الجزء الأول - كتاب المرجانة في مخاطبة الملوك - باب من أخبار العلماء والأدباء

باب من أخبار العلماء والأدباء

أملى أبو عبد الله محمدُ بن عبد السلام الخُشَنيّ‏.‏

إنَ عبد الله بن عبَّاس سُئَل عن أبي بكر رضي الله عنه فقال‏:‏ كان واللّه خيراَ كلّه مع الْحِدّة التي كانت فيه‏.‏

قالوا‏:‏ فأخْبرنا عن عَمر رضوانُ الله عليه‏.‏

قال‏:‏ كان واللّه كالطير الحذر الذي نصب فخ له فهو يخاف أن يقع فيه‏.‏

قالوا فأخبرنا عن عثمان قال‏:‏ كان واللّه صواماً قواماً‏.‏

قالوا‏:‏ فأخبرنا عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه قال‏:‏ كان واللّه ممن حَوَى عِلْماً وحلماً حَسْبك من رجل أعزَّتْه سابقتُه وقَدَّمته قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلّما أشرْف على شيء إلا نالَه‏.‏

قالوا‏:‏ يقال إنه كان مَحْدوداً قال‏:‏ أنتم تقولونه‏.‏

وذكروا أنَّ رجلا أتىَ الحسَنَ فقال أبا سَعِيد إنهم يزعمون أنك تُبْغِض عليّاً فبَكَى حتى اخضلت لِحْيته ثم قال كان عليُّ بنُ أبي طالب سهماً صائباً من مَرامي الله على عدوّه ورَبَّانيَّ هذه الأمّة وذا فَضْلها وذا قَرابةٍ قَريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بالنَّئومة عن أمر اللّه ولا بالمَلُولة في حق اللّه ولا بالسَرُوقة لمال اللّه أعطَى القران عزائمه ففاز منه برياض مُونِقة وأعلام بيِّنة ذاك عليُّ بن أبي طالب يا لُكَع‏.‏

وسُئل خالدُ بن صَفوان عن الحسَن البَصْريّ فقال‏:‏ كان أشبَهَ الناس علانيةً بسَرِيرة وسريرة بعَلاَنِيَة واخذَ الناس لِنَفْسه بما يَأْمُر به غيرَه‏.‏

‏"‏ يا له ‏"‏ من رجل اسْتَغنى عمَّا في أيدي الناس من دُنياهم واحتاجُوا إلى ما في يَدَيْه من دِينهم‏.‏

ودَخل عُروة بن الزبير بُستاناً لعبد المَلِك بن مَرْوان فقال عُروة‏:‏ ما أحسنَ هذا البستان‏!‏ فقال له عبدُ الملك‏:‏ أنت واللّه أحسنً منه إنَّ هذا يُؤتي أكله كلَّ عام وأنت تُؤتي أكلك كلّ يوم‏.‏

وقال محمدُ بن شهاب الزُّهريّ‏:‏ دخلتُ على عبد الملك بن مَرْوان في رجال من أهل المدينة فرآني أَحدثَهمِ سنّاً فقال‏:‏ من أنت فانتسبتُ إليه فعَرفني فقال‏:‏ لقد كان أبوك وعمُك نعَّاقَينْ في فِتْنة ابن الزُّبير قلتُ‏:‏ يا أمير المؤمنين مثلُك إذا عفا يَعُدّ وإذا صَفح لم يثرب قال لي‏:‏ أين نشأتَ قلتً بالمدينة قال‏:‏ عند مَن طلبت قلت‏:‏ عند ابن يَسار وقَبِيصة ابن ذؤيب وسَعيد بن المُسيِّب قال لي‏:‏ وأين كنت من عُروة بن الزبير فإنه بَحر لا تُكدِّره الدِّلاء‏.‏

وذُكر الصحابةُ عند الحَسَن البَصريّ فقال‏:‏ رَحِمهم اللّه شَهدوا وغِبْنا وعَلِموا وجَهِلنا فما اجتمعوا عليه اتَبعنا وما اختلفوا فيه وَقَفنا‏.‏

وقال جعفرُ بن سُليمان‏:‏ سمعتُ عبدَ الرحمن بن مهديّ يقول‏:‏ ما رأيتُ أَحداً أقْشفَ من شُعبة ولا أعبدَ من سُفيان ولا أحفظَ من ابن المُبارك‏.‏

وقال‏:‏ ما رأيتُ مثلَ ثلاثة‏:‏ عَطَاء بن أبي رَباح بمكة ومحمد بن سِيرين بالعراق ورجاء بن حَيوة بالشام‏.‏

وقيل لأهل مكة‏:‏ كيف كان عَطَاء بن أبي رَباح فيكم فقالوا‏:‏ كان مثلَ العافية التي لا يُعرف فَضْلها حتى تُفْقد‏.‏

وكان عَطَاء بن أبي رَباح أسوَد أعوَر أفطسَ أشلّ أعرج ثم عَمِي وأمُه سوادء تُسمَى بَرَكَة‏.‏

وكان الأحنفُ بن قَيس‏:‏ أعوَر أعرج ولكنه إذا تكلّم جلا عن نفسه‏.‏

وقال الشَّعبي‏:‏ لولا أنِّي زُوحمت في الرَّحم ما قامت لأحد معي قائمة وكان تَوأماً‏.‏

وقيل لطاووس‏:‏ هذا قَتادة يُريد أن يَأتِيك قال‏:‏ لئن جاء لأقومن قيل إنه فَقِيه قال‏:‏ ابليس أفْقه منه قال‏:‏ ‏"‏ رَبِّ بِمَا أغْوَيتَني ‏"‏‏.‏

وقال الشَعبيّ‏:‏ القُضاة أربعة‏:‏ عُمَر وعلي وعبد الله وأبو موسى‏.‏

وقال الحَسَن‏:‏ ثلاثة صَحِبًوا النبي صلى الله عليه وسلم الابن والأب والجدّ‏:‏ عبد الرحمن بنُ أبي بكر بن أبي قُحافة ومَعَن بن يَزيد بن الأخْنس السُّلميّ‏.‏

وكان عُبيد الله بن عبد الله بن عًتبة بن مَسعود فَقِيهاً شاعراً وكان أحدَ السَّبعة من فُقهاء المدينة‏.‏

وقال عمرُ بن عبد العزيز‏:‏ وددتُ لو أنّ لي مجلساً من عُبيد اللهّ بن عبد الله بن عُتبة بن مَسْعود لم يَفُتْني‏.‏

ولَقِيه سعيدُ بن المُسيِّب فقال له‏:‏ أنت الفَقِيه الشاعر قال‏:‏ لا بدِّ للمَصْدور أن يَنْفُث‏.‏

وكتب عبيد الله بن عبد اللهّ إلى عُمَر بنِ عبد العزيز وبلغه عنه شيء يكرهه‏:‏ أبا حَفْص أتاني عَنك قَول قُطعتُ به وضَاق به جَوابي أبا حَفْص فلاَ أدْرِي أَرَغْمِي تُريد بما تُحاول أم عِتابي فإنْ تك عاتباً تُعْتِبْ وإلا فما عُودي إذاً بيَرَاع غاب وقد فارقتُ أعظمَ منك رُزءًا وواريتُ الأحِبَّة في التراب وقد عَزًّوا علي واْسْلمَوني معاً فَلَبْستُ بعدهُم ثِيابي وكان خالدُ بنُ يزيدَ بنِ مُعاوية أبو هاشم عالماً كثيرَ الدِّراسة للكتُب وربما قال الشعرَ ومن قوله‏:‏ هَلْ أنت مُنْتِفعٌ بِعل مك مَرّةً والعِلم نافِعْ ومِنٍ المُشير عليك بال رأي المُسدَّد أنت سامِع الموت حَوْض لا مَحا لةَ فيه كلُّ الخَلْق شارع وقال عمرُ بنُ عبد العزيز‏:‏ ما ولدتْ أُميةُ مثلَ خالد بن يزيد ما أَستَثْني عثمان ولا غيره‏.‏

وكان الحسن في جِنازة فيها نوائحُ ومعه سَعِيدُ بن جُبير فهمَّ سَعيد بالانصراف فقال له الحسنُ‏:‏ إنْ كنتَ كلّما رأيتَ قبيحاً تركتَ له حسناً أسرَعَ ذلك في دِينك‏.‏

وعن عيسى بن إسماعيل عن ابن عائشة عن ابن المُبارك قال‏:‏ علَمني سُفيان الثَّوْريّ اختصار الحديث‏.‏

وقال الأصمعيّ‏:‏ حدَّثنا شُعبة قال‏:‏ دخلتُ المدينة فإذا لمالك حَلْقة وإذا نافع قد مات قبل ذلك بسَنة وذلك سنة ثمانيَ عشرةَ ومائة‏.‏

وقال أبو الحسن بن محمد‏:‏ ما خَلق الله أحداً كان أعرف بالحديث من يحيى بن مَعِين كان يُؤتى بالأحاديث قد خلطت وقُلبت فيقول‏:‏ هذا الحديثُ لذا وذا لهذا فيكون كما قالِ‏.‏

وقال شريك‏:‏ إني لأًسمع الكلمةَ فيتغيَّر لها لَوْني‏.‏

وقال ابن المُبارك‏:‏ كلّ من ذُكر لي عنه وجدتُه دون ما ذُكر إلاّ حَيْوةَ بن شرُيح وأبا عَوْن‏.‏

وكان حَيْوة بن شرُيح يَقعُد للناس فتقول له أًمه‏:‏ قُمْ يا حَيْوة ألقِ الشعيرَ للدَّجاج فيقوم‏.‏

وقال أبو الحسن‏:‏ سمع سليمان التّيمي من سُفيان الثّوريّ ثلاثة آلاف حديث‏.‏

وكان يحيى بن اليمان يَذْهب بابنه داودَ كلَّ مذهب فقال له يوماً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كان عبد الله ثم كان عَلْقمة ثم كان إبراهيم ثم كان مَنصور ثم كان سفيان‏.‏

ثم كان وَكيع قم يا داود‏:‏ يعني أنه أهلٌ للإمامة‏.‏

ومات داود سنة أربع ومائتين‏.‏

وقال الحسنُ‏:‏ حدّثني أبي قال‏:‏ أمر الحجّاج أن لا يَؤمّ بالكوفة إلا عربيّ‏.‏

وكان يحيى بن وَثّاب يَؤمّ قومَه بني أَسَد وهو مَوْلى لهم فقالوا‏:‏ اعتزل فقال‏:‏ ليس عن مِثْلي نَهى أنا لاحِقٌ بالعَرب فأبَوا فأَتى الحجاجَ فقرأ فقال‏:‏ مَن هذا‏.‏

فقالوا‏:‏ يحيى بن وَثّاب قال‏:‏ مالَه قالوا‏:‏ أمرتَ أن لا يؤُمّ إلا عربيّ فَنحّاه قومه فقال‏.‏

ليس عن مِثل هذا نَهيتُ يُصلِّي بهم‏.‏

قال‏:‏ فصلّى بهم الفَجْر والظُهر والعَصر والمغْرب والعِشاء ثم قال‏:‏ اطلُبوا إماماً غيري إنما أردتُ أن لا تَستذلّوني فأمّا إذ صار الأمرُ إليّ فأنا أؤمّكم لا ولا كرامة‏.‏

وقال الحسن‏:‏ كان يحيى بن اليَمان يُصلِّي بقومه فتعصّب عليه قومٌ منهم‏.‏

فقالوا‏:‏ لا تُصلِّ بنا لا نَرْضاك إن تَقدَمت نَحَّيْنَاك‏:‏ فجاء بالسيف فسَل منه أربَع أصابَع ثم وَضعه في اِلمحراب وقال‏:‏ لا يَدْنُو منى أحذ إلا ملأتُ السيفَ منه فقالوا‏:‏ بيننا وبينك شريك فَقَدَموه إلى شريك فقالوا‏:‏ إن هذا كان يُصَلِّي بنا وكَرِهناه فقال لهم شريك‏:‏ مَن هو قالوا‏:‏ يحيى بن اليمان فقال‏:‏ يا أعداء الله وهل بالكوفة أحدٌ يُشبه يحيى لا يُصلِّي بكم غيرُه‏.‏

فلما حَضرتْه الوفاة قال لابنه داود‏:‏ يا بُني كان دِيني يَذْهب مع هؤلاء فإن اضطُروه إليك بعدي فلا تُصلِّ بهم‏.‏

وقال يحيى بن اليمان‏:‏ تزوَّجتُ أم داود وما كان عِنْدي ليلةَ العُرْس إلا بطِّيخة أكلتُ أنا نِصْفها وهي نِصْفَها وولدت داودَ فما كان عندنا شيء نَلُفُه فيه فاشتريتُ له كُسْوة بحبَّتَين فلَفَفناه فيها‏.‏

وقال الحسن بن محمد‏:‏ كان لعليّ ضَفِيرتان ولابن مَسْعود ضَفِيرتان‏.‏

وذكر عبدُ الملك بن مَرْوان رَوْحا فقال‏:‏ ما أُعْطِي أحدٌ ما أُعْطِي أبو زُرْعة أُعْطِي فِقْه الحجاز ودَهاء أهل العراق وطاعةَ أهل الشام‏.‏

ورُويِ أنّ مالكَ بن أَنس كان يَذْكُر عُثمان وعليَّاً وطَلْحَة والزُّبير فيقول‏:‏ واللّه ما اقتتلوا إلا على الثَّريد الأعْفر‏.‏

ذكر هذا محمدُ بن يَزيد في الكامل ‏"‏ ثم ‏"‏ قال‏:‏ فأمّا أبو سعيد الحَسَن البَصريّ فإنه كان يُنكر الحُكومة ولا يَرى رأيهم وكان إذا جَلس فتمكَّن في مَجْلسه ذَكَرَ عُثمان فترحَّم عليه ثلاثاً ولَعن قَتلته ثلاثاً ‏"‏ ويقول‏:‏ لو لم نَلْعنهمٍ لَلُعِنّا ‏"‏ ثم يَذكر عليَّاً فيقول‏:‏ لم يَزل عليٌّ أميرُ المؤمنين صلواتُ الله عليه مُظَفَرا مُؤيداَ بالنعم حتى حكّم ثم يقول‏:‏ ولم تُحَكم والحق معك ألا تَمْضي قُدماً لا أبا لك‏.‏

وهذه الكلمة وإن كان فيها جَفاء فإنّ بعضَ العرب يأتي بها على معنى المَدْح فيقول‏:‏ انظر في أمر رعيَّتك لا أبا لك ‏"‏ وأنت على الحق ‏"‏ 0 رَبِّ العِباد ما لَنا وما لَكَا قد كُنْتَ تَسْقِينا فما بَدَا لَكَا أَنْزل علينا الغَيْثَ لا أَبا لكا وقال ابن أبي الحَوَارِيّ‏:‏ قلت لسُفيان‏:‏ بلغني في قول الله عزً وجلّ‏:‏ ‏"‏ إلا مَنْ أتىَ الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ‏"‏‏.‏

أنَّه الذي يَلْقى اللهّ وليس في قَلبه أحد غيره‏.‏

قال‏:‏ فبكَى وقال‏:‏ ما سمعتُ منذ ثلاثين سنةً أحسنَ من هذا‏.‏

وقال ابن المُبارك‏:‏ كنتُ مع محمد بن النَّضْر الحارثيِّ في سَفِينة فقلتُ‏:‏ بأيّ شيء أَستخرج منه الكلام فقلت‏:‏ ما تقول في الصَوم في السَّفر قال‏:‏ إنما هي المُبَادرة يا بن أخي‏.‏

فجاءني واللهّ بفُتْيا غير فُتْيا إبراهيم والشَعبي‏.‏

وقال الفًضَيل بن عِيَاض‏:‏ اجتمع محمدُ بن واسع ومالكُ بن دينار في مجلس بالبصرة فقال مالكُ بن دينار‏:‏ ما هو إلا الله أو النار فقال محمد بن واسع لمَن كان عنده‏:‏ كنّا نقول‏:‏ ما هو إلا عَفْو الله أو النار‏.‏

قال مالكُ بنُ دِينار‏:‏ إنَّه ليُعْجبني أن تكون للإنسان مَعيشة قَدْر ما يَقُوته‏.‏

فقال محمد بن واسع‏:‏ ما هو إلا كما تقول‏:‏ وليس يُعْجبني أن يُصبح الرجل وليس له غَدَاء وُيمسي وليس له عَشاء وهو مع ذلك راضٍ عن الله عزّ وجلّ‏.‏

فقال مالك‏:‏ ما أَحْوجني إلى أن يِعظني مِثلُك‏.‏

وكان يَجلس إلى سُفيانَ فتى كثيرُ الفِكرة طويلُ الإطراق فأراد سُفيان أن يحرِّكه ليسمعَ كلامه فقال‏:‏ يا فتى إن مَنْ كان قبلَنا مرُّوا على خَيْل عِتَاق وبَقينا على حَمِير دَبِرَة‏.‏

قال‏:‏ يا أبا عبد الله إن كُنَا على الطريق فما أسرعَ لحُوقنا بالقوم‏.‏

الأصمعي عن شُعبة قال‏:‏ ما أُحدثكم عن أحدٍ ممن تَعْرفون وممن لا تَعرفون إلا وأيوب ويُونس وابن عَوْن ‏"‏ وسُليمان ‏"‏ خير منهم‏.‏

قال الأصمعيُّ‏:‏ وحدَّثني سلام بن أبي مُطِيع قال‏:‏ أيوب أفقههم‏:‏ وسُليمان التّيمي أعبدُهم ويُونس أشدُّهم ‏"‏ زُهدا ‏"‏ عند الدَّراهم وابن عَوْن أَضْبطهم لنفسه في الكلام‏.‏

‏"‏ الأصمعيّ قال حدّثنا نافع بن أبي نُعَيم عن رَبيعة بن أبي عبد الرحمن قال‏:‏ ألفٌ عن ألف خيرٌ من واحد عن واحد ‏"‏ فلان عن فلان ‏"‏ ينتزع السنّة من أيديكم ‏"‏‏.‏

وكان إبراهيمً النَّخعيّ في طَريق فلَقِيه الأعْمَش فانصرف معه فقال له‏:‏ يا إبراهيم إنّ الناسَ إذا رأَوْنا قالوا‏:‏ أعمش وأعور قال‏:‏ وما عَليك أن يَأْثموا ونؤجر قال‏:‏ وما عليك أن يَسْلَموا ونَسْلم‏.‏

ورَوى سُفيان الثّوريّ عن واصل الأحدب قال‏:‏ قلت لإبراهيم‏:‏ إن سَعيد بن جُبير يقول‏:‏ ‏"‏ كلُّ امرأة أتزوّجها طالق ‏"‏ ليس بشيء‏.‏

فقال له إبراهيم‏:‏ قُل له يَنْقع أستَه في الماء البارد‏.‏

قال‏:‏ فقُلت لسعيد ما أمرني به فقال‏:‏ قل له‏:‏ إذا مررت بوادي النَّوْكى فاحلُل به‏.‏

وقال محمد بن مُنَاذِر‏:‏ خذوا عن مالكٍ وعن ابن عَوْن ولا تَرْوُوا أحاديتَ ابن دَاب وقال آخر‏:‏ أيّها الطالبُ عِلْما آيت حَمّادَ بن زِيد فاقتَبس حِلْما وعِلما ثم قَيِّده بقَيْد وقيل لأبي نُواس‏:‏ قد بعثوا في أبي عُبيدة والأصمعيّ ليَجْمعوا بينهما قال‏:‏ أما أبو عُبيدة فإن مَكّنوه من سِفْره قرأ عليهم أساطير الأولين وأمّا الأصمعيّ فبُلبل في قَفَص يُطربهم بِصَفِيره‏.‏

وذَكروا عند المَنْصور محمدَ بن إسحاق وعيسى بنَ دَأْب فقال أمّا ابن إسحاق فأَعْلم الناس بالسِّيرة وأمّا ابن دَأْب فإذا أخرجتَه عن داحس والغَبراء لم يُحسن شيئاً‏.‏

وقال المأمون رحمه الله تعالى‏:‏ مَن أراد لَهْواً بلا حَرَج فليسمع كلامَ الحَسن الظالبيّ‏.‏

وسُئل العَتّابيّ عن الحَسن الطالبيّ فقال‏:‏ إنّ جَلِيسه لِطيب عشرْته لأَطربُ من الإبل على الحُداء ومن الثَّمِل على الغِنَاء‏.‏

قولهم في حملة القرآن وقال رجلٌ لإبراهيمَ النَّخعيّ‏:‏ إني أَختِمُ القران كل ثلاث قال‏:‏ ليتك تَخْتِمه كلَّ ثلاثين وتَدْري أيَّ شيء تقرأ‏.‏

وقال الحارثُ الأعْوَر‏:‏ حدًثني عِليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال‏:‏ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ كتاب اللهّ فيه خبر ما قَبْلكم ونَبَأ ما بعدكم وحُكْم ما بَينكم وهو الفَصْل ليس بالهَزْل هو الذي لا تَزيغ به الأهواء ولا يَشْبع منه العُلماء ولا يَخْلَقُ على كَثْرة الردّ ولا تَنْقضي عجائبُه هو الذي مَن تَركه من جبّار قَصَمه اللّه ومَن ابتغى الهَدْى في غَيْره أضَلّه اللهّ هو حَبْل الله المَتِين والذِّكْر العَظِيم والصرِّاط المُسْتقيم خًذْها إليك يا أَعْوَر‏.‏

وقيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم عجّل عليك الشيبُ يا رسولَ اللهّ قال‏:‏ شَيّبتني هُود وأَخواتُها‏.‏

وقال عبد الله بن مَسْعود‏:‏ الحَوامِيم ديباج القُرآن‏.‏

وقال‏:‏ إذا رَتعتُ رَتعتُ في رياض دَمِثة أتأنّق فيهن‏.‏

وقالت عائشةُ رضي اللهّ تعالى عنها‏:‏ كانت تَنْزل علينا الآيةُ في عَهْد رسول الله صلى الله عليه وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ سيكون في أمّتي قومٌ يَقرأون القرآن لا يجاوز تَراقِيَهم يَمْرقون من الدين كما يَمْرُقُ السهمُ من الرميّة هم شرُّ الخَلْقِ والخَلِيقة‏.‏

وقال‏:‏ إن الزَّبانية لأسْرع إلى فُسّاق حَمَلة القرآن منهم إلى عَبَدَة الأوْثان فيَشْكون إلى ربّهم فيقول‏:‏ ليس مَن عَلِمٍ كمَن لم يَعْلم‏.‏

وقال الحسن‏:‏ حَمَلة القرآن ثلاثة نفر‏:‏ رجلٌ اتخذه بضاعةً يَنْقُله من مِصْر إلى مصر يَطْلُب به ما عند الناس ورجل حَفِظ حُروفه وضيّع حُدُوده واستدَرّ به الوُلاة واستطال به على أهل بلده وقد كثُر هذا الضَرب في حَملة القرآن لا كَثّرهم الله عزَّ وجلَّ ورجُل قرأ القرآن فوضع دواءه على داء قَلبه فسَهِر ليلَته وهَمَلت عَيْناه وتَسَرْبل الخُشوعَ وارتدى الوَقَار واستَشعر الحُزن وواللّه لهذا الضَّرب من حملة القران أقلّ من الكِبْريت الأحمر بهم يَسْقي الله الغَيْث ويُنزِّل النَصر ويَدْفع البَلاء‏.‏

العقل ٍوقال سَحْبان وائل‏:‏ العَقْل بالتَّجارب لأنَّ عَقْل الغَرِيزة سُلَّم إلى عَقْل التجربة‏.‏

ولذلك قال عليُّ بن أبي طالب رِضْوانُ الله عليه‏:‏ رأي الشيخ خير من مَشْهد الغُلام‏.‏

وقال الحسن البَصْريّ‏:‏ لسانُ العاقل من وَراء قَلْبه فإذا أراد الكلامَ تفكّر فإن كان له قال وإن كان عليه سكت‏.‏

وقلب الأحمق من وراء لسانه فإذا أراد أن يقول قال ‏"‏ فإنَّ كان له سَكَت وإن كان عليه قال ‏"‏‏.‏

وقال محمد بن الغاز‏:‏ دخل رجل على سُليمان بن عبد الملك فتكلَم عنده بكلام أعجب سُليمانَ فأراد أن يخْتبره لينظر أعقلُه على قَدْر كلامه أم لا فوجده مَضْعوفاً فقال‏:‏ فضل العَقل على المنطِق حِكمة وفَضْل المنطِق على العقْل هجنة وخير الأمور ما صدقت بعضها بعضاً وأنشد‏:‏ وما المَرْءِ ألا الأصْغرانِ لسانُه ومَعْقوله والجسْم خَلْق مُصورُ فإنْ تَمر منه ما يَرُوق فربّما أمر مَذاقُ العَود والعُودُ أخْضر ومن أحْسن ما قيل في هذا المعنى قولُ زهَير‏:‏ وكائن تَرَى من صامتٍ لك مُعْجِب زيادتُه أو نَقْصُه في التكلُّم لسانُ الفَتى نِصْف فُؤاده فلم يَبْق إلاِّ صورةُ اللحْم والدَّم وقال عليُ رضي الله عنه‏:‏ العقْل في الدماغ والضحَك في الكَبد والرَّأْفة في الطحال والصَّوت في الرئة‏.‏

وسئِل المُغيرة بن شعْبة عن عُمَر بن الخطاب رضوان الله عليه فقال‏:‏ كان واللّه أفضلَ من أن يَخدع وأعقلَ من أن يُخدع وهو القائل‏:‏ لستُ بِخَبٍّ والِخَبُّ لا يَخدعني‏.‏

وقال زياد‏:‏ ليس العاقلُ الذي إذا وَقَع في الأمْر احتال له ولكنّ العاقل يَحْتال للأمر حتى لا يقع فيه‏.‏

وقيل لعَمْرو بن العاص‏:‏ ما العَقْل فقال‏:‏ الإصابةُ بالظَّن ومَعْرفة ما يكون بما قد كان‏.‏

وقال عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه‏:‏ مَنْ لم يَنْفعه ظنّه لم ينفعه يَقِينه‏.‏

وقال عليُ بن أبي طالب رضي الله عنه وذَكَر ابن عبِّاس رضي الله عنهما فقال‏:‏ لقد كَان ينظُر إلى الغَيْب من ستر ْرقيق‏.‏

وقالوا‏:‏ العاقل فَطِن مُتغافل‏.‏

وقال مُعاوية‏:‏ العَقْل مِكيال ثُلُثه فِطْنة وثلثاه تغافل‏.‏

وقال المُغِيرة بن شُعْبة لعُمَر بن الخطاب رضي الله عنه إذ عَزَله عن كتابة أبي مُوسى‏:‏ أعَن عَجْز عَزَلْتَني أم عن خِيانة فقال‏:‏ لا عن واحدة منهما ولكني كرِهْت أن أحمل على العامة فَضْلَ عقلك‏.‏

وقال مُعاوية لعَمْرو بن العاص‏:‏ ما بَلَغ من عَقْلك قال‏:‏ ما دخلتُ في شيء قَط إلا خَرجتُ وقال الأصمعيُ‏:‏ ما سَمِعتً الحسن بنَ سهل مُذْ صار في مَرْتبة الوزارة يتَمثّل إلاّ بهذين البيتين‏:‏ وما بَقيتْ من اللَّذّات إلا مًحادثةُ الرِّجال ذوي العُقول وقد كَانوا إذا ذُكِرُوا قليلاً فقد صارُوا أقلَّ من القَلِيل وقال محمدُ بنُ عبد الله بن طاهر ‏"‏ ويرْوي لمحمود الورّاق ‏"‏‏:‏ لَعَمْرك ما بالعَقْل يكتسب الغِنَى ولا باكتِسَاب المال يُكتَسَب العقلُ وكَمْ من قَليل المال يُحمد فَضْله وآخرَ ذىِ مال وليس له فَضْل وما سَبقَت من جاهل قطًّ نِعْمَة إلى أحدٍ إلا أضّرَ بها الجَهْل وذو اللُّبّ إن لم يُعْطِ أحمدتَ عقلَه وإن هو أعطَى زانه القَوْلً والفِعْلُ وقال محمد بنُ مُناذر‏:‏ وتَرى الناسَ كثيراً فإذا عُدَّ أهل العَقْل قلُّوا في العَدَدْ لا يقلُّ المَرْء في القَصْد ولا يَعدم القِلَة مَنْ لم يقتصد لا تعد ْشرّاً وعِد خيراً ولا تُخْلِف الوَعْدَ وعَجِّل ما تَعد يُعْرَف عَقْل المَرْءِ في أربَع مشيته أولها والحَرَكْ ودوْر عَيْنيه وألفاظه بعدُ عليهنّ يَدُورِ الفلكَ ورُبَّما أَخْلفن إلاّ التي آخرُها منهنَ سُمين لك هَذِي دَليلات على عَقْله والعقلُ في أركانه كاْلمَلِك إِنْ صحَّ صحَ المرءُ من بعده ويهْلِك المرءُ إذا ما هَلك فانظرُ إلى مَخْرج تَدْبِيره وعقْلِهِ ليس إلى ما ملك فرُّبما خَلَّط أهلُ الحِجَا وقد يكون النَّوْك في ذي النُّسك فإنْ إمام سالَ عن فاضل فادلُل على العاقل لا أمَّ لك وكان هَوْذة بن عليّ الحَنفيّ يُجيز لَطِيمة كِسْرِى في كلِّ عام - واللِّطِيمة عِير تَحْمِل الطِّيبَ والبَزّ - فوفَد على كِسرى فسأله عن بَنِيه فسمَّى له عدداً فقال‏:‏ أيهم أحب إليك قال‏:‏ الصَغير حتى يَكْبُر والغائبُ حتى يرْجِع والمَريض حتى يُفيق فقال له‏:‏ ما غِذاؤك في بلدك قال‏:‏ الخُبز فقال كسرى لجلسائه‏:‏ هذا عَقْل الخبز يُفضِّله عَلَى عُقول أهل البَوادي الذين غِذَاؤهم اللَّبن والتمر‏.‏

وهوذة بن علي الحنفي هو الذي يقول فيه أعشى بكر‏:‏ له أكاليلُ بالياقوت فَضَّلًها صَوَاغُها لا تَرَى عيباَ ولا طَبعا وقال أبو عُبَيدة عن أبي عمرو‏:‏ لم يَتَتوّج مَعدِّيّ قطُّ وإنما كانت التِّيجان لليمن فسألتُه عن هوذة بن عليّ الحنفي فقال‏:‏ إنما كانت خَرَزات تُنظم له‏.‏

وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هَوْذة بن عليّ يدْعوه إلى الإسلام كما كتب إلى الملوك‏.‏

وفي بعض الحديث‏:‏ إنَّ الله عزَّ وجلّ لما خلق العقل قال‏:‏ أقْبِل فأقْبل ثم قال له‏:‏ أَدْبِر فأدبر‏.‏

فقال‏:‏ وعزَّتي وجَلالي ما خلقتُ خَلْقاً أحبَّ إليَّ منك ولا وَضَعتُك إلا في أحَبِّ الْخَلْق إلي‏.‏

وبالعقل أَدْرك الناس معرفةَ الله عزَّ وجلّ ولا يشُكّ فيه أحدٌ من أهل العقول يقول الله عز وجلّ في جميع الأُمم‏:‏ ‏"‏ وَلَئِنْ سَألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنّ اللّهُ ‏"‏‏.‏

وقال أهلُ التفسير في قول الله ‏"‏ قسَم لِذِي حِجْر ‏"‏ قالوا‏:‏ لذي عَقل‏.‏

وقالوا‏:‏ ظنُّ العاقل كهانة‏.‏

وقال الحسنُ البَصْريّ‏:‏ لو كان للناس كلِّهم عُقول خَرِبت الدنيا‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ يُعَد رفيِع القَوم مَن كَان عاقلاً وإن لم يكُن في قَوْمه بحَسيبِ وإِنْ حل أرضاَ عاش فيها بعَقله وما عاقلٌ في بلده بغَريب وقال الأحْنف بن قيْس أنا للعاقل المدبر أرْجى منِّي للأحْمق المقبل‏.‏

‏"‏ قال‏:‏ ولما أهْبط الله عز وجلّ آدمَ عليه السلام إلى الأرض أتاه جبْريل عليه السلاٍم فقال له‏:‏ يا آدم إنّ الله عزّ وجلّ قد حَبَاك بثلاث خصالٍ لتختارَ منها واحدة وتَتَخَلى عن اثنتين قال‏:‏ وما هنَّ قال‏:‏ الحياء والدِّين والعَقْل‏.‏

قال آدم‏:‏ اللّهم إنَي اخترت العقلَ‏.‏

فقال جبريلُ عليه السلامُ للحياء والدين‏:‏ ارتفِعَا قالا‏:‏ لن نَرتفع قال جبريلُ عليه السلام‏:‏ أعَصَيتُما قالا‏:‏ لا ولكنا أمرْنا أن لا نُفارق العقلَ حيث كان‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تَقْتدوا بمن ليست له عُقْدة‏.‏

قال‏:‏ وما خَلق الله خَلقاً أحبَّ إليه من العقل‏.‏

وكان يقال‏:‏ العقل ضربان‏:‏ عَقْل الطبيعة وعقل التَّجْربة وكلاهما يُحتاج إليه ويؤدَي إلى المنفعة‏.‏

وكَان يُقال‏:‏ لا يكون أحدٌ أحب إليك من وَزِيرٍ صالح وافِر العقل كامِل الأدب حَنيك السن بَصير بالأمور فإذا ظَفِرْتَ به فلا تُباعِدْه فإنَّ العاقلَ ليس يمانِعك نَصِيحَته وإن جَفَتْ‏.‏

وكان يقال‏:‏ غَرِيزة عقل لا يَضِيعِ معها عَمَل‏.‏

وكان يقال‏:‏ أجَل الأشياء أصلاَ وأحْلاها ثمرةً صالحُ الأعمال وحُسن الأدب وعقل مُسْتَعمل‏.‏

وكان يقال‏:‏ التجاربُ ليس لها غاية والعاقلُ منها في الزَيادة‏.‏

ومما يُؤكَد هذا قولُ الشاعر‏:‏ ومكتوب في الْحِكمة‏:‏ إنَّ العاقلَ لا يغترَّْ بمودَّة الكَذوب ولا يثِق بنَصيحته ويُقال‏:‏ مَن فاته العقلُ والفُتوَّة فرَأْسُ مالِه الجَهْلُ‏.‏

ويُقال‏:‏ من عَير الناسَ الشيءَ ورَضِيه لنفْسه فذاك الأحْمق نفسُه‏.‏

وكان يقال‏:‏ العاقلٍ دائمُ المودَة والأحمق سَريع القطِيعة‏.‏

وكان يقال‏:‏ صَديق كل امرئ عقله وعدوُه جَهْله‏.‏

وكان يقال‏:‏ المعْجبِ لَحُوح والعاقلُ منه في مَؤُونهَ‏.‏

وأمَا العُجْب فإنه الجَهْل والكِبر‏.‏

وقيل‏:‏ أعلى الناس بالعَفْو أقدرُهم على العُقوبة وأنْقص الناس عقلاً مَن ظَلم من هو دونه‏.‏

ويقال‏:‏ ما شيء بأحسنَ من عَقْل زانه حِلْم وحِلْم زانه عِلم وعِلم زانه صِدْق وصِدْق زانه عَمَل وعَمَل زانه رِفْق‏.‏

وكان عمر بن الخطّاب رضىِ الله عنه يقول‏:‏ ليس العاقلُ من عَرف الخير من الشر بل العاقلُ مَن عرف ‏"‏ خَير ‏"‏ الشرّين ويقال‏:‏ عدوٌ عاقل أحب إلي من صديقٍ جاهل‏.‏

وكان يقال‏:‏ الزم ذا العقل وذا الكرم واسترسل إليه وإياك وفراقه إذا كان كريماً ولا عليك أن تصحب العاقل وإن كان غير محمود الكرم لكن احترس من شين أخلاقه وانتفع بعقله ولا تدع وكان يقال‏:‏ قطيعة الأحمق مثل صلة العاقل‏.‏

وقال الحسن‏:‏ ما أودع الله تعالى أمرأ عقلاً إلا استنقذه به يوماً ما‏.‏

وأتى رجلٌ من بني مجاشع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله ألست أفضل قومي قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن كان لك عقل فلك فضل وإن كان لك تقي فلك دينٌ وإن كان لك مالٌ فلك حسب وإن كان لك خلق فلك مروءة‏.‏

قال‏:‏ تفاخر صفوان بن أمية مع رجل فقال صفوان‏:‏ أنا صفوان بن أمية بخٍ بخٍ فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال‏:‏ ويلك‏!‏ إن كان لك دين فإن لك حسباً وإن كان لك عقل فإن لك أصلاً وإن كان لك خلق فلك مروءة وإلا فأنت شرٌ من حمار‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ كرم الرجل دينه ومروءته عقله وحسبه خلقه‏.‏

وقال‏:‏ وكل الله عز وجل الحرمان بالعقل ووكل الرزق بالجهل ليعتبر العاقل فيعلم أن ليس له في الرزق حيلة‏.‏

وقال بزرجمهر‏:‏ لا ينبغي للعاقل أن ينزل بلداً ليس فيه خمسة‏:‏ سلطان قاهر وقاضٍ عدل وسق قائمة ونهرٍ جارٍ وطبيب عالم‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ العاقل لا يرجو ما يعنف برجائه ولا يسأل ما يخاف منعه ولا يمتهن ما لا يستعين سئل أعرابي‏:‏ أي الأسباب أعون على تذكية العقل وأيها أعون على صلاح السيرة فقال‏:‏ أعونها على تذكية العقل التعلم وأعونها على صلاح السيرة القناعة‏.‏

وسُئل عن أجود المواطن أن يُخْتبر فيه العقل فقال‏:‏ عند التّدْبير‏.‏

وسُئِل‏:‏ هل يَعمل العاقلُ بغير الصَّواب فقال‏:‏ ما كلّ ما عُمِل بإذن العقل فهو صواب‏.‏

وسُئل‏:‏ أيُّ الأشياء أدلُّ على عَقل العاقل قال‏:‏ حُسن التَّدْبير‏.‏

وسُئل‏:‏ أي مَنافع العقل أعظم قال‏:‏ اجتنابُ الذّنوب‏.‏

وقال بُزُرْجَمهِر‏:‏ أفْره ما يكونُ من الدّوابّ لا غِنى بها عن السَّوْط وأَعفُّ مَن تكون منِ النساء لا غِنى بها عن الزًوْج وأَعْقل من يكون من الرِّجال لا غِنى به عن مَشورة ذوِي الأَلباب‏.‏

سُئل أعرابيّ عن العقل متى يُعرف قال‏:‏ إذا نَهاك عقلُك عمّا لا يَنْبغي فأنت عاقل‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ العَقْل نُور في القْلب نُفرِّق به بين الحقّ والباطل وبالعَقْل عُرِف الْحَلال والْحَرام وعُرِفَت شَرائع الإسلام ومَواقع الأحكام وجَعَله الله نُوراً في قُلوب عِبَاده يَهْديهم إلى هُدًى ويَصُدُّهم عن رَدى‏.‏

‏"‏ ومِن جَلالة قَدْر العَقْل أنَّ اللهّ تعالى لم يُخاطب إلا ذَوي العُقول فقال عزَّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ إنما يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَاب ‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ لِتُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا ‏"‏‏.‏

أي عاقلا وقال‏:‏ ‏"‏ إِنّ في ذَلِكَ لَذِكْرَى لمَنْ كَانَ لهُ وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ العاقل يَحْلُم عمّن ظَلَم ويَتواضع لمن هو دُونه ويُسابق إلى البِرّ مَن فَوْقه‏.‏

وإذا رأى بابَ بِرٍّ أنتهزه وإذا عَرَضت له فِتْنة اعتَصم باللّه وتَنَكَّبَها‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ قِوَام المَرْء عَقْلُه ولا دينَ لمن لا عَقْل له‏.‏

وإذا كان العَقْل أشرَفَ أَعلاق النَّفس وكان بقَدْر تمكُّنه فيها يكونُ سُمُوُّها لطَلَب الفضائل وعلوُّها لابتغاء المَنازل كانت قِيمةُ كلّ امرىء عقلَه وحِلْيَتُه التي يَحْسُن بها في أَعُين الناظرين فَضْلَه‏.‏

ولعَبْد اللهّ بن محمَّد‏:‏ تأَمَّل بعَيْنَيْكَ هذا الأنام وكُنْ بعضَ مَن صانه نُبْلُهُ فحِليةُ كلَّ فتىً فَضْلُه وقِيمة كلَّ آمرىءٍ عقْله ولا تتكل في طِلاب العُلا على نَسَب ثابتٍ أَصلُه فما من فتىً زانَه أهلُه بشيءٍ وخاًلَفه فِعْلُه ويُقال‏:‏ العَقْلُ إدْراك الأشياء على حَقائقها فَمَن أدرَك شيئاً على حقيقته فقد كَمُل عَقْله‏.‏

وقيل‏:‏ العقْل مِرآه الرَّجُل‏.‏

أَخذه بعضُ الشعراء فقال‏:‏ فإذا كانَ عليها صَدَأ فَهْوَ جَهالَه وإذا أَخْلَصه الل ه صِقالاً وصَفَا له فَهْي تُعْطِي كُلَّ حيٍّ ناظرٍ فيها مِثَاله ولآخر‏:‏ لا تَراني أَبداً أُك رِمُ ذَا المالَ لمالهِ لا ولا تزْرِي بمَنْ يع قل عِنْدِي سُوءُ حالهِ إنما أَقضي عَلَى ذَا كَ وهذا بِفِعَاله أنا كاْلمِرآةِ أَلْقَى كل وجهٍ بِمثاله كيفما قَلَّبني الَدهرُ يَجدْني مِنْ رِجَاله ولبعضهم‏:‏ إذا لم يَكُنْ لِلْمَرْءِ عَقْلٌ فإنَّه وإن كان ذا نُبْلٍ على النَّاس هَين وإن كان ذا عقْل أُجِلَّ لعَقْله وأَفضلُ عَقْل عقْلُ مَنْ يتَدَيَّن وقال آخر‏:‏ ويُقال‏:‏ إنّ العَقْل عينْ القَلْب فإذا لم يَكُن للمرء عقْل كان قَلْبه أكمه‏.‏

وقال صالح بنُ جَنَاح‏:‏ ألاَ إنَّ عقْل المرء عَيْنَا فُؤادِه وإنْ لم يكن عقْل فلا يُبْصِر القَلبُ وقال بعضُ الفلاسفة‏:‏ الهَوَى مصاد العَقْل‏.‏

ولعبد الله بن ميحمد‏:‏ ثلاث مَنْ كنَّ فيه حَوَى الفضلَ وإن كان راغباً عن سِواها‏:‏ صِحَّة العَقْل والتَّمسُّك بالعَدْل وتَنزيه نَفسه عن هَوَاها‏.‏

ولمحمد بن الْحَسن بن دُريد‏:‏ وآفةُ العقل الهَوَى فمنْ عَلا على هَوَاهُ عقلُه فَقد نَجَا وقال بعضُ الحُكماء‏:‏ ما عبد الله بشيء أحبَّ إليه من العقل وما عُصي بشيءِ أحبَّ إليه من السَّتْر‏.‏

وقال مَسْلمة بن عبد الملك‏:‏ ما قرأتُ كتاباً قطُّ لأحد إلا عرفتُ عقله منه‏.‏

وقال يحيى بن خالد‏:‏ ثلاثةُ أشياء تدلُّ على عُقول أرْبابها‏:‏ الكتاب يدُل على عقل كاتبه والرسولُ يَدُل على عقل مُرْسِله والهديَّةُ تدل على عقل مُهديها‏.‏

واستعمل عمرُ بن عبدِ العزيز رجلاً فقيل له‏:‏ إنه حَدِيث السنّ ولا نراه يَضْبط عملَك فأخذ العهدَ منه وقال‏:‏ ما أُراك تَضبِط عملَك لحداثتك فقال الفَتى‏:‏ وليس يَزيد المرءَ جهلاً ولا عَمىً إذا كان ذا عَقْل حداثةُ سِنَهِ فقال عمرُ‏:‏ صدق ورَدَّ عليه عهدَه‏.‏

وقال جَثّامة بن قَيْس يَصِف عاقلاً‏:‏ بَصِيرٌ بأَعْقاب الأمور كأئما تُخاطِبه من كلّ أمرٍ عواقبُهُ ولغيره في المعنى‏:‏ بَصِير بأَعقاب الأمُور كأنّما يَرَى بصَواب الرأْي ما هو واقعُ وقال شَبِيبُ بن شَيْبة لخالد بنِ صَفْوان‏:‏ إني لأَعْرف أمراً لا يتلاقى فيه اثنان إلا وَجب النُّجح بينهما قال له خالد‏:‏ ما هو قال العقل فإن العاقل لا يسأل إلا ما يجوز ولا يردّ عما يُمكن‏.‏

فقال له خالد‏:‏ نعَيتَ إليَّ نفسي إنّا أهل بَيْت لا يموتُ منّا أحدٌ حتى يرى خَلفه‏.‏

وقال عبدُ اللهّ بن الحُسن لابنه محمد يا بني احذَر الجاهل وإن كان لك ناصحاً كما تَحْذر العاقلَ إذا كان لك عدوًا ويُوشِك الجاهلُ أن توَرطَك مَشورته في بعض اغترارك فيَسْبِقَ إليك مكْر العاقل وإِيَّاكَ ومُعاداة الرّجال فإنك لا تَعْلَمَنّ منها مَكْرَ حَلِيم عاقل أو مُعاندة جاهل‏.‏

وقال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلواتُ الله عليه‏:‏ لا مالَ أعودُ من عقل ولا فَقر أضرُّ من جَهل‏.‏

ويُقال‏:‏ لا مرُوءة لمن لا عَقلَ له‏.‏

وقال بعضُ الحًكماء‏:‏ لو استغنى أحدٌ عن الأدب لاستَغْنى عنه العاقل ولا يَنتَفع بالأدب مَن لا عَقل له كما لا ينتَفع بالرّياضة إلا النِّجيب‏.‏

وكان يُقال‏:‏ بالعقل تُنَال لذَّة الدنيا لأنّ العاقل لا يَسْعَى إلا في ثلاث‏:‏ مَزِية لمَعاش أو مَنْفعة لمَعاد أو لذة في غير مُحرم‏.‏

ولبعضهم‏:‏ إذا أحببتَ أقواماً فلاصِقْ بأهْل العَقل منهم والحَيَاء فإنّ العقلَ ليس له إذا ما تفاضلت الفضائل من كفاء لمحمّد بن يزيد‏:‏ وأفضَل قَسْم الله للمَرْء عقلًه وليس منَ الخَيراتِ شيءٌ يُقارِبهُ إذا أكمل الرحْمن للمرء عقلَه فقد كَمُلت أخلاقُه ومآربُه يَعِيش الفتَى بالعقلِ في النَاس إنّه على العقل يَجْري عِلْمهُ وتجَاربهً فَزَينُ الفتَى في النًاس صِحَّةُ عقله وإن كان مَحْصوراً عليه مَكاسِبه وشَين الفَتى في النَّاس قِلّة عقله وإن كَرُمت أعراقهُ ومَناسِبهُ ولبَعْضهم‏:‏ العقْلُ يأمر بالعَفاف وبالتُّقَى وإليه يَأْوِي الحِلْمُ حين يؤولُ فإن استطعتَ فخُذْ بفَضلك فَضْلَه إنَّ العُقول يُرى لها تَفضيل ولبعضهم‏:‏ إذا جمُع الآفاتُ فالبُخْل شَرها وشرَ منَ البُخل المواعيدُ والمَطلُ ولا خَيرَ في عقل إذا لم يَكًن غنىً ولا خَيْر في غِمْدٍ إذا لم يكًن نَصْل وإن كان للإنسان عقل فعَقْلُه هُو النَصْل والإنسانُ مِن بعده فَضْل ولبَعضهم‏:‏ يُمَثَل ذو العقل في نَفْسه مصائبَه قبْل أن تنْزِلا فإن نزلت بَغْتةً لم ترعه لِما كان في نفسه مَثَلا رأى الهمَّ يُفْضي إلى آخِرٍ فَصيَّرَ آخرَه أوَّلا الحكمة قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما أخلصَ عبدٌ العملَ لله أربعين يوماً إلا ظهرت يَنابيعُ الحِكْمة من قَلْبه على لسانه‏.‏

وقال عليه الصلاةُ والسلام‏:‏ الحِكْمة ضالّة المُؤْمن يأخذها ممَن سَمِعها ولا يبالي من أيَ وعاء خَرجت‏.‏

وقال عليه الصلاةُ والسلام‏:‏ لا تَضَعوا الحِكْمة عِنْدَ غير أهلها فتَظلِمُوها ولا تَمْنعوها أهلَها فَتَظْلِمُوهم‏.‏

وقال الحُكماء‏:‏ لا يطلب الرجلُ حِكْمة إلا بحكمة عنده‏.‏

وقالوا‏:‏ إذا وَجَدتم الحِكْمة مَطْرُوحة على السكك فخُذوها‏.‏

وفي الحديث‏:‏ خُذوا الحِكْمة ولو من أَلْسِنة المُشْركين‏.‏

وقال زياد‏:‏ أيها الناس لا يَمْنعكم سوءُ ما تَعْلمون منَّا أن تنَنْتفعوا بأحْسَنِ ما تسمعون منّا فإِنَّ الشاعر يقول‏:‏ اعْمل بعِلْمي وإن قَصَّرْت في عَمَلي يَنْفَعْك قولِي ولا يَضْرُرْكَ تَقْصِيرِي قيل لقُس بن ساعدة‏:‏ ما أفضلُ المَعْرِفة قال معْرفة الرجل نَفْسَه قِيل له‏:‏ فما أَفضلُ العِلْم قال‏:‏ وقوف المرء عند عِلْمه قِيل له‏:‏ فما أفضلُ المروءة قال‏:‏ استبقاءُ الرجل ماء وَجْهه‏.‏

وقال الحسنُ‏:‏ التّقْدِير نِصْف الكَسْب والتًّؤدة نِصف العقل وحُسْن طَلب الحاجة نِصْف العِلْم‏.‏

وقالوا‏:‏ لا عقلَ كالتَّدبير ولا وَرَع كالكفّ ولا حَسَب كحُسْن الخُلق ولا غِنى كرِضا عن اللّه وأَحقُّ ما صبر عليه ما ليس إلى تَغْييره سَبيل‏.‏

وقالوا‏:‏ أفضلُ البرِّ الرّحمة ورَأْس المودّة الاسترسالُ ورَأس العُقوق مُكاتمة الأَدْنين ورَأْس العَقْل الإصابة بالظنّ‏.‏

وقالوا‏:‏ التفكًر نور والغَفلة ظُلْمة والجهالة ضَلالة والعِلم حَياة والأوّل سابق والآخِر لاحِق والسعِيد من وُعِظ بغَيْره‏.‏

حَدَّث أبو حاتم قالِ‏:‏ حدّثني أبو عُبيدة قال‏:‏ حدّثني غيرُ واحد من هَوازِنَ من أولي العِلم وبعضُهم قد أدرك أبوه الجاهلية ‏"‏ أو جدُّه ‏"‏ قالوا‏:‏ اجتمع عامر بن الظرِب العَدْواني وحُممَة بن رافعِ الدَّوْسيّ - ويَزعمُ النُّساب أنّ ليلى بنت الظَّرب أُمُّ دوس وزينبَ بنت الظرب أُمُ ثقيف ‏"‏ وهو قَيْسي ‏"‏ - عند مَلك من مُلوك حِمْير فقال‏:‏ تَساءَ لا حتى أَسْمع ما تقولان‏.‏

فقال عامر لحُممة‏:‏ أين تُحِب أن تكون أياديك قال‏:‏ عند ذي الرَّثْية العَدِيم وعند ذي الخلّة الكَريم والمُعْسِر الغَريم والمُسْتَضْعف الهضِيم‏.‏

قال‏:‏ مَن أحقُّ الناس بالمقْت قال‏:‏ الفَقِير المُختال والضعيف الصوال والعَييّ القوّال قال‏:‏ فمَن أَحق الناس بالمنّع قال‏:‏ الحَرِيص الكاند والمُستميد الحاسد والمُلْحِف الواجِد‏.‏

قال‏:‏ فمن أجدرُ الناس بالصَنيعة قال‏:‏ من إذا أُعطى شَكر وإذا مُنِع عَذر وإذا مُطِل صَبر وإذا قدُم العهدُ ذكَر قال‏:‏ من أكرمُ الناس عِشْرة قال‏:‏ من إذا قَرُب مَنَح ‏"‏ وإذا بَعُد مدح ‏"‏ وإذا ظُلم صَفَح وإذا ضُويق سَمح قال‏:‏ مَن ألأم الناس قال‏:‏ مَن إذَا سأل خَضع وإذا سُئل مَنع وإذا مَلك كَنَع ظاهِره جَشع وباطنه طَبع‏.‏

قال‏:‏ فمن أحْلم الناس قال‏:‏ من عَفا إذا قَدَر وأجملَ إذا انتصر ولم تُطْغِه عِزَّة الظَّفر‏.‏

قال‏:‏ فمن أحزمُ الناس قال‏:‏ مَن لا أَخذ رقابَ الأمور بيدَيه وجَعل العواقبَ نُصْب عَيْنَيه ونَبذ التهيب دَبْر أُذنيه‏.‏

قال‏:‏ فمن أَخرقُ الناس قال‏:‏ مَن رَكِب الْخِطار واعتَسف العِثَار وأَسرعَ في البِدَار قبلَ الاقتِدار‏.‏

قال‏:‏ مَن أَجوَدُ الناس قال‏:‏ مَن بذل المجهود ولم يأس على المعهود‏.‏

قال‏:‏ مَن أَبلغ الناس قال‏:‏ مَن جَلَّى المعنى المزِيز بالّلفظ الوجيز وطَبَّق المفْصل قبل التَّحزيز‏.‏

قال‏:‏ من أنعم الناس عَيشاً قال‏:‏ من تحلَّى بالعَفاف ورَضي بالكَفاف وتجاوز ما يَخاف إلى مالا يَخاف‏.‏

قال‏:‏ فمن أشقى الناس قال‏:‏ من حسد على النِّعم وسَخِط على القِسَم واستَشعر النَّدَم على فوْت ما لم يُحتم‏.‏

قال‏:‏ من أغنى الناس قال‏:‏ من آستَشعر الياس وأظْهر التَّجمُّل للناس واستكثر قليلَ النِّعم ولمِ يَسْخط على القِسَم‏.‏

قال‏:‏ فمن أحكم الناس قال‏:‏ من صَمت فادًكر ونَظر فاعتبر وَوُعِظ فازْدَجر‏.‏

قال‏:‏ مَن أَجْهل الناس قال‏:‏ من رأى الخُرْق مَغْنما والتَّجاوزَ مَغْرما‏.‏

وقال أبو عُبيدة‏:‏ الخَلة‏:‏ الحاجة والخُلَّة‏:‏ الصداقة‏.‏

والكاند‏:‏ الذي يَكفر النِّعمة والكنود‏:‏ الكفور والمُسْتَمِيد‏:‏ مثل المُسْتَمِير وهو المُسْتعطِي‏.‏

ومنه اشتقاق المائدة‏.‏

لأنها تًمادُ‏.‏

وكَنع‏:‏ تَقَبَّض يُقال منه‏:‏ تَكَنًع جِلْدُه إذا تَقَبَّض‏.‏

يريد أنه مُمْسك بخَيل‏.‏

والجَشَع‏:‏ أسوأ الحِرْص‏.‏

والطَّبع ‏"‏ الدَنس‏.‏

والاعتساف‏:‏ رُكوب الطريق على غير هِداية وركوبُ الأمر على غير مَعرفة‏.‏

والمَزيز‏:‏ من قولهم‏:‏ هذا أمزّ من هذا أي أفضل منه وأزيد‏.‏

والمُطبِّق من السيوف‏:‏ الذي يُصيب المفاصل لا يجاوزها‏.‏

وقال عمرو بن العاص‏:‏ ثلاثٌ لا أناة فيهنّ‏:‏ المُبادرة بالعَمل الصالح ودَفْن الميِّت وتَزْويج الكُفْء‏.‏

وقالوا‏:‏ ثلاثة لا يُندم على ما سَلف إليهم‏:‏ الله عزَ وجَلّ فيما عُمل له والمَوْلى الشَّكُور فيما أُسْدى إليه والأرضُ الكَريمة فيما بُذر فيها‏.‏

وقالوا‏:‏ ثلاثة لا بقاء لها‏:‏ ظِلُّ الغَمام وصُحْبة الأشرْار والثًناء الكاذب‏.‏

وقالوا‏:‏ ثلاثة لا تكون إلاّ في ثلاثة‏:‏ الغِنَى في النَّفس والشَّرف في التَّواضع والكرم في التَّقوى‏.‏

وقالوا ثلاثة لا تًعرف إلا عند ثلاثة ذو البَأس لا يُعرف إلاّ عند اللقاء وذو الأمانة لا يُعرف إلا عند الأخذ والعَطاء‏.‏

والإخوان لا يُعرفون إلا عند النَّوائب‏.‏

وقالوا‏:‏ مَن طلب ثلاثة لم يَسْلم من ثلاثة‏:‏ مَن طلب المالَ بالكيمياء لم يسلم من الإفلاس ومَن طلب الدِّين بالفَلْسفة لم يَسلم من الزًندقة ومَن طلب الفِقه بغرائب الحديث لم يَسلم من الكَذِب‏.‏

وقالوا‏:‏ عليكم بثلاث‏:‏ جالِسوا الكبراء وخالطوا الحكماء وسائلوا العُلماء‏.‏

وقال عمرُ بن الخطّاب رضوان الله عليه‏:‏ أخوفُ ما أخاف عليكم شُحٌّ مُطاع وهَوًى مُتَّبع وإعجاب المرء بنفسه‏.‏

واجتمعت عُلماء العَرب والعجم على أربع كلمات‏:‏ لا تحمل على ظَنِّك ما لا تُطيق ولا تَعْمل عملاً لا يَنْفعك ولا تَغْترّ بامرأة ولا تَثِق بمال وإن كثر‏.‏

وقال الرِّياحي فيِ خُطبته باْلمِرْبَد‏:‏ يا بَني رِياح لا تَحْقِرُوا صغيراً تأخذون عنه فإني أخذتُ من الثعلب رَوَغانه ومن القِرْدَ حِكايته ومن السِّنَّوْر ضَرَعه ومن الكلب نُصرَته‏.‏

ومن ابن آوَى حذَره ولقد تعلَمت من القَمر سَيْرَ اللَّيل ومن الشَّمس ظهور الحيِن بعد الحين‏.‏

وقالوا‏:‏ ابن آدم هو العالَم الكَبير الذي جَمع الله فيه العالَم كلّه فكان فيه بَسالة اللَّيث وصَبْر الْحِمار وحِرْص الخنزير وحَذَر الغُراب ورَوَغان الثّعلب وضَرَع السِّنَّور وحِكاية القِرْد ولما قَتَل كِسْري بُزُرْجمهرَ وجد في مِنْطقتِهِ مكْتوباً‏:‏ إذا كان الغدرْ في الناس طِبَاعاً فالثقة بالناس عَجْز وإذا كان القَدَر حقَّاً فالْحِرْص باطل وإذا كان المَوْت راصداً فالطمأنينة حُمق‏.‏

وقال أبو عمرو بن العلاء‏:‏ خُذ الخَير من أَهْله ودَع الشرَّ لأهله‏.‏

وقال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ لا تَنْهَكوا وَجْه الأرض فإن شَحْمتها في وَجْهها‏.‏

وقال‏:‏ بِع الحَيَوان أحسنَ ما يكون في عَيْنك‏.‏

وقال‏:‏ فَرِّقوا بين المَنايا واجعلوا من الرأس رأسين ولا تَلبثوا بِدَرا مَعْجزة‏.‏

وقالوا‏:‏ إذا قَدُمت المُصيبة تُرِكت التَّعزية وإذا قَدُم الإخاء سَمُجَ الثَّناء‏.‏

وفي كتاب للهند‏:‏ يَنْبغي للعاقل أن يَدَع التماسَ ما لا سَبِيل إليه لئلاّ يُعدّ جاهلاً كرَجُل أراد أن يُجري السفنَ في البرّ والعَجلَ في البَحْر وذلك ما لا سَبيلَ إليه‏.‏

وقالوا‏:‏ إحسان المُسيء أن يَكُفَّ عنك أذاه وإساءةُ المُحسن أن يَمْنعك جَدْواه‏.‏

وقال الحسنُ البَصْريّ‏:‏ اقدَعوا هذه النفوسَ فإنها طُلعة وحادِثوها بالذِّكر فإنها سريعة الدُّثور فإنكم إلاّ تَقْدعوها تَنزع بكم إلى شرِّ غاية‏.‏

يقول‏:‏ حادثوها بالحكمة كما يُحادث السَّيف بالصِّقال فإنها سَريعة الدُّثور يريد الصَّدأ الذي يَعْرض للسيف‏.‏

واقدَعوها‏:‏ من قدعتَ أنف الجمل إذا دفعتَه‏.‏

فإنها طُلَعة يريد مُتَطلّعة إلى قال أرْدشير بن بابك‏:‏ إن للآذان مَجَّة وللقلوب مَلَلا ففَرِّقوا بين الحكمتين يَكُنْ ذلك اسْتِجماماً‏.