الجزء الأول - كتاب المرجانة في مخاطبة الملوك - رد المأمون على الملحدين وأهل الأهواء

رد المأمون على الملحدين وأهل الأهواء

قال المأمون للثَّنوي الذي تكلّم عنده‏:‏ أَسألك عن حَرْفين لا أَزيد عليهما هل نَدِم مُسيء قط على إساءته قال‏:‏ بلى قال‏:‏ فالندَّم على الإساءة إساءةٌ أم إحسان قال‏:‏ بل إحسان قال‏:‏ فالذي نَدِم هو الذي أساء أم غَيْره قال‏:‏ بل هو الذي أساء قال‏:‏ فأرَى صاحبَ الخَيْر هو صاحبُ الشر قال‏:‏ فإني أقول‏:‏ إن الذي نَدِم غير الذي أساء قال‏:‏ فنَدِم على شيء كان منه أم على شيء كان من غَيْره فسكت‏.‏

قال له أيضاً‏:‏ أخبرني عن قولك باثنين هل يَستطيع أحدُهما أن يَخلُق خلقاً لا يَستعين فيه بصاحبه قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فما تَصنع باثنين واحدٌ يَخلق كلَّ شيء خيرٌ لك وأصح‏.‏

وقال المأمون للمُرتد الخراسانيّ الذي أسلم على يَدَيه وحمله معه إلى العِراق فارتدَ عن الإسلام‏:‏ أَخبرني ما الذي أَوْحَشك مما كنتَ به آنساً من دِيننا فواللّه لأن أستحييك بحق أحبّ إليَّ من أن أقتلُك بحق وقد صِرْتَ مُسلماً بعد أن كنت كافراً ثم عُدت كافراً بعد أن صِرْت مُسلماً وإن وجدتَ عندنا دواءً لدائك تداويتَ به وإن أخطأك الشفاء وتَباعد عنك كنتَ قد أبليتَ العُذْر في نَفْسك ولم تُقَصرِّ في الاجتهاد لها فإن قتلناك قَتَلْناك في الشَّريعة وترجع أنت في نفسك إلى الاستبصار واليَقين ولم تُفَرِّط في الدُّخول من باب الحزْم قال المرتد‏:‏ أوْحشني منكم ما رأيتُ من كثرة الاختلاف في دِينكم قال المأمون‏:‏ لنا اختلافان‏:‏ أحدُهما كاختلافِنا في الآذان وتكبير الجنائز وصلاة العِيدين والتشهّد والتَّسليم من الصلاة ووُجوه القراآت واختلاف وُجوه الفُتيا وما أشبه ذلك وهذا ليس باختلاف وإنما هو تخيير وتَوْسعة وتخفيف من السنَّة فمن أذِّن مَثنى وأقام مَثْنى لم يَأثم ومَن ربع لم يأثم‏.‏

والاختلاف الآخر كنَحْو اختلافنا في تأويل الآية من كتاب الله وتأويل الحديث عن نبيّنا مع اجتماعنا على أصل التنزيل واتفاقنا على عَينْ الخبر فإن كان إنما أوْحشك هذا فينبغي أن يكون اللفظُ بجميع التوراة والإنجيل متفقاً على تأويله كما يكون متفقاً على تَنزيله ولا يكون بين اليهود والنَّصارى اختلافٌ في شيء من التأويلات ولو شاء الله أن يُنزِّل كًتبه مُفَسَرة ويجعل كلامَ أنبيائه ورسله لا يُختلف في تأويله لفَعل ولَكنَّا لم نجد شيئاً من أمور الدَين والدُنيا وقع إلينا على الكِفاية إلا معِ طُولِ البحث والتَحْصيل والنَّظر ولو كان الأمر كذلك لسَقَطت البَلْوى والمِحن وذهَب التفاضل والتبايُن ولمَا عُرف الحازم من العاجز ولا الجاهل مِن العالم وليس على ‏"‏ هذا ‏"‏ بُنِيت الدنيا‏.‏

قال المُرتد‏:‏ أشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له وأن المَسيح عبدُ اللّه وأنَّ محمداً صادق وأنك أمير المؤمنين ‏"‏ حقّا ‏"‏‏.‏

وقال المأمون لعليّ بن موسى الرِّضا‏:‏ بِمَ تَدَّعون هذَا الأمر قال‏:‏ بقرابة عليّ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وعلى آله وبقرابة فاطمة منه ‏"‏ فقال له المأمون‏:‏ إنْ لم يكن ها هنا إلا القرابة فقد خَلف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من أهل بَيته مَن كان أقربَ إليه من عليّ أو مَن في مِثل قُعْدُده وإن كان بقرابة فاطمة من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإن الحق بعد فاطمة للحسن والحسين وليس لعلي في هذا الأمر حق وهما حيان فإذا كان الأمر كذلك فإن عليًا قد ابتزَهما حقهما وهما صحيحان واستولى على ما لا يَجب له‏.‏

فما أجابه علي بن موسى بشيء‏.‏

كتب واصل بنُ عَطاء الغزّال إلى عمرو بن عُبيد‏:‏ أما بعد فإنّ استلاب نِعمة العبد وتَعْجيل المُعاقبة بيد اللّه ومهما يكن ذلك فباستكمال الآثام والمُجاوَرة للجِدال الذي يحُول بين المرء وقَلْبه وقد عرفتَ ما كان يُطعن به عليك وُينسب إليك ونحن بين ظَهْراني الحسن بن أبي الحسن رحمه اللّه لاسْتِبْشاع قُبْح مَذْهبك نحن ومَن قد عرفتَه من جميع أصحابنا وُلمَّة إخواننا الحاملين الواعين عن الحسن فللّه تلكم لمَّة وأوْعياء وحَفَظة ما أدمثَ الطبائع وأرزن المجالس وأبينَ الزُّهد وأصدقَ الألسنة اقتدَوْا والله بمن مَضى شَبهًا بهم وأخذوا بهَدْيهم‏.‏

عَهدي واللهّ بالحسن وعَهدكم به أمس في مَسْجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرقيّ الأجنحة وآخر حديث حدَّثنا إذ ذَكر الموت وهول المُطَّلع فأسف على نفسه واعترف بذنبه ثم التفت واللّه يَمنة ويسرة مُعتبرًا باكيًا فكأني أنظر إليه يمسَح مُرْفَض العَرق عن جبينه ثم قال‏:‏ اللهم إني قد شَددْت وَضِين راحلتي وأخذت في أَهبة سَفَري إلى محلّ القبر وفَرْش العَفْر فلا تؤاخذني بما ينسبون إليَّ من بعدي اللهم إني قد بلَّغْت ما بَلغني عن رسولك وفسَّرت من مُحْكم تأويلك ما قد صَدًقه حديثُ نبيّك ألا وإني خائفٌ عَمْرا ألا وإني خائف عَمْرا شكاية لك إلى ربِّه جَهراً وأنت عن يمين أبي حُذيفة أقر بنا إليه وفد يلغني كبير ما حمّلته نفسَك وقَلّدته عنقك من تَفسير التنزيل وعبارة التأويل ثم نظرتُ في كتبك وما أدّته إلينا روايتك من تنقيص المعاني وتفريق المَباني فدلَت شكاية الحسن عليك بالتَّحقيق بظهور ما ابتَدَعت وعظيم ما تحمَّلت فلا يَغْرْرك ‏"‏ أي أخي ‏"‏ تَدْبيرُ مَن حولك وتعظيمهم طولَك وخَفضهم أعينهم عنك إجلالاً لك غداً واللّه تمضي الخُيلاء والتفاخر وتُجْزى كلّ نَفْس بما تَسعى ولم يكُن كتابي إليك وتَجليبي عليك إلا لتَذْكيرك بحديث الحسن رحمه اللهّ وهو آخر حَديث حدّثناه فأَدِّ المَسموع وانطق