الجزء الأول - كتاب المرجانة في مخاطبة الملوك - باب الطيرة

باب الطيرة

قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ثلاثة لا يَكاد يَسْلم منهنّ أحد‏:‏ الطِّيرة والظنّ والحَسد قيل‏:‏ فما المَخْرج منهنّ يا رسولَ اللّه قال‏:‏ إذا تَطيَّرت فلا تَرْجع وإذا ظَننت فلا تًحقِّق وإذا حَسَدت فلا تَبْغ‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ السانح ما وَلاك مَيامِنه والبارِح ما وَلاك ميَاسره والجابه ما استقبلك من تُجاهك والقَعِيد الذي يَأْتيك من خَلْفك‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا عَدْوَى ولا طِيَرة‏.‏

وقال‏:‏ ليس منا مَن تَطيّر‏.‏

وقال‏:‏ إذا رَأَى أحدُكم الطِّيرة فقال‏:‏ اللَهمّ لا طَير إلا طَيْرك ولا خَيْر إلا خيْرك ولا إله غَيْرك لم تَضره‏.‏

وقد كانت العَرب تتطيّر ويَأْتي ذلك في أشعارهم وقال بعضهم‏:‏ وما صَدَقَتك الطير يوم لَقِيتَنا وما كان مَنْ دَلاك فينا بخَابِر وقال حسّان رضي الله تعالى عنه‏:‏ لتَسمعنَّ وَشيكاً في ديارِهُم الله أكْبر يا ثاراتِ عُثْمانا وقال الحَسَن بن هانئ‏:‏ قامَ الأمير بأمر الله في البَشَر واسْتَقْبل المُلْك في مَسْتَقبل الثمر فالطَير تُخْبِرنا والطَّيُر صادقةٌ عن طِيبِ عَيْش وعن طًول من العُمر وقال الشَّيْباني‏:‏ لما قَدِم قُتيبة بن مُسْلم والياً على خُراسان قام خَطِيباً فسَقطت المِخْصَرَة من يَدِه فتطيّر بها أهلً خُراسان فقال‏:‏ أيها الناس ليس كما ظَننتم ولكنه كما قال الشاعر‏:‏ فأَلْقت عَصاها واستَقْرّت بها النَّوى كما قَر عَيْناً بالإيابِ المَسَافُر اتخاذ الإخوان وما يجب لهم رَوَى الأوزاعيّ عن يحيى بن أبي كَثير أنّ داود قال لابنه سُليمان عليهما السلام‏:‏ يا بُنيّ لا تَستَقلّ عَدوَاً واحداَ ولا تَستَكْثِر أَلف صَديق ولا تَستَبدل بأخٍ قديم أخاً مُستَحدثاً ما استَقام لك‏.‏

وفي الحديث المرفوع‏:‏ المَرْء كَثير بأَخيه‏.‏

وقاد شَبيب بن شَيْبة إخوان الصَّفاء خير مكاسب الدُّنيا هم زِينةٌ في الرِّخَاء وعدَّة في البَلاء ومَعُونة على الأعداء‏.‏

لَعَمْرك ما مالُ الفَتَى بذَخيرة ولكن إخوانَ الصَّفاء الذَّخائرُ وقال الأحْنف بن قَيْس‏:‏ خَيْرُ الإخوان إن استغنيت عنه لم يَزِدك في المَودَّة وإن احتَجْت إليه لم يَنْقُصك منها وإن كُوثِرت عَضدك وإن استرفدت رفَدَك وأنشد‏:‏ أخوكَ الذي إن تَدْعُه لِمُلِمِّة يُجِبْك وإنْ تَغْضب إلى السًيف يَغْضب ولآخر‏:‏ أخَاكَ أَخَاكَ إنّ مَن لا أخاً له كَساعٍ إلى الهَيْجَا بغَيْر سِلاح وإنّ ابن عَمّ المَرْء فاعْلَم جَناحُه وهل يًنْهض البازِي بغَيْر جَنَاح ومما يَجب للصدًيق على الصَّديق النصيحةُ جَهْده‏.‏

فقد قالوا‏:‏ صدِيق الرجل مِرْآته تُريه حَسناتِه وسيّآته‏.‏

وقالوا الصَّدِيق من صَدَقك وُدّه وبَذَل لك رِفْدَه‏.‏

‏"‏ وقالوا‏:‏ أربعة لا تعرَف إلاّ عِنْد أربعة‏:‏ لا يُعرف الشجاع إلا عند الحَرْب ولا الحَلِيم إلا عند الغَضب ولا الأمين إلا عند الأخذ والعَطاء ولا الأخوانُ إلا عَند النَّوائب ‏"‏‏.‏

وقالوا‏:‏ خير الإخوان مَن أقبل عليك إذا أدبر الزمان عنك‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ إن الكرِامَ إذا مَا أُسهَلوا ذَكَرُوا مَن كان يأَلَفَهُم في المنزل الخَشِن ولآخر‏:‏ البرُّ من كَرَم الطبيعة والمَنّ مَفْسدة الصنيعة تَرْكُ التعهُّد للصَّدي ق يكون داعيةَ القطيعة أنشد محمدُ بن يزيد المبرِّد لعبد الصَّمد بن المُعذَّل في الحَسْن بن إبراهيم‏.‏

يا من فَدَت نَفْسَه نَفْسي ومن جُعُلت له وِقَاءً لِمَا يخشى وأَخْشاهُ أبْلِغ أخاكَ وان شَط المَزَار به أنِّي وإنْ كُنتُ لا ألقاه ألقاه وأنّ طَرْفيَ مَوْصول برؤيته وإنْ تَباعد عن مَثْواي مَثْواه اللّه يعْلَم أنّي لستُ أذْكُره وكيف يَذكره مَن ليس يَنْساه عًدُّوا فهل حَسَنٌ لم يَحْوِه حَسَن وهَلْ فتَى عَدَلت جَدْواه جَدْوَاه فالدهر يَفْنى ولا تَفْنى مَكارمه والقَطْر يُحْمىَ ولا تُحْصىَ عَطَايَاه وقيل لبعض الوُلاة‏:‏ كم صديقاً لك قال‏:‏ لا أدْري الدُّنيا مُقْبِلة عليَّ والناس كلِّهم أصدقائيِ وإنما أَعرف ذلك إذا أدبرَتْ عنِّي‏.‏

ونُرَى فنُعْرف بالعَدا وَة والبِعاد لمَن تُباعد ونبيت في شَفَق عَلَي - ك رَبيئةً والليلُ هاجِد أصناف الإخوِان قال العَتّابي‏:‏ الإخوانُ ثلاثة أصناف‏:‏ فرْع بائنٌ من أصله وأصل مُتَّصل بفَرْعه وفَرْع ليس له أصل‏.‏

فأمّا الفرع البائن من أصله فإخاءٌ بُني على مودّة ثم انقطعت فحُفِظ على ذمام الصُّحبة وأمّا الأصل المتَّصل بفَرْعه فإخاءٌ أصله الكرم وأغصانه التَقوى وأمّا الفرع الذي لا أصل له فالمموه الظاهر الذي ليس له باطن‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ الصاحب رُقْعة في قميصك فانظر بم تُرَقِّعه‏.‏

ويقال‏:‏ من علامة الصَّديق أن يكون لصَديق صديقه صديقاً ولعدوه عدوَّاً‏.‏

وقَدِم دِحْية الكَلْبيّ على أمير المؤمنين عليّ عليه السلامُ فما زال يَذْكر مُعاوية ويطْريه في مجلسه فقال عليٌّ عليه السلام‏:‏ صَديقُ عَدُوِّي داخلٌ في عَدَاوَاتي وإنِّي لمَن وَدَّ الصّديقَ وَدودُ فلا تَقْرَباً منّي وأنت صَديقُه فإنّ الذي بين القُلوب بعيدُ تَودُّ عدوِّي ثم تَزْعُم أنني صديقُك إنّ الرَّأي عنك لعازِبُ وليس أخي مَن دوني رَأْيَ عَيْنه ولكنْ أخي مَن دوني وهو غائبُ وقال آخر‏:‏ ليس الصديقُ الذي إن زَلَّ صاحبُه يوماً رَأَى الذنبَ منه غيرَ مغْفِورِ وإنْ أَضاع له حَقَاً فعاتَبه فيه أتاه بتَزْوِيق المَعاذِير إنّ الصًديق الذي ألقاه يَعذِر لي ما ليس صاحبُه فيه بمَعْذور وقال الآخر‏:‏ كم مِن أخ لم يَلدِهْ أبُوكا وأخ أبوهُ أبوكَ قد يَجْفُوكا صافِ الكِرَامَ إذا أَردتَ إخاءَهم واعْلَم بأنّ أخا الحِفاظ أُخوكا والناسُ ما استغنيتَ كُنتَ أخاهُمُ وإذَا افتقرتَ إليهمُ رَفَضًوكا وقال بعضهم‏:‏ أخوك الذي إن قمتَ بالسًيْف عامِداً لتَضْرِبَه لم يَسْتغشَّك في الوُدِّ وإنْ جئتَ تَبْغي كفّه لتُبينَها لبادَر إشفاقاً عليك من الرَّدّ إنْ كنتَ مُتَّخذاً خَلِيلاً فتَنَقَّ واْنتَقد الخَلِيلاَ مَن لم يكُن لك منصفًا في الوُدّ فابغ به بَدِيلا ولقَلَّما تَلْقى اللَّئيمَ عليك إلا مستطيلا وللعَطوِيّ‏:‏ صُنِ الوًدً إلاِّ عَن الاكرمين ومَن بمُؤَاخاتِه تَشْرُفُ ولا تغتررْ مِن ذَوِي خلَة بما مَوّهوا لكَ أَوْ زَخْرفوا وكم من أخ ظاهر ودًّه ضَمِيرُ مَودّته أَحْيَف إذا أنت عاتبتَه في الإخا ءِ تنكر منه الذي تَعْرِف وكتب العباس بن جَرير إلى الحَسن بن مَخْلد‏:‏ ارعَ الإِخاءَ أبا مُحم د للَّذي يصْفو وصُنْهُ وإذا رأيتَ مُنافِساً في نيل مكرمةٍ فكنه إنَ الصديقَ هو الذي يرعاك حيث تغيب عنه فإذا كشفت إخاءَهُ أحمدتَ ما كشفت منه وقال آخر‏:‏ خَيْرُ إخوانِكَ آْلمشارك في المر وأَين الشرِيكُ في المرّ أَيْنَا الَّذِي إنْ شهدتَ زادَك في البرّ وإن غِبْتَ كان أذْناً وعَيْنا وقال آخر‏:‏ ومِنَ البَلاء أخٌ جنايتُه عَلَق بنا ولغَيْرنا سَلَبُهْ ولآخر‏:‏ إذا رأيتُ انحرافاً من أخِي ثِقةٍ ضاقتْ عليّ برُحب الأرض أوْطانِي فإن صددتُ بوَجْهي كَيْ أكافئَه فالعَين غَضْبَى وقَلْبي غير غضبان وكتب بعضُهم إلى محمد بن بَشّار‏:‏ مَن لم يُرِدْك فلا تردهُ لِتَكُنْ كَمَنْ لم تَسْتَفِدْه باعِدْ أخاكَ لبُعْده وإذا دَنا شِبْراً فزِده كم من أخٍ لك يا بنَ بَشّ ا رٍ وأُمُّك لم تَلِدْه وأخِي مُناسَبة يَسُو ءُك غَيْبُه لم تفتقده مَنْ يَأْنس الإخْوان لم يَبْدَ العِتابَ ولم يُعِدْه عاتِبْ أخاك إذا هَفا واعْطِفْ بِودك واسْتَعِدْه وإذا أتاك بِعَيْبِهِ واشٍ فقُل لم تَعْتمده معاتبة الصديق واستبقاء مودته قالت الحكماء‏:‏ مما يجب للصَّديق على الصديق الإغْضاء عن زلاّته والتَّجاوز عن سيّآته فإن رجع وأعتب وإلاّ عاتبتَه بلا إكثار فإنّ كثرَة العتاب مَدْرجة للقَطِيعة‏.‏

وقال عليّ بن أبي طالب رضي اللهّ عنه‏:‏ لا تَقْطع أخاك على ارتياب ولا تهجره دون استِعْتاب‏.‏

وقال أبو الدَّرداء‏:‏ مَن لك بأَخيك كلّه‏.‏

وقالوا أيّ الرجال المُهذَّب‏.‏

وقال بشّار العُقَيْليّ‏:‏ إذا أنتَ لم تَشْرب مِراراً على القَذَى ظَمِئْتَ وأيُ النَّاس تَصْفو مَشارِبُه وقالوا‏:‏ مُعاتبة الأخ خَيرٌ من فَقْدِه‏.‏

إذا ذَهب العِتاب فليْسَ ودٌ ويَبْقَى الوُدُّ ما بَقِي العِتَابُ ولمحمد بن أَبان‏:‏ إذا أنَا لم أَصْبِرْ على الذَّنب مِن أخٍ وكنتُ أُجازيه فأَين التفاضلُ ‏"‏ إذا ما دهاني مِفْصلٌ فقطعتًهَ بَقيتُ وما لي للنُّهوص مَفاصل ‏"‏ ولكنْ أُدَاويه فإنْ صَحَّ سرًّني وإنْ هو أَعْيا كان فيه تحامل وقال الأحنف‏:‏ مِن حَقّ الصَّديق أن يَتَحَمَل ثلاثاً‏:‏ ظُلم الغضب وظُلم الدالّة وظُلم الهَفوة‏.‏

لعبد الله بن مُعاوية‏:‏ ولستُ ببَادي صاحبِي بقَطِيعة ولستُ بمُفْشٍ سِرَّه حين يغْضبُ عَليك بإخوان الثِّقَات فإنهم قليلٌ فَصِلْهم دُون مَن كنت تَصْحَب وما الخِدْن إلا مَن صَفا لك وُدّه ومَن هو ذو نُصْح وأنت مُغَيَّب ما يستجلب الإخاء والمودة ولين الكلمة قال عليُّ بن أبي طالب عليه السلام‏:‏ مَن لانت كَلِمته وَجَبت محبّتُه‏.‏

وأنشد‏:‏ وعَلَى الصديقِ ألا يلقَى صديقه إلا بما يُحب ولا يًؤذِي جليسَه فيما هو عنه بمَعْزِل ولا يأتي ما يَعيب مِثْلَه ولا يَعيب ما يأتي شَكْلَه‏.‏

وقد قال المتوكّل اللّيثي‏:‏ لا تنهَ عَن خُلُقِ وَتأْتِيَ مِثْلَه عارٌ عليك إذا فعلتَ عَظِيمُ وقال عمرً بن الخَطّاب رضي الله عَنه‏:‏ ثلاث تثبت لك الوًدَّ في صَدْرِ أخيك‏:‏ أن تَبدأه بالسَّلام وتُوسع له في المَجْلس وتَدْعوه بأحبّ الأسماء إليه‏.‏

وقال‏:‏ ليس شيءٌ أبلغَ في خَيْر ولا شَرّ من صاحب‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ إن كُنتَ تبغي الأَمْرَ أو أصلَه وشاهداً يُخْبر عن غائبِ فاعْتَبِر الأرضَ بأَشْباهها واعْتَبر الصّاحب بالصَّاحب لعَدِيّ بن زَيد‏:‏ عَنِ المَرْء لا تَسَلْ وسَلْ عَن قَرِينه فكُلُّ قَرِين بالمُقارن يَقْتَدِي و لعمرو بن جَمِيل التَغْلَبي‏:‏ سأصبر من صَديقي إنْ جَفَاني على كلّ الأذَى إلا الهَوَانَا فإنّ الحُرَّ يَأنَف في خَلاءِ وإن حَضر الجماعةَ أن يُهانَا وقال رجلٌ لمُطِيع بن إياس‏:‏ جِئّتُك خاطباً مَوَدَّتك قال‏:‏ قد زَوَّجتكها على شرط أن تجعل صَداقها أن لا تَسمع فيَّ مقالَ الناس‏.‏

ويقال في المَثَل‏:‏ مَن لم يَزْدَرِد الرّيق لم يَستكثر من الصديق‏.‏

وما أحسنَ ما قال إبراهيمُ بن العبَّاس‏:‏ يا صديقيِ الذي بَذَلْت له الو دَّ وأنزلتُه على أحشائي إنّ عَيْناَ أقْذَيْتهَا لتراعي ك على ما بها مِن الإقذاءِ ما بها حاجةٌ إليك ولكنْ هي مَعْقودة بحَبْل الوَفاء ولابن أبي حازم‏:‏ ارْضَ من المَرْءِ في مَوَدَّته بما يُؤدي إليكَ ظاهرُه مَن يَكْشِف الناسَ لا يَرى أحداً تَصِحّ منه له سَرائرُه توشِك أن لا تتم وَصْل أخٍ في كلّ زَلاّته تُنافِره إنْ ساءَني صاحِبي احْتملْتُ وإن سرَّ فإني أخوه شاكِرُه أصفح عَنْ ذَنْبه وإِن طَلَب ال عُذْرَ فإنّي عليه عَاذِرُه ولغيره‏:‏ لقد أصبحتْ نَفْسي علي شَفِيقةً ومِثْلي على أهل الوَفاء شَفِيق أسرَّ بما فيه سُرُورك إنَّني جَدِير بمكنون الإخاء حَقِيق عدَوّ لمن عاديتَ سَلْم مُساِلمٌ لكل آمرئ يَهْوى هواكَ صَدِيق ولأبي عبد الله بن عُرْفة‏:‏ هُمًومُ رجالٍ في أمور كَثيرةٍ وهَمِّي من الدِّنيا صديق مُساعِدُ يكون كرُوح بين جِسْمين فُرِّقَا فَجِسْماهما جِسْمان والرُّوح واحِد قال بعض الحكماء‏:‏ الإخاء جَوْهرة رقيقة وهي ما لم تُوَقِّها وتَحْرُسها مُعرَّضة للآفات فَرُض الإخاء بالحدّ له حتى تَصل إلى قُربه وبالكَظْم حتى يَعْتذِر إليك مَن ظَلَمك وبالرِّضى حتى لا تَسْتَكْثر من نَفْسك الفَضْل ولا من أخيك التَّقْصير‏.‏

لمحمود الوَرّاق‏:‏ لا بِرِّ أعظمُ من مُساعدةٍ فاشكُر أخاك علىِ مُساعَدَتِهْ وإذا هَفا فأَقِلْه هَفْوَته حتى يَعودَ أخاَ كعادته فالصفح عن زَلَل الصّديق وإن أَعْياك خيرٌ من مُعاندته مَن لم يُدرِك ولم ترده لم يستفدك ولم تُفِدْه قَرِّبْ صدِيقَك ما نَأى وَزِدِ التقارُب واستزده وإذا وَهَتْ أركان ودٍّ من أَخي ثِقَة فَشِدْهُ فضل الصداقة على القرابة قيل لبُزرجمهر‏:‏ مَن أحب إليك‏:‏ أخوك أم صديقك فقال‏:‏ ما أحِبّ أخي إلا إذا كان لي صديقاً‏.‏

وقال أكثم بن صَيفيّ‏:‏ القرابة تحتاج إلى مودَة والمودَة لا تحتاج إلى قرابة‏.‏

وقال عبد الله بن عبّاس‏:‏ القرابة تقْطع والمعروف يُكْفر وما رأيتً كتقارب القلوب‏.‏

وقالوا‏:‏ إيَّاكم ومَن تكْرهه قلوُبكم فإن القُلوب تُجَارِي القلوب‏.‏

وقال عبد الله بنً طاهر الخُراسانيّ‏:‏ أميل مع الذِّمام على ابن أمِّيِ وأحْمِل للصديق على الشِّقِيقِ وإن ألفيتَني مَلِكاً مُطاعاَ فإنك واجدِي عبدَ الصَّديق أفرِّق بين معروفي ومَنِّي وأجمع بين مالي والحُقوق ولقد سَبَرتُ الناس ثم خَبرتُهمِ ووصفتُ ما وَصفوا من الأسباب فإذا القرابةُ لا تُقَرِّب قاطعاً وإِذا المودَة أقرب الأنساب وللمبرِّد‏:‏ ما القرْبُ إلا لمن صحَت مَوَدَّته ولم يَخُنْك وليس القُرْبً للنسَبِ كم مِن قَريب دَوِيّ الصَّدْر مُضْطَغِن ومن بَعيدٍ سَلِيم غير مقترب وقالت الحًكماء‏:‏ رب أخ لك لم تَلِدْه أمك‏.‏

وقالوا‏:‏ القَرِيب من قَرب نَفْعه‏.‏

وقالوا‏:‏ رُبّ بعيدٍ أقرب من قَريب‏.‏

وقال آخر‏:‏ رُب بعيدَ ناصحُ الجَيْب وابن أبِ مُتهم الْغَيب وقال آخر‏:‏ أخُو ثِقةٍ يُسَر ببعض شانِي وِإنْ لم تُدْنِه مني قَرَابهْ أحَبُّ إليَّ من ألْفْي قَريب لَبيتُ صُدورهم لي مُسْترابه وقال آخر‏:‏ قد يَجمع المالَ غير ُآكله ويأكل المالَ غيرُ من جَمَعه فارْض من الدهر ما أتاك به من قَرَّعَيْنَا بعَيْشِه نَفَعه وقال‏.‏

لكلِّ شيء من الهُموم سَعَهْ والليلُ والصُّبح لا بقَاءَ معهْ لا تَحْقِرَنّ الفقيرَ عَلَّكَ أن تركع يوماً والدَّهُرُ قد رفَعَه وقال ابن هَرْمة‏:‏ للّه درُّك من فَتًى فَجعت به يومَ البَقيع حوادِثُ الأيام هَشّ إذا نزَل الوُفودُ ببابه سَهْل الحِجاب مُؤَدَّب الخُدّام وإِذا رأيت صديقه وشَقيقه لم تَدْرِ أيّهما أخو الأرحام التحبب إلى الناس في الحديث المَرْفوع‏:‏ أحبُّ الناس إلى الله أكثرهم تَحَبُّباً إلى الناس‏.‏

وفيه أيضاً‏:‏ إذا أحبَّ الله عبداً حبَّبه إلى الناس‏.‏

ومن قولنا في هذا المعنى‏.‏

وجْهٌ عليه من الحَيَاء سَكينةٌ ومحبَّة تجري مع الأنفاس وإذا أحبّ الله يوماً عبدَه ألقى عليه محبَّة للنّاس وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سعد بن أبي وقّاص‏:‏ إن الله إذا أحَبَّ عبداً حبَّبه إلى خَلْقه فاعتبر منزلتك من الله بمنزلتك من الناس واعْلم أنّ مالك عند الله مثلُ ما للناس عندك‏.‏

وقال أبو دُهْمان لسَعيد بن مُسلم ووقف إلى بابه فحجَبَه حيناً ثم أذن له فمثل بين يديه وقال‏:‏ إنَّ هذا الأمر الّذي صار إليك وفي يديك قد كان في يدَيْ غيرك فأمسى واللّه حديثاً إن خيراَ فخير وإن شراً فشر قتحبَّب إلى عباد الله بحُسن البِشْر وتسهيل الحجاب ولين الجانب فإن حُبَّ عبادِ الله مَوْصولٌ بحُب اللّه وبُغضهم مَوْصول ببغض اللّه لأنهم شُهداء الله على خَلْقه ورُقباؤه على من أعوج عن سبيله‏.‏

وقال الجارود‏:‏ سُوء الخُلق يُفْسِد العَمل كما يُفسد الخَلّ العَسل‏.‏

وقيل لمُعاوية‏:‏ من أحبّ الناس إليك قال‏:‏ مَن كانت له عِنْدي يد صالحة قيل له‏:‏ ثم مَن قال‏:‏ من كانت لي عِنْده يدٌ صالحة‏.‏

وقال محمدُ بن يزيد النَّحوي‏:‏ أتيتُ الخليلَ فوجدته جالساً على طُنْفسة صَغِيرة فوسَّع لي وكَرِهتُ أن أُضيِّق عليه فانقبضتُ فأخذ بِعَضُدي وقَرَّبي إلى نَفْسه وقال‏:‏ إنه لا يَضِيق سَمُّ الخياطَ بمُتحابين ولا تَسَع الدنيا مُتباغضين‏.‏

ومن قَولنا في هذا المَعنى‏.‏

صِل من هَوِيتَ وإن أبدى مُعاتبةً فأَطيبُ العَيْش وَصلٌ بين إلْفين واقْطَعْ حَبائل خِدْنٍ لا تُلائمه فربِّما ضاقتِ الدُّنيا بإثْنين صفة المحبة أبو بكر الورَّاق قال‏:‏ سأل المأمونُ عبد الله بنَ طاهر ذا الرِّياستين عن الحبّ ما هو فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إذا تقادحتْ جواهر النُّفوس المُتقاطعة بوَصْل المُشاكلة انبعثت منها لمْحَة نور تَسْتضيء بها بواطنُ الأعضاء فتحرّك لإشراقها طَبائع الحَياة فيتصوَّر من ذلك خَلْق حاضر للنَّفس مُتَّصِل بخَواطِرها يُسمى الحب‏.‏

وسُئل حمَّاد الراوية عن الحبّ فقال‏:‏ شَجرة أصلُها الفِكْر وعُروقها الذِّكر وأغصانُها السَّهر وأوراقُها الأسقام وثمرتُها المنيّة‏.‏

وقال مُعاذ بن سَهْل‏:‏ الحبُّ أصعبُ ما ركب وأسْكر ما شُرب وأَفْظع ما لُقِي وأحْلَى ما اشتُهي وأَوْجع ما بَطَن وأشهى ما عَلَن وهو كما قال الشاعر‏:‏ وللحُب آياتٌ إذا هي صَرّحت تَبَدَّت علاماتٌ لها غُرَرٌ صفْرُ فباطِنُه سُقْم وظاهِرُه جَوَى وأوَّلُه ذكر وآخره فكر وقالوا‏:‏ لا يكن حُبّك كَلَفا ولا بغْضك سَرَفا‏.‏

وقال بشَّار العُقَيْليِّ‏.‏

هل تَعْلَمِينَ وَراء الحُبّ مَنزلةً تُدْني إليكِ فإنّ الحبَّ أقصَانِي وقال غيرُه‏:‏ أُحِبّكِ حُبا لو تحبينَ مِثْلَه أصابك من وَجْدٍ عليّ جُنُونُ لَطِيفاً مع الأحْشاء أمّا نهارُه فدَمْعٌ وأمّا لَيْلُه فأنِين من حديث ابن أبي شَيْبة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تَقْطع مَن كان يواصلُ أباك تُطفيء بذلك نُورَه فإنّ وُدَّك وُدُّ أبيك‏.‏

وقال عبدُ الله بن مَسعود‏:‏ مِن بِرّ الحيِّ بالميِّت أن يَصِل مَن كان يصلُ أباه‏.‏

وقال أبو بكر‏:‏ الحبُّ والبغضُ يُتوارثَان‏.‏

ومن أمثالهم في هذا المعنى‏:‏ لا تقْتنِ من كلب سَوْء جِرْواً‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ تَرْجُو الوليدَ وقد أعياك والدُه وما رَجاؤُك بعد الوالدِ الوَلدَا واجتمع عندَ مَلِك من ملوك العرب‏.‏

تميمُ بن مُرّ وبكر بن وائل فوقَعت بينهما مُنازعة ومُفاخرة فقالا‏:‏ أيُّها الملك أعطِنا سَيْفين نتجالد بهما بين يَدَيك حتى تَعلم أيُّنا أجْلد‏.‏

فأمر الملكُ فنُحِت لهما سَيفان من عُودين فأعطاهما ‏"‏ إياهما ‏"‏ فجعلاَ يَضْطربان مَليًّا من النهار فقال بكرُ بن وائل‏:‏ لو كانَ سيفانَا حديداً قَطَعا قال تميم بن مُرّ‏:‏ أو نحتا من جَنْدل تَصًدّعا أُساجِلك العَداوَةَ ما بَقِينا فقال له بكر‏:‏ وإنْ مِتْنا نُوَرِّثها البَنِينا فيًقال إن عداوة بكر وتميم من أجل ذلك إلى اليوم‏.‏

أبو زيد‏:‏ قال أبو عُبيدة‏:‏ بُني دُكَان بسجستان بَنَتْه بكر بن وائل فهَدَّمته تميم ثم بنته تميم فهَدَّمته بكر فتواقعوَا في ذلك أربعةً وعشرين وَقعة‏.‏

فقال ابن حِلِّزة اليَشْكُري في ذلك‏:‏ قَرَبي ياخَليُّ وَيحْكِ دِرْعي لَقِحَت حَرْبُنا وحربُ تميم إخْوة قرّشوا الذُّنوب علينا في حديث من دهرِهم وقَدِيم طَلبُوا صُلْحنا ولاتَ أوَانٍ إنَّ ما يَطلبون فوق النُّجُوم الحسد قال علي رضي الله عنه‏:‏ لا راحةَ لِحَسُود ولا إخَاء لمَلُول ولا مُحِبَّ لسَيىِّء الخُلًق‏.‏

وقال الحسن‏:‏ ما رَأيت ظالماً أشبهَ بمظلوم من حاسِد نَفَس دائم وحُزن لازم وغم لايَنْفد‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ كاد الحَسد يَغْلِب القَدَر‏.‏

وقال مُعاوية‏:‏ كلُّ الناس أَقْدِر أُرْضِيهم إلا حاسدَ نِعْمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ كلُّ العَداوة قد تُرْجَى إماتتُها إلا عَدَاوَةَ مَن عاداكَ مِن حَسَدِ وقال عبد الله بن مَسعود‏:‏ لا تُعادُوا نِعَم الله قيل له‏:‏ ومن يُعادي نِعَم اللّه قال‏:‏ الذين يحْسُدون الناسَ على ما آتاهم الله من فِضله‏.‏

يقول الله في بعض الكتب‏:‏ الحَسُود عدوُّ نِعْمَتي مُتَسخِّطٌ لقَضَائي غيرُ راض بِقسْمَتي‏.‏

ويقال‏:‏ الحَسَد أوّل ذَنْب عصي الله به في الَسماء وأوّل ذَنْبِ عُصي الله به في الأرض فأمّا في السماء فحَسدُ إبليس لآدمَ وأما في الأرض فَحَسدَ قابيلَ هابيل‏.‏

وقال بعضُ أهل التفسير في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ رَبنَا أَرِنَا الَّلذَيْنِ أَضلانَا مِنَ اْلْجنِّ والإنْس نَجْعَلهما تحتَ أقدامِنا ليَكُونَا من الأسْفَلِين ‏"‏‏.‏

إنه أراد بالذي من الجن إبليس والذي من الإنس قابيل وذلك أن إبليس أولُ من سَنَّ الكفر وقابيل أوّل من سَنَّ القتل وإنما كان أصل ذلك كله الحسد‏.‏

ولأبي العتاهية‏:‏ فيا رَبِّ إنّ الناس لا يُنْصفونني وكيفَ ولَوْ أَنصفتُهم ظَلَمُوني وإنْ كانَ لي شيءٌ تَصدِّوْا لأخْذه وإن جئت أبْغِي سَيْبهم مَنَعُوني وإن نالَهُمِ بَذْلي فلا شُكْرَ عِنْدهم وإن أنا لم أبذل لهم شَتَمُوني وإن طَرَقتْني نِقْمَةٌ فَرِحُوا بها وإن صَحِبَتنِي نِعْمَةٌ حَسَدُوني سَأَمْنَع قلْبِي أن يَحنَّ إليهُم وأحْجُب عنهم ناظِري وجُفُوني أبو عُبيدة مَعمر بن اَلمُثنِّي قال‏:‏ مَرّ قيس بن زُهير ببلاد غَطَفان فرأَى ثَرْوَةً وعدداً فكَرِه ذلك فقيل له‏:‏ أيسوؤك ما يَسرُّ الناس قال‏:‏ إِنك لا تَدْري أنّ مع النِّعمة والثروة التَّحاسدَ والتخاذلَ وأنَّ معِ القلّة التحاسد والتناصُر‏.‏

وكان يقال‏:‏ ما أثْرَى قَوْم قطُّ إلا تَحاسدوا وتخاذلوا‏.‏

وقال بعضُ الحكماء‏:‏ ألزَم الناس للكآبة أربعة‏:‏ رجل حديد ورجل حَسُود وخَلِيط الأدباء عليّ بن بِشْر المَرُّوزيّ قال‏:‏ كتب إليَّ ابن المبارك هذه الأبياتَ‏:‏ كلَّ العَدَاوة قد ترْجَى إماتَتُها إلا عَداوةَ مَنْ عاداك من حَسَدِ فإِنّ في القَلْبِ منها عُقْدَةً عُقِدَتْ وليس يَفْتحها راقٍ إلى الأبدِ إلا الإَله فإن يَرْحم تُحَلّ به وإنْ أباه فلا تَرْجُوه من أحد سُئِلَ بعضُ الحُكماء‏:‏ أيّ أعدائك لا تُحِبّ أن يَعُود لك صديقاً قال ‏"‏‏:‏ الحاسِد الذي لا يَرُدّه إلى ‏"‏ مودتي ‏"‏ إلا زوالُ نِعْمتي‏.‏

وقال سُلَيمان التَّيْمِيّ‏:‏ الحَسد يُضعِف اليَقِين ويُسْهِر العَينْ ويُثِرُ الهمّ‏.‏

الأحنفُ بن قَيْس صَلِّى على حارثة بن قُدَامة السَّعْديّ فقال‏:‏ رَحمك اللهّ كنتَ لا تحْسُد غَنياً ولا تحقر فقيراَ‏.‏

وكان يُقال‏:‏ لا يُوجَد الحُرُّ حَرِيصاً ولا الكَرِيم حَسُداً‏.‏

وقال بعضُ الحُكماء‏:‏ أجهدُ البَلاء أن تَظْهَرَ الخَلَّة وتَطُوِل المُدَّة وتَعْجِز الحِيلة ثم لا تعْدَم صَدِيقاً مُوَلِّيا وابن عمٍّ شامتاً وجاراً حاسِداَ ووليًّا قد تَحَوَّل عدوًّا وزَوْجة مُخْتلِعة وجارية مُسْتَبِيعة وعَبداً يَحْقِرك وولداً يَنتهرك فانظُر أين مَوْضِع جَهْدك في الهرَب‏:‏ لرجل من قُريش‏:‏ وإذا ما الله أَسْدَى نِعْمَةً لم يَضِرْها قولُ أعداءِ النِّعَم وقيل‏:‏ إذا سرك أن تَسْلم من الحاسد فعَمِّ عليه أمْرَك‏.‏

وكانت عائشةُ رضى اللهّ عنها تتمثّل بهذين البيتين‏:‏ إذا ما الدهر جَرَّ على أناس حوادثَه أناخَ بآخرِينَا فقُلْ للشَّامِتين بنا أفِيقُوا سيَلْقى الشامِتون كما لَقِينا ولبعضهم‏:‏ إياك والحسدَ الذي هو آفةٌ فَتَوَقَّه وتَوَقَّ غِيرة مَنْ حَسد إِنَّ الحَسُودَ إذا أرك مَوَدَّةً بالقَوْل فهو لك العَدُوُّ المُجْتَهِدْ الليثً بن سَعْد قال‏:‏ بَلَغني أنَّ إبليس لقي نُوحًا صلى الله عليه وسلم فقال له إبليس‏:‏ اتّق الحَسْد والشح فإني حَسَدتُ آدمَ فخرجتُ من الجنة وشَحَّ آدم على شَجرة واحدة مُنِع منها حتى خَرج من الجنًة‏.‏

وقال الحسنُ‏:‏ أصول الشَّرِّ ‏"‏ ثلاثة ‏"‏ وفُروعه ستَّة فالأصول الثلاثة‏:‏ الحَسَد والحِرْص وحُبًّ الدُّنيا‏.‏

والفُروع الستة‏:‏ ‏"‏ حُبّ النوم وحُبّ الشِّبع وحُبُّ الراحة وحُبُّ الرئاسة وحُبُّ الثناء وحُبُّ الفَخْر‏.‏

وقال الحسن‏:‏ يَحْسُد أحدُهم أخاه حتى يَقَعَ في سَرِيرته وما يَعْرِف علانِيَته ويَلُومه على ما لا يَعْلمه منه وَيتعلم منه في الصّداقة ما يُعَيِّره به إذا كانت العداوة واللّه ما أرى هذا بمُسْلِم‏.‏

ابن أبي الدُّنيا قال‏:‏ بَلغني عن عُمر بن ذَرّ أنه قال‏:‏ اللهم من أرادنا بشّرٍ فاكفِناه بأيِّ حُكمَيْك شِئت إمّا بتَوْبة وإمّا براحة‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ ما حسدتُ أحداً على هاتين ‏"‏ الكلمتين ‏"‏‏.‏

وقال ابن عبَّاس‏:‏ لا تَحْقِرَنَ كلمة الحكمة أن تَسْمعها من الفاجر فإنما مَثَلُه كما قال الأول‏:‏ رُبَّ رَمْيَة من غير رام‏.‏

وقال بعضُ الحكماء‏:‏ ما أمحقَ للإيمان ولا أهتكَ للستر من الحسد وذلك أنّ الحاسدَ مًعاند لحكم الله‏.‏

باغٍ على عباده عاتٍ على ربه يَعْتَدّ نِعم اللهّ نِقَما ومَزِيده غِيَرا وعَدْل قضائة حَيْفا للناس حال وله حال ليس يهدأ ولا يَنام جَشَعه ولا ينْفعه عَيْشُه مُحْتقر لِنَعم الله عليه مُتسخِّط ما جرت به أقدارُه لا يَبردُ غَليله ولا تُؤْمَن غوائله إن سالمتَه وَتَرَك وأن وَاصلتَه قَطَعك وإن صَرَمتْه سَبَقك‏.‏

ذُكِر حاسدٌ عند بعض الحكماء فقال‏:‏ يا عَجَبا لرجل أسلكه الشيطانُ مهاوِي الضَّلالة وأورده قُحَم الهَلَكة فصار لنعم الله تعالى بالمرصاد إن أنالها من أحب مِن عِباده أشْعِر قلبُه الأسف على ما لم يُقْدَر له وأغاره الكَلَفُ بما لم يكن لِينالَه‏.‏

اصبر على حَاسَد الحَسو د فإنّ صَبْرَكَ قاتلُه النَّارُ تأكل بعضها إن لم تَجدْ ما تاكله وقال عبدُ الملك بن مَرْوان للحجاح‏:‏ إنه ليس منَ أحدٍ إلا وهو يَعرف عَيب نفسه فصفْ لي عيوبك‏.‏

قال‏:‏ أعفِنى يا أمير المؤمنين قال‏:‏ لستُ أفعل قال‏:‏ أنا لَجُوج لَدُود حَقُود حَسُود قال‏:‏ ما في إبليس شرٌ من هذا‏.‏

وقال المنصور لسُليمان بنِ مُعاوية المُهلَبي‏:‏ ما أسرع الناسَ إلى قومك‏!‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏:‏ إن العَرَانين تَلْقَاها مُحَسِّدةً ولن تَرَى للئام الناس حُسَّادَا وأنشد أبو موسى لنَصرْ بن سيار‏:‏ إِنِّي نشأتُ وحُسَّادي ذَوُو عَدَدٍ يا ذا المَعارج لا تَنْقُص لهم عَدَدَا إنْ يَحْسُدًوني على حُسْنِ البَلاَء بهم فمِثْل حُسْن بَلاَئي جر لي حَسدا وقال آخر‏:‏ إن يَحْسُدُوني فإنّي غيرُ لائمهم قبْلي من الناس أهل الفضل قد حُسِدُوا فَدَام لي ولهم ما بي وما بهم وما أكثرْنا غَيظاً بما يَجِد إنَ الغُراب وكان يَمشي مِشْيَةً فيما مضى من سالف الأحْوَالِ حَسَد القطَاة فَرَام يمشي مَشْيَها فأصابَه ضَرْبٌ من العُقًال ‏"‏ فأضلّ مِشْيته وأخطأ مَشْيها فلذاك كنِّوه أبا مِرْقال ‏"‏ وقال حبيب الطائي‏:‏ وإذا أراد الله نَشرَ فَضيلةٍ طُوِيت أتاح لها لسانَ حَسُودِ لولا اشتعالُ النار فيما جاوَرَت ما كان يُعْرف طِيبُ عَرْف العُودِ وقال محمد بن مُناذر‏:‏ بأيُها العَائبي وما بيَ من عَيْبِ ألا تَرْعَوِي وتَزْدَجِرُ هلْ لك عِندي وِتْرٌ فتَطْلُبَه أم أنتَ مما أتيتَ مُعتَذِرُ إِنْ يَكُ قَسْمُ الإله فَضّلني وأنت صَلْدٌ ما فيك معْتَصر فالحمدُ والشُّكر والثَناء له وَللْحَسود الترَابُ والْحَجَرُ فما الذي يَجتني جَليسُك أوْ يَبْدُو لهُ منك حين يَختبر اقرأ لنا سورة تُذَكرنا فإنّ خيْرَ المواعِظ السُوَرُ أو مِن أعاجيب جاهِليتنا فإنها حِكمةٌ ومُخْتَبر أو آرْوِ عن فارس لنا مثلاً فإن أمثالَها لنا عِبَرُ فإن تكن قد جَهِلت ذاك وذا ففيكَ للناظِرينِ مُعْتَبَر فغَنً صوتاً تُشْجَى النفوس به وبعضُ ما قد أتيت يُغتفر الأصمعيّ قال‏:‏ كان رجلٌ من أهل البصرة بذيئاً شِرِّيراً يؤذي جيرانه ويَشتم أعراضهم فأتاهُ رجلٌ فوَعظه فقال له‏:‏ ما بالُ جيرانك يَشكونك قال‏:‏ إنهم يَحسدُونني قال له‏:‏ على أيّ شيء يَحسدُونك قال‏:‏ على الصَلْب قال‏:‏ وكيف ذاك قال‏:‏ أَقْبِلْ معي‏.‏

فأقبل معه إلى جيرانه فقعد مُتحازِناً فقالوا له‏:‏ ما لَك قال‏:‏ طَرَق الليلة كتاب مُعاوية أنا أصلب أنا ومالك بن المنذر وفلان وفلان - فذكر رجالاً من أشراف أهل البصْرَة - فوَثبوا عليه وقالوا‏:‏ يا عدوّ اللهّ أنت تُصْلب مع هؤلاء ولا كرامةَ لك‏!‏ فالتفت إلى الرجل فقال‏:‏ أما تراهم قد حَسدوني على الصَّلب فكيف لو كان خيراً‏!‏ وقيل لأبي عاصم النبيل‏:‏ إنّ يحيى بن سَعيد يَحْسُدك وربما قَرَّضك فأَنشأَ يقول‏:‏ فلستَ بحيٍّ ولا ميتٍ إذا لم تُعادَ ولم تُحْسَدِ كتب عُمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعريّ‏:‏ مُر ذَوي القَرَابات أن يتزَاورُوا ولا يتجاورُوا‏.‏

وقال أكثم بن صَيْفيّ‏:‏ تباعَدُوا في الدار تقاربُوا في المودَّة‏.‏

وقالوا‏:‏ أَزْهدُ الناس في عالمٍ أهلُه‏.‏

فَرَج بن سلام قال‏:‏ وَقف أميِّة بن الأسكر عِلى ابن عم له فقال‏:‏ نَشَدْتُك بالبَيت الذي طافَ حولَه رجالٌ بَنوه من لؤَيّ بن غالبِ فإنك قد جَرَّبتني فوجدتنيِ أُعينك في الجُلّى وأكفيك جانبي وإن دبَّ من قومي إليك عداوةً عقاربهُم دبَّت إليهم عَقارِبي قال أكذلك أنتَ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فما بالُ مِئبرك لا يزال إليَّ دسيسا قال‏:‏ لا أعود قال‏:‏ قد رضيتُ وعفا الله عما سلف وقال يحيى بن سعيد‏:‏ من أراد أن يَبِين عملُه ويَظهر علمُه فَلْيَجلس في غير مَجْلس رهْطه‏.‏

وقالوا الأقارب هم العقارب‏.‏

وقيل لعطاء بن مصعب‏:‏ كيف غلبتَ على البرامكة وكان عندهم من هو آدبُ منك قال‏:‏ كنتُ بعيدَ الدار منهم غريب الاسم عظيمَ الكِبْر صغير الجرْم كثيرَ الالتوإء فقرّبني إليهم وقال رجلٌ لخالد بنِ صَفْوان‏:‏ إنِّي أحبك قال‏:‏ وما يَمنعك من ذلك ولستُ لك بجار ولا أخٍ ولا ابن عم‏.‏

يريد أن الحسد مُوكل بالأدنى فالأدنى‏.‏

الشِّيباني قال‏:‏ خَرجِ أبو العبَّاس أميرُ المؤمنين متنزِّها بالأنبار فأمعن في نزهتة وانتبذ من أصحابه فوافي خباءً لأعرَابيّ‏.‏

فقال له الأعرابيّ‏:‏ ممن الرجل قال‏:‏ مِن كِنانة قال‏:‏ من أيّ كِنانة قال‏:‏ من أبغض كِنانة إلى كِنانة قال‏:‏ فأنت إذاً من قُريش قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فمن أيّ قريش قال‏:‏ من أبغض قريش إلى قُريش قال‏:‏ فأنت إذاً من ولد عبد المطلب قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فمن أيّ وَلد عبد المطّلب أنت قال‏:‏ من أبغض ولد عبد المطلب إلى ولد عبد المُطلب قال‏:‏ فأنت إذاً أميرُ المؤمنين السلام عليك يا أميرَ المؤمنين ورحمةُ الله وبركاته‏.‏

فاستحسنَ ما رأى منه وأمر له بجائزة‏.‏

وقال ذو الإصبع العَدْوَانيّ‏.‏

ليَ ابن عمٍٍّ على ما كان من خُلُق مُحاسِدٌ ليَ أقليه ويَقْلِيني أزْرَى بنا أنّنا شالتْ نعامتُنا فخالني عُونهَ أو خِلْتُه دوني يا عمرو إلا تَدَعْ شَتْمي ومَنقصتي أضربْك حتى تقول الهامةُ اسقوني ماذا عَلَيّ وإن كنتم ذَوِي رَحَمِي أن لا أُحبَّكُم إن لم تُحبوني وقال آخر‏:‏ مهلاً بني عمِّنا مهلاً مَوالينا لاتَنْبِشًوا بيننا ما كان مَدْفوناً لا تَطمعوا أن تًهينونا ونُكْرمكم وأن نَكُفَّ الأذى عنكم وتُؤذونا الله يعلم أنا لانحبًّكمُ ولا نَلومكُم إن لم تحِبُّونا وقال آخر‏:‏ ولقد سَبرت الناسَ ثم خَبرتهم ووصفت ما وصفوا من الأسبابِ فإذا القرابة لا تقَرّب قاطعا وإذا المودة أقرب الأنساب المشاكلة ومعرفة الرجل لصاحبه قالوا‏:‏ أَقرب القرابة المُشاكلة وقالوا‏:‏ الصاحب المُناسب‏.‏

وقال حبيب‏:‏ وقُلت أخي قالوا أخٌ من قرابة فقلت لهم إنّ الشُكول أقاربُ وقال أيضاً‏:‏ ذو الودّ منِّي وذو القُرْبى بمنزلةٍ وإخْوَتي أُسوةٌ عندي وإخواني وقال أيضاً‏:‏ إنْ نَفْتَرِقْ نَسَبًا يُؤلِّفْ بيننا أدبٌ أَقمناه مُقام الوالد أو نَخْتلف فالوَصْلُ منَّا ماؤه عَذب تَحدَّر من غَمَامٍ واحد وقال آخر‏:‏ إنَّ النفوس لأجْنادٌ مُجَنًدَة بالإذْن من رَبِّنا تَجْري وتَخْتلفُ فما تَعارفَ منها فهو مُؤتلِفٌ وما تَناكر منها فهو مُختلف وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ الأنفس أجْناد مُجنَّدة وإنها لتتَشامّ في الهَوَى كما تتَشام الخَيْل فما تعارف منها ائتلف وما تَناكر منها اختلف‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ الصاحبُ رُقْعة في الثَّوب فَلينظر الإنسان بم يَرْقع ثوبه‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ امتحنوا الناس بإِخوانهم‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ فاعتبر الأرضَ بأشباهها واعتبر الصاحبَ بالصاحبِ وقيل‏:‏ كلُ إلْف إلى إلْفه يَنزع وقال الشاعر‏:‏ وقال امرؤ القيس‏:‏ أجارتَنا إِنا غَريبان هاهنا وكل غَريب للغريب نَسِيبُ وقال آخر‏:‏ إذا كنت في قَوْم فصاحِبْ خِيارَهم ولا تَصْحب الأرْدى فتردىَ مع الرّدِي عن المرْء لا تَسأل وسَلْ عن قَرينه فكل قَرِين بالمُقارِن يَقْتدي وقال آخر‏:‏ اصحبْ ذَوِي الفَضل وأهْل الدِّين فالمرْءُ مَنسوبٌ إلى القرينِ أيوب بن سُليمان قال‏:‏ حدَّثنا أبان بن عيسى عن أبيه عن ابن القاسم قال‏:‏ بينما سُليمان بن داود عليهما السلام تحمله الريح إذ مَرّ بنَسْر واقع على قَصْر فقال له‏:‏ كم لك مذ وقعتَ هاهنا قال‏:‏ سبعمائة سنة قال‏:‏ فمن بَنى هذا القصر قال‏:‏ لا أدريِ هكذا وجدتُه ثم نظر فإذا فيه كتاب مَنْقور بأبيات من شعر وهي‏:‏ خرجنا من قُرَى اصطَخْرٍ إلى القصر فقلناهَ فمن يسأل عن القصر فمبنيا وَجَدناه فلا تصحب أخا السَّوْء وإِيَّاكَ وإياه يُقاس المرْءُ بالمرْء إذا ما المرْءُ ماشاه وفي الناس منٍ الناس مقاييسٌ وأشباه وفي العيَن غِنى للعَين أن تَنطق أفواه السعاية والبغي قال اللهّ تعالى ذِكْرُه‏:‏ ‏"‏ يَا أيُّهَا الناسُ إِنَمَا بَغْيًكُمْ على أنْفُسِكم ‏"‏‏.‏

وقال عزَ وجل‏:‏ ‏"‏ ثَم بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنًهُ الله ‏"‏‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ فلا تسبق إلى أحدٍ بِبَغْيٍ فإِنَّ البَغْي مَصرعه وخيم وقال العتَّابي‏:‏ بَغَيْت فلم تَقَع إلاّ صَرِيعاً كذاك البَغْي يَصرع كلَّ باغِي وقال المأمون يوماَ لبعض وَلده‏:‏ إياك وأن تُصْغي لاستماعٍ قول السُّعاة فإنه ما سَعى رجلٌ برجل إلا انحطّ من قَدْرِه عندي ما لا يتلافاه أبداً‏.‏

ووقَّع في رُقعة ساعٍ‏:‏ سننظر أصدقتَ أم كنت من الكاذبين‏.‏

ووقّع في رًقعة رجل سعَى إليه ببعض عُمَّاله‏:‏ قد سَمِعنا ما ذكره الله عزَّ وجلَّ في كتابه فانصرفْ رَحمك اللّه‏.‏

فكان إذا ذُكر عند السُّعاة قال‏:‏ ما ظَنُّكم بقوْمٍ يَلعنهم الله على الصِّدق ثم كشف عن ذلك فإذا هو لغير رِشْدَة فقال‏:‏ أنا أبو عمرو وما كَذبْتُ ولا كُذِبت‏.‏

حدثني أبي عن جدّي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ السًاعي لِغَيْر رِشْدة‏.‏

وسأل رجلٌ عبدَ الملك الخَلْوَة فقال لأصحابه‏:‏ إذا شِئْتم فقُوموا‏.‏

فلما تَهَيَّأَ الرجل للكلام قال له‏:‏ إيّاك أن تَمْدحني فأنا أعلم بنفسي منك أو تَكْذِبني فإنه لا رَأْي لكَذُوب أو تَسْعى إليً بأحد وإن شئتَ أَقلتُك قال‏:‏ أَقِلْني‏.‏

ودخل رجلٌ على الوليد بن عبد الملك وهو والي دِمشق لأبيه فقال‏:‏ للأمير عندي نصيحة فقال‏:‏ إِن كانت لنا فاذكُرْها وإن كانت لِغَيرنا فلا حاجةَ لنا فيها قال‏:‏ جارٌ لي عَصىَ وفَرَّ مِنْ بَعْثه قال‏:‏ أما أنت فتُخبِر أنَّك جارُ سَوْء وإِن شئتَ أرْسلنا معك فإن كنتَ صادقاً أقصَيناك وإِن كنتَ كاذباً عاقبناك وإِن شئتَ تارَكناك قال‏:‏ تَارِكْني‏.‏

وفي سِيَر العجم‏:‏ أنّ رجلاً وَشىَ برجل إلى الإسكندر فقال‏:‏ أتًحِب أن تَقْبل مِنه عليك ومِنك عليه قال‏:‏ لا قال‏:‏ فكُفَّ الشر يُكَفُّ عنك الشرُّ‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ إذا الواشي نَعَى يومًا صدِيقا فلا تَدَع الصديق لقَوْلِ واشي وقال ذو الرِّياستين‏:‏ قَبول النَّمِيمة شَرٌ من النميمة لأنّ النميمة دِلالة والقَبُول إجازة وليس مَن ذُكِر السُّعاة عند المأمون فقال لرجل ممن حَضر‏:‏ لو لم يكن من عَيْبهم إلا أنّهم أَصدق ما يكونون أبغضُ ما يكونون إلى الله تعالى ‏"‏ لكَفَاهُم ‏"‏‏.‏

وعاتب مُصْعبُ بن الزبير الأحنفَ في شيء فأنكره فقال‏:‏ أَخْبَرني الثقةُ قال‏:‏ كلا إنّ الثقة لا يُبلغِ‏.‏

وقد جَعل اللهّ السامع شريك القائل‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏ سًمّاعُون للكَذِب أَكَّالُون للسُّحْتِ ‏"‏‏.‏

وقيل‏:‏ حَسْبك من شّرٍ سماعُه‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ لَعمركَ ما سبَّ الأمير عدوُّه ولكنَّما سَبَّ الأمير المُبَلغُ وقال آخر‏:‏ لا تقبلنَّ نَميمةً بُلِّغتَها وتحفَظَنَّ مِن الذي أنباكَهَا إنّ الذي أنباك عنه نَميمةً سَيَدِبُّ عنك بمثلها قد حاكها لا تنقشنَّ برِجْل غيرك شَوْكةً فَتَفي برِجْلك رجْلَ مَن قد شاكَها وقال دِعْبل‏:‏ وقد قطَع الواشُون ما كان بَيننا ونحنُ إلى أن نُوصِلَ الحَبلَ أحْوَجُ وكانوا أناسا كنتُ آمنُ غيْبَهم فراحُوا على ما لا نُحبّ فأدْلجوا الغِيبَة قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا قلتَ في الرجل ما فيه فقد اغتَبْته وإذا قلتَ ما ليس فيه فقد بهَته‏:‏ ومرَّ محمدُ سِيرين بقوم فقال إليه رجل منهم فقال‏:‏ أبا بكر إنّا قد نِلْنا منك فحَلِّلنا فقال‏:‏ ‏"‏ إني ‏"‏ لا أحِلّ لك ما حَرّم اللهّ عليك ‏"‏ فأمّا ما كان إليَّ فهو لك ‏"‏‏.‏

وكان رَقَبة بن مَصْقلة جالساً مع أصحابه فذَكَروا رجلاً بشيء فاطْلعَ ذلك الرجلُ فقال ‏"‏ له ‏"‏ بعضُ أصحابه‏:‏ أَلا أخْبره بما قًلنا فيه لئلا تكون غِيبة قال‏:‏ أخبره حتى تكون نميمة‏.‏

اغتاب رجلٌ رجلاً عند قُتيبة بن مُسلم فقال له ‏"‏ قُتَيبة ‏"‏‏:‏ أمْسك عليك أيها الرجل فواللّه لقد تلَمَّظت بمُضْغة طالما لَفَظها الكِرام‏.‏

محمد بن مُسلم الطائفيّ قال‏:‏ جاء رجلٌ إلى ابن سِيرين فقال له‏:‏ بَلغني أنك نِلْتَ منّي قال‏:‏ نفسي أعزًّ ‏"‏ علي ‏"‏ من ذلك‏.‏

وقال رجل لبَكْر بن محمد بن عِصْمة‏:‏ بلَغني أنَّك تقع فيّ قال‏:‏ أنتَ إذًا عليَّ أكرمِ من نفسي‏.‏

وَوقع رجلٌ في طَلْحَة والزُبير عند سَعد بن أبي وَقّاص فقال له‏:‏ اسكُتْ فإن الذي بيننا لم يَبْلُغ وعاب رجلٌ رجلاً عند بعض الأشراف فقال له‏:‏ قد استدللتُ على كَثرة عُيوبك بما تكثر من عُيوب الناس لأن طالبَ العُيوب إِنما يَطْلبها بقَدر ما فيه منها أما سمعتَ قولَ الشاعر‏:‏ لا تَهْتِكَنْ من مَساوي الناس ما سترُوا فَيَهْتِكَ الله سِتْراً مِن مَساوِيكَا واذكُرْ محَاسِنَ ما فيهم إذا ذُكِروا ولا تَعِبْ أحداً منهم بما فِيكا وقال آخر‏:‏ لا تنهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مثْلَه عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عَظيمُ وابْدَأْ بنفسك فانهَها عنَ غَيِّها فإِذا انتهت عنه فأنتَ حَكيمِ وقال محمد بن السماك‏:‏ تَجَنَب القول في أخيكَ لخَلتين‏:‏ أمَّا واحدة فعلَّك تعِيبه بشيءٍ هو فيك وأما الأخرى فإنْ يَكُن الله عافاك ممَّا ابتلاه به كان شُكْرك الله على العافية تعبيراً لأخيك على البَلاء‏.‏

وقيل لبعض الحُكماء‏:‏ فلانٌ يَعِيبك قال‏:‏ إنما يَقْرض الدَرهمَ الوازنُ‏.‏

‏"‏ قيل لبُزَرْجَمُهر‏:‏ هل تعلم أحداً لا عيبَ فيه قال‏:‏ إن الذي لا عيب فيه لا يموت ‏"‏‏.‏

وقيل لعمرو بن عُبيد‏:‏ لقد وَقع فيك أيوب السِّخْتيانيّ حتى رَحمْناك قال‏:‏ إياه فارحَمُوا‏.‏

‏"‏ وقال ابن عبَّاس‏:‏ اذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن يذكرك به ودَع منه ما تُحِبُّ أن يَدَع وقَدم العلاء بن الحَضرميّ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له‏:‏ هل تَرْوِي من الشعر شيئَاَ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فأنشِدني فأنشِده‏:‏ تَحَببْ ذَوي الأضغان تَسْب نفوسَهم تَحَببَك القُربَى فقد تُرْقع النَّعَلْ وإن دَحسوا بالكُرْه فاَعفُ تكرُّمًا وإن غَيَّبوا عنك الحديثَ فلا تَسَل فإن الذي يُؤْذيك منه سماعُه وإن الذي قالوا وراءك لم يُقل فقال النبي عليه السلام‏:‏ إن من الشِّعر لَحِكْمة‏.‏

وقال الحسنُ البَصْرِي‏:‏ لا غِيبةَ في ثَلاثة‏:‏ فاسقٍ مُجاهر ‏"‏ بالفِسْقِ ‏"‏ وإمام جائر وصاحب بِدْعة لم يَدَع بِدْعته‏.‏

وكتب الكِسائي إلى الرَّقاشي‏:‏ تركتَ المسجد آلْجَام عَ والتَرك له ريبَهْ فلا نافلةً تَقْضي ولا تَقضي لمَكْتوبَه وأخبارُكَ تَأْتينا على الأعْلام مَنْصوبَه قال النبي عليه الصلاة والسلام‏:‏ شَرّ الناس من اتّقاه الناسُ لشَرّه‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ إذا لقيتَ اللئيمَ فخالِفْه وإذا لقيتَ الكريمَ فخالِطْه‏.‏

وقال أبو الدِّرداء‏:‏ إنا لنَكْشِرُ في وُجوه قوم وإنّ قلوبنا لتَلْعنهم وسُئل شَبيب بن شَيْبة عن خالد بن صَفْوان فقال‏:‏ ليس له صديق في السرّ ولا عدوّ في العَلاَنية‏.‏

وقال الأحنف‏:‏ رُبَّ رجل لا تَغيب فوائدُه وإن غابَ وآخرَ لا يسلم منه جليسهُ وإِن احتَرس‏.‏

وقال كثير بن هَرَاسة‏:‏ إنّ من الناس ناسًا يَنْقصونك إذا زِدْتهم وتَهُون عندهم إذا خاصصْتَهم ليس لرضاهم مَوْضع تَعْرِفه ولا لسُخْطهم موضع تَحْذره فإذا عرفتَ أُولئك بأعْيانهمِ فابذُل لهم موضِعَ الموَدة واحرمهم موضعَ يَكُن ما بذلتَ لهم من المودة حائلاً دون شرِّهم وما حَرَمتهم من الخاصة قاطعاً لحرْمتهم‏.‏

وأنشد العُتْبيّ‏:‏ لي صديقٌ يَرَى حُقوقي عليه نافلاتٍ وحقَّه الدهرَ فَرْضَا لو قطعتُ البلادَ طُولاً إليه ثم من بَعْد طُولها سِرْتُ عَرْضا لرَأَى ما فعلتُ غَيْر كَثِير وآشتَهى أن يَزيد في الأرْض أَرْضا اْسقِهم السُّمّ إن ظَفِرت بهم وآمزُجْ لهم من لِسانك العَسَلاَ كَتب سهلُ بن هارون إلى مُوسى بن عِمْران في أبي الهُذَيل العَلاّف‏:‏ إنّ الضَّمِير إذا سألتًكَ حاجةً لأبي الهُذَيل خلافُ ما أبدِي ‏"‏ فأَلِن له كنفا ليحسن ظنًّه في غير منفعة ولا رِفد ‏"‏ حتى إذا طالتْ شَقاوةُ جَدِّه وعَنَاؤه فاجْبَهه بالردّ وقال صالحُ بن عبد القُدُوس‏:‏ تجنب صدِيق السّوء وآصرِمْ حِبالَه وإِن لم تَجدْ عنه مَحيصاً فَدَارِهِ ومَن يَطلب المعْروف من غير أَهله يَجدْه ورَاءَ البحر أو في قَرارِه وللّه في عَرْضُ السمواتِ جَنَّةٌ ولكنّها مَحْفوفة بالمَكاره وقال آخر‏:‏ بَلاءٌ ليس يُشْبِهه بَلاءٌ عدَاوةُ غير ذي حَسَبٍ ودينِ يبيحك منه عِرْضاً لم يَصُنْه لِيرْتع منكَ في عِرْض مَصون عُرض على أبي مُسلم صاحب الدّعْوة فرسٌ جواد فقال لقُوّاده‏:‏ لماذا يصلُح مثلُ هذا الفرس قالت الحُكماء‏:‏ جُبل الناسُ على ذمّ زَمانهم وقلّة الرِّضا عن أهل عَصْرهم فمنه قولُهم‏:‏ رضَا الناسُ غايةٌ لا تُدرك‏.‏

وقولهم‏:‏ لا سبيلَ إلى السلامة من أَلْسنة العامّة‏.‏

وقولهم‏:‏ الناسُ يعيّرون ولا يَغْفِرون واللّه يَغْفر ولا يُعيِّر‏.‏

وفي الحديث‏:‏ لو أن المؤمن كالقِدْح المُقوّم لقال الناس‏:‏ ليت ولو‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ مَن لابَس النَّاس لم يَسْلم من الناس وضَرَّسُوهُ بأَنْيَابٍ وأَضْرَاس هِشام بن عُروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت‏:‏ رَحِمَ الله لَبِيداً كًان يقول‏:‏ ذَهب الذين يُعاش في أكنافهم وبَقِيتُ في خَلَف كجِلْد الأجْرَبِ فكيف لو أَبصر زمانَنا هذا‏.‏

قال عُروة‏:‏ ونحن نقول‏:‏ رَحِم الله عائشة فكيف لو أدركت زمانَنا هذا‏.‏

وكان بعضهم يقول‏:‏ ذهب الناسُ وبَقيَ النَسْناس فكيف لو أدْرك زماننا هذا‏.‏

دخل مُسلم بن يَزِيد بن وَهْب على عبد الملك بن مَرْوَان‏.‏

فقال له عبدُ الملك‏:‏ أيُّ زمان أدركتَ أفضَل وأيُّ الملوك أكمل قال‏:‏ أمّا المُلوك فلم أَرَ إلا حامداً أو ذامًّا وأما الزمان فيَرْفع أقواماً وكلّهم يَذُم زمانَه لأنه يُبْلِي جديدَهم ويُفرَق عديدهم ويهْرِم صغيرَهم ويهلك كَبيرَهم‏.‏

أيا دهرُ إن كنتَ عاديتَنا فَها قد صَنَعتَ بِنا ما كفَاكَا جَعلت الشرَارَ علينا خِياراً وولَيتنا بعد وَجْهٍ قفَاكا وقال آخر‏:‏ إذا كان الزمانُ زمانَ تَيْمٍ وعكْلٍ فالسلامُ على الزّمانِ زمان صارَ فيه الصدرُ عَجْزا وصار الزُّجّ قُدّامَ السّنان لعلّ زمانَنا سَيعود يومًا كما عاد الزمانُ على بِطان أبو جعفر الشّيباني قال‏:‏ أتانا يوماً أبو مَيَّاس الشاعر ونحن في جماعة فقال‏:‏ ما أنَتم ‏"‏ فيه ‏"‏ وما تتذاكرون قلنا‏:‏ نَذْكُر الزمان وفَساده قال‏:‏ كلا إنما الزمانُ وِعاء وما ألْقِي فيه مِن خَيْر أو شرّ كان على حاله ثم أنشأ يقول‏:‏ أرَى حُللاً تُصان على أناسٍ وأخلاقاً تُدَاسُ فَما تُصَان يَقولوِن الزمانُ به فَسادٌ وهُم فَسدوا وما فَسد الزمان أنشد فرج بن سلاّم‏:‏ هذا الزمان الذيِ كنَّا نُحذَّرُه فيما يُحدِّث كعبٌ وابن مسعودِ إن دام ذا الدهرُ لم نحْزَن على أحدٍ يموتُ منَا ولم نَفْرح بِمَوْلود لم أَبكِ في زَمن لم أرضَ خَلَته إلا بكيتُ عليه حين يَنْصَرِمُ وقال آخر في طاهر بن الحسين‏:‏ إذا كانت الدُنيا تًنال بِطاهرٍ تَجَنَّبت منها كلَّ ما فيه طاهرُ وأعرضتُ عنها عِفَةَ وتكَرُّماَ وأرجأتُها حتى تَدورَ الدوائر وقال مُؤمن بن سَعيد في مَعْقل الضَّبيّ وابن أخيه عثمان‏:‏ لقد ذلَّت الدنيا وقد ذلّ أهلُها وقد مَلَّها أهلُ النَدى والتَّفضُّل إذا كانت الدُّنيا تَميل بخَيّرها إلى مِثل عًثمانٍ ومِثل المُحوّل ففي استِ ام دُنيانا وفي آست ام خَيّرها وفي آست آم عثمان وفي آست ام مَعقِل وقال محمد بن مُناذر‏:‏ يا طالبَ الأشعار والنَّحوِ هذا زمانٌ فاسدُ الحَشْوِ نهارُه أوْحشً من لَيْله ونَشْوُه من أخْبَث النّشْو فَدَع طِلاَبَ النَّحو لا تَبغِهِ ولا تقل شعراً ولا تَرْو فَما يَجوز اليومَ إلا آمرؤٌ مُسْتَحكم العَزْف أو الشَّدْو رَجاءٌ دُون أَقْربه السَّحابُ وَوَعْدٌ مثلُ ما لمَع السَّرَابُ ودَهْر سادت العُبْدان فيه وعاثَتْ في جوانبه الذِّئاب وأيّام خلَتْ من كلِّ خَيْرٍ ودُنيا قد تَوَزّعها الكِلاب كلابٌ لو سألتَهم تُرَاباً لقالوا عندنا آنقطع التّراب يُعاقَب مَن أساء القولَ فيهم وإنْ يُحْسِن فليس له ثَواب كتب عَمْرو بن بحر الجاحظ إلى بعض إِخوانه في ذمِّ الزمان‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم حَفِظك الله حفْظ مَن وَفّقه للقَناعة واستَعمله في الطاعة‏.‏

كتبتُ إليك وحالي حالُ من كَثُفت غمومه وأشْكلت عليه أموره واشتَبه عليه حالُ دهره ومَخْرج أمْره وقَلَّ عنده من يَثِق بوَفائه أو يَحمد مَغبة إخائه لاستحالة زمانِنا وفَساد أيّامنا ودَوْلة أنذالِنا‏.‏

وقِدْماً كان يقال مَن قَدَم الحياءَ على نَفْسه وحكَّم الصِّدْق في قوله وآثر الحقً في أموره ونَبَذ المُشتبِهات عليه من شئونه تَمٌتْ له السلامة وفاز بوُفورِ حظّ العافية‏.‏

وحَمِد مَغبة مكْروه العاقِبة فنَظرنا إذ حال عِنْدنا حُكْمُه وتحوّلت دولتُه فَوَجَدْنا الحياء متَّصلاً بالحِرْمان والصِّدْق آفةً علِى المال والقَصْدَ في الطّلَب برك استعمال القِحة وإخْلاقِ العِرض في طريق التوكّل دليلاَ على سَخافة الرأي إذا صارت الخُطوة السابقة والنًعمة السابغة في لُؤم النِّيَّة وتناولُ الرِّزق من جهة محاشاة الوفاء ومُلابسة مَعرّة العار‏.‏

ثم نَظَرنا في تعقّب المُتعقّب لقولنا والكاسِر لحُجّتنا فأقَمنا له عًلَماً واضِحا وشاهِداً قائماً ومنارًا بيِّناً إذ وَجَدْنا مَن فيه السُّفوليةَ الواضحة والمَثالب الفاضحة والكَذِب المُبرِّح والخُلْفَ المُصَرّح والجَهالة المُفْرطة والرِّكاكة المُسْتَخِفّة وضَعْف اليقين والاستيثاب وسرْعة الغَضب والخِفّة قد استُكْمل سروره واعتدلت أمورُه وفاز بالسِّهْم الأغْلب والحظّ الأوْفر والقَدْر الرَّفيع وَالجَواب الطّائع والأمر النافِذ إن زلّ قيل حَكُم وإنْ أخطأَ قيل أصاب وإن هَذَى في كَلامه وهو يَقْظان قيل رُؤْيا صادِقة في سِنَة مُباركة فهذه حُجّتنا ‏"‏ أبقاك اللّه ‏"‏ على مَن زَعم أنّ الجهْل يَخْفِضُ وأن الحُمق يَضَع وأنّ النَّوْك يُرْدي وأن الكَذِب يَضُر وأنّ الخُلفَ يُزْرِي‏.‏

ثم نَظَرْنا في الوَفاء والأمانة والنُّبْل والبَراعة وحُسْن المَذْهب وكماله المُروءَة وسَعة الصَّدْر وقلّة الغَضب وكَرِم الطبيعة والفائق في سَعة عِلْمه والحاكم على نَفْسه والغالِب لِهَواه فَوَجدنا فُلان بن فلان ثم وَجدنا الزَّمان لم يًنْصفه من حقّه ولا قامَ له بوَظائف فرْضه‏.‏

وَوَجَدْنا فضائلَه القائمة له قاعدهً به‏.‏

فهذا دليلٌ على أنّ الطًلاح أجدَى من الصَّلاح وأنّ الفَضْل قد مَضى زمانُه وعَفَت آثارُه وصارت الدائرة عليه كما كانت الدائرة على ضدّه وَوَجدْنا العَقْلَ يَشْقى به قرينُه كما أن الجَهْل والحمْق يَحْظَى به خَدِينُه‏.‏

وَوَجدْنا الشعرَ ناطقاً على الزَّمان ومُعْرباً عن تَحَامَقْ مع الحَمْقَى إِذا ما لَقيتَهمِ ولاقِهمُ بالجَهْل فعْلَ أخِي الجَهْل وخَلِّط إذا لاقَتْ يوماً مُخَلِّطا يُخَلِّط في قَوْلٍ صَحيح وفي هَزْل فإنِّي رأيتُ المَرْء يَشْقَى بعَقْلِه كما كان قبلَ اليوم يَسْعد بالعَقْل فبقيتُ أبقاك الله مثلَ مَن أصبح على أَوْفاز ومن النُّقلة على جهَاز لا تَسوغ له نِعْمة ولا يُطعم عَيْنيه غَمْضة في أهاويل يُباكره مكْرُوهها وتُراوحه عقابيلُها فلو أنّ الدُّعاءَ أجيب والتَضرًع سُمع لكانت الهَدّة العُظمى والرَّجفة الكبرى فليتَ الذي يا أخي ما أَستَبْطئه من النّفْخة ومن فَجْأَة الصَّيحة قُضي فحان وأذن به فكان فواللهّ ما عُذبت أُمةٌ برَجفة ولا ريح ولا سَخْطة عذابَ عَينيّ برُؤْية المُغايظة المُضْنية والأخبار المُهلكة كأنّ الزَّمان توكَّل بعَذَابي أو انتصب لإيلامي فما عَيْشُ مَن لا يُسَر بأخ شقيق ‏"‏ ولا خِدْن شفيق ‏"‏ ولا يَصْطبح في أوَّل نهارِه إلا برُؤية من تُكْره ‏"‏ رؤيتُه ‏"‏ ونَغمة من تَغُمه طَلْعته فبدَّل الله ‏"‏ لي أي أخي بالمسكن مَسكنا وبالرَّبع رَبْعا فقد طالت الغُمة وواطنت الكُرْبة ادلهمتْ الظُّلمة وخَمد السِّراج وتَباطأ الانفِراج‏.‏

‏"‏ والسلام ‏"‏‏.‏