقد مات عن أهل العراق خبالها لما ولي سليمان بن عبد الملك كتب إلى عامله بالأردن‏:‏ اجمع يدي عدي ابن الرقاع إلى عنقه وابعث به إلي على قتب بلا وطاء ووكل به من ينخس به ففعل ذلك فلما انتهى إلى سليمان بن عبد الملك ألقي بين يديه وهو لقى لا حراك فيه ولا روح فتركه حتى ارتد إليه روحه ثم قال له‏:‏ أنت أهل لما نزل بك ألست القائل في الوليد‏:‏ وقال‏:‏ لا والله يا أمير المؤمنين ما هكذا قلت وإنما قلت‏:‏ معاذ ربي أن نبقى ونفقدهم وأن نكون لراع بعدهم تبعا فنظر إليه سليمان واستضحك ثم أمر له بصلة وخلى سبيله‏.‏

العتبي قال‏:‏ كان بين شريك القاضي والربيع حاجب المهدي معارضة فكان الربيع يحمل عليه المهدي فلا يلتفت إليه حتى رأى المهدي في منامه شريكاً القاضي مصروفاً وجهه عنه فلما استيقظ من نومه دعا الربيع وقص عليه رؤياه فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن شريكاً مخالف لك وإنه فاطمي محض قال المهدي‏:‏ علي به فلما دخل عليه قال له‏:‏ يا شريك بلغني أنك فاطمي قال له شريك‏:‏ أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تكون غير فاطمي إلا أن تعني فاطمة بنت كسرى قال‏:‏ ولكني أعني فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم‏:‏ قال‏:‏ أفتلعنها يا أمير المؤمنين قال‏:‏ معاذ الله فماذا تقول فيما يلعنها قال‏:‏ عليه لعنة الله قال‏:‏ فالعن هذا - يعني الربيع - فإنه يلعنها فعليه لعنة الله قال الربيع‏:‏ لا والله يا أمير المؤمنين ما ألعنها قال له شريك‏:‏ يا ماجن فما ذكرك لسيدة نساء العالمين وابنة سيد المرسلين في مجالس الرجال قال المهدي‏:‏ دعني من هذا فإني رأيتك في منامي كأن وجهك مصروف عني وقفاك إلي وما ذلك إلا بخلافك علي ورأيت في منامي كأن أقتل زنديقاً قال شريك‏:‏ إن رؤياك يا أمير المؤمنين ليست برؤيا يوسف الصديق صلوات الله على محمد وعليه وإن الدماء لا تستحل بالأحلام وإن علامة الزندقة بينة قال‏:‏ وما هي قال‏:‏ شرب المر والرشا في الحكم ومهر البغي قال‏:‏ صدقت والله أبا عبد الله أنت والله خير من الذي حملني عليك‏.‏

ودخل شريك القاضي على المهدي فقال له الربيع‏:‏ خنت مال الله ومال أمير المؤمنين قال‏:‏ لو كان ذلك لأتاك سهمك‏.‏

العتبي قال‏:‏ دخل جامع المحاربي على الحجاج - وكان جامع شيخاً صالحاً خطيباً لبيباً جريئاً على السلطان وهو الذي قال للحجاج إذ بنى مدينة واسط‏:‏ بنيتها في غير بلدك وتورثها غير ولدك - لجعل الحجاج يشكو سوء طاعة أهل العراق وقبح مذهبهم‏.‏

فقال له جامع‏:‏ أما إنه لو أحبوك لأطاعوك على أنهم ما شنئوك لنسبك ولا لبلدك ولا لذات نفسك فدع عنك ما يبعدهم منك إلى ما يقربهم إليك والتمس العافية ممن دونك تعطها ممن فوقك وليكن إيقاعك بعد وعيدك ووعيدك بعد وعدك‏.‏

قال الحجاج‏:‏ ما أرى أن أراد بني اللكيعة إلى طاعتي إلا بالسيف قال‏:‏ أيها الأمير إن السيف إذ لاقى السيف ذهب الخيار قال الحجاج‏:‏ الخيار يومئذ لله قال‏:‏ أجل ولكنك لا تدري لمن يجعله الله فغضب وقال‏:‏ يا هناه إنك من محارب فقال جامع‏:‏ فقال الحجاج‏:‏ والله لقد هممت بأن أخلع لسانك فأضرب به وجهك قال جامع‏:‏ إن صدقناك أغضبناك وإن غششناك أغضبنا الله فغضب الأمير أهون علينا من غضب الله قال‏:‏ أجل وسكن‏.‏

وشغل الحجاج ببعض الأمر فانسل جامع فمر بين الصفوف من أهل الشام حتى جاوزها إلى صفوف العراق فأبصر كبكبة فيها جماعة من بكر العراق وقيس العراق وتميم العراق وأزد العراق فلما رأوه أشرأبوا إليه وقالوا له‏:‏ ما عندك دفع الله عنك قال‏:‏ ويحكم عموه بالخلع كما يعمكم بالعداوة ودعوا التعادي ما عاداكم فإذا ظفرتم تراجعتم وتعاديتم أيها التميمي هو أعدى لك من الأزدي وأيها القيسي هو أعدى لك من التغلبي وهل ظفر بمن ناوأه منكم إلا بمن بقي معه منكم‏.‏

وهرب جامع من فوره ذلك إلى الشام واستجار بزفر بن الحارث فأجاره‏.‏

العتبي قال‏:‏ كان هارون الرشيد يقتل أولاد فاطمة وشيعتهم وكان مسلم ابن الوليد صريع الغواني قد رمي عنده بالتشيع فأمر بطلبه فهرب منه ثم أمر بكلب أنس بن أبي شيخ كاتب البرامكة فهرب منه ثم وجد هو ومسلم بن الوليد عند قينة ببغداد فلما أتي بهما قيل له‏:‏ يا أمير المؤمنين قد أتي بالرجلين قال‏:‏ أي الرجلين قيل‏:‏ أنس بن أبي شيخ ومسلم ابن الوليد فقال‏:‏ الحمد لله الذي أظفرني بهما يا غلام أحضرهما‏.‏

فلما دخلا عليه نظر إلى مسلم وقد أنس الهوى ببني علي في الحشا وأراه يطمح عن بني العباس قال‏:‏ بل أنا الذي أقول يا أمير المؤمنين‏:‏ أنس الهوى ببني العمومة في الحشا مستوحشاً من سائر الإيناس وإذا تكاملت الفضائل كنتم أولى بذلك يا بني العباس قال‏:‏ فعجب هارون من سرعة بديهته وقال له بعض جلسائه‏:‏ استبقه يا أمير المؤمنين فإنه من أشعر الناس وامتحنه فسترى منه عجباً فقال له‏:‏ قل شيئاً في أنس فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين أفرخ روعي أفرخ الله روعك يوم الحاجة إلى ذلك فإني لم أدخل على خليفة قط ثم أنشأ يقول‏:‏ تلمظ السيف من شوق إلى أنس فالموت يلحظ والأقدار تنتظر فليس يبلغ منه ما يؤمله حتى يؤامر فيه رأيك القدر أمضى من الموت عند قدرته وليس للموت عفو حين يقتدر قال‏:‏ فأجلسه هارون وراء ظهره لئلا يرى ما هم به حتى إذا فرغ من قتل أنس قال له‏:‏ أنشدني أشعر شعر لك فكلما فرغ من قصيدة قال له‏:‏ التي تقول فيها الوحل فإني رويتها وأنا صغير فأنشده شعره الذي أوله‏:‏ أديرا علي الراح لا تشربا قبلي ولا تطلبا من عند قاتلتي ذحلي إذا ما علت منا ذؤابة شارب تمشت به مشي المقيد في الوحل فضحك هارون وقال‏:‏ ويحك يا مسلم‏!‏ أما رضيت أن قيدته حتى جعلته يمشي في الوحل ثم أمر له بجائزة وخلي سبيله‏.‏

قال كسرى ليوشت المغني‏:‏ وقد قتل الفهليذ تلميذه كنت أستريح منك إليه ومنه إليك فأذهب حسدك ونغل صدرك شكر تمتعي وأمر أن يطرح تحت أرجل الفيلة‏.‏

فقال‏:‏ أيها الملك إذا كنت أنا قد أهبت شطر تمتعك وأذهبت أنت الشطر الآخر‏:‏ أليس جنايتك على نفسك مثل جنايتي عليك قال كسرى‏:‏ دعوه فما دله على هذا الكلام إلا ما جعل من طول المدة‏.‏

يعقوب بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس قال‏:‏ دخلت يوماً على الرشيد أمير المؤمنين وهو متغيظ متربد فندمت على دخولي عليه وقد كنت أفهم غضبه في وجهه فسلمت فلم يرد فقلت‏:‏ داهية نآد ثم أومأ إلي فجلست‏.‏

فالتفت إلي وقال‏:‏ لله عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فلقد نطق بالحكمة حيث يقول‏:‏ يا أيها الزاجري عن شيمتي سفهاً عمداً عصيت مقال الزاجر الناهي أقصر فإنك من قوم أرومتهم في اللؤم فافخر بهم ما شئت أو باهي يزين الشعر أفواهاً إذا نطقت بالشعر يوماً وقد يزري بأفواه لقد عجبت لقوم لا أصول لهم أثروا وليسوا وإن أثروا بأشباهي ما نالني من غنى يوماً ولا عدم إلا وقولي عليه الحمد لله فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين ومن ذا الذي بلغت به المقدرة أن يسامي مثلك أو يدانيه قال‏:‏ لعله من بني أبيك وأمك‏.‏

كان الكميت بن زيد يمدح بني هاشم ويعرض ببني أمية فطلبه هشام فهرب منه عشرين سنة لا يستقر به القرار من خوف هشام وكان مسلمة بن عبد الملك له على هشام يوماً إلى بعض صيوده أتى الناس يسلمون عليه وأتاه الكميت بن زيد فيمن أتى فقال‏:‏ السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته أما بعد‏:‏ قف بالديار وقوف زائر وتأن إنك غير صاغر حتى انتهى إلى قوله‏:‏ يا مسلم بن أبي الولي د لميت إن شئت ناشر غلقت حبالي من حبا لك ذمة الجار المجاور فالآن صرت إلى أمي ة والأمور إلى المصاير والآن كنت به المصي ب كمهتد بالأمس حائر فقال مسلمة‏:‏ سبحان الله من هذا الهندكي الجلحاب الذي أقبل من أخريات الناس فبدأ بالسلام ثم أما بعد ثم الشعر قيل له‏:‏ هذا الكميت بن زيد‏.‏

فأعجب لفصاحته وبلاغته فسأله مسلمة عن خبره وما كان فيه طول غيبته فذكر له سخط أمير المؤمنين عليه فضمن له مسلمة أمانه وتوجه به حتى أدخله على هشام وهشام لا يعرفه‏.‏

فقال الكميت‏:‏ السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله بركاته - الحمد لله - قال هشام‏:‏ نعم الحمد لله يا هذا - قال الكميت‏:‏ مبتدئ الحمد ومبتدعه والذي خص بالحمد نفسه وأمر به ملائكته وجعله فاتحة كتابه ومنتهى شكره وكلام أهل جنته أحمده حمد من علم يقيناً وأبصر مستبيناً وأشهد له بما شهد به لنفسه قائماً بالقسط وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده العربي ورسوله الأمي أرسله والناس في هبوات حيرة ومدلهمات ظلمة عند استمرار أبهة الضلال فبلغ عن الله ما أمر به ونصح لأمته وجاهد في سبيله وعبد ربه حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وسلم‏.‏

ثم إني يا أمير المؤمنين تهت في حيرة وحرت في سكرة إدلأم بي خطرها وأهاب بي داعيها وأجابني غاويها فاقطوطيت إلى الضلالة وتسكعت في الظلمة والجهالة حائداً عن الحق قائلاً بغير صدق فهذا مقام العائذ ومنطق التائب ومبصر الهدى بعد طول العمي‏.‏

ثم يا أمير المؤمنين كم من عاثر أقلتم عثرته ومجترم عفوتم عن جرمه‏.‏

فقال له هشام وأيقن أنه الكميت‏:‏ ويحك‏!‏ من سن لك الغواية وأهاب بك في العماية قال‏:‏ الذي أخرج أبي آدم من الجنة فنسي ولم يجد له عزماً وأمير المؤمنين كريح رحمة أثارت سحاباً متفرقاً فلفقت بعضه إلى بعض حتى التحم فاستحكم وهدر رعده وتلألأ برقه فنزل الأرض فرويت واخضلت واخضرت وأسقيت فروي ظمآنها وامتلأ عطشانها فكذلك نعدك أنت يا أمير المؤمنين أضاء الله بك الظلمة الداجية بعد العموس فيها وحقن بك دماء قوم أشعر خوفك قلوبهم فهم يبكون لما يعلمون من حزمك وبصيرتك وقد علموا أنك الحرب وابن الحرب إذا حمرت الحدث وعضت المغافر بالهام عز بأسك واستربط جأشك مسعار هتاف وكاف بصير بالأعداء مغزي الخيل بالنكراء مستغن برأيه عن رأي ذوي الألباب برأي أريب وحلم مصيب فأطال الله لأمير المؤمنين البقاء وتمم عليه النعماء ودفع به الأعداء‏.‏

فرضي عنه هشام وأمر له بجائزة‏.‏

العتبي قال‏:‏ لما أتي بابن هبيرة إلى خالد بن عبد الله القسري وهو والي العراق أتي به مغلولاً مقيداً في مدرعة فلما صار بين يدي خالد ألقته الرجال إلى الأرض فقال‏:‏ أيها الأمير إن القوم الذين أنعموا عليك بهذه النعمة قد أنعموا بها علي من قبلك فأنشدك الله أن تستن في بسنة يستن بها فيك من بعدك‏.‏

فأمر به إلى الحبس فأمر ابن هبيرة غلمانه فحفروا له تحت الأرض سرداباً حتى خرج الحفر تحت سريره ثم خرج منه ليلاً وقد أعدت له أفراس يداولها حتى أتى مسلمة بن عبد الملك فاستجار به فأجاره واستوهبه مسلمة من هشام ابن عبد الملك فوهبه إياه‏.‏

فلما قدم خالد بن عبد الله القسري على هشام وجد عنده ابن هبيرة فقال له‏:‏ إباق العبد أبقت قال له‏:‏ حين نمت نومة الأمة‏.‏

فقال الفرزدق في ذلك‏:‏ لما رأيت الأرض قد سد ظهرها فلم يبق إلا بطنها لك مخرجا دعوت الذي ناداه يونس بعد ما ثوى في ثلاث مظلمات ففرجا فأصبحت تحت الأرض قد سرت ليلة وما سار سار مثلها حين أدلجا خرجت ولم تمنن عليك شفاعة سوى حثك التقريب من آل أعوجا ودخل الناس على ابن هبيرة بعدما أمنه هشام بن عبد الملك يهنئونه ويحمدون له رأيه فقال متمثلاً‏:‏ من يلق خيراً يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائما ثم قال لهم‏:‏ ما كان وقلكم لو عرض لي أو أدركت في طريقي ومثل هذا قول القطامي‏:‏ والناس من يلق خيراً قائلون له ما يشتهي ولأم المخطئ الهبل عبد الله بن سوار قال‏:‏ قال لي ربيع الحاجب‏:‏ أتحب أن تسمع حديث ابن هبيرة مع مسلمة قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ فأرسل لخصي كان لمسلمة يقوم على وضوئه فجاءه فقال‏:‏ حدثنا حديث ابن هبيرة مع مسلمة قال‏:‏ كان مسلمة بن عبد الملك يقوم من الليل فيتوضأ ويتنفل حتى يصبح فيدخل على أمير المؤمنين فإني لأصب الماء على يديه م آخر الليل وهو يتوضأ إذ صاح صائح من وراء الرواق‏:‏ أنا بالله وبالأمير فقال مسلمة‏:‏ صوت ابن هبيرة اخرج إليه‏.‏

فخرجت إليه ورجعت فأخبرته فقال‏:‏ أدخله فدخل فإذا رجل يميد نعاساً فقال‏:‏ أنا بالله وبالأمير قال‏:‏ أنا بالله وأنت بالله ثم قال‏:‏ أنا بالله وبالأمير قال‏:‏ أنا بالله وأنت بالله حتى قالها ثلاثاً ثم قال‏:‏ أنا بالله فسكت عنه ثم قال لي‏:‏ انطلق به فوضئه ولصصل ثم اعرض عليه أحب الطعام إليه فأته به وافرش له في تلك الصفة - بصفة بين يدي بيوت النساء - ولا توقظه حتى يقوم متى قام‏.‏

فانطلقت به فتوضأ وصلى وعرضت عليه الطعام فقال‏:‏ شربة سويق فشرب وفرشت له فنام وجئت إلى مسلمة فأعلمته فغدا إلى هشام فجلس عنده حتى إذا حان قيامه قال‏:‏ يا أمير المؤمنين لي حاجة قال‏:‏ قضيت إلا أن تكون في ابن هبيرة قال‏:‏ رضيت يا أمير المؤمنين ثم قام منصرفاً حتى إذا كان أن يخرج من الإيوان رجع فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين عودتني أن تستثني في حاجة من حوائجي وإني أكره أن يتحدث الناس أنك أحدثت على الاستثناء قال‏:‏ لا بلغ هشام بن عبد الملك عن رجل كلام غليظ فأحضره‏.‏

فلما وقف بين يديه جعل يتكلم فقال له هشام‏:‏ وتتكلم أيضاً فقال الرجل‏:‏ يقول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ‏"‏ فنجادل الله تعالى جدالاً ولا نكلمك كلاماً فقال هشام بن عبد الملك‏:‏ ويحك‏!‏ تكلم بحاجتك‏.‏