باب من كلام
المتكلمين
دخل المُوبَذ على هشام بن الحكم واْلمُوبَذ هو عالم الفُرس فقال له: يا
هشام: حولَ الدنيا شيء قال: لا قال: فإن اخرجتُ يدي فثَمِّ شيءٌ
يَرُدُها قال هشام: ليس ثَمَّ شيءٌ يرُدّها ولا شيء تُخْرِج يدك فيه
قال: فكيف أعلَم هذا قال له يا مُوبَذُ أنا وأنت على طَرَف الدنيا فقلت
لك يا مُوبَذً.
إني لا أرى شيئاً فقلتَ لي: ولم لا ترِى فقلت لك: ليس هاهنا ظلامٌ
يمنعني قلت لي أنتَ: يا هشام إِني لا أرى شيئاَ فقلت لك: ولم لا ترى
قلتَ: ليس ضياء أنظر به فهل تكافأت المِلَّتان في التناقض قال: نعم
قال: فإذا تكافأَتا في التناقض لم تتكافآ في الإبطال أن ليس شيء فأشار
الموبَذُ بيده أن أصبت ".
قال رجلٌ لبعض ولاة بني العباس: أنا أجعل هِشام بن الحَكم يقول في عليّ
رضيِ الله عنه إنه ظالم " فقال: إن فعلت ذلك فلك كذا وكذا ثم أحْضر
هشام " فقال له نشدتُك اللهّ أبا محمَد أما تَعلم أن عليًّا نازع العباس
عند أبي بكر قال: نعم قال: فمَن الظالم منهما فكَرِه أن يقول:
العبّاس فَيُواقع سُخْط الخليفة أو يقول: عليْ فيَنْقض أصلَه قال: ما
منهما ظالم قال: فكيف يَتنازع اثنان في شيء لا يكون أحدُهما ظالماً
قال: قد تَنازع المَلَكان عند داود عليه السلام وما فيهما ظالم ولكن
ليُنبِّها داود على الخَطِيئة وكذلك هذان أرادا تَنْبيه أبي بكر من
خَطِيئته فأُسْكت الرجل وأمر الخليفةُ لهشام بِصِلة عظيمة.
" دخلَ إبراهيمُ النَّظَّام على أبي الهُذَيل العَلاف وقد أَسنَّ وَبَعًد
عهدُه بالمُناظرة وإبراهيمُ حَدَث السنّ فقال: أخبرني عن قراركم: أن
يكون جَوْهراً مخافة أن يكون حِسْما فهل قَرَّرْتم أن لا يكون جوهراً
مخافةَ أن يكون عرضاً والعَرض أضعفُ من الجوهر.
فَبَصَق أبو الهُذَيل في وجهه فقال له إبراهيم: قبحك الله من شَيْخ! ما
أضعف حُجِّتك وأسفه حِلْمك.
قال: لَقِي جَهْم رجلاً من اليونانيين فقال له: هل لك أن تُكلِّمني
وأكلَمك عن مَعْبودك هذا أرأيته قطَّ قال: لا قال: فلمستَه قال: لا
قال: فذُقته قال: لا قال: فمن أين عَرفتَه وأنت لم تُدْركه بحسّ من
حواسّك الخَمْس وإنما عقلك معبر عنها فلا يدرك إلا ما أوصلَتْ إليه من جميع
المَعْلومات.
قال: فَتلجلج جَهْم ساعةً ثم استدرك فعكس المسألة عليه فقال له: ما
تًقِرّ أنّ لك رُوحا قال: نعم قال: فهل رأيتَه أو ذُقْتَه أو سَمِعْته
أو شَممتَه أو لَمستَه قال: لا قال: فكيف علمتَ أنّ لك رُوحا فأقَرّ له
اليُونانيّ.