الجزء الأول - كتاب المرجانة في مخاطبة الملوك - باب من أخبار الخوارج

باب من أخبار الخوارج

لما خرجت الخوارجُ عَلَى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وكانوا من أصحابه وكان مِن أمر الحَكمين ما كان واختِداع عمرو لأبي مُوسى ‏"‏ الأشعريّ ‏"‏ قالوا‏:‏ لا حُكْم إلا للهّ‏.‏

فلما سمع عليٌ رضي اللهّ عنه نِداءهم قال‏:‏ كلمة حق يراد بها باطل وإنما مَذْهبهم أن لا يكون أمير ولا بُدَ من أمير بَرًّا كان أو فاجرًا‏.‏

وقالوا لعليّ‏:‏ شككتَ في أمرك وحكَّمت عدوّك في نَفْسك‏.‏

وخرجوا إلى حَرُوراء وخرج إليهم عليٌّ رضي الله عنه فخَطَبهم متوكِّئاً على قوْسه وقال‏:‏ هذا مَقام مَن أفلح فيه أَفلح يومَ القيامة أنْشُدكم اللهّ هل عَلِمتم أنّ أحداً كان أكرَه للحكومة منِّي قالوا‏:‏ اللهم لا ‏"‏ قال‏:‏ أفعلتم أنكم أكرهتموني عليها حتِى قبِلْتُها قالوا‏:‏ اللهم نعم ‏"‏ قال‏:‏ فعلامَ خالفتُموني ونابذتموني قالوا‏:‏ إنَّا أتينا ذنباَ عظيما فتُبْنا إلى اللهّ منه فتُب إلى اللهّ منه واْستغفره نُعدْ إليك‏.‏

فقال عليٌ‏:‏ إني أستغفر الله من كلّ ذنب فرَجَعوا معه وهم في ستّة آلاف‏.‏

فلما استقرُّوا بالكوفة أشاعُوا أن عليَاً رَجع عن التحكيم وتاب منه ورآه ضلالاً‏.‏

فأتى الأشعثُ بن قيس عليَاً رضي اللهّ عنه فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنّ الناس قد تحدثوا أنك رأيتَ الحكومة ضلالاً والإقامة عليها كُفْراً وتُبْت‏.‏

فخطب عليٌ الناس فقال‏:‏ مَن زَعم أني رجعتُ عن الحكومة فقد كذَب ومَن رآها ضلالاً فهو أضلّ منها‏.‏

فخرجت الخوارج من المسجد فحكّمت فقيل لعليّ‏:‏ إنهم خارجون ‏"‏ عليك ‏"‏ فقال‏:‏ لا أقاتلهم حتى يقاتلوني وسيَفعلون‏.‏

فوَجّه إليهمٍ عبدَ الله بن العبّاس فلما سار إليهم رحَّبوا به وأكرموه فرأى لهم جباهًا قَرِحة لطول السجود وأيديًا كثَفِنات الإبل وعليهم قمُص مُرْحَضة وهم مُشمِّرُون فقالوا‏:‏ ما جاء بك يا بن عبّاس قال‏:‏ جِئتكم من عند صِهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه وأَعْلمنا برّبه وسنة نبيّه ومن عند المهاجرين والأنصار فقالوا‏:‏ إنا أتينا عظيماَ حين حَكّمنا الرجالَ في دين اللّه فإن تاب كما تُبْنا ونهض لمًجَاهدة عدوّنا رَجعنا‏.‏

فقال ابن عبّاس‏:‏ نَشدتكم الله إلا ما صَدَقتم أنفسَكم أمَا عَلمتم أنَّ الله أمر بتَحْكيم الرِّجال في أَرْنب تُساوي رُبع درْهم تًصَاد في الحَرَم وفي شِقاق رجل وامرأته فقالوا‏:‏ اللهم نعم قال‏:‏ فأنشُدكم اللّه هل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمْسك عن القِتال للهُدنة بينه وبين أهل الحُدَيبية قالوا‏:‏ نعم ولكن عليًّا مَحا نفسَه من خِلافة المسلمين قال ابن عبّاس‏:‏ ليس ذلك يُزِيلها عنه وقد مَحا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ اسمه ‏"‏ من النبوَّة وقال سُهَيل بن عمرو‏:‏ لو عَلمتُ أنك رسول الله ما حاربتُك فقال للكاتب‏:‏ اكتُب‏:‏ محمد بن عبد الله‏.‏

وقد أخذ على الحَكَمين أن لا يَجُورا ‏"‏ وإِن يَجُورا ‏"‏ فعليٌّ أوْلى من مُعاوية وغيره قالوا‏:‏ إنّ مُعاويةَ يدَّعي مثلَ دعوى عليّ قال فأيُّهما رأيتُموه أوْلى فولُوه قالوا‏:‏ صدقتَ‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ ومتى جار الحَكَمان فلا طاعة لهما ولا قَبُول لقولهما‏.‏

فاتَّبعه منهم ألفان وبَقي أربعة آلاف‏.‏

فصلّى بهم صلاتَهُم ابن الكَوّاء وقال‏:‏ متى كانت حرب فرئيسُكم شَبَث بن رِبْعِيّ الرِّياحي‏.‏

فلم يَزالوا على ذلك حتى أجْمعوا على البَيعة لعَبد الله بن وَهْب الرَّاسبيّ فخرج بهم إلى النَّهروان فأوْقع بهم عليّ فقَتل منهم ألفين وثمانمائة وكان عددُهم ستةَ آلاف وكان منهم بالكوفة زُهاء ألفين ممن يُسِرّ أمره فخرج منهم رجلٌ بعد أن قال عليٌّ رضي اللهّ عنه‏:‏ ارجعوا وادفعوا إلينا قاتلَ عبد الله بن خَبّاب قالوا‏:‏ كلّنا قَتله وشرك في دَمه وذلك أنهمٍ لما خرجوا إلى النَّهْروان لقُوا مُسْلمًا ونَصرانيا فقتلوا المُسْلم وأوْصَو‏!‏ بالنصرانيّ خَيرا وقالوا‏:‏ احفظًوا ذمّة نبيّكم‏.‏

ولقُوا عبدَ الله بن خبّاب وفي عُنقه المُصحف ومعه امرأته وهي حامل فقالوا‏:‏ إنّ هذا الذي في عنقك يأمرنا بقَتلك فقال لهم‏:‏ أحْيوا ما أحْيا القُرآن وأميتوا ما أمات القرآن قالوا‏:‏ حَدِّثنا عن أبيك قال‏:‏ حدَّثني أبي قال‏:‏ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ تكون فتنة يموت فيها قلبُ الرجل كما يموت بدنه يمسى مؤمناً ويُصبح كافرًا فكُن عبدَ اللهّ المقتول ولا تكن عبدَ اللهّ القاتلَ قالوا‏:‏ فما تَقول في أبي بكر وعمر فأثنى خيراً ‏"‏ قالوا‏:‏ فما تقول في عليّ قبل التحكيم وفي عثمان فأثنى خيراً ‏"‏ قالوا‏:‏ فما تقول في الحكومة والتحكيم قال‏:‏ أقول‏:‏ إنَّ عليًّا أعلمُ بكتاب اللهّ منكم وأشد تَوقِّيا على دينه وأبعد بصيرةً قالوا‏:‏ إنك لستَ تتَّيع الهدى بل الرجالَ على أسمائها ثم قَرَّبوه إلى شاطئ البَحر فذَبحوه فا مذَقَرَّ دمُه أي جَرى مستقيماً على دقة وسامُوا رجلاً نَصْرانيا بنَخْلة فقال‏:‏ هي لكم هِبَة قالوا‏:‏ ما كُنَّا نأخذها إلا بثَمن فقال‏:‏ ما أَعجبَ هذا‏!‏ أتقتلون مثلَ عبد الله بن خبّاب ولا تَقبلون منا ‏"‏ جنَى ‏"‏ نخْلة إلا بثَمن‏!‏ ثم افترقت الخوارج على أربعة أضرب‏:‏ الإباضية أصحاب عبد اللهّ بن إباض والصُّفرية واختلفوا في نَسبهم فقال قوم‏:‏ سُمُّوا بابن الصفار وقال قوم‏:‏ نهكتهم العبادة فاصفرّت وجوهُهم ومنهم البَيْهسية وهم أصحاب ابن بَيْهس ومنهم الأزارقة أصحاب نافع بن الأزرق الحنفي وكانوا قبلُ على رَأْيٍ واحد لا يختلفون إلا في الشيء الشاذّ‏.‏

فبلغهم خروج مُسلم بن عُقبة إلى المدينة وقَتْلُهُ أَهلَ حَرَّة وأنه مُقبل إلى مكة فقالوا‏:‏ يجب علينا أن نمنعَ حَرَم الله منهم ونمْتَحن ابن الزبير فإن كان على رأينا تابعناه‏.‏

فلما صاروا إلى ابن الزبير عرَّفوه أنفسهم وما قَدِموا له فأظهر لهم أنه على رأْيهم حتى أتاهم مُسلم بن عُقبة وأهل الشام فدافعوه إلى أن يأتي رأْيُ يزيدَ بنِ مُعاوية ولم يُتابعوا ابن الزُّبير ثم تناظَروا فيما بينهم فقالوا‏:‏ نَدخل إلى هذا الرجل فنْظر ما عنده فإن قَدّم أبا بكر وعمر وبَرِىء من عُثمان وعليّ وكَفر أباه وطَلْحة بايعناه وإن تكُن الأخرى ظَهر لنا ما عنده وتَشاغلنا بما يجديِ علينا‏.‏

فدخلوا على ابن الزًّبير وهو مُتَبذل وأصحابه مُتفرقون عنه فقالوا له‏:‏ إنَا جِئناك لتُخْبرنا رأْيَكَ فإن كنتَ على صواب بايعناك وإن كنتَ على خلافة دَعَوْناك إلى الحق ما تقولُ في الشَّيخين قال‏:‏ خيرًا قالوا‏:‏ فما تقول في عُثمان الذي حَمَى الحِمَى وآوى الطَّريد وأظهر لأهل مِصرْ شيئاً وكَتب بخلافه وأوطأ آلَ بني مُعيط رِقابَ الناس وآثرهم بَفيْء المُسلمين وفي الذي بعده الذي حكّم ‏"‏ في دين اللّه ‏"‏ الرجالَ وأقام على ذلك عيرَ تائب ولا نادم وفي أبيك وصاحبه وقد بايعا عليًّا وهو إمام عادل مَرْضي لم يَظْهر منه كُفر ثم نكَثَا بَيْعته وأخرجا عائشة تُقاتل وقد أمرها الله وصَواحبَها أن يَقرنْ في بُيوتهن وكان لك في ذلك ما يَدْعوك إلى التَّوْبة فإن أنتَ قبِلت كلّ ما نقول ‏"‏ لك ‏"‏ فلك الزُّلفي عند اللهّ والنصر على أيدينا إن شاء الله ونَسألُ الله لك التوفيقَ وإن أبَيتَ خَذلك الله والنصر منك بأيدينا‏.‏

فقال ابن الزبير‏:‏ إنّ الله أمر وله العِزّة والقُدرة في مخاطبة أكْفر الكافرين وأَعتَى العانين بأَرقَّ من هذا القول فقال لموسى وأخيه صلى الله عليهما‏:‏ ‏"‏ اذهبا إلى فِرْعَوْنَ إنِّهُ طَغَى فقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعًلّهُ يَتذكَّر أَوْ يَخْشىَ ‏"‏‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تُؤذوا الأحياء بسَبّ المَوْتىَ ‏"‏‏.‏

فنهى عن سبّ أبي جَهل من أجل عِكْرمة ابنه وأبو جهل عدوّ الله وعدوّ رسوله والمُقيم على الشِّرك والجادّ في محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم قَبل الهجرة والمُحارب له بعدَها وكفي بالشِّرك ذَنْبًا وقد كان يُغْنيكم عن هذا القول الذي سمَّيتم فيه طلحة وأَبي أن تقُولُوا‏:‏ أتَبرأ من الظالمين فإن كانا منهم دخَلا في غُمَار الناس وإن لم يكونا منهم لم تُحْفِظوني بسبّ أبي وصاحبه وأنتم تَعلمون أنّ اللهّ جلّ وعزّ قال للمُؤْمن في أبويه‏:‏ ‏"‏ وَإنْ جاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصاحِبْهُمَا في الدًّنْيَا مَعْرًوفاً ‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ وَقُولُوا للَنَّاس حُسْنًا ‏"‏‏.‏

وهذا الذي دعوتُم إليه أمرٌ له ما بعده وليس يُقْنعكم إلا التَّوقيف والتَّصْريح ولَعَمْري إنّ ذلك أحرَى بِقَطْع الْحجج وأَوْضَح لمنهاج الحقّ وأوْلَى بأن يَعرف كلٌّ صاحبَه من عدوِّه فَرُوحوا إليَّ من عَشِيَّتكم هذه أكْشف لكم ما أنا عليه إن شاء الله تعالى‏.‏

فلمَّا كان العشي راحُوا إليه فخَرج إليهم وقد لبِس سلاحه فلما رأى ذلك نَجْدةُ قال‏:‏ هذا خُروج منا بذلكم فجلس على رَفَع من الأرض فحمد اللّه وأثنى عليه وصلىّ على نبيّه ثم ذكراً أبا بكر وعُمر أحسنَ ذِكْر ثم ذكر عُثمان في السِّنين الأوائل من خِلافته ثم وصلهنّ بالسّنين التي أنكروا سِيرتَه فيها فجعلها كالماضية وأخبر أنه آوى الحَكَم بن أبي العاصي بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذَكر الحِمَى ومما كان فيه من الصَّلاح وأن القومَ آستعتبوه ‏"‏ من أمور ‏"‏ ما كان له أن يَفعلها أوّلاً مصيِبِا ثم أعتبهم بعد ذلك مُحسناً وأن أهل مصر لما أتوه بكتاب ذكروا أنه منه بعد أن ضمِن لهم العُتْبى ثم كُتب ذلك الكتابُ بقَتْلهم فدَفعوا الكتابَ إليه فَحَلف باللّه أنه لم يكتبه ولم يأْمر به وقد أَمر الله عزّ وجلّ بقبول اليمين ممَّن ليس له مثل سابقته مع ما اجتَمع له من صِهْر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانه ‏"‏ من ‏"‏ الإمامة وأنّ بَيعة الرِّضوان تحت الشجرة إنما كانت بِسبَبه وعثمان الرجل الذي لَزِمَتْه يمينٌ لو حَلَف عليها لَحَلَف على حقّ فافتَدَاها بمائة ألف ولم يَحْلِف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع‏:‏ ‏"‏ مَن حَلَف باللّه فلْيَصدُق ومن حُلِف له باللّه فليقْبل ‏"‏‏.‏

وعُثمان أمير المؤمنين ‏"‏ كصاحبيه ‏"‏ وأنا وليّ وليّه وعدوّ عدوّه وأبي وصاحبه صاحبَا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ورسول الله ‏"‏ يقول ‏"‏ عن اللّه ‏"‏ عزّ وجلّ يومَ أُحد لما قُطعت إصْبع طَلْحَة‏:‏ ‏"‏ سَبَقته إلى الجنة ‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ أوْجب طلحة ‏"‏‏.‏

وكان الصِّديق إذا ذُكر يومَ أُحد قال‏:‏ ذلك يوم كلّه ‏"‏ أو جُلّه ‏"‏ لطلحة‏.‏

والزُّبير حواريَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصَفْوته وقد ذكر أنه في الجنّة وقال عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ لَقَدْ رَضيَ الله عَنِ المؤمنينَ إذْ يُبَايعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَة ‏"‏‏.‏

وما أخبرَنا بعدُ أنه سَخِط عليهم وإن يكن ما صَنعوا حقًّا فأهل ذلك هم وإن يكن زلّة ففي عَفو الله تَمحِيصُها وفيما وَفَّقهم له من السابقة مع نبيّهم صلى الله عليه وسلم ومهما ذَكَرتموهما به فقد بَدَأْتم بأًمِّكم عائشة فإن أبَى آبٍ أن تكون له أمًّا نَبَذ اسم الإيمان عنه وقد قال جلّ ذِكْره‏:‏ ‏"‏ النَّبِيُّ أَوْلَى باْلمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِم وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ‏"‏‏.‏

فنظر بعضهم إلى بعض ثم انصرفوا عنه‏.‏

وكتب بعد ذلك نافعُ بن الأزرق إلى عبد الله بن الزُّبير يَدْعوه إلى أمره‏:‏ أمّا بعد فإني أحذِّرك من الله يومَ تَجد كلُّ نفس ما عَمِلَت من خَيْر مُحْضَرًا وما عَمِلَت من سُوء توَدّ لو أنّ بينها وبَينه أَمدًا بعيداً ‏"‏ ويُحَذِّركم الله نفسه ‏"‏‏.‏

فاتّق الله ربَّك ولا تَتَوَلّ الظالمين فإنّ الله يقول‏:‏ ‏"‏ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ ‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ لا يَتَّخِذ المُؤْمِنون الكافِرِينَ أوْليَاءَ مِنْ دونِ المُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْس مِنَ الله في شيَء ‏"‏‏.‏

وقد حضرتُ عثمانَ يومَ قُتِل فَلَعمري لئن كان قُتل مظلومًا لقد كفر قاتلوه وخاذِلُوه وإن كان قاتلوه مُهْتدين وإنهم لمُهْتدون لقد كفَر مَن تولاّه ونصرَه‏.‏

ولقد علمتَ أنّ أباك وطَلْحة وعليّاً كانوا أشدَّ الناس عليه وكانوا في أمره بين قاتل وخاذِل وأنت تتولى أباك وطلحة وعثمان فكيف ولاية قاتل مُتَعَمِّد ومَقتول في دين واحد ولقد ملك علىّ بعده فَنَفي الشُّبهات وأقام الحُدود وأَجْرى الأحكام مجاريها وأَعطى الأمور حقّها فيما عليه وله فبايَعه أبوك وطَلْحة ثم خَلعا بَيْعته ظالمين له وإن القَول فيك وفيهما لكما قال ابنُ عباس رحمه الله‏:‏ إن يكُن علِيّ في وقت مَعْصِيتكم ومُحاربتكم له كان مؤمنَاَ لقد كفَرتم بقتال المؤمنين وائمة العَدْل وإن كان كافراً كما زَعمتم وفي الحُكم جائراً فقد بُؤْتم بغضب من الله لفراركم من الزَّحف‏.‏

ولقد كنتَ له عدوًّا ولسيرته عائباً فكيف توليته بعد مَوته‏.‏

وكتب نجدةُ وكان من الصُّفرية القَعَديّة إلى نافع بن الأزرق لما بلغه عنه استعراضُه للناس وقَتْله الأطفال واستحلاله الأمانة‏:‏ بسم اللهّ الرحمن الرحيم صلى الله عليه وسلم أمّا بعد فإنّ عَهْدي بك وأنت لليتيم كالأب الرَّحيم وللضعيف كالأخ البَرّ لا تأخذك في الله لومةُ لائم ولا ترى معونة ظالم ‏"‏ كذلك كنتَ أنت وأصحابك أما تذكر قولَكَ‏:‏ لولا أني أعلمِ أنّ للإمام العاذل مِثلَ أجر جميع رعيّته ما تولّيت أمر رجلين من المسلمين ‏"‏ فلما شَرَيْتَ نفسك في طاعة ربّك ابتغاءَ رضوانه وأصبتَ من الحق فصَّه ‏"‏ وركبتَ مُرَّة ‏"‏ تَجَرّد لك الشيطانُ فلم يكن أحدٌ أثقلَ وطأةً عليه منك ومن أصحابك فاستمالك واستغواك فعَوِيتَ وأكفرت الذين عَذرهم الله في كتابه من قَعَدة المسلمين وَضعفتهمِ فقال جلَّ ثناؤه وقوله الحق ووعدُه الصِّدق‏:‏ ‏"‏ لَيْسَ عَلَى الضعفاءِ وَلاَ على المَرْضى وَلا عَلَى الذينَ لا يَجدُونَ مَا يُنْفِقونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للّه وَرَسُوله ‏"‏ ثم سمَّاهم أحسنَ الأسماء فقال‏:‏ ‏"‏ مَا عَلَى المحسِنِينَ مِنْ سَبِيل ‏"‏‏.‏

ثم استحللت قتلَ الأطفال وقد نَهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن قَتْلهم وقال جلَّ ثناؤه‏:‏ ‏"‏ وَلاَ تَزِرً وَازِرَةٌ وِزْرَ أًخْرَى ‏"‏‏.‏

وقال في القَعَد خيراً وفَضّل الله من جاهد عليهم ولا يدفع منزلةُ أكثر الناس عملاً منزلةَ مَن هو دُونه إلا إذا اشتركا في أصلٍ أو ما سمعتَ قوله تبارك وتعالى‏:‏ ‏"‏ لا يَسْتَوِى القَاعِدُون مِن المؤمِنين غيرُ أولَي الضّرَرِ والمُجَاهِدُونَ في سَبِيل الله ‏"‏ فجعلهم الله من المؤمنين وفَضّل عليهم المَجاهدين بأعمالهم ورأيتَ من رأيك أن لا تؤَدِّي الأمانة إلى مَن يُخالفك واللّه يأمرك أن تؤدي الأماناتِ إلى أهلها فإتق الله وانظُرْ لنفسك واتَّقَ يومًا لا يجزى والدٌ عن ولده ولا مَوْلود هو جازٍ عن والده شيئاً فإن الله بالمِرْصاد وحُكمه العدل وقوله الفصل والسلام‏.‏

فكتب إليه نافعُ بن الأزرق‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد‏:‏ فقد أتاني كتابُك تَعِظُني فيه وتُذكِّرني وتَنصحُ لي وتزجرُني وتصِفُ ما كنتُ عليه من الحق وما كنتُ أُوثرهُ من الصواب وأنا أسألُ الله أن يجعلني من الذين يَسْتمعون القولَ فيتبعون أحسنه‏.‏

وعِبْتَ على ما دِنْتُ به من إكفار القَعد وقَتل الأطْفال واستحلال الأمانة وسأفسِّر لك ‏"‏ لِمَ ‏"‏ ذلك إن شاء اللّه‏:‏ أما هؤلاء القَعد فليسوا كمن ذكرتَ ممن كان بِعَهْد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا بمكة مَقْهورين مَحْصورين لا يجدون إلى الهرب سَبيلاً ولا إلى الاتصال بالمُسلمين طريقاً وهؤلاء قد فَقُهوا في الدين وقرءوا القرآن والطريقُ لهم نَهَج واضح وقد عرفتَ ما يقول الله فيمن كان مِثْلهم إذ قال‏:‏ ‏"‏ إنَّ الّذَينَ تَوَفَّاهُمُ الملائِكةُ ظالمي أنْفُسِهِم قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ‏.‏

قَالوا كنا مُسْتَضْعَفينَ فيِ الأرْض‏.‏

قالوا أَلم تَكُنْ أرضُ الله وَاسعةَ فتُهاجرُوا فيها ‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ فَرحَ المُخَلَّفُون بمقعدهم خِلاف رسول الله وقال‏:‏ ‏"‏ وَجَاء الْمُعَذِّرًونَ مِنَ الأعرابِ لِيُؤْذَن لَهُمْ‏.‏

وَقَعَد الّذِين كَذَبُوا الله وَرَسُولَه ‏"‏ ‏"‏ فخبَّر بتَعْذِيرهم وأنهم كذبوا الله ورسولَه ‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ سَيُصِيبُ الذينَ كَفَروا منهُمْ عَذابٌ أَليم ‏"‏ فانظر إلى أسمائهم وسِمَاتهم‏.‏

وأما أمر الأطفال فإنّ نبيّ الله نُوحًا كان أَعرفَ باللهّ يا نَجْدةُ منّي ومنك قال‏:‏ ‏"‏ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرْض منَ الكافِرينَ دَيَّارًا‏.‏

إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إلاَّ فَاجِراً كَفَّارًا ‏"‏ فسماهم بالكفر وهم أطفال وقبل أن يُولَدُوا فكيف جاز ذلك في قوم نُوح ولا يجوز في قومنا واللّه يقول‏:‏ ‏"‏ أَكُفَّارُكم خَيْرٌ مِنْ أولَئِكُم أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ في الزُّبُر ‏"‏‏.‏

وهؤلاء كمشركي العرب لا تُقْبل منهم جِزْية وليس بيننا وبينهم إلا السيف أو الإسلام‏.‏

وأما استحلال الأمانات ممَّن خالفنا فإن الله عز وجلَّ أحلَّ لنا أموالهم كما أحل لنا دماءَهم فدماؤهم حَلال طِلْق وأموالهُم فَيْء للمُسْلمين فاتَّق اللهّ وراجِع نفسك فإنه لا عُذْر لك إلا بالتوبة ولا يَسَعك خِذْلانُنا والقُعود دوننا ‏"‏ وتَرْك ما نهجناه لك من طريقتنا ومقالتنا ‏"‏ والسلام على مَن أَقرَّ بالحق وعمل به‏.‏

وكان مِرْداس أبو بلال من الخوارج وكان مُستتراَ فلما رأى جِدَّ ابن زياد في قَتْل الخوارج وحَبْسهم قال لأصحابه‏:‏ إنه واللهّ لا يَسعنا المُقام بين هؤلاء الظالمين تَجْري علينا أحكامُهم‏!‏ مُجانبين للعدل مفارقين للعقل والله إنّ الصبرَ على هذا لَعَظيم وإنّ تَجريد السيف وإخافةَ السبيل لعظيم ولكنّا لا نَبْتدئهم ولا نُجرِّد سيفاً ولا نُقاتل إلا مَن قاتلنا‏.‏

فاجتمعِ عليه أصحابُه وهم ثلاثون رجلاً فأرادوا أن يُولّوا أمرَهم حُرَيث بن حَجْل فأبى فولّوا أمرَهم مِرداساً أبا بلال‏.‏

فلما مضى بأصحابه لَقِيه عبدُ الله بن رَبَاح الأنْصاري وكان له صديقاَ فقال له‏:‏ يا أخي أين تُريد قال‏:‏ أريد أن أهْرُب بديني ودين أصحابي هؤلاء من أَحكام هؤلاء الجَوَرة والظَّلمَة فقال له‏:‏ أَعَلِم بكم أحد قال‏:‏ لا قال‏:‏ فارجع قال أَوَ تخاف عليّ مكروهاً قال‏:‏ نعم ‏"‏ وأن يُؤْتى بك ‏"‏ قال‏:‏ فلا تَخَف فإنّي لا أجرِّد سيفاً ولا أخيف أحَداً ولا أقاتل إلا مَن قاتلني‏.‏

ثم مَضى حتى نزل آسَك وهوِ مَوْضع دون خُراسان فمرّ به مالٌ يُحمل إلى ابن زِيَاد وقد بلغ أصحابُه أربعين رجلاَ فحطَّ ذلك المالَ وأخذ منه عطاءَه وأعْطيات أصحابه وردّ الباقي على الرُّسل فقال‏:‏ قُولوا لصاحبكم إنّا قبضنا أعطياتِنا فقال بعضُ أصحابه‏:‏ فعلامَ نَدع الباقي فقال‏:‏ إنّهم يَقْسمون هذا الفَيْء كما يُقيمون الصلاة فلا نقاتلهم‏.‏

ولأبي بلال مِرْداس هذا أشعارٌ في الخُروجِ منها قولُه‏:‏ أبعدَ ابن وَهْب ذي النزاهة والتُّقىِ ومن خاضَ في تلك الحُروب المَهالِكَا أحِبّ بقاءً أو أُرَجِّي سَلامةً وقد قَتلوا زيدَ بن حِصْنٍ ومالكا فيا رَبِّ سَلِّمْ نِيّتي وبَصيرتي وهَبْ لي التّقَى حتى ألاقِي أولئكا وقالوا‏:‏ إنََّ رجلا من أصحاب زياد قال‏:‏ خرجنا في جَيْش نُريد خُراسان فمرَرْنا بآسَك فإذا نحن بمرْداس وأصحابه وهم أربعون رجلاً فقال‏:‏ أقاصدُون لقتالنا أنتم قُلْنا‏:‏ لا إنما نريد خُراسان قال‏:‏ فأبْلِغوا مَن لَقِيتم أنَّا لم نَخْرج لنُفْسد في الأرض ولا لنُروِّع أحداً ولكن هَرَبنا من الظُّلم ولَسْنا نُقاتل إلا مَن قاتَلنا ولا نأخذ من الفَيْء إلا أعطياتنا ثم قال‏:‏ أَنُدِب لنا أحد فقُلْنا‏:‏ نعم أسْلَم بن زُرْعة الكلابيّ قال‏:‏ فمتى تَرَوْنه يَصلُ إلينا قُلنا له‏:‏ يومَ كذا وكذا فقال أبو بلال‏:‏ حَسْبنا الله ونعم الوكيل‏.‏

ونَدَب عُبيد الله بن زياد أسلم بن زُرعة الكِلاَبيّ ووجّهه إليهم فيِ ألفين فلما صار إليهم صاح به أبو بلال‏:‏ اتق الله يا أسلم فإنا لا نُريد قتالا ولا نحْتجز مالا فما الذي تُريد قال‏:‏ أريد أن أردَّكم إلى ابن زياد قال‏:‏ إذاً يقتلنا قال‏:‏ وإنْ قَتلكم قال‏:‏ أفَتَشْركه في دمائنا قال‏:‏ نعم إنه مُحق وأنتم مُبْطلون قال أبو بلال‏:‏ وكيف هو مُحق وهو فاجر يُطيع الظَّلمة‏.‏

ثم حَملوا عليه حملةَ رجل واحد فانهزم هو وأصحابه‏.‏

فلما وَرد على ابن زياد غَضَب عليه غَضباً شديداً وقال‏:‏ انهزمت وأنت في ألفين عن أَربعين رجلا‏!‏ قال له أسلم‏:‏ واللّه لأن تَذُمَّني حيّا أحبًّ إليَّ من أن تَحمَدني مَيِّتاً‏.‏

وكان إذا خرج إلى السوق ومرَّ بالصبيان صاحُوا به‏:‏ أبو بلال وراءك حتى شكا إلى ابن زياد فأمر الشّرط أن يكفّوا الناسَ عنه‏.‏

رد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه على شوذب الخارجي الهيثم بن عَدِيّ قال‏:‏ أخبرنى عَوانة بن الحَكم عنِ محمد بن الزُّبير قال‏:‏ بَعثني عمر بن عبد العزيز مع عَوْن بن عبد الله بن مَسْعود إلى شوْذَب الخارجيّ وأصحابه إذ خرجوا بالجزيرة وكتب معنا كتاباً فقَدِمنا عليهمِ ودَفعنا كتابَه إليهم فبَعثوا معنا رجلاً من بني شَيْبان ورجلاً فيه حَبشيّة يقال له شوْذَب‏.‏

فقدما معنا على عمرَ وهو بخِنَاصرة فصَعِدْنا إليه وكان في غُرْفة ومعه ابنه عبدُ الملك وحاجبُه مُزاحم فأخبرناه بمكان الخارجيين فقال عمر‏:‏ فتِّشوهما لا يَكُن معهما حديد وأدخلوهما فلما دخلا قالا‏:‏ السلامُ عليكم ثم جلسا فقال لهما عمر‏:‏ أخْبراني ما الذي أخْرجكم عن حُكْمي هذا وما نَقِمْتم علي فتكلَّم الأسود منهما فقال‏:‏ إنَّا واللّه ما نَقِمْنا عليك في سِيرتك وتَحَرِّيك العَدْل والإحسان إلى مَن وَليت ولكنَّ بيننا وبينك أمراً إن أعطيتَناه فنحن منك وأنت منَّا وإن مَنَعْتناه فلستَ منا ولسنا منك قال عمر‏:‏ ما هوِ قالا‏:‏ رأيناك خالفتَ أهلَ بيتك وسَمَّيتها مظالم وسلكت غيرَ طريقهم فإن زعمتَ أنك على هُدى وهم على ضلال فالْعَنهم وابرأ منهم فهذا الذي يَجمع بيننا وبينك أو يُفرِّق‏.‏

فتكلم عمر فَحَمِد الله وأثنى عليه ثم قال‏:‏ إني قد علمتُ أو ظننتُ أنكم لم تَخْرجوا مخرجكم هذا لطلب الدنيا ومَتاعها ولكنَّكم أردتم الآخرة فأخطأتم سبيلَها وإني سائُلكما عن أمر فباللّه اصْدقاني فيه مَبلغ عِلْمكما قالا‏:‏ نعم قال‏:‏ أخبراني عن أبي بكر وعُمر أليسا من أسلافكما ومَن تتولَّيان وتَشْهدان لهما بالنجاة قالا‏:‏ اللهم نعم قال‏:‏ فهل عَلِمْتما أنّ أبا بكر حين قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم له فارتدّت العرب قاتلَهم فَسَفك الدِّماء وأخذ الأموال وسَبَى الذراري قالا‏:‏ نعم قال فهل عَلمتم أنّ عمر قام بعد أبي بكر فردّ تلك السَّبايا إلى عشائرها قالا‏:‏ نعم قال‏:‏ فهل بَرِىء عمر من أبي بكر أو تَبْرءون أنتم من أحد منهما قالا‏:‏ لا قال‏:‏ فأخبراني عن أهل النَّهروان أَليْسوا من صالحي أسلافكم وممَّن تَشْهدون لهم بالنجاة قالا‏:‏ نعم قال‏:‏ فهلِ تَعلمون أنّ أهل الكوفة حين خرجوا كَفوا أيديَهم فلم يَسْفكوا دماً ولم يُخيفوا آمناَ ولم يأخذوا مالا قالا‏:‏ نعم قال‏:‏ فهل علمتم أن أهل البَصْرة حين خَرجوا مع مِسْعَر بن فُدَيك استعرضوا الناس يَقْتلونهم ولَفوا عبد الله بن خبّاب بن الأرَتّ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلوه وقتلوا جاريتَه ثم قتلوا النّساء والأطفال حتى جعلوا يُلْقونهم في قُدُور الأقْط وهي تفور قالا‏:‏ قد كان ذلك قال‏:‏ فهل بَرِىء أهلُ الكوفة من أهل البصرة قالا‏:‏ لا قال‏:‏ فهل تَبرءُون أنتم من إحدى الفِئتين قالا‏:‏ لا قال‏:‏ أَفرأَيتم الدِّين إليس هو واحد أَم الدِّين اثنان قالا‏:‏ بل واحدة قال‏:‏ فهل يَسعكم منه شيء يُعْجِزني قالا‏:‏ لا قال فكيف وَسِعكم أن تولَّيتم أبا بكر وعُمرِ وتولَّى كلُّ واحد منهما صاحبَه وتولَّيتم أهلَ الكوفة والبَصرة وتولَّى بعضُهم بعضاَ وقد اختلفوا في أعْظم الأشياء‏:‏ الدِّماء والفُروج والأموال ولا يَسَعني إلا لَعْن أهل بَيْتي والتبرُؤ منهم أو رأيتَ لَعْنَ أهل الذُّنوب فَريضةً لا بدّ منها فإنْ كان ذلك فمتى عَهْدك بلَعْن فِرْعون وقد قال‏:‏ أَنَا ربًّكم الأعلى قال‏:‏ ما أذكُر أني لعنتُه قال‏:‏ ويحك‏!‏ أيسَعك أن لا تَلْعن فِرْعون وهو أخبث الخَلْق ولا يَسَعُني إلا أن ألعن أهلَ بَيْتي والبراءةُ منهم ويحكم‏!‏ إنكم قَوْم جُهَّال أردتم أمراً فأخطأتموه فأنتم تَردّون على الناس ما قَبل منهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَعثه اللهّ إليهم وهم عَبَدَة أوثان فدعاهم إلا أن يخلعوا الأوثان وأن يَشهدوا أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً عبدُه ورسولُه فمن قال ذلك حَقَن بذلك دَمَه وأحْرز مالَه ووَجبت حُرمَتُه وأَمِن به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إِسوة المُسلمين وكان حسابُه على اللّه أفلستم تَلقَون مَن خَلع الأوْثان ورَفَض الأديان وشَهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله تَسْتحلون دَمَه ومالَه وُيلْعن عندكم ومَن تَرَك ذلك وأباه من اليهود والنَّصارى وأهلِ الأديان فَتُحَرِّمون دَمَه ومالَه ‏"‏ ويأمن عندكم ‏"‏ فقال الأسود‏:‏ ما سمعتُ كاليوم أحداَ أبين حُجّة ولا أقرب مَأْخذاً أمّا أنا فأشهد أنك على الحق وأني بَرِيءٌ ممن بَرِىء منك‏.‏

فقال عمر لصاحبه‏:‏ يا أخا بني شَيْبان ما تقول أنت قال‏:‏ ما أَحسَنَ ما قُلْتَ ووصفتَ غير أني لا أفتات على الناس بأمْر حتى أَلقاهم بما ذكرتَ وأنظر ما حُجّتهم قال‏:‏ أنت وذاك‏.‏

فأقام الحَبشيّ مع عمر وأمر له بالعَطاء فلم يَلْبث أن مات ولَحِق الشَّيباني بأصحابه فقُتل معهم بعد وفاة عُمر ‏"‏ رضي الله عنه ‏"‏‏.‏

وذُكر رجلٌ عند النبي صلى الله عليه وسلم فَذَكروا فضلَه وشِدَة اجتهاده في العِبادة‏.‏

فبينما هم في ذِكْره حتى طَلَع عليهم الرجلُ فقالوا‏:‏ يا رسولَ اللّه هو هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أما إني أرى بين عَيْنيه سَفْعة من الشَّيطان فأقبل الرجلُ حتى وقف فسلّم عليهم فقال‏:‏ هل حَدَّثتك نفسُك إذ طلعتَ علينا أنه ليس في القوم أحسن منك قال نعم ثم ذهب إلى المسجد فصفّ بين قَدَميه يصلِّي‏.‏

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أيكم يقومُ إليه فيقتله فقال أبو بكر‏:‏ أنا يا رسول اللهّ‏.‏

فقام إليه فَوَجده يًصلَي فهابه فانصرف فقال‏:‏ ما صنعتَ قال وجدتُه يصلِّي يا رسول الله فهِبتُه‏.‏

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أيكم يَقُوم إليه فيقتله قال عمر‏:‏ أنا يا رسولَ اللّه‏.‏

فقام إليه فوجده يصلِّي فهابه فانصرف فقال‏:‏ يا رسولَ اللّه وجدتُه يصلِّي فهِبتُه‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أيكم يقوم إليه فيقْتُلَه فقال عليٌّ‏:‏ أنا يا رسول اللّه قال‏:‏ أنت له إن أدركته‏.‏

فقام إليه فوجده قد انصرف‏.‏

فقال النبي عليه الصلاة والسلام‏:‏ هذا أول قَرْنٍ يَطلًعُ في أُمتي لو قتلتموه ما اختلف بعده اثنان إنّ بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين فرقة وإنّ هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقةً واحدة وهي الجماعة‏.‏

إنما قيل لهم رافضة لأنهم رفضوا أبا بكر وعمر ولم يَرْفُضهما أحد من أهل الأهواء غيرهم والشيعة دونهم وهم الذين يُفضِّلون عليًّا على عثمان ويَتَوَلَّون أبا بكر وعمر‏.‏

فأما الرافضة فلها غُلوّ شديد في عليّ ذهب بعضُهم مَذهب النَّصارى في المسيح وهم السَّبئية أصحاب عبد الله بن سبأ عليهم لعنةُ اللهّ وفيهم يقول السَّيد الحميري‏:‏ قَوْمٌ غَلوْا في علّيِ لا أبالهمُ وأُجْشَمُوا أنفُساً في حُبِّه تَعَبَا قالوا هو اللهّ جَلِّ الله خالقُنا من أن يكون ابن شيء أو يكون أَبا وقد أَحْرقهم عليّ رضي الله عنه بالنَّار‏.‏

ومن الروافض‏:‏ المُغيرة بن سعد مولى بَجِيلة‏.‏

قال الأعمش‏:‏ دخلتُ على المُغيرة بن سعد فسألته عن فَضائل عليّ فقال‏:‏ إنك لا تَحْتملها قلتُ‏:‏ بلى‏.‏

فَذَكر آدم صلواتُ الله عليه فقال‏:‏ عليٌّ خير منه ثم ذكر مَن دونه من الأنبياء فقال عليٌّ خير منهم حتى انتهى إلى محمد صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ عليّ مثلُه فقلت‏:‏ كذبت عليك لعنة الله قال‏:‏ قد أَعلمتُك أَنك لا تحتملها‏.‏

ومن الروافض‏:‏ مَن يزعُم أنّ علياً رضي الله عنه في السَّحاب فإذا أطلَّت عليهم سحابة قالوا‏:‏ السلامُ عليك يا أبا الحَسن‏.‏

وقد ذكرهم الشاعر فقال‏:‏ بَرِئتُ من الخوارجِ لستُ منهم مِن الغَزّال منهم وابن باب ولكنّي أُحِبُّ بكلّ قَلْبي وأعْلم أنَّ ذاك من الصواب رسولَ الله والصِّدِّيقَ حَقًّا به أرجو غداً حُسن الثَّواب وهؤلاء من الرافضة يقال لهم‏:‏ المَنصورية‏.‏

وهم أصحاب أبي منصور الكِسْف وإنما سُمِّي الكِسْف لأنه كان يتأوَّل قي قول الله عزَّ وجلً‏:‏ ‏"‏ وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ سَاقِطاً يَقُولوا سَحَابٌ مَرْكُوم ‏"‏ فالكِسْفُ عليٌّ وهو في السحاب‏.‏

وكان المُغيرة بن سعد من السَّبئية الذين أحْرقهم علي رضيِ الله تعالى عنه بالنار وكان يقول‏:‏ لو شاء عليّ لأحيا عاداً وثمودَ وقروناً بين ذلك كثيراَ‏.‏

‏"‏ وقد ‏"‏ خرج ‏"‏ على ‏"‏ خالد بن عبد الله فقتل خالد وصلبه بواسط عند قنطرة العاشر‏.‏

ومن الروافض كُثَيِّر عَزَّة الشاعر‏.‏

ولما حضرته الوفاة دعا ابنةَ أَخٍ له فقال‏:‏ يا بِنتَ أخي إنَ عمَّك كان يُحب هذا الرَّجلَ فأَحبَيه - يعني عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه - فقالت‏:‏ نَصِيحتك يا عمّ مردودة عليك أحبًّه واللهّ خلافَ الحبِّ الذي أحْببتَه أنت فقال لها‏:‏ بَرِئت منك وأنشد يقول‏:‏ بَرِئتُ إلى الإله من ابن أَرْوَى ومن قول الخوارج أجمعينَا ومن عُمرٍ برئتُ ومن عَتيق غداةَ دُعي أميرَ المؤمنينا والروافض كلها تؤمن بالرَّجعة وتقول‏:‏ لا تقوم الساعةُ حتى يخرجِ المهديُّ وهو محمد بن عليِّ فيملؤُها عَدْلا كما مُلِئتْ جَوْراً ويُحيى لهم موتاهم فيرْجعون إلى الدنيا ويكون الناسُ أمةً واحدة‏.‏

وفي ذلك يقول الشاعر‏:‏ أَلا إنَّ الأئمة من قُريش وُلاةَ العَدْل أربعةٌ سَواءُ عليّ والثلاثةُ مِن بَنيه همُ الأسباط ليس بهمِ خَفاء فَسِبْطٌ سِبطُ إيمانٍ وبِرٍّ وسِبْط غَيًبته كرْبلاء أراد بالأسباط الثلاثة‏:‏ الحسن والحسين ومحمد بن الحنفيَّة وهو المهديّ الذي يخرُج في آخر الزمان‏.‏

ومن الروافض‏:‏ السيّد الحِمْيري وكان يُلقَى له وسائد في مسجد الكوفة يَجلس عليها وكان يؤمن بالرَّجعة وفي ذلك يقول‏:‏ إذا ما المرْءُ شابَ له قَذال وعَلِّلهُ اْلمَواشِطُ بالْخِضابِ فقد ذهبتْ بَشاشتهُ وأودَى فَقُم بأَبيك فابكِ على الشَباب فليسَ بعائدٍ ما فاتَ منهُ إلى أحدٍ إلى يوم المآب إلى يومٍ يؤوب الناسُ فيه إلى دُنياهُمِ قبل الحساب لأنَّ الله خَبَّر عن رِجالٍ حَيُوا من بعد دَسٍّ في التُّراب وقال يرثيِ أخاه‏:‏ يابن أمِّي فدَتْكَ نفسي ومالي كنتَ رُكني ومَفْزعي وَجَمالي ولَعَمْرِي لئن تركْتُك مَيْتاً رَهْنَ رَمْس ضَنْكٍ عليك مُهالَ لوشيكاً ألقاك حياً صحيحاً سامِعاً مُبْصَراً على خير حال قد بُعثتم من القُبور فَأبْتُم بعد ما رَفَت العِظامَ البَوالي أو كَسَبْعين وافداً مع مُوسى عاينُوا هائلاً من الأهْوال حين رامُوا من خُبثهم رُؤية الله وأنىَّ برُؤية المتعالي فرَماهم بصَعْقة أحْرقتهم ثم أحياهُم شديدُ المحال دخل رجل من الْحِسْبانيّة على المأمون فقال‏:‏ لثُمامة بن أشرس كلِّمه فقال له‏:‏ ما تقول وما مَذْهبك فقال‏:‏ أقول إنّ الأشياء كلّها على التوهُّم والْحِسْبان وإنما يُدْرٍك منها الناسُ على قَدْر عقولهم ولا حتَّى في الحقيقة‏.‏

فقام إِليه ثُمامة فَلَطَمه لطمةً سوَدت وَجْهه فقال‏:‏ يا أميرَ المؤمنين يفعل بي مثلَ هذا في مجلسك‏!‏ فقال له ثُمامة‏:‏ وما فعلتُ بك قال‏:‏ لَطَمْتني قال‏:‏ ولعلَّ إنما دَهَنتُك بالبان ثم أنشأ يقول‏:‏ ولعلَّ ما أبصرتَ من بِيض الطًّيور هو الغُراب وعَساك حين قَعدتَ قم تَ وحين جئتَ هو الذّهاب وعَسى البنفسج زِئْبقاً وعسى البَهار هو السَّذاب وعَساك تأكل مِن خَرَا ك وأنتَ تَحْسبه الكَباب ومن حديث ابن أبي شَيْبة أن عبد الله بن شدِّاد قال‏:‏ قال لي عبد الله بن عبَّاس‏:‏ لأخبرنَّك بأعجب شيء‏:‏ قَرَع اليومَ علي البابَ رجلٌ لما وضعتُ ثيابي للظَّهيرة فقلتُ‏:‏ ما أتى به في مثل هذا الحين إلا أمرٌ مهمّ أدخله‏.‏

فلما دخل قال‏:‏ متى يُبعث ذلك الرجل قلت‏:‏ أي رجل قال‏:‏ عليّ بن أبي طالب قلتُ‏:‏ لا يُبعث حتىِ يَبعث الله مَن في القبور قال‏:‏ وإنك لتقول بقول هذه الجَهلة‏!‏ قلت‏:‏ أَخْرِجُوه عني لعنه اللّه‏.‏

ومن الروافض الكَيْسانية قلتُ‏:‏ وهم أصحاب المُختار بن أبي عُبيد ويقولون إنّ اسمه كَيْسان‏.‏

ومن الرافضة الحُسينية وهم أصحاب إبراهيم بن الاشتر وكانوا يطوفون بالليل في أزقة الكوفة وينادون‏:‏ يا ثاراتِ الحًسين فقيل لهم‏:‏ الحُسينية‏.‏

ومن الرافضة الغُرابية‏:‏ سمِّيت بذلك لقولهم‏:‏ عليّ أشبه بالنبي من الغُراب بالغراب‏.‏

ومن الرافضة‏:‏ الزَّيْدِية وهم أصحاب زيد بن عليّ المقتول بخُراسان وهم أقلُّ الرافضة غُلُوًّا مالك بن مُعاوية قال‏:‏ قال لي الشّعبيِ وذَكَرْنا الرافضة‏:‏ يا مالك لو أردتُ أن يُعطوني رقابَهم عَبيداً وأن يَمْلئوا بيتي ذَهَباَ عليً على أن أكْذِبَ لهم على علّيِ كِذْبَةً واحدةً لَقَبِلوا ولكني واللّه لا أَكْذِب عليه أبداً يا مالك إني دَرسْتُ الأهواءَ كلَّها فلم أَرَ قوماً أحمقَ من الرافضة فلو كانوا من الدوابّ لكانوا حميراً أو كانوا من الطير لكانوا رَخَماً‏.‏

ثم قال‏:‏ أحذِّرك الأهواءَ المُضلة شرُّها الرافضة فإنها يهود هذه الأمة يُبغضون الإسلام كما يُبغض اليهودُ النَّصرِانية ولم يدْخلوا في الإسلام رغبةً ولا رَهْبة من الله ولكن مَقْتاً لأهل الإسلام وبَغْياَ عليهم وقد أحرَقهم عليًّ بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار ونفاهم إلى البُلْدان منهم‏:‏ عبد الله بن سبأ نفاه إلى ساباط وعبد الله بن سباب نفاه إلى الجازر وأبو الكَرَوَّس وذلك أن مِحْنة الرافضة محنة اليهود قالت اليهود‏:‏ لا يكون المُلك إلا في آل داود وقالت الرافضة‏:‏ لا يكون المُلك إلا في آل عليّ بن أبي طالب وقالت اليهود‏:‏ لا يكون جِهاد في سبيل الله حتى يَخْرج المَسيح المُنتظر ويُنادي منادٍ من السماء وقالت الرافضة‏:‏ لا جِهادَ في سبيل الله حتى يخرُج المَهديُّ ويَنْزل سَبَب من السماء واليَهود يُؤخِّرون صلاةَ المَغرِب حتى تَشتبك النّجوم وكذلك الرافضة واليَهود لا تَرى الطَّلاق الثلاثَ شيئاَ وكذا الرَّافضة واليهود لا تَرى على النساء عدة وكذلك الرافضة واليهود تستحل دم كل مسلم وكذلك الرافضة واليهود حرفوا التوراة وكذلك الرافضة حرفت القران واليهود تُبْغض جبريلَ وتقول‏:‏ هو عَدوُّنا من الملائكة وكذلك الرافضة تقول‏:‏ غَلط جبريلُ في الوَحْي إلى محمد بترك عليّ بن أبي طالب واليهود لا تأكُل لَحم الجَزُور وكذلك الرافضة‏.‏

ولليهود والئصارى فَضِيلة على الرافضة في خَصْلتين سُئِل اليهود مَن خَيْر أهل مِلّتكم فقالوا‏:‏ أصحابُ موسى وسُئِلت النصارى فقالوا‏:‏ أصحابً عيسى وسُئِلت الرِافضة‏:‏ مَن شرّ أهل مِلّتكم فقالوا‏:‏ أصحابُ محمّد أمَرهم اللهّ بالاستغفار لهم فشَتَموهم فالسيفُ مَسْلول عليهم إلى يوم القيامةِ لا تَثبُت لهم قدم ولا تَقومُ لهم راية ولا تُجمع لهم كِلمة دَعْوَتُهم مَدْحورة وكَلِمتهم مِختلفة وجَمْعهم مُفرَّق كلما أَوْقدُوا ناراً للحرب أطْفأها اللّه‏.‏

وذُكرت الرّافضةُ يوماً عند الشًعْبِيّ فقال‏:‏ لقد بغَّضُوا إلينا حديثَ عليّ بن أبي طالب‏.‏

وقال الشّعبيّ‏:‏ ما شَبَّهتُ تأويلَ الرِوافض في القرآن إلا بتأويل رَجل مَضْعوف من بني مَخْزوم من أهل مكّة وجدتُه قاعداَ بفِناء الكَعْبة فقال يا شعبيّ‏:‏ ما عِنْدك في تأويل هذا البَيْت فإن بَني تَميم يَغْلطون فيه ويزعمون أنه إنما قيل في رجل منهم وهو قولُ الشاعر‏:‏ بَيْتاً زُرَارةُ مًحْتَبِ بِفِنائه ومُجاشع وأَبو الفَوارس نَهْشلُ فقلت له‏:‏ وما عِندَك أنت فيه قال‏:‏ البيتُ هو هذا البيت وأشار بيده إلى الكَعْبة وزُرارةُ الحجر زُرِّر حول البيت فقلت له‏:‏ فَمُجاشع قال‏:‏ زَمزم جَشِعت بالماء قلت‏:‏ فأَبُو الفوارس قال‏:‏ هو أبو قُبيس جَبل مكَّة قلت‏:‏ فَنَهْشل ففكّر فيه طويلا ثم قال‏:‏ أَصبتُه هو مِصْباح الكعبة طويلٌ أَسود وهو النَّهشل‏.‏

قولهم في الشيعة قال أبو عُثمان عمرو بِن بَحر الجاحظ‏:‏ أخبرني رجلٌ من رُؤساء التجّار قال‏:‏ كان معنا في السَّفينة شيخٌ شرس الأخلاق طويلُ الِإطْراق وكان إذا ذُكِر له الشِّيعةُ غَضِب واربدّ وجهُه وزَوى من جاجبَيْه فقلتُ له يوماً‏:‏ يَرْحمك اللّه ما الذي تَكْرهه من الشِّيعة فإني رأيتُك إذا ذُكِروا غَضِبْتَ وقُبضتَ قال‏:‏ ما أَكْره منهم إلا هذه الشِّين في أوّل اسمهم فإني لم أجِدْها قطُّ إلا في كلَّ شرّ وشُؤْم وشَيْطان وشَغب وشَقَاء وشَنَار وشَرَر وشَين وشَوْك وشَكْوى وشَهْوة وشَتْم وشُح‏.‏

قال أبو عثمان‏:‏ فما ثَبت لِشيعيّ بعدها قائمة‏.‏