الجزء الأول - كتاب المرجانة في مخاطبة الملوك - باب من كلام المتكلمين

باب من كلام المتكلمين

دخل المُوبَذ على هشام بن الحكم واْلمُوبَذ هو عالم الفُرس فقال له‏:‏ يا هشام‏:‏ حولَ الدنيا شيء قال‏:‏ لا قال‏:‏ فإن اخرجتُ يدي فثَمِّ شيءٌ يَرُدُها قال هشام‏:‏ ليس ثَمَّ شيءٌ يرُدّها ولا شيء تُخْرِج يدك فيه قال‏:‏ فكيف أعلَم هذا قال له يا مُوبَذُ أنا وأنت على طَرَف الدنيا فقلت لك يا مُوبَذً‏.‏

إني لا أرى شيئاً فقلتَ لي‏:‏ ولم لا ترِى فقلت لك‏:‏ ليس هاهنا ظلامٌ يمنعني قلت لي أنتَ‏:‏ يا هشام إِني لا أرى شيئاَ فقلت لك‏:‏ ولم لا ترى قلتَ‏:‏ ليس ضياء أنظر به فهل تكافأت المِلَّتان في التناقض قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فإذا تكافأَتا في التناقض لم تتكافآ في الإبطال أن ليس شيء فأشار الموبَذُ بيده أن أصبت ‏"‏‏.‏

قال رجلٌ لبعض ولاة بني العباس‏:‏ أنا أجعل هِشام بن الحَكم يقول في عليّ رضيِ الله عنه إنه ظالم ‏"‏ فقال‏:‏ إن فعلت ذلك فلك كذا وكذا ثم أحْضر هشام ‏"‏ فقال له نشدتُك اللهّ أبا محمَد أما تَعلم أن عليًّا نازع العباس عند أبي بكر قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فمَن الظالم منهما فكَرِه أن يقول‏:‏ العبّاس فَيُواقع سُخْط الخليفة أو يقول‏:‏ عليْ فيَنْقض أصلَه قال‏:‏ ما منهما ظالم قال‏:‏ فكيف يَتنازع اثنان في شيء لا يكون أحدُهما ظالماً قال‏:‏ قد تَنازع المَلَكان عند داود عليه السلام وما فيهما ظالم ولكن ليُنبِّها داود على الخَطِيئة وكذلك هذان أرادا تَنْبيه أبي بكر من خَطِيئته فأُسْكت الرجل وأمر الخليفةُ لهشام بِصِلة عظيمة‏.‏

‏"‏ دخلَ إبراهيمُ النَّظَّام على أبي الهُذَيل العَلاف وقد أَسنَّ وَبَعًد عهدُه بالمُناظرة وإبراهيمُ حَدَث السنّ فقال‏:‏ أخبرني عن قراركم‏:‏ أن يكون جَوْهراً مخافة أن يكون حِسْما فهل قَرَّرْتم أن لا يكون جوهراً مخافةَ أن يكون عرضاً والعَرض أضعفُ من الجوهر‏.‏

فَبَصَق أبو الهُذَيل في وجهه فقال له إبراهيم‏:‏ قبحك الله من شَيْخ‏!‏ ما أضعف حُجِّتك وأسفه حِلْمك‏.‏

قال‏:‏ لَقِي جَهْم رجلاً من اليونانيين فقال له‏:‏ هل لك أن تُكلِّمني وأكلَمك عن مَعْبودك هذا أرأيته قطَّ قال‏:‏ لا قال‏:‏ فلمستَه قال‏:‏ لا قال‏:‏ فذُقته قال‏:‏ لا قال‏:‏ فمن أين عَرفتَه وأنت لم تُدْركه بحسّ من حواسّك الخَمْس وإنما عقلك معبر عنها فلا يدرك إلا ما أوصلَتْ إليه من جميع المَعْلومات‏.‏

قال‏:‏ فَتلجلج جَهْم ساعةً ثم استدرك فعكس المسألة عليه فقال له‏:‏ ما تًقِرّ أنّ لك رُوحا قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فهل رأيتَه أو ذُقْتَه أو سَمِعْته أو شَممتَه أو لَمستَه قال‏:‏ لا قال‏:‏ فكيف علمتَ أنّ لك رُوحا فأقَرّ له اليُونانيّ‏.‏